لماذا يزداد انتشار الربو؟ ولماذا تتزايد أدويته؟


 


 لماذا يزداد انتشار الربو؟ ولماذا تتزايد أدويته؟


قالت لي الأم: أحب أن أسألك سؤالاً.


 قلت: تفضلي.


 قالت: لديّ أربعة أطفال، اثنان منهم مصابون بالربو. ولديّ ثلاثة من أولاد أخواتي مصابون بالمرض نفسه. وأنا أعرف على الأقل سبعة أطفال لصديقاتي مصابين بهذا المرض. عندما كنا في بلادنا بالكاد كنا نسمع بكلمة (الربو) واليوم نرى هذا الداء في كل مكان. ما هو السبب؟


وأريد أن أسألك سؤالاً آخر. بين الفترة والأخرى أسمع باسم دواء جديد للربو لم أكن أسمع به من قبل. فهل هذه الأدوية ضرورية؟ وما هو عمل كل منها؟ لقد أصبح الأمر مشوّشاً حقاً بالنسبة لي.


 


سؤالان وجيهان حقاً


سؤالا  الأم الكريمة وجيهان حقاً. فبالنسبة للسؤال الأوّل فإنه يحوي حقيقة تقرّها دراسة نشرتها ــ  في الثاني والعشرين من كانون الأوّل الجاري ــ مراكز التحكم بالأمراض في الولايات المتحدة الأمريكية. حيث تقول إن حوالي 9% من الأطفال الأمريكيين تحت عمر 18 سنة هم مصابون بالربو!! أي أن هنالك الآن ستة ملايين ونصف طفل مصابون بهذا الداء. وهو رقم عالٍ جداً. ويبلغ أكثر من ضعف الرقم الذي كان موجوداً في عام 1980. وهذه الزيادة خلال ربع قرن من الزمان هي ــ في عرف  الأخصائيين بالوبائيات والأمراض ــ هي زيادة لا تصدّق. وهنالك في الواقع فروق بين العروق في هذه المشكلة. حيث أن النسبة تبلغ 8% بين الأطفال البيض، و12% بين السود و19% بين الأطفال البورتوريكيين!


 ولكن …. لماذا يتزايد انتشار الربو؟


 


النظافة هي السبب!!


ليست لدى العلماء والمختصين إجابة دقيقة على هذا السؤال. إنما هي نظريات تطرح بين الحين والآخر. ولعلّ أغرب هذه النظريات هو أن النظافة والوقاية هما المسؤولان عن ذلك.


 إن انتشار المواد المنظفة والمعقمات التي تدخلها المضادات الحيوية وكذلك إعطاء اللقاحات على نطاق واسع أدى إلى أن الطفل عملياً محمي من الكثير من الجراثيم والفيروسات التي تتواجد في المحيط. وبالتالي فإن الجهاز المناعي للطفل لا يتم تحريضه باكراً كما كان الأمر عليه في الماضي. أي أن الجهاز المناعي لا يضطر لمواجهة المصاعب منذ الطفولة الباكرة كما كان يحصل سابقاً. وهذا ــ حسب اعتقاد  العلماء ــ قد زاد من حصول الربو. وهنالك نظريات أخرى ذ ُكرت أيضاً وتتمتع ببعض المصداقية، فالطريقة التي يتم بناء البيوت بها حالياً تسعى لجعل البيوت كتيمة لحفظ الحرارة من الضياع، ولكنها في الوقت نفسه تحفظ جميع  المحسسات ــ كالغبار والعفن وغير ذلك ــ داخل المنزل فيستنشقها الطفل باستمرار ويصاب بالربو. ونلاحظ هنا الفرق بين بناء البيوت في الغرب وبين ذلك في البلاد العربية حيث نوافذ المنزل كبيرة والغرف مفتوحة إحداها على الأخرى مما يجعل تهوية المنزل أسهل بكثير هناك منها في الدول الغربية التي يفرض فيها الطقس البارد في الشتاء هذا النوع من البناء.


