إنفلونزا الطيور…. نخاف أم لا نخاف؟!

 


 


   إنفلونزا الطيور…. نخاف أم لا نخاف؟!


 


لم تعد قضية إنفلونزا الطيور قضية خافية على أحد. ولم يعد السؤال في أي بلد في العالم ــ على ما يبدو ــ قائماً على أساس ( هل) سيصل المرض إليه. بل هو بكل بساطة …( متى) سيصل المرض.


الأمر المخيف الذي دعانا إلى التكلّم عن المرض للمرة الثالثة في هذه الصفحة هو ما تناقلته المراكز العلمية في العالم في شهر شباط المنصرم، وهو حقيقة أن هذا الشهر كان أكثر الشهور كثافة وسرعة من حيث انتشار المرض في العالم. فالإحصاءات تذكر أن الفيروس القاتل H5N1ظهر في 12 دولة جديدة في العالم في شهر شباط وحده. وتذكر منظمة الصحة العالمية أن هذه الدول هي  حسب ورود تقارير ظهور المرض فيها كما يلي:  العراق، نيجيريا، أذربيجان، بلغاريا، اليونان، إيطاليا، إيران ، النمسا، ألمانيا، مصر، الهند، وفرنسا. ونلاحظ هنا أن هذه الدول موجودة في القارات الثلاث الرئيسة في العالم. ولقد وجدت الطيور النافقة أيضاً في هنغاريا، وكرواتيا، وسلوفاكيا، والبوسنة وذلك في الأيام الأخيرة القليلة ولا تزال الدراسات جارية لتحديد ما إذا كان نفوق هذه الطيور بسبب الفيروس القاتل المذكور أم لا.


 ويذكر تقييم أصدرته منظمة الصحة العالمية في 21 شباط أن الفيروس قد تنوّعت أشكال ظهوره وانتقاله بحيث أنه وجد في جثث الطيور النافقة في مياه الريف، كما أنه في أماكن أخرى وجد في أسراب الطيور التي تتم تربيتها بين المنازل. ففي مصر وحدها تم إثبات المرض في عشر محافظات وحصل نفوق للطيور التي تربى في حدائق الحيوان. أما في العراق فقد اكتشف  المرض في الطيور بعد أن تم تشخيص الحالة الأولى في البشر، ويعتبر العراق ــ  بين الدول التي ظهر فيها الفيروس حديثاً ــ الدولة الوحيدة التي حصلت فيها إصابة بشرية . 


ويذكر تقرير صادر عن المركز الأمريكي للوقاية والسيطرة على الأمراض أن هنالك 27 بلداً في العالم ظهر فيها المرض منذ بدء حصوله في أواخر عام 2003. وهذه القائمة لا تشمل تلك البلدان التي لم يثبت فيها بشكل قطعي الفيروس القاتل H5N1وهذا يعني أن عدد الدول المشمولة في هذه القائمة قد يشهد ارتفاعاً كبيراً خلال أيام بعد ظهور نتائج الفحوص.


 


 


 


قطط ونمور!!


بتاريخ 28 شباط 2006 نقلت وكالات الأنباء خبر نفوق قطة في جزيرة (روغن) في ألمانيا. وثبت أن نفوقها كان بسبب الفيروس القاتل. وقد ذكرت الأنباء أن أكثر من مئة طائر نفق في الجزيرة بسبب الفيروس نفسه منذ منتصف شهر شباط. ولا يوجد حتى الآن دليل على أن القطط تساهم في انتشار المرض. وتذكر هذه الحادثة الباحثين بحوادث أخرى مشابها حين نفق حوالي 441 نمراً في حدائق الحيوان في تايلاند في عام 2004 . وكانت النمور قد تمت تغذيتها بالدجاج النيّئ. وكانت هنالك بعض الأدلة على أنه قد حصل انتقال من نمر إلى آخر في تلك الحادثة.


 


لا يزال مرضاً حيوانياً


إذاً، فالصورة قاتمة جداً حتى الآن، ولكنّ هنالك بصيصاً من الضوء الذي يضفي على الصورة شعاعاً ينقص قتامتها. فمنظمة الصحة العالمية بعد  أن درست الأمر مليّاً واطّلعت على التقارير الواردة من جميع أنحاء العالم. لا تزال تعتبر أن  المرض هو مرض حيواني. وهذا يعني أن الفيروس لم يتطوّر إلى شكل يؤهّله للانتقال من إنسان إلى آخر. وهذا السيناريو لو حصل سيكون كارثة حقيقية على البشرية التي هي ليست مستعدة مطلقاً لأمر كهذا. فالمنظمة لا تزال تعتبر أن الحالات البشرية لا تزال حالات نادرة. والأرقام تتكلّم وحدها. فمن بين جميع هذه الحالات التي أصابت ملايين الطيور في كافة أنحاء العالم، حصلت حتى الآن 170 إصابة بشرية كانت 92 منها قاتلة. وهذه النسب تجعل الإصابة البشرية ــ في العرف الإحصائي على الأقل ــ أمراً نادراً. وفي خضم الخوف والأسئلة والأجوبة واللقاءات الصحفية والتلفزيونية مع الأطباء والخبراء تضيع الحقائق في بعض الأحيان. ويبقى سؤالان مهمان رئيسان لا بد من الإجابة عنهما.


