ماهو الزحار الأميبي؟

 


ماهو الزحار الأميبي؟


 


” لا بد من الانتباه عند وجود مستنقعات في الحي. لأن بعض المخلوقات


الضئيلة التي لا ترى بالعين تتكاثر فيها ثم تطفو في الهواء وتدخل


الجسم من خلال الفم والانف وتسبب الأمراض الخطرة “


ماركوس فارو ــ  عالم وكاتب روماني ــ نص من عام 46 قبل الميلاد


 


عندما نشرتُ حديثي مع صديقي في العدد السابق عن إنفلونزا الطيور، وعدته ــ ممازحاً ــ  بنشر مقال عن الزحار الأميبي. وقد أتتني أسئلة عديدة متعلّقة بهذا الموضوع. فبعض الناس أصيب به عندما زار بلده، وآخرون سمعوا عن أناس أصيبوا به  مما جعل اسم المرض ــ دون حقيقته ــ مألوفاً بين أبناء الجالية العربية. وهكذا وجدت نفسي مضطراً للإجابة عن أسئلة القراء الكرام المتعلّقة بالموضوع بعد أن كنت قد ذكرت هذا الأمر على سبيل الدعابة في حديثي السابق.


ما هو الزحار الأميبي؟


نبدأ أوّلاً بالقول إن هذا المرض ليس شائعاً في أمريكا والدول الغربية. ومعظم الحالات التي نواجهها في عياداتنا ــ إن لم يكن كلها ــ إنما تمت الإصابة بها في البلدان العربية وغيرها من البلدان النامية. وعندما تتم دراسة هذا المرض في كليات الطب الأمريكية فإنه يدخل تحت عنوان كبير هو (الأمراض المدارية) وهو اسم لا يدل بالضرورة على حقيقة جغرافية بقدر ما ينطبق على (إطلاق الخاص على العام)!


الزحار الأميبي هو عبارة عن داء يحصل بسبب عامل (طفيلي) ممرض هو (الأميبا الحالة للنسج). و(الأميبا) هي كلمة لاتينية تترجم في الأوساط العلمية العربية على أنها (المتحوّل) وهو اسم يدل على أن شكل هذه الطفيلي متغيّر وليس ثابتاً كما أنه يدل على أن هذا الطفيلي يقوم بتحطيم أنسجة بطانة الأمعاء مسبباً الأعراض المعروفة عن هذا المرض والتي سنفصل فيها بعد قليل. ويقال الزحار الأميبي للتفريق عن الزحار الجرثومي المسبب عن جراثيم تسمى Shigella  والزحار الجرثومي ليس موضوع حديثنا اليوم حيث أنه يحتاج إلى مقال مستقل. أما كلمة الزحار بحد ذاتها فتأتي من كلمة (الزحير) وهي الحاجة المتكررة للخروج إلى الحمّام، وهي لا تعني الإسهال بالضرورة، بل ذلك الشعور بالخروج إلى الخلاء.


 


العدوى


تتم العدوى بهذا المرض عن طريق تناول الأطعمة والسوائل الملوّثة بالطفيلي. وبطبيعة الحال فإن هذا يحصل في الدول التي لا تطبق فيها قواعد العناية الصحية والنظافة الشاملة. ومعظم الحالات في الولايات المتحدة إنما تحصل في المهاجرين من الدول النامية أو في الذين سافروا إليها، أو في المؤسسات القروية النائية التي لا تطبق قواعد النظافة الصحية المعروفة  وهذا نادر.


 


 الأعراض


بعد التعرّض للطفيلي تظهر الأعراض. ومن الجدير بالذكر أن واحداً فقط من بين عشرة مصابين تحصل لديه الأعراض. وبالتالي فإن هذا المرض قد يكون (صامتاً) أي خِلواً من الأعراض. وتتضمن الأعراض الإسهال وألم البطن وربما كان هذا الألم ماغصاً. وربما حصل خروج الدم مع البراز إضافةً إلى الحمّى. وهنالك حالة نادرة ــ ولكنها خطرة ــ تقوم فيها المتحولات الزحارية بغزو الكبد وتشكل فيه خرّاجاً مملوءاً بالقيح. وفي حالات أكثر ندرة فإن الانتشار قد يحصل إلى أعضاء أخرى من الجسم كالدماغ والرئتين.


 


الحضانة


الحضانة كما هو معروف هي الفترة التي تمر بين إصابة المريض بالعامل الممرض (كالجرثوم والفيروس والطفيلي) وظهور الأعراض. وفي حالة الزحار الأميبي فإن فترة الحضانة تمتد بين أسبوع واحد إلى أربعة أسابيع. وهذا عادة تابع للحالة المناعية للمريض.فكلما كانت الحالة المناعية ضعيفة كان ظهور الأعراض أسرع وكانت الأعراض أشد وكان المريض عليلاً أكثر.


التشخيص


كأي مرض فلا بد من أن يقوم  الشخص الذي يشك بإصابته بهذا المرض بمراجعة طبيبه، حيث أن الطبيب سيقوم ببعض الدراسات المخبرية وأهمها فحص عينات من البراز بحثاً عن هذا الطفيلي وغيره من الطفيليات والجراثيم التي تصيب الأمعاء.


