الربو… أيضاً .. وأيضاً … وأيضاً !!

  


الربو… أيضاً .. وأيضاً … وأيضاً !!


 


معظم المواضيع التي نتناولها  تحتاج لمقال واحد أو مقالين. ولكن بعض هذه المواضيع موجودة في حياتنا اليومية لدرجة أنها تحتاج لمراجعة دائمة. وإذا طلبَ إليّ أن أختار موضوعاً واحداً يحتاج منا لهذه الإعادة والمزيد من الإيضاح لكان أوّل ما يخطر ببالي موضوع الربو. ومما يجعل الأمر أكثر أهميّة أن الكثير من القرّاء يلحّون على المزيد من المعلومات بشأن هذا المرض الذي أصبح انتشاره واسعاً جداً لدرجة تتجاوز أي توقع.


 


انتشار واسع جداً


 


هنالك اليوم في الولايات المتحدة الأمريكية ــ حسب السجلاّت الرسمية ــ 20 مليون مصاب بمرض الربو. منهم حوالي 7 ملايين طفل. وهذا الانتشار الكبير والذي يتزايد هو من الأمور التي جعلت العلماء يحارون في تناول هذا المرض، وفي الحديث عن أسباب ازدياده. ولقد تحدثنا في مقالات سابقة عن هذا الأمر. ولكن لا بأس من إعادة التأكيد على الأسباب. فالربو هو من الأمراض متعددة العوامل،  أي أن السبب لا ينحصر في ناحية واحدة. فالعامل الوراثي هو بالغ الأهمية. فإذا كان أحد الأبوين مصاباً بالمرض فإن احتمال إصابة أي من الأطفال هو 25 بالمئة، وأما إذا كان الأبوان مصابين فإن الاحتمال يقفز  إلى 50%. ويضاف إلى ذلك أن الأمراض التحسسية تتداخل فيما بينها وراثياً. فإذا كان أحد الأبوين مصاباً بالإكزما ــ على سبيل المثال ــ فإن احتمال إصابة الأطفال بالربو يرتفع، وينطبق ذلك على التهاب الأنف التحسسي. وإذا كان رقم الــ  20 مليون الذي ذكرناه أعلاه مرعباً، فإن علينا أن  نعلم أن هذا الرقم يتضاعف إذا حسبنا جميع المصابين بالأمراض التحسسية في أمريكا (على أنواعها من التهاب الأنف التحسسي والإكزما و التحسس للأطعمة إلخ). إذاً فالعامل الوراثي هو أمر هام. ولكن الحقيقة تقول إن بعض المناطق في العالم يزداد فيها حصول الربو. وتعتبر المنطقة التي نعيش فيها (ولاية ميشيغان) مرتعاً خصباً للربو، ففي الشتاء يكون البرد قارساً وهذا من محرضات الربو، وفي الربيع تكثر الأشجار والأعشاب لتساهم من خلال غبار الطلع والبذور بحصول النوبات، وأيضاً فإن انتشار الصناعة فيها مع ما تخلّفه من ملوّثات ودخان يملأ الجو تزيد من حصول نوبات هذا المرض. وهنالك عوامل تنطبق في أمريكا خصوصاً  والعالم الغربي عموماً وأهم هذه العوامل طريقة بناء المنازل اليوم. حيث أن المنازل تبنى للمحافظة على الطاقة والتوفير في استعمال التدفئة والتبريد، أي أن البيوت بطبيعة بنائها هي (كتيمة) إلى درجة عالية، وعلينا أن نذكر أن هذه الطبيعة لا تحافظ على الطاقة ضمن المنزل فقط ولكنها أيضاً (تحافظ) على المواد المحسسة ضمن المنزل مما يزيد من حصول أعراض الربو. وإذا نظرنا إلى طريقة  البناء في البلدان العربية في الشرق الأوسط على سبيل المثال لوجدنا أن التهوية فيها أسهل من خلال فتح النوافذ الذي يكون كفيلاً بتغيير هواء المنزل خلال دقائق، ولكن الوضع يختلف تماما الاختلاف في المنازل الأمريكية. إضافة إلى أن طبيعة الجو القاسية وكونه بعيداً  عن الاعتدال سواء في الصيف أو  الشتاء يجعل من فتح النوافذ أمراً غير معتاد. ونزيد إلى هذه الأسباب سبباً آخر طريفاً وهو أن كثرة النظافة في عصرنا تجعل الجهاز المناعي للجسم لا يجد  الكثير مما يقاومه من جراثيم وغيرها فيحوّل عمله إلى الجسم نفسه مما يؤدي إلى كثرة الأمراض المناعية التحسسية كالربو. وهنالك سبب آخر تذكره الدراسات وهو انتشار البدانة في العصر الحديث وهي تزيد من حصول الربو. إن ما ذكرنا من أسباب للمرض وانتشاره في هذه العجالة يحاول التبسيط والابتعاد عن التفاصيل ولكن هنالك أسباباً أخرى لازدياد انتشار الربو لا مجال لمناقشتها الآن وهي تجعل من هذا المرض من الأمراض (الرائدة) في عصرنا الحديث.


