داء الفم واليد والقدم!!!

طفلي عمره 4 سنوات. لاحظت منذ أيام أنه بدأ يعاني من ارتفاع في الحرارة. أعطيته بعضاً من الأدوية المضادة للحرارة، وهذا أدى إلى التحسّن، وإن كانت الحرارة لم تعد إلى طبيعتها. بعد ذلك لاحظت أن هنالك نقاطاً حمراء تظهر على يديه. كانت النقاط تتناثر وكأنها لسعات حشرات، هكذا ظننتها. بعد ذلك انتشرت هذه البقع ولاحظت وجودها على أسفل قدميه أيضاً. أصابني ذلك برعب شديد، فهذه هي المرة الأولى التي أشاهد فيها آفات بهذا الشكل. نعم… حصلت لديه في الماضي اندفاعات جلدية، وعندما كنت آخذه إلى طبيبه كان يطمئنني قائلاً إنها اندفاعات فيروسية ولا تحتاج للمعالجة وتزول وحدها، وهذا ماكان يحصل عادةً. ولكن الاندفاعات مختلفة في شكلها وتوزعها هذه المرة. كانت الاندفاعات وحدها كافية لتسبب لي الرعب، ولكن ثالثة الأثافي كما يقولون هي أنني لاحظت بعد ذلك أن طفلي أصبح يرفض تناول الطعام. نظرت في فمه فوجدت آفات صفراء مبيضّة وكأنها قرحات. كانت هذه القرحات موجودة على اللسان وفي البلعوم، وكان المنظر مروّعاً. ماذا عساي أن أفعل؟ أخذت طفلي إلى طبيب الأطفال الذي حاول أن يطمئنني كعادته، ولكن اسم المرض الذي ذكره لي كان جديداً عليّ تماماً. مجرد أن يعاني الطفل من مرض لم يسمع به الأهل سابقاً هو أمر مرعب…..

 

 داء الفم واليد والقدم!! هكذا قال لي الطبيب. ماذا يعني ذلك؟ هل هو مرض خطر؟ كم سيستمر؟ والأهم من ذلك… لماذا لم يصف الطبيب لطفلي المضادات  الحيوية؟

 

أليس غريباً أن يصاب الطفل بــ (التهاب) بهذه الشدة في فمه ويرفض تناول الطعام، فلا يقوم الطبيب بوصف المضادات الحيوية له؟

 

 وأنا مستغربة من أمر آخر، وهو كيف أن  الطبيب قد شخص هذا المرض لدى طفلي دون أن يجري حتى اختباراً للدم لديه؟

 

  ثم أوّلاً وقبل كل شيء. ماهو داء الفم واليد والقدم؟!!

 

تعريف

 

داء الفم واليد والقدم هو عبارة عن مرض فيروسي. يسبب قرحات في الفم، كما أنه يسبب اندفاعات على راحتي اليدين وأخمص القدمين. وفي بعض الحالات تمتد هذه الاندفاعات إلى الإليتين. وهذا المرض ليس خطراً، وعادة ما يزول وحده خلال 7 ــ 10 أيام. وفي معظم الأحيان يحصل هذا المرض في الأطفال الذين هم دون سن العاشرة. وعلى الرغم من أنه قد يحصل في أي شهر من شهور السنة، فإنه غالباً ما يُشاهد في أشهر الصيف والخريف. وقد يحدث على شكل أوبئة تصيب مجتمعات معيّنة أو أطفالاً في مدرسة ما، أو في مدينة ما.

 

فتـّش عن السبب

 

 

إن السبب في داء الفم واليد والقدم هو فيروس من نوع يسمى (الفيروسات المعوية) وغالباً ما يحصل بأحد الفيروسات المعوية يدعى (كوكساكي فيروس 16). وبشكل أقل شيوعاً (إنتروفيروس 71). إن هذا المرض هو مرض معدٍ، ويمكن أن ينتقل من شخص إلى آخر عن طريق اللعاب والمواد المخاطية والبراز أيضاً. وتكون العدوى على أشدّها في الأسبوع الأوّل من المرض، ومع ذلك فإن طرح الفيروس في البراز قد يستمر لأسابيع عديدة بعد اختفاء اندفاعات الفم واليد والقدم مما يؤدي إلى استمرار العدوى. إن فترة حضانة المرض ، أي الفترة التي تمتد ما بين التعرّض للمرض وظهور الأعراض لدى المريض، هي 3 ــ 6 أيام. أي أنها تعتبر قصيرة نسبياً.

 

                                                                                      

                                                                                      

لا ضرورة للاختبارات

 

قد يستغرب الأهل أحياناً أن يشخص الطبيب هذا المرض دون إجراء أي فحوص مخبرية. وفي الحقيقة فليس في الأمر ما يدعو للاستغراب. فالكثير من الأمراض تشخص من قبل الطبيب سريرياً، أي من خلال القصة ونتائج الفحص في العيادة ولا حاجة للاختبارات لأنها في الواقع مضيعة للوقت والمال. ولكن علينا أن نذكر هنا أن السلطات الطبية ــ في بعض الأحيان ــ قد تطلب إجراء فحوص مخبرية دقيقة لتعيين نوعية الفيروس المسبب تماماً. ولهذا الأمر سبب يتعدى تشخيص المرض إلى دراسة سلوك هذا المرض في مجتمع معيّن أو موسم معيّن وله أسباب وقائية وإحصائية أكثر من كونها أسباباً علاجيّة.

