عندما يلسع البعوض!


عندما يلسع البعوض!


نحن الآن في عز الصيف. والصيف في ميشيغان له ميزاته الكثيرة. النباتات مزدهرة، ومياه المطر تهطل بغزارة بين الحين والآخر لتعطي شعوراً يوحي بأننا نعيش في منطقة استوائية! ولكن هذه الميزات ليست هي الوحيدة التي يتصف بها صيف ميشيغان. فهنالك ميزة أخرى نراها في عياداتنا كل يوم في هذا الفصل …. لسعات البعوض!


 


نخاف أو لا نخاف


 


أنا أحاول جاهداً أن أطمئن الأمهات الفزعات اللاتي يحضرن أولادهن إلى عيادتي وقد أصيبوا بلسعات البعوض. ليس من غير المعتاد أن تأتي أم خائفة  وقد أحضرت طفلها الذي أصيب بتورمات متعددة في نواحي جسمه المختلفة من الساقين إلى الساعدين إلى العنق إلى الوجه إلى محيط العينين. وإذا كانت الطمأنة أمراً مهماً، فإن الدقة هي أمر مهم كذلك. فالمشاكل التي يسببها البعوض لا يمكن أن نتجاهلها. ويكفي أن نعرف أن البعوض لا يكتفي بالــ (طنين) في الآذان، ولكنه ينقل الأمراض إلى 700 مليون إنسان في كافة أنحاء المعمورة كل عام. وإذا كنا محظوظين ــ في هذه البلاد ــ  بعدم وجود أمراض خطرة منقولة من قبل البعوض مثل الملاريا، إلاّ أننا ننال نصيبنا منها من خلال أمراض أخرى وعلى رأسها فيروس غرب النيل.


 


 فيروس غرب النيل


 


بطبيعة الحال، فإن أوّل سؤال تطرحه العائلات في حال حصول لسعات البعوض هو: كيف سأعرف إذا كان طفلي سيصاب بفيروس غرب النيل؟


 


 ومع كوننا نؤمن بأن الخوف من فيروس غرب النيل يتجاوز انتشار المرض بحد ذاته، إلا أنه أمر لا يمكن تجاهله أيضاً. وفي حقيقة الأمر فإن الناس المصابين بفيروس غرب النيل يقسمون  إلى ثلاث مجموعات.


 


 الأولى هي الأكبر ــ وتشكل 80% من مجموع المصابين ــ  فهؤلاء لا يعانون من أية أعراض مطلقاً!


 


 والمجموعة الثانية ــ وتشكل حوالي 19% من المصابين بالفيروس ــ تعاني من أعراض بسيطة مثل الحرارة والصداع وآلام الجسم والغثيان والإقياء وربما تورّم العقد اللمفاوية والاندفاعات وآلام المعدة والظهر. وربما استمرّت هذه الأعراض لأيام أو أسابيع.


 


 أما المجموعة الثالثة ــ وهي أقل من 1% ــ فهي التي تعاني من المشاكل الخطرة والتي تتضمن أعراضها الحرارة العالية والصداع الشديد وتصلّب العنق والرجفان والاختلاجات والآلام العضلية وفقد البصر والخدر والشلل.. وتستمر هذه الأعراض لأسابيع عديدة، وربما كانت المضاعفات العصبية دائمة.


 


 


ليس هذا هو الهدف


 


إن الغرض من هذا المقال بالطبع ليس الحديث المفصّل عن فيروس غرب النيل، ولكنه الحديث عن البعوض ولسعاته بشكل عام، كما أن الهدف من الفقرة السابقة ليس بث الرعب، ولكنه يتلخص بعبارة بسيطة هي : الوقاية خير من العلاج. فمن المعروف أن فيروس غرب النيل لا علاج له حتى الآن، وإنما تكون المعالجة داعمة، أي بقبول المريض إلى المستشفى والقيام بالمحافظة قدر الإمكان على الجهاز العصبي، ريثما يتمكن الجسم ــ إن استطاع ــ من التغلّب على هذا المرض. والنقطة الهامة كما هو واضح هو تجنّب لسعات البعوض من الأصل قدر الإمكان.


 


 المعالجة باختصار


 


عندما يصاب الطفل ــ أو البالغ ــ بلسعة من لسعات البعوض، فإن الهم الشائع هو التحسس من اللسعة. وكثيراً ما يتجلّى هذا التحسس بتورّم محيط بمنطقة اللسعة. على أن التورّم قد يتجاوز منطقة اللسعة ويحصل في مكان بعيد عنها. فالإصابة بلسعة في منطقة القدم، قد تؤدي إلى تورّم في الوجه في بعض الأحيان. وبالتالي فإن المهمة هنا تكون إعطاء بعض مضادات التحسس عن طريق الفم. ومن المهم أن نعلم أن إعطاء مضادات التحسس الموضعية ليست لها فائدة كبيرة. وعلى الرغم من المعالجة، فإن الأعراض قد تستمر لعدة أيام بعدها، كما أن البعوض قد يهاجم من جديد ويؤدي إلى آفات جديدة.


