قصة الإقياء (غير البريء) في الرضّع!

 




القلس المعدي المريئي


 قصة الإقياء (غير البريء) في الرضّع!


 


 


كيف سيزيد وزن طفلي؟ سألتني الأم. أنا لايمكنني أن أتصوّر كيف يمكن أن يزيد وزن طفلي أحمد في الوقت الذي يتقيّأ فيه كل كمية يتناولها من الحليب. ففي كل مرة أقوم بإرضاعه الزجاجة يتقيّــأ فتمتلئ ملابسه من هذه المادة التي يتقيّؤها. أنا لا أدري ماذا أفعل. الأمر يخيفني فعلا ً .


 


هذا هو الوجه الأوّل للقصة. وهي حكاية نسمعها كل يوم من عياداتنا. أم مصابة بالذعر بشأن مشكلة يعاني منها طفلها. ولها كل الحق.


 


أما الوجه الآخر للقصة فيحكيه طبيب أطفال كتب مقالاً في صحيفة طبية. يقول الطبيب في مقاله، إنه في كل مرة كان يسمع قصة مشابهة لما ذكرناه كان يقوم بإحضار قطعة من ملابس الأطفال يحتفظ بها في عيادته، ثم يقوم بسكب كمية قليلة من الحليب عليها. ويظهر للعائلة الخائفة كيف أن كمية قليلة نسبيّا ً من الحليب يمكن أن تلوّث ثوباً كاملاً من ملابس الرضع، وذلك للتخفيف من ذعر العائلة. وبين وجهي القصة تكمن معادلة صعبة لا بد من حلّها.


 


 


 


الإقياء


 


لا بد لنا من أن نذكر أن قضية الإقياء في الرضيع هي من القضايا الشائكة والمحيّرة. فمن جهة يشيع هذا الأمر لدرجة كبيرة. فمعظم الأطفال الرضع يصابون بالإقياء لدرجات مختلفة. وبالتالي فإن وظيفة الطبيب تجاه العائلة في هذا المجال هي الطمأنة أكثر من أي شيء آخر. ولكن من جهة أخرى فإن الإقياء ــ وخصوصاً الشديد والمعنّد منه ــ يؤدي إلى مضاعفات ويمثل مرضاً قد يحتاج في معالجته لأدوية خاصة، وحتى للجراحة. فكيف يمكن أن يحدد الطبيب والعائلة الموقف المطلوب في هذا المجال؟


 


 


الإقياء البريء


 


إن أكثر حالات الإقياء في الرضع تنتمي في واقع الأمر إلى فئة الإقياء البريء الذي لا يحتاج لأية معالجة، وله أسباب متعددة منها الضعف الخفيف في العضلة الكامنة بين المعدة والمريء. وبالتالي فإن أية زيادة في ضغط البطن تؤدي إلى عودة الطعام من المعدة إلى المريء ومن ثم إلى الإقياء. وفي أحيان أخرى قد يكون السبب عدم تلاؤم الطفل مع الحليب المقدّم له. كأن يكون الطفل مصاباً بالتحسس تجاه حليب البقر، وبالتالي فإن حليب الأطفال الصناعي المقدم له يؤدي  إلى الإقياء. وفي بعض الحالات فإن تغذية الطفل بالإرضاع الطبيعي قد تترافق مع الإقياء في حال إصابة الطفل بالتحسس لحليب البقر، فإذا قامت الأم بتناول حليب البقر تسرّبت بعض المواد البروتينية البقرية من خلال حليب الأم إلى الطفل مما يؤدي إلى إصابته بالانزعاج المعدي ومن ثم الإقياء. كذلك ففي بداية الأمر قد لا تكون حركات المص والبلع لدى الرضيع متناسقة، وبالتالي فإنه يقوم بمص كميات كبيرة لا يستطيع جهازه الهضمي التعامل معها بالبلع، وهذا يؤدي إلى الإقياء.


 


إن جميع هذه الحالات المذكورة يمكن أن نختصرها بما يمكن أن ندعوه (الإقياء البريء) وهو عبارة عن إقياء بسيط يمكن التعامل معه والسيطرة عليه دون أية معالجة، أو ببعض التعديلات البسيطة على الغذاء كتغيير الحليب البقري إلى حليب فول الصويا الذي لا يتحسس له الطفل، أو إلى الحليب الذي أزيل منه اللاكتوز وهو سكر الحليب والذي قد يتحسس الطفل له في بعض الأحيان. أما الإقياء غير البريء فله حكاية أخرى.


 


 


الإقياء غير البريء


 


كما في حالة الإقياء البريء، فإن الإقياء (غير البريء) له أسباب متعددة، ولكننا لسنا في صدد تعدادها جميعاً. ويمكننا في هذه العجالة التكلّم عن أهم سببين له.


 


 فالسبب الأوّل فهو القلس المعدي المريئي، و الثاني فهو تضيق البوّاب.


 


 وحتى نعلم معنى هذين المرضين فلا بد لنا من أخذ فكرة عن تركيب المعدة. إن المعدة تبدأ بمنطقة انصباب المري فيها. وهذه المنطقة تدعى (الفؤاد). والحدود الانتهائية للمعدة فهي منطقة انصبابها في الأمعاء الدقيقة وهي تسمى البوّاب. ففي حالة القلس المعدي المريئي يكون هنالك ارتخاء في العضلة التي تفصل المعدة عن المريء يؤدي إلى عودة الطعام من المعدة إلى المريء ومن ثم الإقياء. وفي حالة تضيّق البوّاب فإن مخرج المعدة يكون متضيّقاً مما يؤدي إلى عودة المواد الطعامية بالطريق المعاكس أي باتجاه المري نتيجة لعدم تمكنها من العبور إلى الأمعاء. وهذا يؤدي إلى الإقياء أيضاً.