 

 المضادات  الحيوية

 

ربما كان موضوع المضادات الحيوية من المواضيع الأكثر ذكراً وتكراراً في طب الأطفال على العموم.

 

 فالأهل يريدون من الطبيب أن يصف هذا النوع من الأدوية عند حصول أي مرض من الأمراض التي يصاب بها الطفل، وهذا خطأ كبير. إن علينا أن نكرر هنا أن المضادات الحيوية إنما تفيد في معالجة الأمراض الناجمة عن الجراثيم أي الــ Bacteria  وليس لها أي دور في الأمراض الناجمة عن الفيروسات كالتهاب المعدة والأمعاء، والزكام وما شابه ذلك من أمراض. ولما كان داء الفم واليد والقدم داءً فيروسياً فإن ما ينطبق على الأمراض الفيروسية الأخرى ينطبق عليه. فلا دور إذاً للمضادات الحيوية في علاجه على  الإطلاق.

 

 إن  الأدوية  التي تستخدم في معالجة هذا المرض إنما هي أدوية تسكينية. فبالإمكان استخدام المسكنات العامة مثل الأسيتامينوفين والأيبوبروفين وغيرها. وهي ــ كما هو واضح ــ مسكنات عامة وخافضات للحرارة يمكن استخدامها في أي مرض مسبب للألم والحرارة، وهي ليست معالجات نوعية للمرض، فهذا المرض ليست له معالجات نوعية، أي أنه لا يتوفر حتى الآن دواء يمكنه أن يقتل هذا النوع من الفيروسات ويقصر بالتالي فترة المرض أو يعجّل الشفاء.

 

ونذكر هنا أن الكثير من الأهل يستخدمون هذه الأدوية  المسكنة وإنما بجرعات أعلى أو أخفض من الجرعات الموصى بها. وبالتالي فإن اتباع تعليمات الطبيب سواء من حيث الكمية أو التوقيت هو أمر بالغ الأهمية لأنه عامل مركزي في نجاح المعالجة واستفادة الطفل من هذه الأدوية  المسكنة.  ويمكن أيضاً استخدام المسكنات الموضعية التي توضع في الفم وتخفف الألم وتمكن الطفل بالتالي من تناول السوائل والطعام وتجنبه حصول التجفف. والدواء المستخدم لهذا الغرض يدعى (الليدوكين اللزج)Viscous Lidocaine  وهو عبارة عن مادة شبه هلامية بإمكان الأهل أن يضعوها على إصبعهم ثم توضع في فم الطفل لتقوم بوظيفة التخدير الموضعي.

 

 ونركز هنا على ضرورة إعطاء كميات كافية من السوائل للمريض. فالمشكلة  الأساس التي نواجهها في هذا المرض هي إحجام الطفل ــ ولا سيما الرضيع ــ عن تناول ما يكفيه من السوائل نتيجة للألم  الحاصل في الفم. وفي حال عدم استجابة الطفل وتناوله كميات كافية من السوائل على الرغم من المعالجات المسكنة، فإننا قد نضطر ــ في حالات قليلة ــ إلى قبول الطفل إلى المستشفى لإعطائه السوائل عن طريق الوريد.

 

 ولا بد لي من أن أذكر هنا أن على الأهل أن يتجنّبوا إعطاء الأسبرين لأطفالهم، وهذه الممارسة وإن كانت نادرة اليوم إلا أننا لا نزال نشاهدها عند الأهل الذين يحضرون الأدوية لأطفالهم من بلدان أخرى وتحتوي على الأسبرين. إن علينا أن نتجنب الأسبرين في أي شخص دون العشرين من عمره حيث أن هنالك علاقة بين هذا الدواء  ومرض خطر جداً على الحياة يدعى (متلازمة راي)، وهو مرض يتميّز بإصابة خطرة للكبد والدماغ ونحن بغنى عنها. ومن مكملات المعالجة تجنّب المواد الحامضية والبهارات وغيرها من المواد التي تهيّج الأغشية المخاطية للفم، لأنها تزيد من الألم وتفاقم المشكلة.

 

الختام

 

إن داء الفم واليد والقدم هو من الأمراض الفيروسية  المتميّزة، والتي يمكن تشخيصها سريرياً بسهولة. وعلى الرغم من أن المظاهر الدراماتيكية لهذا المرض قد تخيف الأهل وتصيبهم برعب شديد، فإنه  من الأمراض البسيطة التي تزول وحدها دون أن تسبب أي أذىً للطفل إلا في حالاتها الشديدة المؤدّية إلى امتناع الطفل عن تناول السوائل. وإن مراجعة الطبيب واتباع التعليمات التي يقدمها للعائلة هي الأساس في معالجة هذا المرض الذي ينتمي إلى ذلك النوع من  الأمراض الذي يمكن أن نطلق عليه  اسم السهل الممتنع.

 

Close Menu