طفل آخر؟… هل حان الوقت؟

 


 


 


 


طفل آخر؟… هل حان الوقت؟


                                      


” من المفيد عند اتخاذ القرارات البسيطة أخذ السلبيات


والإيجابيات بعين الاعتبار.


أما في الأمور المصيرية لحياتنا الشخصية، فإن القرار يجب


أن ينبع من اللاوعي… من مكان ما في أعماق النفس “ 


سيجموند فرويد


 


 


لست أدري ماذا أقول يادكتور!! كلّ شخص يعطيني جواباً مختلفاً لسؤالي. أمي تقول لي: ماذا تنتظرين؟ لقد أصبح عمر طفلكِ الأوّل عامين. هل تريدين أن تنجبي أطفالاً من أجيال مختلفة؟ هل هذا معقول؟ عندما أنجبتكِ ــ وكنتِ طفلتي الخامسة ــ  كان عمر أخيكِ عاماً واحداً، أما أختكِ التي تـَلَتْكِ في السلسلة الذهبية لأسرتنا (الصغيرة) فكانت أصغر منكِ بأحد عشر شهراً. هذا ما أسميه أسرة.


 


 والدة زوجي تعطيني نصيحة مشابهة لما أعطتني إياه أمي. ربما كان هذا رأي جميع أفراد ذلك الجيل، جيل أمهاتنا. لا أدري ماذا أقول. صديقتي إيمان حذرتني من أن أنجب الآن. قالت لي إن تربية الطفل أمر صعب جداً، وأن وجود طفلين متقاربين في العمر في الأسرة يجعل الحياة أصعب بالنسبة للأبوين. وأنا أضيف خصوصاً للأم.


 


 آسفة لأنني قاطعت نهارك الحافل، أنا اتصلت بك هاتفياً حتى لا أسبب لك إحراجاً وحتى لا أقاطع برنامج العمل لديك. المكالمة الهاتفية تظل أسهل وأقصر مدة من اللقاء في العيادة. من الضروري أن يأخذ الإنسان رأي الخبراء. أنت طبيب أطفال، وبالتالي فربما تكون أفضل من يقدّم لي النصيحة بهذا الشأن. سؤالي لك محدد، ما هي المدة العمرية الأفضل التي يجب أن تفصل بين الطفلين؟ قبل أن تعطيني جوابك دعني أعطِك خبرتي الشخصية. لن يتطلّب الأمر وقتاً طويلاً. أرجو أن تعذرني. في حقيقة الأمر تتنازعني مشاعر مختلفة.


 


 من جهة أولى فإن تربية الأطفال أمر صعب جداً. لقد جرّبت ذلك بنفسي. بعد  الولادة مباشرة ــ أي منذ عامين تقريباً ــ قلت لزوجي بكل حزم: سمير هو أوّل وآخر طفل سأنجبه. لم أترك له أي مجال للمناقشة. هو زوج محب متفهّم، وهو يحاول دائماً أن يراعي مشاعري خصوصاً عندما يكون لها سبب. قلت له وقتها: إن الحمل أمر فظيع. تسعة أشهر تنسخها المرأة من حياتها تماماً. عندما حاول أن يبدي وجهة نظره. قلت له: لا تحاول أن تناقشني. من تلقى ضربات العصيّ ليس كمن يعدّها. قال لي: أوافقك على هذا، ولكن إذا فكّرت كل أم بالطريقة التي تتكلمين بها الآن، فإن الجنس البشري سينقرض خلال فترة قياسية. لم أترك له المجال ليعبّر عن وجهة نظره. قلت له من جديد إن كلامه هذا هو كلام نظري. أنا التي عانيت من الحمل، وأنا التي أعاني الآن ــ وقتها ــ في تربية الطفل.


 


أستيقظ خمس مرات كل ليلة لأعتني بسمير. حياتي كلها تم تخصيصها لهذا الطفل الجديد. آسفة يا دكتور. أنا أعلم أنني أشغلك بأمر شخصي. ولكن إذا نظرت للأمر فالأمر ليس شخصياً تماماً. إنه أمر عام يهم كل أسرة، ومن المفيد أن أناقشه معك. أنت تتعامل مع العديد من العائلات ورأيك يهمني كثيراً. طبعاً أنا لا أحاول أن أمنعك من التعبير وتقديم رأيك لي، فالحصول على رأيك هو الهدف من هذه المكالمة أصلاً. كل ما هنالك هو أنني لا أريدك أن تعطيني هذا الرأي قبل  أن تسمع الحقائق كلّها. أنا لم أتصل بك لأقول لك إن المرأة يجب أن تحمل بعد فترة قصيرة أو طويلة من إنجاب طفلها الأوّل. كل ما أحاوله هو أن نتبادل الرأي. هذا هو الهدف.


 


أعود لموضوعي يا دكتور. فإن حقيقة أن المثل القائل: ( من يتلقّى ضربات العصيّ ليس كمن يعدّها) هو مثل واقعيّ. فمنذ أن أنجبت طفلي سميراً، وحياتي مخصصة له بالكامل كما قلت لك. طعامي ليس طعاماً وليست فيه أية متعة، فهو يقاطعني ربما مرتين أو ثلاث مرّات خلال كل وجبة. عندما كان عمره شهراً أو شهرين كنت أقول لنفسي إن عليّ أن أنتظر، فالمأمول هو أن الأمور ستتحسّن كلما كبر الطفل ونضج. ولكنني أدركت فيما بعد أن  الأمور تزداد صعوبةً في حقيقة الأمر. فعندما كان عمره شهرين كان من السهولة بمكان أن أضعه في سريره الصغير ثم أكمل طعامي لأعود وأحمله لاحقاً. وعندما أصبح عمره الآن سنتين أصبحت الأمور أكثر تعقيداً. فوضعه في سريره الصغير ليس ممكناً. هو يحتاج لمراقبة وبإمكانه أن يقفز من سريره. هو يدبّر أموره بشكل لا يتوقعه الإنسان.