 


الربو


 


الربو هو داء تحسسي متعدد العوامل، وما يحصل فيه هو أن المريض ــ بعد تعرّضه للعوامل المحرّضةــ يحصل لديه تقبّض في القصيبات الرئوية الصغيرة ناجم عن تشنّج العضلات الملساء لجدار هذه القصيبات، وأيضاً يحصل تسمّك  التهابي في جدار هذه القصيبات. وإن التقبّض العضلي والتسمّك يؤديان إلى نقص في اتساع المجرى التنفسي الذي يمر فيه الهواء مما يؤدّي إلى السعال وإلى الوزيز وصعوبة  التنفس لدى المريض. ويزيد من شدة  الأمر أن المفرزات الرئوية القصبية (البلغم) تحتبس في هذه المجاري التنفسية الضيقة وتؤدي إلى زيادة شدة الأعراض.


 


أدوية الربو


 


إن هذا الانتشار الواسع لمرض الربو قابله انتشار كبير وتوسع هائل في الأدوية الجديدة لمعالجته. وقد أصبح عدد هذه الأدوية هائلاً لدرجة أن بعض المؤسسات الطبية والدوائية أصبحت تعنى بنشر صور كبيرة من نمط الـ (بوستر) عليها صور للأدوية  العديدة للربو تساعد الطبيب والمريض على حد سواء في التعرّف على هذه الأدوية، وفي حال ذكر المريض لطبيبه أنه يتناول الدواء (ذا اللون البرتقالي) على سبيل المثال قام الطبيب بعرض هذه اللوحة عليه وسؤاله فيما إذا كان يعني دواءً ما بعينه، وهذا يساعد الطبيب في رسم خطة المعالجة  الدوائية. وهنالك في حقيقة الأمر الكثير من الأدوية  التي يعالج بها الربو، وأيضاً هنالك الكثير من الأدوية المنقرضة أو شبه المنقرضة في هذا المجال لأن الأدوية الحديثة قد حلّت محلّها. فمنذ سنوات طويلة كان دواء (أمينوفيلين) هو حجر الأساس في علاج  الربو وأما اليوم فنادراً ما يقوم أي طبيب باستعماله. وهنالك أيضاً بعض الأدوية اليوم التي كان يحلم بها أطباء الأمس وأصبحت حقيقة. إن كثرة هذه الأدوية وتنوّعها تعطي فرصة أفضل للطبيب لكي يقوم بمساعدة المريض ومنع وصول المرض إلى مراحل متقدّمة. وفي الوقت نفسه فإن كثرة هذه الأدوية جعل مؤسسة كبيرة وذات مصداقية علمية عالية مثل الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال تعكف على تقييم هذه الأدوية والتفريق بين الصالح منها والطالح ودراسة تأثيراتها الجانبية بشكل علمي محايد. 