 


 الوقاية الجماعية


 


إذا كان البعوض منتشراً للدرجة الكبيرة التي نعرفها، فكيف يمكن تجنب لسعاته؟


 


إن الأمر يتعدى الجهود الفردية إلى الجهود الاجتماعية. فالهدف أن يتعاون الناس على العموم لمنع تكاثر البعوض وذلك بالتخلّص من أماكن تكاثره. فالحفرات  والأحواض التي يتجمع فيها الماء بعد هطول المطر يجب إفراغها، كما أن التخلّص من القمامة ــ التي يجد فيها البعوض مكاناً ممتازاً لتكاثره ــ يجب التخلّص منها أيضاً. إن تضافر جهود الناس سيؤدي إلى التخفيف من وطأة البعوض بشكل ملحوظ، وهذا الأمر ليس  مقصوراً على السلطات المختصة كما قد نظن. وتتبع ذلك بطبيعة الحال بعض الوصايا الفردية.


 


 


 


 


الوقاية الفردية


 


إن على العائلة أن تقوم ببعض الأمور الوقائية التي ستخفف دون شك من الإصابة بلسعات البعوض، وإن كانت لا تتخلّص منها بشكل كامل. وقاعدتنا هنا هي : ما لا يدرك كلــّه لا يترك جلـّه. ومن بين هذه التوصيات تجنب الخروج من المنزل في الفترات التي يزداد أثناءها نشاط البعوض، مثل الفترات المسائية وفترة الفجر. ويضاف إلى ذلك ارتداء الملابس ذات الأكمام الطويلة، فمن المعروف أن أهم أماكن لسع البعوض هي أجزاء الجسم المكشوفة في الصيف كاليدين والساعدين والقدمين والساقين. ومن ذلك تجنب استخدام العطور والمساحيق والصابون ذي الرائحة الزكية في الأماكن التي يكثر فيها البعوض، فالبعوض ينجذب إلى الإنسان من خلال الرائحة، وهذه الأنواع من الروائح ستثير انتباهه!


 


 ونضيف إلى هذا استخدام المواد الطاردة للبعوض والتي تأتي على شكل دهون و(بخاخ) وغير ذلك، فهذه المواد مصممة لطرد البعوض وتنفيره ومنعه بالتالي من اللسع. ولكن ما هي أهم المواد الطاردة للبعوض؟


 


كلّهم يوصون به!!


 


 


كثيراً ما نسأل في عياداتنا عن أفضل المواد التي تقي من لسعات البعوض. وجوابي عن هذا السؤال هو دائماً واحد: فتش عن الــ D.E.E.T.


وعندما يسألني الأهل لماذا أوصي بهذه المادة تحديداً على الرغم من وجود الكثير من المواد في الصيدليات وأماكن بيع الأدوية، فإنني أجيب دائماً بأننا نوصي بما توصي به الهيئات المسؤولة الصحية في البلاد والتي تعنى بهذا الشأن.


 


وميزة هذه المادة هي أن جميع الدراسات التي أجريت بشأنها أثبتت فعاليتها وتفوّقها على المواد الأخرى ، كما أنها أثبتت سلامتها أيضاً. فالجمعية الأمريكية لطب الأطفال، ومركز التحكم بالأمراض، والجمعية الأمريكية لطاردات الحشرات ووكالة حماية البيئة الأمريكية وغير ذلك من المؤسسات الصحية المهمة جميعها توصي بها.  وفي واقع الأمر فإن الخبرة بهذه المادة تتجاوز أربعين عاماً. حيث تم تطويرها في البداية ليتم استخدامها من قبل الجنود لتجنب لسعات الحشرات، ثم تم نشرها في أمريكا وتسويقها للعموم في عام 1957.


 


 


هل هي فعّالة؟


 


إن فعالية هذه المادة مؤكدة. وقد تم إجراء بعض الدراسات في أمريكا والتي أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك كونها أفضل بكثير من المواد الأخرى المستخدمة في هذا المجال. وهي تتوافر بكثافات مختلفة تتراوح بين 10% و30%. كما أنها موجودة تحت أسماء تجارية مختلفة أهمها المنتج المسمى OFF


وهو يباع في الصيدليات، وأيضاً في المشاتل التي تبيع المواد الزراعية والنباتات والبذور.


 إن استمرار التأثير يختلف حسب التركيز، ومن المعروف أن استخدام المواد ذات التركيز 30% يستمر لمدة خمس ساعات، وهي مدة كافية للانتهاء من نزهة مثلاً. وفي حال استمرار الحاجة لهذه المادة فلا بد من إعادة تطبيقها على الجلد.


 


 


 


هل هي سليمة؟


 


إن الدراسات الواسعة قد أثبتت سلامة هذه المادة إلى حد بعيد طالما تم استخدامها وفقاً للإرشادات التي توجد على عبوّاتها. ومن نافلة القول أنها يجب ألا تستخدم في الفم أو على الجروح أو في العين إلخ. وطالما أنها استخدمت على الجلد فقط، فهي سليمة. وبالنسبة لاستخدامها لدى الأطفال، فإن الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال تسمح باستخدامها طالما كان الطفل فوق الشهرين من العمر، وإن كانت هنالك دراسات أخرى تقول إن استخدامها يجب أن يكون فوق السنتين من العمر. 


 


الوقاية أوّلاً


 


إن الوقاية كثيراً ما تطل بوجهها الجميل من الباب الخلفي في كثير من أحاديثنا، ولكنها ــ عندما يتعلّق الأمر بلسعات البعوض ــ تعتبر هي الأمر الرئيس، وربما الوحيد، المفيد في هذا المجال. وإن اتباع هذه التوصيات التي ذكرناها في حديثنا اليوم مفيد إلى حد كبير، وهو سيساعد العائلات على قضاء صيف ممتع بعيد عن البعوض ولسعاته الواخزة!


 


 

Close Menu