عن الجوارب وضعف البصر والإرضاع الطبيعي!!!

 


 


 


عن الجوارب وضعف البصر والإرضاع الطبيعي!!!


 


 


كلّما أتى عليّ حين ظننت فيه أنني سمعت جميع الخرافات المتداولة بين الناس بشأن صحتهم وصحة أطفالهم، حصلت حادثة أعلم من خلالها أن أمامي الكثير مما يجب أن أتعلّمه. هذا ما قلته للسيّدة الكريمة التي سألتني سؤالاً بسيطاً الأسبوع الماضي. قالت لي: أصحيح أن إلباس الوليد الجوارب يؤدّي إلى ضعف البصر لديه؟!!


 


 استعدت السيّدة ما قالته من كلام. فحقيقة ــ وبكل إخلاص ــ ظننت أنني لم أسمعها جيّداً. وأعادت السيّدة الكريمة عليّ ما قيل لها. وعندما نقول قيل ونسند فعل القول للمجهول، فإننا نختصر الكلام كثيراً. فالقائل طبعاً هن (الخبيرات) من السيّدات من ذوات (المعرفة) الخاصة والتجارب العريقة. فلكل منهن عشرة من الأطفال أو أكثر وهذا يجعل كل ما يقلنه كلاماً صحيحاً لا غبار عليه.


 


 المهم أنني لم أدرِ ماذا يجب عليّ أن أقول للأم التي سألتني هذا السؤال. فمجرّد الإجابة عليه أعطتني شعوراً غريباً. هل كان عليّ أن أقول لها: لا!! إن إلباس الطفل الجوارب لا يؤدّي لديه إلى ضعف البصر؟!!  مجرّد وضع جملة بهذا التركيب يجعل الإنسان يشعر بالبعد عن المنطق! وفي الماضي كنا قد تكلّمنا عن الاعتقاد الخاطئ لدى بعض الناس بأن إلباس الطفل الملابس الصفراء يقيه من مرض اليرقان الأصفر، وكيف أن هذا الأمر لا أساس له من الصحة. وفي ذلك الأمر كانت هنالك علاقة من نوع ما بين اليرقان والملابس الصفراء. لنقل إنها علاقة لونية! أما عن ماهية العلاقة بين الجوارب وضعف البصر، فمن الصعب عليّ ــ أو على أي إنسان ــ أن يجد أي نوع من الارتباط. وفي جميع الأحوال فقد جعلني ذلك الحوار القصير أتذكر بعضاً من المعتقدات الخاطئة الأخرى ــ المنطقية ــ التي نراها يومياً في عياداتنا، والتي أعتقد أن من  المفيد أن نسلّط عليها الضوء .


 


 وكانت المشكلة التي واجهتها هي أن الخرافات كثيرة جداً ومن غير الممكن أن نحيط بها جميعاً في حديث واحد. وكان لا بد من اختيار موضوع محدد والتكلّم عن المعتقدات الخاطئة الشائعة فيه.  وقد اخترت اليوم أن أسلّط الضوء على بعض المعتقدات الخاطئة المتعلّقة بالإرضاع الطبيعي، وذلك نتيجة لشيوعها الكبير بين الأمهات، وانتشارها من امرأة إلى أخرى ومن جيل إلى آخر. وموضوع  الإرضاع  الطبيعي هو من المواضيع ذات الأهمية الخاصة لأن الأمهات القديمات كن يتناقلن معلوماته بشكل مستمر وكأنهن يتناقلن سرّا خطراً من أسرار الكيمياء، أو كأنهن يتحدّثن عن سر الكونكورد!


 


 والمشكلة في الأمر أن الكونكورد ذاتها توقف العمل بها وأحيلت إلى  التقاعد، أما نصائح الجدات المتعلّقة بالإرضاع الطبيعي ــ وبغيره طبعاً ــ ما تزال تستخدم وتتمتع بشعبية كبيرة حتى لدى الأمهات الشابات اللاتي لا يزلن في المرحلة الأولى من مراحل الأمومة.


 


الطفل الذي يرضع كثيراً


 


تعتقد الكثير من الأمهات المرضعات أن الطفل الذي يرضع بشكل متكرر من أمه لا يشبع من  الحليب. وهذا المعتقد خاطئ، فحقيقة الأمر أن حليب الأم سهل الهضم جداً، وبالتالي فإن تكرر الرضاعة ناجم عن هذا الأمر ولا يعني مطلقاً أن الطفل لا يحصل على ما يكفيه كل مرة.


 


 إن من الحكمة أن نقوم بإرضاع الطفل ــ الذي يتم إرضاعه بشكل طبيعي ــ كل ساعتين إلى ثلاث ساعات، وهذا يجعله يحصل على ما يكفيه. إن الكثير من الأمهات يعتقدن ــ  عندما يشاهدن أطفالهن يرضعون منهن بشكل متكرر ــ أن حليبهن (لا يشبع) الطفل، وبالتالي فإنهن يفكرن فوراً باستخدام الحليب الصناعي لما يعتقدن أنه سبب هام ووجيه. وإن الحقيقة أن البرهان على خطأ هذا الكلام يتم على الميزان في عيادة طبيب الأطفال، ففي معظم الأحوال ــ إن لم نقل في جميعها ــ يكسب هؤلاء الأطفال الوزن بشكل ملائم يثبت عدم وجود أية حاجة لاستخدام الحليب الصناعي.