 


أنواع الأدوية


 


إن أكثر الأدوية استخداماً في علاج الربو هي موسعات القصبات مثل (الألبوترول Albuterol  )  المعروف بالفنتولينVentolin  والذي يعطى إرذاذاً من خلال جهاز بسيط يحوّل هذه المادة إلى بخار يتنفسه المريض. وأيضاً يتم استخدام دواء آخر يسمى (بلميكورت Pulmicort ) إرذاذاً أيضاً. وهذا الدواء الأخير هو من مجموعة دوائية تسمى (الستروئيدات Steroids ) تساعد في السيطرة على الجانب الالتهابي للربو. أي أنها تنقص من السماكة في جدار القصيبات والتي تنجم  عن العملية الالتهابية  التحسسية للربو. وهنالك أيضاً الكثير من أشباه هذه الأدوية والتي تعطى إرذاذاً بوساطة (بخاخ Inhaler ) صغير يوضع في الجيب، وهذا البخاخ يمكن استخدامه من عمر 6 سنوات فما فوق، أما الأطفال الصغار فلا غنى لهم عن جهاز الإرذاذ الكهربائي. وهنالك أيضاً الستروئيدات التي تعطى عن طريق الفم فتماثل في عملها (البلميكورت) وتساعد في التسريع في الشفاء والتخلّص من النوبة الربوية. ونضيف إلى ذلك مضادات الهيستامين والتي تعمل على عدم وصول المواد أو (الوسائط) التحسسية إلى القصيبات فتخفف بالتالي من الوزيز والسعال والأعراض المختلفة للربو. حيث أن هذه الوسائد يتم إفرازها من قبل نوع من الخلايا يسمى (الخلايا السمينة) والتي تعتبر نقطة  البداية في العملية التحسسية في الجسم سواء بالنسبة للربو أو الأمراض التحسسية الأخرى. وأيضاً هنالك دواء يسمى (سينغولير) وهو يمنع تحرر الوسائط المذكورة من الخلية  السمينة. وهذان الدواءان الأخيران يفيدان في الأمراض التحسسية المختلفة وليس الربو فقط على اعتبار أن هذه المراحل من العملية التحسسية هي مشتركة بين الأمراض التحسسية المتنوّعة. وبالتالي فإننا نلاحظ أن هنالك مجموعات من الأدوية متنوّعة ومختلفة وكل منها يعمل على مقاومة مرحلة معينة من المراحل المختلفة لعملية الربو. ولذلك فليس من غير المعتاد أن نرى الطبيب يعطي مريض الربو عدة أدوية في وقت واحدة وذلك للسيطرة على الربو الذي يكون جامحاً في بعض الأحيان لدرجة أنه لا يمكن السيطرة عليه من خلال دواء واحد.  


 


الوقاية هل هي ممكنة؟


 


لقد كان هنالك شبه إجماع بين قرّاء الحلقة الأولى من المقال على موضوع الوقاية. لقد عرفنا أن الربو هو مرض منتشر جداً وأنه تحسسي وأنه مديد ومزمن وعرفنا كل هذه النقاط. ولكن السؤال الأهم هو: هل بالإمكان منع الربو أو على الأقل التخفيف من حصول هجماته؟


 


بطبيعة الحال فإن هذا السؤال يمثل نقطة محورية في مجال هذا المرض. فأما عن المنع الكامل لحصول الهجمات، فإن هذا يعني السيطرة الكاملة على المرض، وفي الواقع فإن هذا الأمر يشكل حلماً للأطباء والمرضى في آنٍ معاً أكثر مما يمثل حقيقة ممكنة، على الأقل في الوقت الحاضر. ولكن مع ذلك فإن هنالك بعض الخطوات التي يمكن اتخاذها للتخفيف من الهجمات ومن شدتها. ولعل أول الإجراءات التي يمكن اتخاذها في هذا المجال هو الابتعاد عن الأسباب المعتادة لحصول الهجمات وهي تختلف من شخص لآخر. وهذا الأمر يبدأ بالتعرّف على الأسباب الخاصة بكل مريض. فبالنسبة لشخص لديه تحسس من القطط أو الحيوانات الأخرى، فإن تجنب التماس مع هذه الحيوانات يمثل الخطوة الأولى المنطقية والفعالة في تخفيف حصول الهجمات. ولكن الممارسة  العملية تخبرنا أن الأمر ليس دائماً بهذه البساطة. فهنالك بعض المحسسات التي يصعب تجنبها. فالأشخاص الذين يتحسسون من غبار طلع بعض الأشجار الموجودة في منطقتنا لا يمكنهم أن يتجنبوها لأن غبار الطلع ينتشر في الهواء الطلق ويدخل حتى إلى البيوت في بعض المواسم. مما يجعل تجنبه أمراً غير عملي. ونذكر هنا أنه فيما يتعلّق بالنباتات فإن غبار الطلع العائد لها يختلف حسب المواسم والفصول. ففي الربيع ينتشر غبار الطلع العائد إلى أشجار الفاكهة، وفي الصيف يكثر غبار الطلع العائد لأعشاب مروج الزينة، وفي الخريف يزداد غبار الطلع الذي تطلقه الأعشاب الضارّة الطفيلية. وبالتالي فإن هجمات الربو لدى المريض تحصل في الموسم الذي تتعلّق حساسيته به. وفي كل الأحوال فإن طريقة الوقاية في هذه الحال تتمثّل في المثابرة على استخدام الأدوية  الوقائية التي يصفها الطبيب.


