استشارة جراحية للدكتور (أبي القاسم الزهراوي)!!

 


 


استشارة جراحية للدكتور (أبي القاسم الزهراوي)!!


 


 


 


(هذا الانتفاخ في أسفل البطن لدى طفلي خالد قد أقلقنا كثيراً أنا وزوجتي. لقد بدأنا نلاحظه منذ ثلاثة أيام، وكنا نظن في بداية الأمر أننا واهمان، فقد كان التورّم يظهر في البداية عند البكاء فقط، ولكننا لاحظنا اليوم صباحاً أنه موجود حتى عندما لم يكن خالد يبكي. وأصابنا الرعب، وعرفنا أن من الضروري أن نحضره إليك.)


 


بهذه العبارة وصف لي أبو خالد مخاوفه تجاه طفله الصغير البالغ من العمر تسعة أشهر. وبعد أن قمت بفحص الطفل قلت للأب القلق: معك حق! فخالد مصابٌ بفتق يدعى (الفتق الإربي).


 


 سـألني: وماذا يعني ذلك بالضبط؟


 


قلت: إن هنالك فتحتين تقعان في أسفل البطن قرب القسم العلوي للصفن (وهو الكيس الذي يحوي الخصيتين). ومن خلال هاتين الفتحتين تمر الأوعية والتراكيب التشريحية المتجهة للخصية. بطبيعة الحال فإن الخصيتين تحتاجان إلى التروية الدموية التي تتم من خلال الأوعية الشريانية والوريدية كما أنهما تحتاجان إلى أعصاب وتتصلان بما يدعى الحبل المنوي. إن جميع هذه التراكيب تمر من خلال  فتحتين (فتحة لكل خصية). وفي بعض الحالات تكون هاتان الفتحتان أو إحداهما متوسعتين أكثر من اللازم بحيث تسمحان لبعض التراكيب البطنية الأخرى ومنها الأمعاء بالمرور من خلالهما. وهذا ما ندعوه الفتق.


 


أنواع الفتوق


 


سألني الأب من جديد: لقد قلت لي إن طفلي مصاب بالفتق الإربي.


 


 قلت: صحيح.


 


قال: وهل هنالك أنواع أخرى غير الفتق الإربي؟


 


 قلت: إن الفتوق ذات أنواع متعددة جداً. وإذا أردنا أن نتكلّم عن الفتوق البطنية بشكل خاص، فإن علينا أن نذكر أربعة أنواع منها على الأقل وهي تعتبر الأهم والأشهر. أول هذا الفتوق هو الفتق الإربي الذي يعاني منه خالد، والثاني هو الفتق الفخذي، وهو يتم من خلال فتحتين أخريين تقعان في أعلى الفخذ وأسفل البطن، وهنالك الفتق السري الذي يتميّز بانتفاخ في منطقة السرة وهنالك أيضاً فتوق منتصف البطن التي تقع إلى الأعلى (وهو الأشيع) أو الأسفل من السرة. هذه هي الفتوق البطنية. إن الفتق الإربي (ويدعى أيضاً المغبني) والفتق الفخذي يستدعيان الجراحة دون إبطاء. أما الفتق السري فعادةً ما يشفى وحده دون معالجة ولذلك فإننا نقوم بالمراقبة فإذا شفي وحده كان بها، وإذا لم يشفَ وحده قمنا بإجراء الجراحة في حوالي عمر خمس سنوات أي قبيل دخول الطفل المدرسة، وأما فتوق منتصف البطن فتحتاج إلى بعض المحاكمة الطبية أي أن قرار الجراحة تابع لتقدير الطبيب المبني على حجمها وشدّتها. إن هذا الكلام هو كلام عام، والتدبير قد يختلف عما ذكرته لك في بعض الظروف.


 


الاختناق


 


قال لي: وماذا يحصل في حال عدم معالجة الفتق؟


 


 قلت: إن الخطر الأكبر يكمن في  ما يدعى اختناق الفتق. ففي هذه الحال يحصل انضغاط التراكيب المعوية المتجمعة في كيس الفتق مما يؤدي إلى انقطاع الترويةعنها، وهذا يعرّض هذه التراكيب للتموّت، وبالتالي فإن الجراح سيضطر إلى استئصال الأجزاء المتموّتة من الأمعاء وهذا يعني خسارة جزء منها وربما أدى ذلك إلى مضاعفات قد تشمل نقص امتصاص الأغذية وبالتالي بطء النمو لدى الطفل، ويضاف إلى ذلك أن المضاعفات الحاصلة أثناء الجراحة وبعيدها تكون أعلى عند حصول الفتق المختنق منها في حال إجراء جراحة الفتق البسيط وهي تشمل النزف الغزير والإنتان البطني وغير ذلك من المشاكل التي يمكن تجنّبها بإجراء الجراحة في الوقت الملائم.


 


وسألتني هنا أم الطفل: ولماذا يحصل الاختناق؟


 


 قلت: إن حصول الاختناق عائد إلى إهمال الحالة وترك الطفل دون علاج جراحي عندما يحتاج إليه.


 


قالت: ولكنك تفاجئنا الآن بما تقوله، ولا أخفي عليك أن مخاوفي قد زادت الآن بعد سماع هذا الكلام.


 


قلت: إن الهدف ليس إحداث القلق لديكما بقدر ما هو إيضاح الحقائق بصراحة حتى تعلما الأمر. إن العملية الجراحية للفتق هي عملية بسيطة يقوم بها أي جراح، ولكن الإهمال يؤدي إلى تعقيد الحالة وحصول الاختناق الخطر.


