حكاية البندورة …. من الرئيس توماس جفرسون إلى السالمونيلا !!!

 


حكاية البندورة …. من الرئيس توماس جفرسون إلى السالمونيلا !!!


 


 


اتصل بي صديقي قائلاً: أنا متأكد تماماً من عنوان مقالك القادم!! قلت: ومالذي يجعلك متأكداً بهذا الشكل؟ قال: لأن موضوع  السالمونيلا وانتقالها عن طريق البندورة يطغى على الأخبار الطبية في هذه الأيام ولا يمكنك بأي حال أن تترك هذا الموضوع دون أن تقول شيئاً بشأنه. قلت: في الحقيقة إن موضوع المقال القادم متعلّق بهذا الأمر الذي تتكلّم عنه ولكنني سأتناوله من وجهة نظر أخرى. سألني: وجهة نظر من؟ قلت: وجهة نظر توماس جفرسون؟ قال مستغرباً: ومن هو هذا الرجل؟ قلت: الرئيس الثالث للولايات المتحدة الأمريكية وأذكى من شغل هذا المنصب في تاريخها !!! قال: ماذا؟!!


 


 


 


توماس جفرسون


 


ولد الرئيس جفرسون في عام 1743 وتوفي في عام 1826 وكان ثالث رؤساء الولايات المتحدة وقد حكم بين عامي 1801 و1809. وكان المؤلّف الرئيس لإعلان الاستقلال في عام 1776. وهو من أهم الآباء المؤسسين في البلاد. وفي عهده تم شراء ولاية (لويزيانا) في عام 1803. وقد يبدو من الغريب وفي غير مكانه الحديث عن هذا الرجل العظيم في موضوع متعلّق بالبندورة!!! ولكن الحقيقة تقول إنه رجل من (المتنوّرين) وإنه في تلك الفترة كانت البندورة تعتبر مادة سامّة.ولكن الرجل المتنوّر الذي نشأ في عائلة تعمل بالزراعة ذاق طعم البندورة في باريس في القرن الثامن عشر، وكتب عنها وأرسل بذورها إلى أمريكا. ولعلّه كان أحد القلائل الذين كانوا يجرؤون على تناول هذا الطعام في أمريكا في ذلك الحين.


 


 


 


البندورة!!


 


البندورة … أو الطماطم .. أو الطماطة .. أو الأوطة … هي أسماء لمسمّى واحد. فنحن العرب لدينا براعة خاصة في إطلاق الأسماء العديدة على المسميات المفردة. ولعلنا بحاجة إلى معجم الألفاظ الموحد على نسق المعجم الطبي الموحّد، حتى نوطّن أنفسنا على استعمال أسماء مشتركة في كافة أرجاء الوطن العربي…. وإذا كان هذا التوحيد اللغوي صعباً جداً في كافة المجالات …. فلنبدأ بالخضار!!


 


نشأت البندورة ــ التي تنتمي إلى فصيلة الباذنجانيات وهي من أقرباء نبات التبغ ــ  في أمريكا الجنوبية حيث حصلت على اسمها (توماتو) وذلك في القرن السادس عشر ثم  انتقلت إلى أمريكا الوسطى وبعد ذلك  إلى إسبانيا ثم إلى إيطاليا حيث أطلق عليها اسم (بومودورو) وهو الأقرب إلى كلمة بندورة التي نستعملها. وفي تلك الفترة كانت تستعمل في أوربا للزينة فقط دون أن يتم تناولها كطعام للاعتقاد بأنها سامة. ولم يتم استعمالها في الطبخات المحلية إلاّ في أواخر القرن السابع عشر أو بداية القرن الثامن عشر. ثم انتشرت بعد ذلك إلى أمريكا الشمالية. ثم انتشر تناولها كطعام في كافة أنحاء العالم الذي ينتج منها اليوم 125 مليون طن في العام!!


 


 


البندورة والسالمونيلا


 


ونعود الآن بعد هذه الجولة التاريخية إلى مربط الفرس. فقد غرقت وسائل الإعلام في الشهرين الأخيرين في الحديث عن انتشار جرثوم السالمونيلا في البلاد. فقد ذكرت 869 حالة منذ بداية نيسان الفائت وحتى اليوم الأخير من شهر حزيران المنصرم. وقد حصلت هذه الحالات في 36 ولاية أمريكية إضافة إلى مقاطعة كولومبيا. وكان نصيب (تكساس) هو الأعلى بواقع 346 حالة بينما حصلت 6 حالات في ميشيغان. وتنتمي هذه الحالات إلى سلالة من جرثوم السالمونيلا تدعى (سانتبول). إن هذا الانتشار أثار لدى الناس الكثير من الأسئلة التي نحاول أن نجيب عن بعضها على الأقل.