 


الأدوية  الوقائية والعلاجية


 


إن هذا الأمر يقودنا إلى نقطة هامة لا بد لكل مصاب بالربو من التعرّف إليها بشكل واضح وجليّ. وهي حقيقة أن أدوية الربو تقسم إلى نوعين: أدوية علاجية وأخرى وقائية. فالعلاجية هي تلك التي يتم استخدامها في حال حصول الأعراض مثل (الفنتولين) الذي يعطى إرذاذاً بوساطة (البخاخ) أو جهاز التبخير. وهذا النمط من الأدوية يستخدم عندما تحصل الأعراض مثل الوزيز الناجم عن التقبض القصبي. وتقوم هذه الأدوية بفتح القصبات وتخليص المريض من صعوبة  التنفس والوزيز والسعال. أما الأدوية الوقائية فهي تلك التي يوصي الطبيب باستخدامها حتى في حال عدم وجود الأعراض وذلك لمنع الأعراض من الحصول. فالمريض الذي نعلم بوجود التحسس لغبار طلع أشجار الفاكهة لديه كثيراً ما نوصيه باستخدام أدويته الوقائية (وهي غالباً الأدوية من نمط الستيروئيدات المستخدمة إرذاذاً، وذلك في موسم انتشار المحسسات لديه وهو في هذا المثال الربيع. وهكذا. إن استخدام الأدوية  الوقائية هو من أهم أساليب الوقاية  التي تمنع الهجمات لدى المريض وتخفف من شدتها. وكثيراً ما يهمل المرضى هذه النقطة ثم يشكون من كثرة حصول الهجمات لديهم، مع أن الوقاية متوفرة بين يديهم. وإن هذا النمط من الأدوية هومتوفر اليوم أكثر من أي وقت مضى نتيجة لتقدم الأمر وتزايد إنتاج هذه الأدوية بشتى الأنماط والأساليب المريحة للمريض.


 


كيف أعرف ما أتحسس له؟


 


إن نقطة الوقاية تقودنا إلى أمر آخر هام وذي علاقة، وهو أن الكثير من المرضى لا يعرفون ما هي الأشياء التي يتحسسون لها. ويتساءلون عن كيفية معرفتها. لقد أصبحت لدينا اليوم بعض الفحوص الجديدة التي يمكن من خلالها للطبيب أن يطلب اختباراً دموية (بأشكال مختلفة) للتعرّف على المحسسات التي تسبب الهجمات لدى المريض. ويمكن للطبيب أن يكون نوعياً من خلال اختباراته من خلال طلب اختبار للمحسسات الغذائية أو  التنفسية أو غيرها كما يمكن أن تطلب اختبارات نوعية لأعمار معيّنة. ثم يأتي التقرير المخبري معطياً أرقاماً واضحة تبيّن ما يتحسس له المريض ومدى شدة التحسس.


