تعال للفيلتر… ستبقى للنكهة!!

تعال للفيلتر… ستبقى للنكهة!!


دخان السجائر يحرق أطفال جاليتنا العربية


 



أنا أعرف أن من يكتب مقالاً علمياً أو طبياً أو تعليمياً فأوّل ما عليه أن يفعله هو أن يتجنّب المشاعر الصارخة كالغضب مثلاً. ولكنني أعترف للقارئ ــ منذ السطر الأوّل ــ أنني لا أستطيع هنا أن أتجنب الغضب في كل حرف أكتبه.


سأضع السيناريو بين يديكم….


 


ــ  دكتور طفلي لا يزال يعاني من السعال الشديد… أنا أتيت إليك منذ شهر كي تعالجه… أعطيته الكثير من الأدوية وأنا أكره الأدوية ومع ذلك قمت بإعطائها له… وصفتَ له آلة أسمتيها (آلة الإرذاذNebulizer) تعطي بخاراً يتنفسه فتنفتح قصباته الصغيرة كما أخبرتني … واستعملتُها رغم أن الكثيرات من الجارات أخبرنني أنه سيصاب بالإدمان عليها عندما يستخدمها…. وعدت إليك مرة أخرى للمراجعة ونصحتني بنصائح قمت بتطبيقها…. ومع ذلك فطفلي لا يزال يعاني من صعوبة التنفس والسعال… أليس لديك أي حل؟ّ! هل عجز الطب عن معالجة عرض بسيط هو السعال؟


ــ ألا تعتقدين أنك نسيت جزءاً بسيطاً من القصة يا سيّدتي؟


ــ ما هي ؟


ــ هل تكلّمنا مثلاً عن تدخين السجائر في المنزل؟


ــ نعم … ولكن زوجي لا يستطيع أن يترك التدخين… إنه يدخن منذ عشرين عاماً.. ويصعب كثيراً عليه أن يترك  التدخين….وهذا أمر ذكرته لك!


ــ إذاً اسمحي لي أن أقول لك يا سيّدتي إنني أريد أن أعدكِ وعداً بسيطاً!


ــ ما هو؟


ــ طفلك لن يشفى أبداً من السعال… بل ربما سيسوء وضعه كل يوم!


 


 


حكاية كل يوم


هل تعلمون كم مرة أمر بهذا السيناريو أو بسيناريو مشابه كل يوم؟ هل أقول عشر مرات مثلاً؟ صدقوني لا أكون مبالغاً…… أنا لا أحب اللغة الخطابية في الكتابة.. ولكنني عندما أتناول هذا الموضوع كلاماً أو كتابة أو ممارسة لا أستطيع أن أبتعد عن الخطابة … فأنا أجدها وحدها  المعبّرة عمّا يدور في خلدي. التدخين عادة مدمّرة للذات.. بمعنى أنها تحرق الرئتين والقلب والأعصاب وغير ذلك من أجهزة البدن، ومع ذلك فهذا ليس موضوع حديثنا هنا. الموضوع بالضبط هو أنه إذا كانت لديك عادة سيّئة تستمتع بها لسبب ما فإن طفلك المسكين ليس له ذنب.


إذا أردت أن تحرق رئتيك، فليس لكَ أن تحرق رئتي طفلك.. كيف يمكنك أن تفعل ذلك؟


إذا كان لا يهمك أن تصاب بالاحتشاء القلبي… فلست تستطيع أن تفرض ذلك على طفل عمره شهران مثلاً… ألا يتعارض هذا مع أبسط واجبات الأبوّة؟


أكثر ما يغيظ


وبعد الكلام عن كل ما سبق أصل فعلاً إلى أكثر ما يغيظ في الأمر…. هنالك بعض الآباء والأمّهات الذين أكلّمهم في هذا الموضوع عشرات المرّات وهم يرون طفلهم الصغير يعاني من الربو والتحسس والسعال والعطاس وصعوبة التنفّس … وهم يتفرّجون وكأن الأمر لا يعنيهم… ثم لا يستطيعون أن يربطوا بين التدخين كسبب واضح معلن مثبت للأمر… ثم أحدّثهم حديثاً واضحاً مكرراً بهذا الشأن فيختارون أمراً عجيباً…. (الإنكار Denial)!


 إنهم ينكرون تماماً أن يكون التدخين هو السبب بحجة أن أباهم أو عمّهم كان يدخّن وهم أمامي الآن لم يصابوا بشيء. فإذا أتيتهم بالأدلة وما يقوله العلماء والأطباء وما تثبته الأبحاث ضربوا (كشحاً) عن كل هذا وكأنه لم يكن. بأية لغة يمكن أن تكلّم أباً كهذا أو أمّاً كهذه؟


وما يغيظ أكثر وأكثر هو اللجوء إلى أساليب أخرى كأن يقول الأهل إنهم يدخنون في غرفة الجلوس بينما ينام الطفل في غرفة النوم!! والمعروف أن الدخان ينتقل بسهولة من غرفة إلى أخرى…. وهو يتبع في ذلك الفتحات  الموجودة بين الغرف أو أنابيب جهاز التدفئة المركزي كما أنه يتم امتصاصه من قبل قماش وخشب المفروشات ومن قبل ألياف السجاجيد الموجودة في الغرف وبالتالي يصبح الطفل معرّضاً للرائحة والسموم حتى في الوقت الذي لا يتم أثناءه التدخين. عندما أقوم بهذا الشرح ، ألاحظ للأسف أن السامع (غير المستمع) يحاول أن يلهي نفسه بأشياء أخرى كاللوحات الموجودة على الحائط أو قماش السجاد أو حتى الأضواء التي تشع في السقف!!!