 


 قال لي الأب: وهل يجب أن نقوم بالجراحة بشكل إسعافي؟


 


 قلت: لا…. إن الأمر ليس إسعافياً ولكنه يجب أن يجرى دون إبطاء. فانتظار أيام قبل إجراء الجراحة هو أمر معقول طالما أنكما تراقبان طفلكما بشكل جيد بحثاً عن علامات الاختناق، أما انتظار أسابيع أو  أشهر فهو أمر لا أنصح به أبداً.


 


 سألتني الأم: وما هي العلامات التي تدل على حصول اختناق الفتق؟


 


قلت: أوّل العلامات هو عدم إمكانية إرجاع الفتق إلى داخل البطن، فكما تلاحظان فإن بإمكاننا بالضغط إزالة التورّم الحاصل في منطقة الفتق بسبب إعادة التراكيب المنفتقة إلى داخل البطن، أما في حال الاختناق فلا يمكن ذلك، ويضاف إلى ذلك ازرقاق موضع الفتق والبكاء الناجم عن الألم والإقياء الناجم عن انسداد الأمعاء إضافة إلى انتفاخ البطن الحاصل بسبب تراكم الطعام والغازات في البطن بسبب الانسداد أيضاً.


 


 


أستاذ الجرّاحين!


 


قال لي الأب: أفهم من كلامك أن الخطوة التالية هي الذهاب إلى جراح.


 


 قلت: صحيح.


 


 قال: أريد أن أسألك سؤالاً يا دكتور وأرجو أن تجيبني.


 


 قلت: تفضّل.


 


 قال: من هو أفضل جرّاح عرفته أو سمعت باسمه؟


 


 قلت: هل تسألني سؤال بخصوص طفلك أم أنك تسأل سؤالاً عاماً بالمطلق؟


 


 قال: بالمطلق! من هو أفضل جراح تعرفه؟


 


 أفضل جراح أعرفه هو (أبو القاسم الزهراوي)!


 


 قالت الأم: الزهراوي ….. الزهراوي …. لقد سمعت بهذا الاسم من قبل! هل هو جرّاح جيّد؟


 


السيرة الذاتية


 


قلت: أبو القاسم الزهراوي ولد في (الزهراء) قرب قرطبة في الأندلس. وهو أهم رائد للجراحة في التاريخ ربما، وقد كان طبيب الملك الحكم الثاني.


 


 قالت لي الأم: هل هو جراح عام؟


 


 قلت: هو جراح عام(جداً) أي  بالمعنى الموسّع للكلمة، فهو مارس الجراحة العامة وكانت له عمليات على البطن، كما أن له ثلاثة اختراعات مسجلة باسمه وهي عبارة عن  أدوات  واحدة منها (لتنظير) الإحليل وأخرى لتنظير الأذن وثالثة لاستخراج الأجسام الأجنبية من البلعوم. وهو يعتبر أوّل من أجرى جراحات الحصيات البولية كما أنه يعتبر من روّاد جراحة الكسور (الأورثوبيديا) وأوّل من استخدم مبدأ التخثير في الجراحة وله أيضاً جراحات عينية عديدة، إضافةً إلى كل هذا فقد كان أحد من برعوا في علم التوليد بل إن له مساهمات عديدة في طب الأسنان والجراحة السنيّة، ويذكر له ــ في الإطار غير الجراحي ــ أنه كان أوّل من وصف مرض (الهيموفيليا) الذي يدعى الناعور وهو عبارة عن مشكلة في تخثر الدم.


 


 قالت: هذا عظيم، يبدو أنه جراح شهير جداً.


 


 قلت: بإمكانك أن تقولي ذلك.


 


قالت: وهل له مؤلّفات؟


 


 قلت: بالتأكيد، فكتابه (التصريف) يعتبر أهم مرجع للجراحة في التاريخ وهو مجلّد مكوّن من ثلاثة أجزاء وقد ترجم غير مرة إلى اللاتينية ولغات أخرى. ويحوي كتابه هذا على مخططات متعددة وصور لأجهزة جراحية قام بابتكارها.


 



 


 


استشارة


 


قلت للأبوين: استميحكما عذراً لدقيقة واحدة.


 


 قال لي الأب: إلى أين؟


 


 قلت: سأحضر لكما قائمة بأسماء وأرقام الجراحين الموجودين في المنطقة لتختاروا واحداً منهم.


 


قالت لي الأم: وهل هذا كلام يا دكتور؟


 


 قلت: ما هو الكلام إذاً؟


 


 قالت: أيعقل بعد أن ذكرت لنا كل هذا عن الدكتور الزهراوي أن نذهب إلى غيره؟ لماذا لا تعطينا رقم هاتفه وسنذهب إليه ليجري العملية لطفلنا!


 


 قلت: ليس لديه هاتف!


 


 قالت: ماذا؟ طبيب ليس لديه رقم هاتف؟


 


 قلت: في غمرة المعلومات التي ذكرتها لكما عن (أبي القاسم الزهراوي) نسيت أن أذكر أن الرجل ولد في عام 963 وتوفي في عام 1013 للميلاد.


 


 قال لي الأب باسماً: ولماذا ذكرت اسمه لنا إذاً؟


 


 قلت: لقد طلبتَ مني أن أذكر لك اسم أفضل جراح سمعت به (بالمطلق) وقد أجبتك!


 


 وقاطعتني الأم قائلة: طالما أن الزهراوي كان جراحاً بهذا المستوى فلا بد من أن تكون له مدرسة طبية وتلاميذ لا يزالون موجودين حتى اليوم.


 


 قلت: صدقتِ.


 


 قالت لي: ممتاز…. لماذا لا تدلّنا إذاً على أحد تلاميذه؟


 


 قلت لها: هذا أمر سهل. كل الجراحين الموجودين اليوم هم من تلاميذه، ما رأيك أن أعطيكما رقم الدكتور (جونسون)؟!


 



 

Close Menu