أدوية تزيد المرض


 


يتساءل الكثير من المرضى عن صحة الاعتقاد بأن بعض الأدوية (وخصوصاً مضادات الألم) تؤدّي إلى حصول هجمات الربو. والحقيقة أن بعض المرضى يكون لديهم تحسس لبعض الأدوية المضادة للألم مثل الأسبرين والأيبوبروفن(موترين، آدفيل) إلى ما هنالك من الأدوية، وفي حال وجود التحسس فإن هذه الأدوية تصبح من العوامل المثيرة لحصول الهجمات ويجب تجنبها في هذه الحال. وقد يكون الأمر صعباً في حال احتاج المريض لاستخدام هذه الأدوية لعلاج صداع ألمّ به أو حرارة مرتفعة لديه، ولكن الطبيب سيساعده في تحديد الأدوية التي لا يتحسس لها لاستخدامها عند الحاجة.


 


  


سمك بلا حسك؟


 


وتأتي أسئلة من بعض المرضى تتمحور حول الأدوية  المستخدمة في علاج الربو وخصوصاً موسعات القصبات مثل الألبوترول، وهل أن هذه الأدوية خالية من التأثيرات الجانبية؟ وفي حقيقة الأمر فإن هذا النمط من الأدوية مسؤول عن بعض التأثيرات الجانبية التي تصيب بعض المرضى وأشهرها مطلقاً تسرع القلب الذي يصاب به بعض المصابين بالربو ويشكل مشكلة هامة لديهم  عند  استخدامهم للدواء. وهنالك تأثيرات سلبية أخرى كالصداع والتوتر وغير ذلك. ولحسن الحظ فإنه قد تم تطوير بعض الأشكال الجديدة من موسعات القصبات والتي لا تسبب هذه التأثيرات الجانبية. فدواء الألبوترول تم تطوير شكل جديد منه يسمى (زوبنكسXopenex ) وهو خالٍ تقريباً من هذه التأثيرات ولكن المشكلة فيه هي أن سعره مرتفع جداً وبالتالي فإن معظم شركات التأمين الطبي لا تقوم بتغطيته وقد يضطر المريض لدفع  الثمن الباهظ. وهذا الأمر يصلح بحد ذاته ليكون موضوعاً لحديث آخر في الوقت الملائم، لأن هذا الأمر يعاني منه الطبيب والمريض على حد سواء. ونذكر هنا أن الأدوية  الوقائية مثل الستروئيدات الاستنشاقية التي تعطى إرذاذاً لا تؤدّي إلى هذه الأعراض.


  


الربو الناجم عن التمارين Exertion Induced Asthma (E.I.A.)


كثيراً ما ينشأ الجدل وخصوصاً عند طلاب المدارس عمّا يسمى بالربو الناجم عن التمارين (أو الربو المحرّض بالجهد). وهذا الموضوع هام جداً وخصوصاً إذا عرفنا أن 90% من المصابين بالربو يعانون من الربو  الناجم عن التمارين. فماذا يعني هذا التعبير؟ إن هذا التعبير يشير تماماً إلى حصول نوبة ربو مباشرة بعد البدء بممارسة الجهد العضلي كما هو الحال في التمارين الرياضية على مختلف أنواعها. وإذا كان هذا الموضوع يتم طرحه بشكل واسع بين طلاب المدارس إلاّ أنه ليس مقتصراً عليهم. فكثيراً ما يطرح الأهل سؤالاً متعلّقاً بحصول هجمات الربو لدى أطفالهم الصغار (الدارجين مثلاً بين عمر  سنة إلى ثلاث سنوات) بعد الركض مباشرةً أو أي أمر يثير حماس الطفل. وهذه الظاهرة طبيعية تحصل نتيجة لحصول التشنج القصبي بسبب  التمارين.


 


هل نوقف التمارين؟


 


من الشائع أن يطلب الأهل إلى الطبيب أن يقوم بإعطائهم رسالة ما يتم بموجبها إعفاء ولدهم المصاب بالربو من حصص  التمارين الرياضية في المدرسة. وأنا أتعرّض لهذا الأمر كثيراً في عيادتي. وجوابي دائماً هو واحد فيما يتعلّق بهذا الأمر. إن التعبير المناسب في هذا المجال هو (حرمان) الطالب من التمارين وليس (إعفاء) هذا الطالب منها. إن التمارين الرياضية هي أمر مطلوب وقد أصبح بمعايير الصحة الحديثة أمراً حياتياً هاماً لايمكن للإنسان العيش دونه. وذلك لما يعرفه الصغير والكبير اليوم عن فائدة التمارين في المجال الصحي لمحاربة السمنة والوقاية من الأمراض القلبية وغيرها. فكيف يمكن للأهل الحريصين فعلاً على صحة طفلهم أن يطلبوا (إعفاءه) من التمارين في المدرسة.


