فيروس الكورونا والمتلازمة التنفسية للشرق الأوسط

فيروس الكورونا والمتلازمة التنفسية للشرق الأوسط

فيروس الكورونا والمتلازمة التنفسية للشرق الأوسط

Middle East Respiratory Syndrome (MERS)

كالعادة، يعم الرعب العالم عندما يتم الحديث عن مرض جديد. وفي هذه الأيّام فإن الرعب الطبي يتمثل بفيروس الكورونا، وبالتحديد عن المرض الناجم عنه والذي يدعى طبياً اليوم (المتلازمة التنفسية للشرق الأوسط) وهذا الاسم تم وضعه من قبل لجنة علمية خاصة تبنّته منذ أيار في العام 2013. وواضح أن سبب النصف الثاني من الاسم هو أن الحالة الأولى للمرض في العالم تم تشخيصها في العربية السعودية في عام 2012. وأما النصف الأوّل فسببه أن معظم المصابين حصلت لديهم أعراض تنفسية حادة مع حرارة وسعال وصعوبة تنفس. أما السبب الأهم للرعب فهو وفاة 30% من المصابين وهي نسبة مخيفة. وقد حصل الانتقال من خلال التماس المباشر مع المرضى.

الجديد في الأمر هو تسجيل حالتين للمرض في الولايات المتحدة الأمريكية، أولاهما بتاريخ 2 والثانية منهما بتاريخ 11 أيار الجاري.   وكلاهما لشخصين قادمين من العربية السعودية. وتناقلت وسائل الإعلام في هذه الفترة حالات عديدة في بلدان العالم، منها معظم دول الخليج العربي واليمن ولبنان والأردن وإنكلترا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا وماليزيا والفيليبين وتونس وتركيا واليونان .وحتى تاريخ 9 أيار الجاري فإن تقارير منظمة الصحة العالمية تذكر وجود 536 حالة مثبتة مخبرياً أدّت 145 منها إلى الوفاة. جميع الإصابات المذكورة حصلت عند مصابين في الشرق الأوسط سافروا إلى البلدان المذكورة. أما بالنسبة لأعمار المصابين فتراوحت بين 9 اشهر و94 سنة.

وكثرت الأسئلة عند الناس ــ عن حق ــ بشأن هذا المرض. فما هو هذا المرض وما هو فيروس الكورونا المسبب له؟

 

فيروسات لا فيروس

هنالك أنواع عديدة لفيروس الكورونا، وهي ليست جديدة وتم اكتشافها منذ الستينات. وهي شائعة جداً لدرجة أن معظم الناس قد أصيبوا فعلاً بها أو أنهم سيصابون بها يوماً ما في حياتهم. وأعراضها ببساطة هي أعراض الرشح الخفيف أو الزكام. كلمة (كورونا) تعني (التاج) وتأتي التسمية من تبارزات تشبه التاج على سطح هذا الفيروس. ولها عدة أنواع مثل (ألفا) (بيتا) (غاما) و(دلتا). بل إن أحدها هو الفيروس الذي يسبب مرض (السارز) سيء الذكر والذي ملأ الأسماع والأبصار في عام 2004 ثم اختفى بحيث لم تعد هنالك أية إصابات منه في العالم. وحتى ظهور هذا المرض الجديد فإن فيروس سارز كان هو الوحيد بين فيروسات الكورونا الذي يتميّز بأنه يصيب البشر والحيوانات على حد سواء، بينما بقية فيروسات الكورونا بعضها يصيب البشر فقط وبعضها الحيوانات فقط. والحيوانات التي قد تصاب تشمل الكلاب والقطط والقرود والقوارض والراكون. وهنالك تلميحات اليوم عن دور الإبل في المتلازمة التنفسية للشرق الأوسط والاسم العلمي لفيروس الكورونا الذي يسبب هذه المتلازمة الأخيرة هو (MERS-CoV) الذي يمثل فيروساً جديداً ضمن فيروسات الكورونا وهو يشبه النوع الموجود عند الخفاش.

 

 

المتلازمة التنفسية للشرق الأوسط

يجب أن نوضح أن هذه المتلازمة مختلفة عن مرض (سارز) الذي ذكرناه أعلاهً وإن كانت الأعراض متشابهة ولكن كلاً منهما تنجم عن نوع مختلف من فيروسات الكورونا. لقد ثبت أن فيروس هذا المرض الجديد ينتقل من شخص إلى آخر بالتماس والتقارب وقد حدثت إصابات لأطباء وممرضات ممن يعتنون بالمصابين. إن منشأ الفيروس الجديد غير معروف، وإن كانت الدراسات ترجّح وجود دور للحيوانات في ذلك. لقد أثبتت الدراسات وجود هذا الفيروس في الإبل في بلدان مثل قطر ومصر والسعودية وأيضاً في الخفاش في السعودية. ولكن الأمر يحتاج لدراسات أكثر لإثبات أن المنشأ هو جسم الإبل أو غيرها من الحيوانات.