 وهنالك أيضاً من يربط انتشار الربو بازدياد السمنة حيث بيّنت الدراسات علاقة بين السمنة والربو. ونذكر هنا أمراً هاماً وهو أن الوفيات الناجمة عن الربو قد أصبحت أقل من الماضي، وذلك نتيجة لتقدم أساليب المعالجة. وهذا في واقع الأمر يقودنا إلى السؤال الثاني الذي طرح في بداية الحديث. فالأدوية التي تتم معالجة الربو بها قد  ازدادت إلى درجة أصبحت مشوّشة للأهل في واقع الأمر، مما يوجب إعطاء شرح عن وظائف وطريقة عمل أهمّها.


 


الأدوية


هنالك الكثير من الأدوية التي تستخدم في الربو. وإجابة على المطروح من قبل الأم فإننا نقول إن هذه الأدوية لا شك ضرورية ولكن بشكل يحدده الطبيب. إن أهم الأدوية  المستخدمة في الربو هي


Ventolin (Albuterol Sulfate)


Pulmicort


Prednisone


Loratadine


Flonase


Singulair


وسنقوم بإعطاء شرح مختصر عن كل منها ووظيفته




آلية الربو



قبل أن نقدم شرحاً عن أدوية  الربو، فلا بد من تقديم فكرة عن آلية حصوله. إن الطفل المصاب بالربو هو طفل مصاب بالتحسس. وهذا التحسس له جانبان الذاتي والبيئي. فالطفل يولد ولديه الاستعداد الشخصي للربو ولكن البيئة بعناصرها المختلفة تزيد حصوله. ومن العناصر البيئية غبار الطلع للأشجار، والغبار، والعفن ، والتدخين وغير ذلك. وعند تعرّض الطفل للمادة المحسسة تحصل ثلاثة تغيرات أوّلها هو تضيّق القصيبات الصغيرة في الرئتين والناجم عن تقلّص عضلاتها. والثاني هو سماكة جدار القصبة بشكل التهابي. وهذان العاملان يؤديان إلى نقص الفتحة المركزية للقصبة (اللمعة) وهما ــ معاً ــ يؤديان إلى احتباس المواد المخاطية في اللمعة مما يزيد  الأمر سوءاً. وتحصل بالتالي الأعراض التي تتجلى على شكل وزيز وصعوبة تنفس وسعال.  في ضوء هذه الآلية الآن يمكننا فهم آلية عمل الأدوية  المستخدمة


 


الفنتولين (الألبوترول سلفات)


هذا الدواء يعطى عن طريق  آلية الإرذاذ Nebulizerالتي يوضع فيها فتحوّله إلى بخار يتم استنشاقه. كما أنه يعطى أحيانا عن طريق جهاز صغير يمكن وضعه في الجيب يسمى Inhalor. ويوجد منه مستحضر يعطى على شكل شراب. والأوّل هو الأفضل طبعاً.  إن هذا الدواء ربما كان حجر الزاوية في  علاج الربو. وهو دواء (علاجي) أي أننا نعالج به الحالة عند حصولها. ففي حال حصول السعال أو صعوبة التنفس أو الوزيز نقوم بإعطاء هذا الدواء حسب الجرعات التي يوصي بها الطبيب. وآلية عمله هو أنه يقوم بإرخاء عضلات القصيبات الصغيرة مما يوسّع  القصبات ويحسن التنفس.