 


تقرير الجراح العام الأمريكي


منصب (الجرّاح العام Surgeon General) في أمريكا له موقع يتجاوز الرسميات. فبإمكانك أن تعتبره (الضمير الصحي) للبلاد يعبّر عمّا أنتجته العلوم في البلاد وما تتبنّاه أعلى الهيئات الصحية فيها. وقد أصدر الجرّاح  العام الأمريكي في عام 2006 تقريراً مخصصاً لما يمكن أن يؤدّي إليه تعرّض الأطفال للتدخين. وهو تقرير واسع ولكنه يتلخّص في أنه (لا يوجد أي مستوى سليم من الدخان يتعرّض له الطفل. فأي كمية من دخان السجائر هي ضارة). ويتابع التقرير قائلاً: (إن جسم الطفل يتطوّر… وبالتالي فإن تعرَضه للسموم  ــ لاحظ كلمة السموم ــ الموجودة في السجائر يضعه في دائرة الخطر للإصابة بالأمراض التنفسية ويمكن أن يؤخر نموّ رئتيه. وإن التدخين هو سبب معروف لنقص الوزن عند الولادة ، وموت الرضيع المفاجئ، والربو والتهاب القصبات وذات الرئة والتهاب الأذن الوسطى وأمراض أخرى)!!


 


نقص وزن الولادة


وهو أحد أسباب الوفاة لدى الطفل وله مضاعفات تمتد إلى الأعمار المتقدمة. الأم غير المدخنة التي تتعرّض للتدخين في محيطها، يزيد لديها احتمال إنجاب طفل مصاب بنقص الوزن وهو يزيد نسبة حصول ولادة طفل وزنه دون 2500 غراماً بنسبة 22%.


 


موت الرضيع المفاجئ


إن تدخين الأم هو أهم سبب لهذه المشكلة المأساوية. وقد بيّنت الدراسات ارتفاع نسبة (النيكوتين) في رئات الأطفال الذين يموتون بهذا المرض حتى في الحالات التي ينكر فيها الأهل كونهم مدخنين!!


 


أذية الإدراك العقلي


هل تعلم أن التدخين من قبل الأهل ينقص إمكانية الطفل على التعلّم؟ فالدخان هو مادة (سامّة للأعصاب) عند الطفل حتى بالمستويات المنخفضة منه. ويقول التقرير إن 22 مليون طفل في أمريكا معرَضون لمشاكل تعليمية نتيجة لتعرّضهم للتدخين. وتذهب الدراسات أبعد من ذلك حيث تبيّن نوعياً مشاكل في تعلّم  الرياضيات والتفكير البصري الفراغي عند الأطفال المعرّضين للتدخين. كما أن أطفال المدخنات هم أقل من غيرهم من جهة حاصل الذكاء. هذا ما يثبته العلم. كما أن أطفال المدخنات  أثناء الحمل هم أكثر تعرَضاً للمشاكل السلوكية ومتلازمة فرط الحركية ونقص الانتباه… وما يتبع ذلك من مشاكل في المدرسة والتعلّم. كما تزيد لديهم نسبة العدوانية والاكتئاب.


 


 


مشاكل التنفّس


يذكر التقرير أن السلطات المسؤولة عن البيئة في أمريكا تحدد أن التعرّض للتدخين يزيد احتمال  التهاب الطرق التنفسية السفلية لدى الطفل مثل التهاب القصبات وذات الرئة. وتذكر أن حوالي 300 ألف إصابة تحدث لدى الأطفال في السنة والنصف الأولى من العمر بسبب  التدخين.ومن بين هؤلاء يتم قبول حوالي 15 ألفاً إلى المستشفيات. وفي حال تدخين الأم في الغرفة نفسها يزيد احتمال القبول إلى المستشفى بنسبة 56% ، ترتفع النسبة المذكورة إلى 73% إذا كانت الأم تحمل الطفل أثناء التدخين وإلى 95% إذا كانت الأم تدخن أثناء إطعام الطفل.


 أما الربو فهو أكثر المشاكل المعروفة للناس لجهة علاقته بالتدخين حيث أن دخان السجائر يزيد شدة وتواتر النوبات الربوية وهنالك حوالي مليون طفل تسوء حالتهم بسبب التدخين ويؤدي ذلك إلى تغيّبهم عن المدارس.


 


هل يكفي هذا؟


الحقيقة أن الأرقام كثيرة جداً بحيث لا يتسع لها مقال كهذا، وما ذكرناه هو غيض من فيض، ولكنه جميعاً يصب في عبارة بسيطة هو أنك عندما  تدخّن فإنك تؤذي صحة طفلك بشدة وقد تؤدّي إلى موته.


 وأنا أعتقد أنني قلت كل ما أريد قوله، ولكنني أريد أن أختم بسؤال بسيط… إنك قد تستمتع ــ لسبب ما ــ بالتدخين, ولكن هل تعتقد أن متعة التدخين الرهيبة …. تساوي أن تؤذي دماغ ورئتي وقلب طفلك أو أن تقتله؟ وهنا تحضرني قصة عن شخص مشهور لدى الكثير من المدخنين كان يقوم بدعاية شهيرة جداً لإحدى شركات التبغ الكبرى يقول فيها عبارته المعروفة (تعال إلى حيث النكهة)


Come to where the flavor is!


هذا الشخص  (ويدعى ديفيد ماكلين  David McLean ) مات مصاباً بسرطان الرئة (في كاليفورنيا بتاريخ 12 أكتوبر 1995) وقد أوصى من حوله أن ينقلوا رسالة للناس: كل ما قلته لكم كان كذباً! لا فلتر ولا نكهة ولا متعة…. ما أنا فيه الآن سببه ما دعوتكم له.


فهل تكفي هذا القصة على سبيل الموعظة؟ أرجو ذلك.





 

Close Menu