القلق مشروع

إن السلطات الصحية في الولايات المتحدة ولا سيما (مركز الوقاية والسيطرة على الأمراض) تولي اهتماماً كبيراً لهذه المشكلة الصحية الجديدة. فأعراضها شديدة ووفياتها عالية جداً والانتقال من شخص إلى آخر تم إثباته، وهذه النقطة الأخيرة تزيد الخوف من حصول جائحة. إن وصول المرض إلى أمريكا متمثلاً بحصول إصابتين فيها، زاد القلق لدى الهيئات الصحية هنا، وعلينا أن نعلم أن أحد المصابين قد شفي شفاء تاماً وأما الآخر في المستشفى وحالته في تحسن.. كما أن أحداً من أهالي المصابين لم يصل إليه المرض. وهذه العوامل الأخيرة تحمل بعض الطمأنة. إن الواجب الذي يأخذه (مركز الوقاية والسيطرة على الأمراض) على عاتقه هو حماية المواطن الأمريكي من أي خطر صحي، وبالتالي فإن المركز يعمل بالتعاون مع جميع الجهات الصحية في العالم التي تعنى بالمرض المذكور بما فيها (منظمة الصحة العالمية) من أجل جمع أكبر كم من المعلومات التي تساعد على فهم طبيعة الفيروس وانتقاله وأعراضه وعلاماته وبالتالي الوصول إلى علاج ووقاية إن أمكن. وهو يقوم اليوم بأعمال كبيرة من أجل احتواء المرض ومنعه من الانتشار. وتشمل هذه الأعمال زيادة المراقبة وزيادة قدرة المخابر على إجراء الفحوص اللازمة لتشخيص المرض وتزويد وزارات الصحة في الولايات المختلفة بالمعلومات المطلوبة وإعطاء التعليمات الوقائية اللازمة للطيارين والمضيفات وشركات الطيران والجمارك والمسافرين.

ماذا عن السفر؟

هنالك سؤال شائع اليوم بين الناس بشأن السفر إلى الدول التي حصلت فيها إصابات كالعربية السعودية ودول الخليج العربي. وإن (مركز الوقاية) لا يوصي بإلغاء خطط السفر إلى تلك البلدان بسبب المرض. ولكنه ينصح باتخاذ الاحتياطات في حال السفر إلى هناك، وهذا يتلخص بالابتعاد عن أي شخص مصاب أو يوجد شك بإصاباته مع اتباع الوصايا الصحية العادية كغسل اليدين وقواعد النظافة العامة. أما الأشخاص الذين سافروا إلى تلك البلدان وعادوا منها مؤخراً فيجب أن يراجعوا أطباءهم في حال إصابتهم بأعراض الحرارة أو سيلان الأنف أو الزكام أو صعوبة التنفس إذا حصلت هذه الأعراض خلال مدة أسبوعين بعد عودتهم.

 

هل هنالك فحوص تشخيصية؟

هذه الفحوص موجودة فعلاً ولكن ليس في جميع المخابر، بل تحديداً في مخابر وزارة الصحة في الولايات وأيضاً بعض المؤسسات التابعة لمركز الوقاية. وهنالك جهود لتوفيرها على مستوى أوسع وخصوصاً إذا لوحظت زيادة انتشار المرض في البلاد، وهو أمر نأمل ألاّ يحصل بطبيعة الحال.

ما هي أفضل طرق الوقاية؟

لا يوجد حتى الآن علاج لهذا المرض كما أنه لا يوجد لقاح يقي منه. وبالتالي فإن أساليب الوقاية والصحة العامة هي الشيء الأساس الذي يجب اتباعه لتجنب المرض. وهذا يتلخص بغسل اليدين بالماء والصابون لمدة 20 ثانية وتعليم الأطفال أيضاً أن يفعلوا ذلك. ومن المفيد استخدام معقمات اليد ذات الأساس الكحولي. وأيضاً فمن المفيد تغطية الأنف والفم عند السعال والعطاس لأن هذا يحمي الآخرين من الفيروسات التي نحملها سواء كانت فيروسات الزكام أو غيرها. ويجب تجنب لمس الأنف والعينين والفم بيدين غير نظيفتين. كذلك الابتعاد عن المصابين بأي مرض تنفسي أو غيره مع تجنب استخدام أدواتهم كالكؤوس والملاعق والشوك. وأيضاً غسل السطوح والأشياء المعرّضة للتلوّث كالألعاب ومساكات الأبواب.

ماذا عن الذعر؟

علينا أن نذكر أنه بين الفترة والأخرى تطلع علينا فيروسات جديدة وأمراض جديدة تثير الرعب القاتل ثم تخبو وتزول. ومن هذه الأمراض نذكر فيروس غرب النيل وإنفلونزا الطيور وإنفلونزا الخنازير والسارز وغيرها. في جميع هذه الأمثلة قامت السلطات الصحية في أمريكا والعالم بواجبها وسيطرت على هذه الأمراض من خلال لقاحات أو وسائل الوقاية الصحية العامة واختفت هذه الأمراض بحمد الله.

إن الدرس الذي يجب أن نتعلّمه من هذه الأمور هو أن الذعر لايفيد، أما القلق المشروع فهو أمر حسن ويجب أن نتعامل مع أي مرض بمعرفة ماهيته أوّلاً ثم اتباع الوصايا الصحية ثانياً ثم أخذ أي لقاح توصي به السلطات الصحية في حال توفره. العلم هو السلاح الأهم في مواجهة هذه الأمراض، وهذا المقال هو خطوة بسيطة أرجو أن تكون مفيدة في هذا الإطار.

Close Menu