 


بطبيعة الحال أنا أتفهم ذعر الأهل تجاه حصول نوبة الربو بعد التمارين ولكن منع الطفل من ممارسة الرياضة يعني ببساطة تحويله إلى إنسان عاجز عن الحركة. فالتمارين التي تؤدي إلى حصول النوبات لا تقتصر على التمارين الرياضية المدرسية بل تتعدّاها إلى ممارسة أي واجب حياتي يومي يحتاج إلى  الحركة، كحمل بعض الأغراض الضرورية في المنزل أو القيام بتنظيف الغرفة أو غسل الملابس أو حتى المشي أحياناً. فما هو العمل؟


 


ما هو الحل


 


إن الحل لموضوع (الربو المحرّض بالجهد) هو بسيط ومتوفر ويتلخّص بتناول الأدوية الاستنشاقية للربو سواءً إرذاذاً أو بجهاز (البخّاخ) المحمول بالجيب. ولعل الأخير أسهل استعمالاً وأكثر عمليّةً ويمكن استخدامه من قبل أي مريض تجاوز الست سنوات عمراً. والدواء المفضل في هذا المجال هو (الفنتولين) أي (الألبوترول) حيث يوصى بأخذ هذا الدواء حسب توصية الطبيب قبل مباشرة النشاط الرياضي. ونضيف إلى ذلك فإن (التحمية) البسيطة قبل بدء التمارين تلعب دوراً هاماً في منع حصول هذه الحالة. وأيضاً،فبالنسبة للمرضى الذين يعانون من التحسس لغبار الطلع فإن عليهم تجنب النشاطات الخارجية في الأيّام التي تكون فيها معدلات غبار الطلع عالية. ولقد لفت نظري أن الكثير من الصحف اليومية تقوم بتحديد تعداد غبار الطلع كجزء من نشرتها الجوية، وهذا أمرٌ مفيدٌ أوّلاً ويساعد المصابين بالربو، وثانياً هو أمر لافت للنظر فعلاً لأنه يدل على مدى الانتشار الواسع للربو والأمراض التحسسية بشكل عام في هذه البلاد. 


 


البرد


إن أحد الأساليب الضرورية لتجنب الربو المحرّض بالجهد هو الابتعاد عن النشاطات الخارجية في الأيام شديدة البرودة لأن درجات الحرارة المنخفضة جداً هي من محرّضات التشنج القصبي. وهذا الأمر كثيراً ما يتم التفاهم بشأنه بين الطبيب والمدرّسين لمنع حصول هجمات الربو لدى المصابين به. وأيضاً فإن على المريض أن يتجنب التمارين والجهد العضلي الزائد في حال إصابته بالأمراض الفيروسية كالزكام وغيرها، والسبب في ذلك هو أن الأمراض الفيروسية هي بحد ذاتها من أسباب حصول هجمات الربو فإذا أضفنا إلى ذلك عنصر التمارين أصبح الخطر بهذا الشأن عالياً.


  


التفاهم أوّلاً


 


إن موضوع الربو المحرّض بالجهد يطرح أمراً هاماً وهو ضرورة التفاهم والتنسيق بين العائلة والمريض وطبيب الأطفال والهيئة التدريسية في المدارس. فإذا كان الهدف المشترك لجميع هذه الجهات هو صحة الطفل فإن هذا  الأمر لا يمكن أن يتحقق دون أن يتم التنسيق بينها. وأنا أؤكد على هذا الأمر لأن بعض الأهل يأتون إلى الطبيب برأي مسبق واحد غير قابل للتغيير وهو أنهم يريدون (الرسالة إيّاها) التي يتم من خلالها إعفاء الطفل من ممارسة الرياضة والتمارين في المدرسة، وهذا أمر خاطئ جداً. إن على الأهل أن يكونوا حريصين على ممارسة طفلهم للتمارين. وهذا الأمر له فائدتان رئيستان هما الفائدة الصحية التي هي واضحة تماماً للعيان كما ذكرنا سابقاً، وله أيضاً فائدة أخرى لا تقل أهمية عن الأولى وهي الفائدة النفسية. إن شعور الطفل بأن الربو جعل منه طفلاً عاجزاً غير قادر على ممارسة التمارين الرياضية كأقرانه في المدرسة سيكون له تأثير سلبي ملموس على وضعه النفسي، أما إذا قام المريض باتباع نصيحة الطبيب وأخذ الدواء المستنشق قبل ممارسة التمارين، فإن هذا يمكنه من ممارسة حياته الطبيعية وهذا سينعكس إيجابياً دون شك على إنتاجه المدرسي وحياته بشكل عام.