 


ما هي السالمونيلا؟


 


هي جراثيم يصاب بها الإنسان فتؤدي إلى الحرارة والإسهال والألم البطني وهذه الأعراض تبدأ بعد 12 إلى 72 ساعة بعد التعرّض. ويستمر المرض 4 ــ 7 أيام ويشفى معظم الناس دون الحاجة إلى معالجة. إلاّ في الحالات الشديدة التي قد يصل فيها الأمر إلى الحاجة إلى القبول إلى المستشفى. وهذه الحالات هي التي ينتشرفيها المرض من الأمعاء إلى الدم ثم إلى أعضاء الجسم الأخرى. وغالباً مايحصل هذا في مضعفي المناعة كالأطفال والمسنين. وينتقل المرض إلى الإنسان عادة من خلال تناول لحوم الماشية والدجاج وربما من خلال التماس مع الحيوانات الأليفة كالكلاب وبعض الزواحف. وإذا كان السبب في الانتقال ــ في غالب الأحيان ــ  هو اللحوم والمنتجات الحيوانية ، فإن الخضار والفاكهة الملوّثة قد تكون سبباً في الانتقال أيضاً. وأفضل ــ أو أسوأ ــ مثال على هذا هو الانتشار الأخير بوساطة البندورة. علماً أن الطبخ الجيّد يقتل الجرثوم. ولا بد هنا من أن نذكر أن أي إنسان يجري أي تماس مع الحيوانات يجب أن يغسل يديه جيّداً بالماء والصابون. كما أن الطباخين وصانعي الطعام وناقليه يجب أن يغسلوا أيديهم بالماء والصابون لتجنّب تلويث الطعام. علماً بأن الطعام الملوّث لا يتغير لونه ولا شكله ولاطعمه ولا رائحته، مما يجعل الأمر خادعاً. ويشخّص المرض بزرع البراز، وربما الدم في حال انتقاله إليه. ويعالج المرض بإعاضة  السوائل الضائعة بالإسهال. ولا حاجة لإعطاء المضادات الحيوية. ونذكر هنا أن المرض بالسالمونيلا يعتبر شائعاً. ففي عام 2004 وحده حصلت مليون ونصف حالة في أمريكا أدّت إلى 15 ألف قبول إلى المستشفى و400 وفاة.


 


 


ماذا عن البندورة


 


كما ذكرنا سابقاً فإن أي من الخضار أو الفواكه هي عرضة للتلوّث بالسالمونيلا مما يجعلها وسيلة لنقل هذا الجرثوم. إن السالمونيلا موجودة في براز الحيوانات المصابة مثل الماشية والطيور والزواحف والضفادع. إن القسم الخارجي من البندورة ــ أي القشر ــ يمكن أن يصاب بالتلوّث بالجرثوم من خلال التماس مع الحيوانات المصابة وليس من غير الشائع أن تتواجد هذه الحيوانات في أماكن الزراعة والتوزيع وعندما تقطع الثمرة تدخل الجراثيم إلى داخلها، وإن قدرة  الجراثيم على التكاثر هي أعلى بكثير في حال تركت دون تبريد مما يزيد قدرتها على إحداث المرض. أما تلوّث البندورة من الداخل فيمكن أن يحصل بطريقتين: إذا غمست البندورة في ماء أكثر برودة من الخضار نفسه فإن الماء يمكن يدخل إليها من خلال ما يدعى (ندبة الجذع) وهو المكان الذي ترتبط به الثمرة إلى النبات أي سرّة البندورة. فإذا كان الماء ملوّثاً تسرّبت الجراثيم إلى داخل البندورة. وأما أثناء الزراعة فإن الماء الملوّث بالجراثيم يمكن أن يتسرب إلى جذع النبات أو زهرته وتصبح الثمار ملوّثة بالتالي.


 


توصيات السلطات الصحية


 


إن السلطات الصحية توصي بتجنب تناول البندورة غير المطبوخة من أنواع (red plum ) و


 (red Roma ) و (round red tomatoes)  مالم تكن من مصادر محددة في نشراتها ولما كانت الإحاطة بهذه المناطق صعبة للغاية فإننا ننصح بتنجب هذه الأنواع حالياً على كل حال أيّاً كان مصدرها. أما الأنواع  الأخرى مثل (cherry tomatoes ) و ( grape tomatoes) و البندورة العنقودية (vine tomatoes )  التي تباع على العناقيد  وأيضاً البندورة التي يزرعها الإنسان في منزله حيث يبدو أن هذه الأنواع لم تسبب المرض.  وغنيّ عن الذكر أن الغسل الوافي بالماء والصابون هو أمر ضروري قبل تناول أية خضار أو فاكهة ويصبح أكثر أهمية الآن بخصوص البندورة. إن التبريد هو أمر هام لأنه يقلل من تكاثر الجراثيم. ويجب تجنب شراء البندورة  التي تكون على سطوحها جروح وفتحات لأنها مصدر لتسرب الجراثيم إليها. وأيضاً إبعاد البندورة عن اللحوم النيئة وغسل أدوات وسطوح تقطيع  البندورة والخضار والفاكهة. ن هذه التعليمات التي أصدرتها السلطات الصحية هي صالحة حتى إشعار آخر، أي حتى تبيّن الدراسات خلوّ البندورة من الجراثيم وأنه أصبح من الآمن تناولها.


 


 


 


 


سؤال أخير


 


وأخيراً أريد أن أسأل سؤالاً أرجو ألاّ يزعج محبّي البندورة والسلطة وتوابعها. هل أن البندورة هي نبات لذيذ ومفيد كما قال (المتنوّرون) مثل الرئيس جفرسون. أم أنها نبات سام ولا يصلح إلاّ لتزيين المنازل كما كان الناس يعتقدون قبل عصر التنوير؟ مجرّد سؤال!!


 


 

Close Menu