 وبطبيعة الحال فإن الأعراض والعلامات تتشابه بين العديد من العوامل الممرضة مما يجعل الفحص المخبري أمراً ضرورياً للتشخيص الدقيق. وقد يضطر الطبيب إلى إرسال عينات متعددة للفحص المخبري حيث أن الطفيليات قد لا تظهر دائماً في كل اختبار ومن الضروري أن نعرف أن الخبرة بهذه الطفيليات ليست عالية في البلدان المتقدمة نتيجة لعدم انتشار المرض مما يجعل العلامات السريرية وخبرة الطبيب عاملاً حاسماً في هذا المجال.


 إن من أسباب صعوبة تشخيص الزحار الأميبي أن شكل بعض الخلايا وبعض الطفيليات الأخرى قد يكون مشابهاً للمتحول الزحاري عند النظر تحت المجهر ، وبالتالي فإن تقني المخبر قد يظن وجود الإصابة في حال عدم وجودها أصلاً، كما أنه قد يظن أن المريض غير مصاب في حال وجود إصابة شديدة. وعلى وجه الخصوص، فهنالك تشابه بين المتحول الزحاري ومتحول آخر يسمى (متحوّل ديسبار)، وفي حال أظهرت نتيجة الفحص المخبري أن المريض مصابٌ بالزحار الأميبي  مع عدم وجود أعراض فإن الطفيلي قد يكون (متحوّل ديسبار) في واقع الأمر وهذا المتحوّل الأخير ليس عاملاً ممرضاً أصلاً. وللأسف فلا توجد حتى الآن اختبارات تفرق بين هذين المتحوّلين. وربما كان من الحكمة أن يقوم الطبيب في حال ظهور نتيجة كهذه بافتراض الأسوأ ومعالجة المريض على أنه مصاب بالمتحوّل الزحاري. ونذكر هنا أن هنالك فحصاً دموياً لتحري المتحوّلات الزحارية، ولكن هذا الفحص لا يجرى في الأحوال الطبيعية وقد يطلبه الطبيب في حال وجود غزو لجدار الأمعاء بالطفيلي أو في حال إصابة أعضاء أخرى غير الأمعاء (كالكبد والدماغ والرئتين كما ذكرنا).


 


 المعالجة


هنالك العديد من المضادات الحيوية التي تستخدم لمعالجة الزحار الأميبي. ولا بد من أن يقوم الطبيب بوصف الدواء. ونذكر هذا لأن من الممارسات الشائعة في بلادنا أن يقوم مريض بإعطاء دوائه لمريض آخر نتيجة لتشابه أعراضهما. وهذا الأمر لا يخلو من الخطر حيث أن الأمراض المختلفة قد تتشابه في أعراضها، كما أن الدواء الذي يفيد في معالجة مريض قد لا يكون فعالاً في معالجة مريض آخر. ويضاف إلى هذا أن الكثير من الأدوية لا تخلو من التأثيرات الجانبية كما أن بعضها قد يكون له مضاد استطباب في بعض الحالات المرضية المرافقة. وإذا كانت هذه المشكلة قليلة الشيوع في البلاد الغربية نتيجة للانتشار النسبي للوعي الصحي، فإن هذه الممارسات الخاطئة شائعة جداً في بلادنا. وفي حال تشخيص الإصابة بالمتحوّل الزحاري فإن الطبيب سيختار المضاد الحيوي الملائم. وهو سيعطي دواءً واحداً في الحالات متوسطة الشدة، ولكنه قد يلجأ لاستخدام دوائين في الحالات الشديدة حيث يعطى الدواء الأوّل لفترة معيّنة، ثم يعطى الدواء الآخر بعد الانتهاء من تناول الدواء الأوّل.

 

الوقاية


لعل أكثر الناس حاجة لتعلّم الوقاية من الإصابة بهذه الطفيلي هم أولئك الذين سيقومون بزيارة الدول النامية لفترات تطول أو تقصر. وربما كان الأهم التركيز على الماء، حيث لا بد من تجنب المياه غير المعقمة الموجودة في تلك البلاد وخصوصاً للأطفال، ويستعاض عنها بالمياه المعبأة في زجاجات أو بالمياه الغازية. ويجب تجنب مكعبات الثلج التي تستخدم مع المياه والمرطبات، فبعكس ما يظنه الناس، فإن التجميد لا يقوم بقتل الطفيليات الممرضة. وفي حال السفر إلى بعض البلدان المدارية التي لا تتوفر فيها المياه المعبأة بالزجاجات فلا بد من سؤال الطبيب عن بعض الأقراص المعقمة التي يمكن أن تضاف إلى الماء لقتل الطفيليات والجراثيم فيها (وهي عادة أقراص اليود).  والأمر الآخر هو تجنب الفواكه والخضار الطازجة غير المطبوخة لأنها أحد أهم وسائل انتقال الطفيليات والجراثيم عموماً. وينصح بتقشير الفواكه بعد تنظيفها بالماء والصابون. ويضاف إلى ذلك تجنب تناول الحليب ومشتقاته كالأجبان والألبان وتجنب شراء الطعام والمشروبات من الباعة المتجوّلين.


 


 كلمة أخيرة


إن الزحار الأميبي يعتبر من الأمراض المزعجة ولكنه من الأمراض القابلة للمنع إذا ما اتبعت الوصايا الهامة التي ذكرناها هنا، كما أنه قابل للمعالجة من قبل الطبيب ذي الخبرة الجيدة في هذا النوع من الأمراض. وهذا المرض هو مثال على الأمراض التي يمكن القضاء عليها بتطبيق مبادئ النظافة والصحة العامة. لقد انتهى هذه المرض تقريباً  في العالم الغربي، ونأمل أن يأتي يوم قريب ينتهي فيه في بلادنا.


 

Close Menu