 


هل هنالك علاج ؟


إن الفيروس القاتل الذي سبب الإصابات والوفيات التي حصلت في آسيا هو مقاوم لدوائين تقليديين كانت الإنفلونزا تعالج بهما وهما (أمانتادين) و(ريمانتادين). ولكن هنالك دوائين آخرين تقول المصادر الطبية حرفياً (إنّهما قد يكونان فعّالين) في علاج إنفلونزا الطيور وهما (Oseltamavir ــ المعروف عالمياً باسم Tamiflu) و(Zanamavir). ولكن لا تزال هنالك الحاجة لدراسات إضافية لجعل هذه الحقيقة أمراً مؤكّداً. فمن المعروف أنه في حال ظهور فيروس أو جرثوم جديد، فلا بد من دراسات مستفيضة لعلاجه بالصادات، وهذه الدراسات يجب أن تحصل بأعداد معقولة تعطي نتائج موثوقة. ولا أحد يستطيع أن يقول حتى الآن إنه يملك دراسات مؤكدة لفعالية (تاميفلو) في علاج إنفلونزا الطيور بالفيروس القاتل. وبالتالي فإنه في حال حصول المرض يبقى (تاميفلو) الخيار الأفضل، ولكن البحث لا يزال جارياً لتأكيد فعاليته.


 


هل هنالك لقاح؟


الجواب القصير البسيط هو : لا!!


 لا يوجد لقاح متوفر تجارياً لمنع حصول إنفلونزا الطيور. وقد ذكرت الأنباء التوصل إلى لقاحات في بعض الدول الآسيوية ولكنها لا تزال غير متوفرة تجارياً ، وهي ضمن الإطار الإعلامي التجاري. أما في المجال العلمي  المؤكد، فإن البحث عن اللقاح بدأ عملياً في عام 1997 وهو العام الذي حصلت فيه إصابات فردية بالفيروس القاتل قبل أن يتحوّل الأمر إلى جائحة تصيب الطيور في العالم والتي بدأت في أواخر عام 2003. وفي 23 آذار من عام 2004 بدأ بحث جاد ومسرّع للتوصل إلى فيروس. وهذا البحث قادته وما تزال شركة (Sanofi Pasteur) في ولاية بنسلفانيا الأمريكية. وقد قامت الشركة بتصنيع اللقاح (التجريبي) وهو عبارة عن لقاح مضعف مضاد للفيروس القاتل بالذات. وتمت دراسته على 450 إنساناً بالغاً بين عمري 18 و64 سنة. للتأكد من فعاليته وسلامته. وتتابع الشركة دراساتها بدعم من المعهد الأمريكي للأمراض الإنتانية والتحسسية. على أمل الحصول على الصيغة النهائية من اللقاح ليتم تقديمها لوكالة الغذاء والدواء الأمريكية للحصول على موافقتها. ويعلّق الكثيرون الآمال على هذه الأبحاث للوصول إلى اللقاح في أسرع وقت ممكن.


 


  ماذا نفعل الآن؟


إذا كان اللقاح غير متوفر حتى الآن، وكان الدواء غير مضمون النتائج. فماذا يجب على الإنسان أن يفعل في المرحلة الحالية؟ كيف يمكن أن نتجنب حصول المرض؟


إن الجواب يكمن فيما ذكرته السلطات الصحية في العالم وعلى رأسها منظمة الصحة العالمية. وهو أن معظم حالات الإصابة نجمت لدى أولئك الذين يعملون في تربية الطيور الداجنة أو الذين شاركوا في التخلّص من الطيور المصابة. وهذا ناجم عن التماس مع الطيور ومفرزاتها وفضلاتها.


 إن الطريق الأفضل للوقاية هو بتجنب التماس المباشر مع الطيور الداجنة والبرية. ولا توصي السلطات الصحية بتجنب تناول لحوم الطيور، ولكنها تؤكد على ضرورة تناول لحومها بالشكل المناسب، وهذا يعني إنضاج اللحم بشكل تام، سواء بالسلق أو بالقلي وتجنب تناول الأطباق التي تحوي على لحم غير تام النضج كما هو الحال في بعض أطباق الدجاج المشوي الذي يشاهد فيها اللون الأحمر الدموي. وبلبس القفازات المطاطية من أجل تنظيف لحوم الطيور. وينطبق الأمر على البيض أيضاً الذي يجب أن يتم تنظيفه بعناية من الفضلات بغسله بالماء والصابون مع ارتداء القفازات، ثم سلقه أو قليه إلى درجة الإنضاج الكامل.


 


 نخاف أو لا نخاف


إن السجال الحاصل الآن بشأن إنفلونزا الطيور يشمل أيضاً هذا السؤال البسيط. هل المرض يدعو إلى الخوف، أم أن الأمر لا يعدو مبالغات من وسائل الإعلام؟


وفي حقيقة الأمر فإن الأرقام تتكلّم عن نفسها، وهذا الانتشار في 27 بلداً في العالم على الأقل لا يمكن أن يكون مجرد مبالغة إعلامية. وإذا كان لا بد لنا من  اختيار جواب، فإننا مع الخوف، ولكن الخوف الواعي المؤدي إلى الوقاية والحماية من المرض، وليس الخوف المؤدي إلى الذعر غير المبرر.


 


 


 

Close Menu