 


 


راحة الأم وإدرار الحليب


 


تعتقد بعض الأمهات المرضعات أن الحصول على بعض الراحة من الإرضاع ، كالانقطاع عنه ليوم أو يومين ، يساعد على إنتاج كميات كبيرة من الحليب. وهذا المعتقد خاطئ تماماً. فالمفتاح الرئيس في نجاح الإرضاع الطبيعي هو الاستمرار والمتابعة. إن الهرمونات المسؤولة عن استمرار إنتاج حليب الأم، إنما تزيد من خلال حركات المص التي يقوم بها الطفل. وفي حال إعطاء الأم راحة لمدة يوم أو يومين، فإن ذلك يؤدي إلى تراجع كميات الحليب. وهذا ــ بالطبع ــ يعاكس الهدف المطلوب.


 


بل إننا نزيد على هذا الأمر، أن الأم في حال اضطرارها للتوقف عن إرضاع الطفل بسبب مرض أو أمر آخر، فإن عليها أن تستخدم مضخة الحليب للمحافظة على استمرار إنتاجه، وإن اضطرت للتخلص من هذا الحليب المستخرج. إن استمرار استخراج الحليب بوساطة الطفل أو المضخة هو أمر أساس في استمرار إنتاج الحليب.


 


الحليب الصناعي والنوم


 


تعتقد بعض الأمهات أن الطفل الذي يتم إرضاعه بوساطة الحليب الصناعي ينام أكثر من الطفل الذي يتم إرضاعه بشكل طبيعي من الأم. وهذا معتقد له أساس بسيط وهو أن هضم الطفل للحليب الصناعي أبطأ وبالتالي فإن حاجة الطفل للرضعة القادمة تحصل بعد فترة أطول من الطفل الذي يتم إرضاعه بالحليب الطبيعي. ولكن إذا أخذنا بعين الاعتبار أن احتمال حصول المغص لدى الطفل الذي تتم تغذيته بالحليب الصناعي هو أعلى من احتمال حصوله لدى الطفل المغذى بحليب الأم، أدركنا أن هذا الفارق البسيط لا يستحق على الإطلاق أن نأخذ بعين الاعتبار احتمال تغيير طريقة التغذية إلى الحليب الصناعي. 
 


 


الإرضاع وإيقاظ الطفل


 


تعتقد بعض الأمهات أنه يجب ألاّ يتم إيقاظ الطفل بعد  إرضاعه، وأن الجوع سوف يوقظه في الوقت المناسب. وهذا الاعتقاد غير صحيح.


 


 فحقيقة الأمر أن الطفل قد يتغلّب شعور النوم عنده على شعور الجوع. وبالتالي فإن على الأم ــ وخصوصاً في الأشهر الأولى من الحياة ــ أن تقوم بإيقاظ الطفل بعد فترة نوم أقصاها أربع ساعات. وهي الفترة التي نتوقع أن يكون الطفل بعدها قد هضم ما رضعه من حليب وهو بالتالي يحتاج إلى الوجبة التالية. إن شعور الجوع لدى الرضيع  الصغير ليس ناضجاً بما فيه الكفاية كما هو الحال لدى الكبير، وبالتالي لا يمكن الركون إليه وترك الطفل ينام كما يحلو له لأن هذا قد يعرّضه إلى نقص التغذية.


 



 


الإرضاع والزجاجة


 


تعتقد الكثير من الأمهات أن الطفل الذي يتم إرضاعه طبيعيّاً سوف يتوقف عن تناول ثدي الأم بمجرّد إعطائه زجاجة. وهذا الاعتقد له أساس. فالإكثار من تقديم الزجاجة للطفل قد يؤدي إلى شعوره بالارتياح أكثر عندما يتناول الزجاجة. فتناول الحليب من الزجاجة أسهل بكثير من تناول الحليب من ثدي الأم الذي يحتاج إلى جهد كبير يبذله الطفل. والطبيعة الإنسانية ــ حتى لدى الرضيع ــ تميل على العموم للأخذ بوسائل الراحة.


 


 ولكن حقيقة الأمر هو أن بإمكاننا استخدام الزجاجة بحكمة والمحافظة على الإرضاع الطبيعي. والوسيلة إلى ذلك هو عدم المبالغة في إعطاء الزجاجة، بل تقديمها مرة أو مرّتين في اليوم مع الاستمرار بإرضاع الطفل من الثدي، وبهذه الطريقة يمكن للأم أن تستخدم الزجاجة في بعض الحالات الضرورية كأثناء كونها خارج المنزل وما شابه ذلك. وحتى في حال إعطاء الزجاجة، فإن بالإمكان أن نعطي فيها حليب الأم المستخرج بوساطة المضخة.


 


 


الإرضاع ومنع الحمل!!


 


 


تعتقد بعض الأمّهات أن الإرضاع يؤمن حماية كاملة من حصول الحمل، ويعتمدن عليه بشكل كامل كوسيلة لمنع الحمل. وفي حقيقة الأمر فإن الهرمونات التي يتم إفرازها في فترة الإرضاع تمنع حصول الإباضة لدى المرأة. ولكن هذا الأمر يحصل بنسبة 98%. وهي حماية جيّدة ولكنها كما هو واضح ليست كاملة. وبالتالي فإذا كانت الأم لا تريد حصول الحمل خلال هذه الفترة فإن عليها ألاّ تركن إلى هذه الوسيلة كطريقة لمنع الحمل. وعليها أن تستشير طبيبة الأمراض النسائية لتوصي بطريقة أخرى للوصول للهدف المطلوب. إننا إذا نظرنا في محيطنا وعددنا الأطفال الذين تم إنجابهم بعد 10 أشهر من إنجاب طفل سابق عرفنا بكل وضوح أن الإرضاع ليس طريقة موثوقة يعتمد عليها لمنع  الحمل!!


 


 

Close Menu