 


 


القلس المعدي المريئي Gastroesophageal Reflux


 


نقوم هنا بالإشارة  السريعة لهذا المرض نتيجة لعلاقته الوثيقة بالوزيز القصيبي. وهذا المرض هو عبارة عن ضعف في العضلة الفاصلة بين المعدة والمري،مما يؤدّي إلى عودة  الحمض المعدي بالطريق الصاعد إلى  المري (وهذا ما يسمى القلس). إن العلاقة بين القلس والربو ليست واضحة تماماً وهي بحاجة إلى المزيد من الدراسة. ولكن الذي نعلمه هو أن القلس المعدي المريئي يجعل الربو أكثر شدة ويجعل معالجته أكثر صعوبة ويبطئ ويخفف من  استجابة الربو للمعالجة. إن هذا يجعل الطبيب يجري بعض الدراسات الإضافية لتشخيص القلس المعدي المريئي في المرضى المصابين بالربو والذين لا يستجيبون بالشكل المتوقع للمعالجة. وإن إعطاء الأدوية  المناسبة للقلس المعدي المريئي كثيراً ما يساعد في مثل هذه الحالات.


 


 


نصائح عامة


 


في نهاية هذا المقال عن مرض الربو نحب أن نجيب عن سؤال كثيراً ما يردنا في العيادة. ويأتي هذا السؤال من المرضى المصابين بالتحسس للعفن وأيضاً للحشرات الدقيقة التي تدعى (عث الغبارDust Mite) وهي حشرات مجهرية تتواجد في الأنسجة الحاوية على  الغبار مثل سجاد الغرف وغيرها. كيف يمكن لهؤلاء المرضى التخفيف من تواجد العفن وتواجد هذه الحشرات في محيطهم المنزلي؟ إن هنالك الكثير من الإجراءات التي  تساعد في التخفيف من معاناة هؤلاء المرضى أوّلها تغليف جميع الفرشات والوسائد بمادة عازلة للمواد المحسسة وهذه يمكن شراؤها من الأماكن المعروفة لبيع هذا الأنواع من الأقمشة كما يمكن شراؤها على الإنترنت من المحلات المتخصصة في بيع المواد والتجهيزات الخاصة بالربو وقد ازداد تواجدها اليوم على الشبكة  العنكبوتية. أيضاً فإن غسل جميع أغطية السرير كل أسبوع مرة بالماء الساخن هو من الأمور المساعدة. إن عدم وجود سجاد (موكيت) في غرفة  النوم هو أمر مساعد جداً، ولكن إذا كان من الصعب التخلّص من السجاد فإن القيام بتنظيفه بالمكنسة  الكهربائية بشكل عميق ومتكرر هو من الأمور المساعدة أيضاً. وإن استخدام البرادي البسيطة  التي لاتحتوي على الأقمشة السميكة هو أمر يقي من تراكم العفونة والحشرات المؤذية.


 


في الختام


 


وبعد، فقد قيل قديماً: إذا أردتم التفصيل ففصّلوا، وإذا أردتم الإيجاز فأوجزوا. ولقد حاولنا في هذه السلسلة الثلاثية عن مرض الربو الواسع جداً أن نقدّم أهم النقاط المتعلّقة بالمرض في كلمات مركزة وقليلة، وقد تطلّب الأمر الكثير جداً من الإيجاز. ويبقى  الموضوع مفتوحاً للأسئلة والتي يسرنا أن نجيب عمّا يرد منها من قبل القرّاء الأعزاء. 


 



 

Close Menu