 


 بلميكورت


وهو يعطى إرذاذاً أيضاً. ويجب التفريق بوضوح بين آلية عمل هذا الدواء وسابقه (الفنتولين). فالبلميكورت هو دواء وقائي. أي أن عمله هو بطيء ولا يمكن الاعتماد عليه وحده في معالجة نوبة الربو، وإن كنا نستخدمه أحياناً لمعالجة النوبة (بالترافق مع الفنتولين حتماً). وهو يعتبر على العموم دواءً وقائياً. أي أن الطبيب يصفه لمريضه ليستخدمه يومياً صباحاً ومساءً  للتخفيف من شدة الربو والتقليل من عدد هجماته. إن آلية هذه الدواء تختلف عن الفنتولين حيث أنه يعمل على تخفيف التفاعل التحسسي الالتهابي المؤدي إلى سماكة جدار القصيبة الهوائية. ويعمل بالتالي على توسيعها.


 


   Prednisone
  البردنيزون


وينتمي إلى عائلة البلميكورت الدوائية (الستروئيدات) وهو يعمل بالآلية ذاتها أي أنه ينقص من سماكة الجدار القصيبي ويوسع القصبات بهذه الآلية وهو يعطى عن طريق الفم. وهو دواء علاجي حيث نعطيه في حال حصول النوبات الشديدة للربو بالترافق مع الفنتولين. ويعطيه الطبيب بجرعات دقيقة تستمر خمسة أيام عادة. وإعطاؤه لفترات طويلة يكون مؤذياً، وبالتالي فلا بد من الالتزام بالوصفة بكل دقة.


 


Loratadine  لوراتادين                                                                    


وهو دواء مضاد للهيستامين اسمه التجاري Claritin. أي أنه مضاد للتحسس بشكل عام.  إن المواد المحسسة تحرّض إفراز بعض العناصر من بعض الخلايا في الجسم ــ ومن بينها الهيستامين ــ وهي تؤدي إلى الاحتقان وحصول تضيّق القصبات. وهذا الدواء يعمل على التخفيف من عمل الهيستامين. ويخفف الأعراض بالتالي. وهو دواء وقائي، أي أن الطبيب قد يصفه لفترة شهر ثم يقوم بتجديده عند اللزوم. وحسب الموسم الذي يكون سيئاً لدى المريض. وهنالك أدوية مشابه له مثل Zyrtec وغيره من الأدوية.


 


الفلونيزFlonase


وهو ينتمي إلى عائلة البردنيزون والبلميكورت (عائلة الستروئيدات) والفرق أنه يستعمل كبخاخ في الأنف، ليقوم بتخفيف الاحتقان الأنفي ويساعد بذلك على تحسين التنفس. والنقطة هنا أن معظم حالات الربو تترافق أيضاً بالاحتقان الأنفي أو ما يسمى التهاب الأنف التحسسي. وهنا تكمن فائدة  الفلونيز. وهنالك أدوية أخرى مشابهة مثل (Rhinocort و Nasonex).




 السنغولير



واسمه العلمي Montelukast Sodium وهو دواء جديد نسبياً وآلية عمله هو تعطيل ما يدعى (اللوكوترينات) Leukotrienes وهي ــ كالهيستامين ــ من الوسائط التي تساهم في حصول العمليات التحسسية والربوية. وهو من الأدوية الوقائية التي تعطى لفترات طويلة للتخفيف من غلواء المرض والتقليل من تكرار حصوله. وهو متوفر على شكل حبوب تمضغ أو مسحوق.


 


الدواء الأهم


لقد ازداد حصول الربو. وازدادت أيضاً الأدوية التي نعالجه بها. ولكن هنالك دواء هو أهم من جميع هذه الأدوية التي ذكرناها، وهو دواء لا يقدّم بوصفة طبية، وهو (فهم طبيعة  المرض).


 إن علينا أن نعرف أن  الربو هو دواء معاود. والأدوية المستخدمة في علاجه تخفف الأعراض وتقلل من تواترها وتقلل كثيراً من حصول المضاعفات، ولكنها لا تنهي المرض. ولعل الأبحاث الطبية تنتج دواءً جديداً يمكن من خلاله الحصول على الشفاء. نحن ننتظر… وإن غداً لناظره قريبُ.


 

Close Menu