أنت … والبعوض … والكولسترول!!!

 


أنت … والبعوض … والكولسترول!!!


 


قالت لي: أنا بالفعل مستغربة. لديّ أربعة أطفال كما تعلم، ولكنْ ولدي جمال هو الوحيد المحبوب من البعوض على ما يبدو!! هل هنالك من سر لهذا الأمر؟ أليس شيئاً غريباً أن يحصل هذا؟


 


أجبتها وأنا أنظر إلى وجه (جمال) المنتفخ والمرصّع بلسعات متفرقة محاطة باحمرار شديد: في الواقع ليس لهذا الأمر سرّ، ولكن له أسراراً عديدة. وشيفرات معقدة يحاول العلماء أن يصلوا  إلى تفسيرات لها. سؤالك منذ سنوات لم تكن له أية إجابة لديّ، ولكن الدراسات الجديدة التي تنشر الآن تعطينا بعض التلميحات.


 


الأمر صحيح


 


نقول أوّلاً… إن قضية أن البعوض يفضل بعض الناس عن آخرين هو أمر صحيح، نعرفه بالتجربة العامة وأثبتته اليوم الدراسات العلمية الخاصة التي بيّنت أن هنالك 10% من الناس يعتبرون (جذابين) بالنسبة للبعوض. كما يقول اليوم علماء كثر أجروا أبحاثاً تخصصية في هذا المجال.


 


الإناث هي السبب


 


يجب أن نعلم  أن ذكور البعوض لا تلسع الإنسان، وإنما الذنب هو ذنب إناث البعوض، فالدم مادة ضرورية لنمو البيوض لديها. فإذا تعرّضت أو تعرّض طفلك للسعة بعوض فاعلم أن السبب إنما هو إناث هذه الحشرة الصغيرة.


 


ولكن من هو المفضَّل؟


 


إن أسرار الإجابة عن هذا السؤال لم يتم الكشف عنها بشكل كامل. ولكن العلماء لديهم بعض المعلومات المتفرّقة التي تعطينا إجابة جزئية وليست كاملة. وحتى نعرف مدى صعوبة الأمر، فإن علينا أن نعلم أن الباحثين لديهم اليوم 400 مركباً كيماوياً ينكبّون على دراساتها لإعطائنا جواباً شافياً بهذا الشأن، وهذه عملية معقدة تحتاج لوقت طويل. ولكن أصبح معروفاً لدى العلماء الآن أن الوراثة تلعب دوراً يقدّر بـ 85% من كون الإنسان معرّضاً للسعات البعوض و(جذاباً) لهذه الحشرة! وقد وجدوا أن هنالك موادّ كيماوية تؤدي إلى جذب البعوض في حال كون تركيزها مرتفعاً في الجلد.


 


الكولسترول


 


من بين هذه المواد الكولسترول. فقد تبيّن من خلال الدراسات أن الناس الذين يرتفع مستوى الكولسترول في الجلد لديهم هم معرّضون أكثر من  غيرهم للسعات البعوض. ولكن هنالك أمراً يحتاج لتوضيح. فهل تعني هذه الحقيقة أن الناس المصابين بارتفاع الكولسترول في الدم هم أكثر عرضة للسعات؟ والجواب هو لا. فالأمر متعلّق بتركيز هذه المادة في الجلد وليس في الدم. فهنالك أشخاص مستوى الكولسترول في الدم عالٍ لديهم ولكن تركيزه في الجلد طبيعي والعكس صحيح.


 


حمض البول


 


كذلك فإن ارتفاع تركيز حمض البول في الجلد هو أحد العناصر الجاذبة للبعوض. وقد يستغرب المرء إذ يعلم أن البعوض قادر على استشعار هذه المادة من مسافة تتجاوز 50 متراً. كذلك فمن المواد  الأخرى التي تذكر الآن (ثاني أوكسيد الكربون) وكلّما زاد حجم الجسم زادت الكمية المطروحة من هذه المادة، وهذا يفسر سبب انجذاب البعوض للبالغين أكثر من انجذابه للأطفال، وذلك بسبب الفرق في حجم الجسم وبالتالي الكمية المطروحة من هذه المادة. وأيضاً فإن الحوامل معرّضات أكثر من غيرهن للسعات لأنهن يطرحن كميات كبيرة من ثاني أوكسيد الكربون.


 


الحركة والحرارة


 


مما يجذب البعوض أيضاً زيادة الحركة. فالأشخاص الذين يخرجون إلى الحديقة ويقومون باللعب هم معرّضون أكثر من غيرهم للبعوض لأن ما يطرحونه من غاز ثاني أوكسيد  الكربون أثناء اللهاث تزداد كميّته. كما أن كمية حمض اللبن المطروحة بالتعرّق هي مادة جاذبة أيضاً.