 


طلباته أصبحت أكثر نوعية من ذي قبل. وعندما يرفع عقيرته بالبكاء فإن الأمور تصبح مزعجة جداً. كيف يمكن أن تتناول طعامك أو تتابع نشاطاتك وأنت تسمع صوت طفلك يبكي وبصوت يثقب طبلة الأذن. ثم إن الأمر لا ينتهي عند هذا الحد. فالطفل يحتاج إلى العديد من الأمور. ملابسه تحتاج إلى زيارات متكررة للأسواق للحصول على الأفضل. مستلزماته التسوّقية تأتي في الدرجة الأولى، ولوازمنا أنا وزوجي تأتي في الدرجة الثانية. الأمر بهذه البساطة فعلاً. زوجي الذي كان يعارضني في موضوع إنجاب طفل آخر أصبح يميل إلى رأيي في نهاية الأمر. صار يقول لي: معكِ حق. كيف سنتمكن من إنجاب طفل آخر والوفاء بمستلزماته، في الوقت التي تتزايد فيه مستلزمات سمير بشكل فلكي؟


 


 كل أسرة لديها مستلزماتها من كافة وجهات النظر، وقد أصبحنا ــ أنا وزوجي ــ نعتقد أننا بالكاد قادران على الوفاء بحاجات سمير. وأصبح مجرد تصوّر أن ننجب أخاً أو أختاً له أمراً بعيداً عن الاحتمال والتصوّر.


 


طبعاً أنا لا أريد أن يكون حديثي أحادي الجانب. أنا أريد أن أضعك في الصورة الكاملة. فهنالك وجه آخر للعملة. فالمشاعر التي بدأت تتتوهّج في قلبينا ــ أنا وزوجي ــ بعد إنجاب سمير هي أكبر من الوصف. فالأمومة ــ والأبوّة كما يقول لي زوجي دائماً ــ هما شعوران مدهشان. فعندما ننظر في وجه سمير وهو نائم في الصباح، نظن أننا ننظر في وجه ملك. السعادة التي يسكبها في قلبينا هي أمر لا يمكن أن يعبر عنه الشعر فضلاً عن أن يقترب من معانيه النثر.


 


 كثيراً ما يخبرني زوجي أنه بالكاد يستطيع أن ينتظر حتى يمضي النهار ليعود إلى المنزل ويلتقي بأسرته الصغيرة. لقد أصبحنا أسرة صغيرة يا دكتور بكل ما في هذه الكلمة من معانٍ. الترابط … الدفء … الحنان…. الحياة الأسروية ذات المشاعر الخاصة.


 


 نعم… أنا أعاني كثيراً كما قلت من أن طفلنا يستمر وبشكل دائم في مقاطعة أي نشاط أمارسه أو أحاول  أن أمارسه أثناء النهار، ولكن الواقع يقول إنا مجرّد تلبية طلب صغير من طلبات هذا الطفل ذي العينين البرّاقتين هي متعة حقيقية!! إطعامه متعة، وإلباسه لباساً جديداً هو سعادة. وأخذه للتنزّه في حديقة المنزل الصغيرة هو تجربة متوهجة بالدفء و المعاني النبيلة!!


 


عندما يبتسم لي سمير ابتسامته الممتلئة بالسعادة أو عندما يضحك من أعماق قلبه أحس أن إنسانيّتي تعمّقت أكثر، وأنني أحب الحياة أكثر وأكثر. زوجي يقول لي عندما نتناول إفطارنا الصباحي ويشاركنا صغيرنا في تناوله… يقول لي: سمير هو استمرار لنا…..  امتداد لوجودنا… وأنا أوافق على كل كلمة يقولها. عندما نفكر معاً. نقول  إن الإنجاب برغم جميع حرائقه وبرغم جميع سوابقه … أمر يستحق التكرار!


 


 لا يا دكتور … إياك أن تقول إنني امرأة غيرة حازمة ولا تعرف ماذا تريد. أنا أعرف تماماً بماذا أفكّر، وأعرف ماذا أريد، ولكن هذا الأمر الحاسم تتنازعني فيه مشاعر متضادة. وبطبيعة الحال فلا يعقل أن تتهمني ــ وأنا التي لجأت إليك لأستمع إلى رأيك ــ بتهمة التردد. ألا تعتقد يا دكتور أن الأمر مدعاة للتردد؟


 


 بالفعل لا أعرف ماذا أفعل. أنا أكاد أسمع استعجالك من خلف سماعة الهاتف، وأنا أعرف أن هنالك مرضى آخرين تريد أن تعتني بهم. ولكنني لا أريد أن تضع سماعة الهاتف قبل أن تسمع بقية القصة.


 


 فأنا أحب أن أخبرك بالأمر كاملاً…..  أنا الآن يا دكتور ….. …. حامل في الشهر الرابع!


 


 وأنا أعلم أن لديك فضولاً لتعرف بقية فصول الحكاية. وللأسف فأنا لا أعرف فصولها كاملة. ولكنني أعدك أنني سأتصل بك بعد أن أنجب ابنتنا المنتظرة ــ سميرة ـــ وسأخبرك حينها إن كان الإنجاب أمراً يستحق التكرار أم لا. آسفة لكوني قد أخذت هذه الفترة الطويلة من وقتك يا دكتور….. وأعدك بأنه ستكون  بيننا مكالمة بعد فترة قريبة بإذن الله.


 


 

Close Menu