 


 


تضيّق البوّاب


 


إن مشكلة تضيّق البوّاب هي مشكلة تحتاج للمعالجة الجراحية. حيث أن هنالك تسمكاً كبيراً في جدار العضلة المكوّنة للبوّاب(مخرج المعدة) وهذه المشكلة لا تحل بالمعالجة الدوائية. وتكثر هذه الحالة بعمر حوالي شهر. وفي حال حصولها يصاب الطفل بالتجفف الشديد نتيجة للإقياء مما يحتاج في بداية الأمر إلى المعالجة في المستشفى بسوائل وريدية خاصة لإصلاح حالة التجفاف الشديد، وبعد ذلك تتم المعالجة الجراحية بخزع منطقة البوّاب لإعادتها إلى السماكة الطبيعية. ونذكر هنا أن الإقياء في حالة تضيق البوّاب يكون نافوري الشكل، أي أنه شديد لدرجة كبيرة وواضحة. كما أن الطفل يعاني من مشكلة عدم زيادة الوزن وهي علامة سيئة في حال ترافقها مع الإقياء.  


 


 


 


 


القلس المعدي المريئي


 


إن هذا المرض ناجم كما ذكرنا عن ضعف العضلة المعدية المريئية (أو ما يدعى المعصرة المريئية السفلية). وتتميـّـز هذه الحالة بإقياء متكرر، كما أنها قد تترافق ببعض المشاكل الأخرى مثل المغص والمشاكل الغذائية والاختناق المتكرر. وفي بعض الأحيان قد يصاب الرضيع بنقص النمو الناجم عن عدم الاحتفاظ بكميات كافية من الغذاء. وقد يقوم الطفل باستنشاق المواد الطعامية التي يتقيّؤها مما يؤدي إلى بعض المشاكل التنفسية مثل الوزيز (الذي قد يتشابه مع الربو في بعض الأحيان) أو صعوبة التنفس أوذات الرئة المتكررة. إن جميع هذه المشاكل قد يتم التعامل معها بشكل مستقل ودون التفكير بتشخيص القلس المعدي المريئي مما قد يؤدي إلى تأخر التشخيص وحصول المضاعفات.


 


التشخيص


 


إن تشخيص القلس المعدي المريئي يمكن أن يتم من خلال بعض الإجراءات الشعاعية والمخبرية والتي قد تحتاج إلى تدخل الأخصائي في الكثير من الأحيان. فهنالك ما يدعى (اللقمة الباريتية) وهي الصورة الشعاعية التي يتم إجراؤها بعد إعطاء الطفل مادة الباريوم الظليلة. وهنالك ما يدعى مسبار درجة الحموضة، والذي يكشف وجود المادة الحمضية في المري. وهنالك تنظير المري والمعدة من قبل الاختصاصي بالأمراض الهضمية، حيث يتم إدخال منظار مرن في فم الطفل ومن ثم إلى المريء والمعدة وربما تم أخذ بعض الخزعات من المري أثناء هذا الإجراء لكشف التغيرات النسيجية التي قد تطرأ على المري بسبب تسرب الحمض إليه. إن جميع هذه الإجراءات التشخيصية تساهم في وضع صورة دقيقة للمرض تساعد في البدء الباكر في معالجته.


 


المعالجة


 


إن هنالك الكثير من الإجراءات العلاجية في حال القلس المعدي المريئي منها رفع رأس الطفل إلى مستوى أعلى من مستوى بطنه وذلك لاستخدام الجاذبية الأرضية من أجل الاحتفاظ بالمادة الطعامية في المعدة ومنع عودتها إلى المري. وأحياناً قد نلجأ إلى إضافة مطحون الأرز إلى الحليب وهذا يجب ألا يتم مطلقاً إلا باستشارة الطبيب. وربما تمت إضافة بعض المواد الصلبة إلى طعام الطفل في حال كونه قد وصل إلى سن تسمح بذلك. وربما لجأ الطبيب لاستخدام بعض الأدوية أحياناً ومنها الأدوية التي تنقص إفراز الحمض في المعدة وتمنع بالتالي تأذي بطانة المري الناجم عن عودة الحمض إليه. وقد يتم استخدام بعض الأدوية التي تحسّن حركة المعدة بالاتجاه الصحيح … أي الذي يشجع تقدم الطعام باتجاه المري بدلاً من عودته بالاتجاه المعاكس. ولا بد من أن نذكر هنا أن بعض أدوية معالجة القلس المعدي المريئي لا تخلو من التأثيرات الجانبية التي قد تكون سيئة. وبالتالي فإن استخدامها يجب ألا يتم دون استشارة الطبيب، مع المراقبة المستمرة لأية أعراض غريبة يمكن أن تحصل خلال تناولها. ولا بد من أن نذكر هنا أنه في أحيان قليلة قد يحتاج الطفل المصاب بالقلس المعدي المريئي إلى المعالجة الجراحية. وأشهر أشكال الإجراءات الجراحية هو عملية Nissen والتي تعطي نتائج جيدة في الحالات الشديدة من القلس. 


 


 


 


 


 


التوازن أوّلاً


 


إن التعامل مع حالات الإقياء في الطفل لا بد من أن يتصف بالتوازن. فمن جهة يجب أن نتناول الأمر بأعصاب هادئة وبشكل بعيد عن الانفعال. ومن جهة أخرى لا بد من أن نتعامل بجدية مع حالات الإقياء التي تزداد شدة وتواتراً. إن التوازن هو من أهم القواعد التي يجب استخدامها في حل المشاكل الطبية. والإقياء عند الرضع ليس استثناءً في هذا الأمر


 


 


 


 


 


 


 

Close Menu