 


أين يتواجد؟


 


إن هنالك أماكن خاصة معروفة بتواجد البعوض فيها بشكل كثيف. ومن بين هذه المناطق الجهات الساحلية. ومن المعروف أن البعوض قد يطير لمسافة 40 ميلاً للوصول إلى وجباته. وهذا يعطينا مبدئياً شريطاً ساحليّا مخيفاً عرضه على الأقل 40 ميلاً!! من المعروف أن البعوض يتكاثر في  الماء. وأي منطقة مائية كالبحيرات والأنهار وغيرها هي مكان صالح لذلك، ولكن الأماكن الراكدة هي المفضلة أكثر بالنسبة له. إن ارتفاع درجة الحرارة هو عنصر مهم لتكاثر البعوض ونشاطه، فالعلم يقول إن هذا الحشرة يقل نشاطها كثيراً في الحرارة تحت 55 درجة فهرنهايت. ولكن هذا ليس كلاماً مطلقاً حيث أن علماء الحشرات لاحظوا وجود البعوض حتى في الأماكن الجبلية الباردة كجبال الهيمالايا. وهذا يدل على مدى قدرة هذه الحشرات على التاقلم. وحتى ولاية (آلاسكا) لم تستطع أن تنأى بنفسها عن البعوض حيث أن أعداداً كبيرة من هذه الحشرة تتواجد هناك خلال ثلاثة أسابيع من العام تمتد بين شهري تموز وآب.


 


تاريخ وأنواع


 


بالنسبة لنا فإن البعوضة هي البعوضة. ولكن بالنسبة لعلماء الحشرات فإن هنالك  أنواعاً كثيرة من البعوض يعد منها الخبراء 175 نوعاً في أمريكا فقط. ولا يلبث هؤلاء الخبراء أن يذكروا لنا أن تاريخ البعوض يرجع إلى 170 مليون عاماً على هذه الكرة الأرضيّة !!


 


الجذب والتنفير!!


 


إذا كان البعوض ينجذب إلى ما ذكرناه من مواد كيماوية وعوامل، فهل هنالك من طريقة لإبعاده وتنفيره؟ كما نعلم … فإن هنالك العديد من المستحضرات التجارية التي تملأ الرفوف في أية صيدلية أو حتى في محلات السوبرماركت. ولكن هنالك فروقاً في الواقع بين هذه الأنواع. إن مادة (دي.إي.إي.تي) تبقى المادة  الأكثر شيوعاً وشعبية وفاعلية. وذلك منذ تقديمها إلى  الأسواق في عام 1957. وفي حال تم استخدام محلول يحوي على حوالي 23% من هذه المادة فإن الحماية تستمر حوالي 5 ساعات. و نذكر هنا أنه في حال استخدام هذه المادة لدى الأطفال فيجب استخدام تركيزات أقل (10%) فقط. وفي هذه الحال  فإن بالإمكان استخدامها في الأطفال الصغار فوق شهرين من العمر.


 


بدائل


 


في عام 2005 بدأ المركز الأمريكي للسيطرة على الأمراض باستخدام بديل لمادة (دي.إي.إي.تي) وهو (بيكاريدين) التي كانت تستعمل في أنحاء العالم منذ عام 1998. وفعالية هذه المادة تعادل المادة  الأخرى المذكورة ولكن استعمالها أسهل لأنها خفيفة على الجلد وليست لها أية رائحة. ويمكن استخدامها في الأطفال الصغار فوق عمر شهرين.


 


السلامة


 


إن مادة (دي.إي.إي.تي)  مازالت تستخدم من قبل الناس لمدة 50 عاماً وقد أثبتت فعاليتها وسلامتها كما ذكرنا. وإن كانت قد ذكرت حالات نادرة جداً من التسمم الذي أدّى إلى  القبول إلى المستشفى، وكان السبب هو الاستخدام المفرط لهذه المادة دون اتباع التعليمات الموجودة على الزجاجة. وقد أثبتت دراسات مفصلة وطويلة قامت بها وكالة حماية البيئة سلامة هذه المادة بالنسبة للإنسان والبيئة. ولكن يجب أن نتجنب وضع هذه المادة قرب الفم والعينين والأنف وقرب الطعام.


 


مواد طبيعية


 


يقوم البعض بعرض بعض المواد الطبيعية كبدائل للمواد  الكيماوية المخصصة لطرد البعوض. فهنالك طاردات البعوض الحاوية على زيت فول الصويا والتي تحمي من البعوض لمدة ساعة ونصف الساعة. ويذكر آخرون مواد أخرى مثل النعنع وخشب الأرز وغيرها ولكن المشكلة فيها هي القصر الشديد في فترة فاعليتها التي قد تصل ما بين 15 إلى 30 دقيقة وهذا غير كافٍ حيث أن أقصر رحلة إلى المنتزه أو أي جلسة في الحديقة ستستغرق حتماً أكثر من هذا. وفي الأسواق أيضاً ما يدعى مصائد البعوض التي تعتمد على بث مواد جذابة للبعوض كثاني أوكسيد الكربون أو بث الرطوبة أو الحرارة التي تؤدي إلى إقبال إناث البعوض عليها ومن ثم تقوم بقتلها، وبطبيعة الحال فإن بعض هذه المصائد فعالة أكثر من بعضها الآخر.


 


الجاذبية!!


 


إن المشكلة كلها هي في جاذبية بعض الناس للحشرة المزعجة التي تسمى البعوض. وجهود كل العلماء منصبّة اليوم على تحليل أسرار هذه الجاذبية وإيجاد مواد للتخلّص منها. فهل ينجح العلماء ويتوّجون جهودهم بنتائج مفيدة للبشرية؟ أم أن هذه الحشرة التي مازالت على الكرة الأرضية لمدة 170 مليون عاماً ستثبت أنها هي الأذكى؟ ومن سينتصر في النهاية؟ هذا ما سيجيب عنه المستقبل.


 

Close Menu