ماذا أطعم طفلي بعد عيد ميلاده الأوّل؟

 


ماذا أطعم طفلي بعد عيد ميلاده الأوّل؟


 


تكلّمنا في أعداد سابقة عن النظام الغذائي للرضيع في عامه الأوّل، وكيف أن معظم أطباء الأطفال اليوم يفضّلون أن يتم بدء إطعام الطفل بالطعام الصلب بعد أن يصبح عمره ستة أشهر، بينما كان العمر أربعة أشهر في الماضي. وتكلّمنا أيضاً عن الأغذية الممنوعة في العام الأوّل وهي حليب البقر العادي (غير  المخصص للرضيع) والسمك وبياض البيض والحمضيات كالبرتقال والليمون وغيرها. وتأتينا الكثير من الأسئلة بشأن تغذية الطفل (الدّارج) أي الطفل بين عمر سنة وثلاث سنوات. وهذان العامان لهما خصوصية معيّنة، لأنهما هما العامان الانتقاليان اللذين يتحوّل خلالهما غذاء الطفل من النموذج الرضيعي المعروف إلى النموذج المخصص للكبار. وهذه المرحلة ممتعة بالنسبة للأهل الذين كانوا يتوقون خلال عام لإعطاء الطفل الطعام الذي يحضّرونه في المنزل، ولمشاركته في وجباتهم الغذائية اليومية. وهي أيضاً ممتعة للطفل نفسه الذي يتمتع بالفضول الكبير والذي يحب أن يكتشف الأطعمة الجديدة التي تقدّم له. ولكن هذه المرحلة حساسة أيضاً لأسباب كثيرة، ومن المفيد للأهل أن يتعرّفوا ــ بشكل  علمي ــ على طبيعة هذه المرحلة لأن هذا التعرّف يخفف كثيراً من أعبائها.


 


أمرٌ ضروريّ !


 


ربما كان أكثر الأسئلة شيوعاً في هذه المرحلة هو ذلك المتعلّق بنقص شهية الطفل بعد أن يصبح عمره عاماً. إن معظم الأطفال الذين يتحوّلون من مرحلة الرضيع (أي الطفل في السنة الأولى من العمر) إلى مرحلة الدارج (أي الطفل بين عمرعام وثلاثة أعوام) يحصل لديهم نقص في الشهية. وعندما أسأل عن هذا الأمر من قبل الأهل، فإن جوابي هو أن هذا النقص في الشهية ليس أمراً طبيعياً فقط، ولكنه أمر (ضروري)! 


إن علينا أن نلاحظ أن الطفل على العموم يزداد وزنه ثلاث مرّات في عمر سنة عن وزنه الولادي. بمعنى آخر فإن الطفل الذي يكون وزنه 7 باوند عند الولادة يصبح وزنه حوالي 21 باوند عند عيد ميلاده الأوّل. وهذه النسبة من النمو هي النسبة الطبيعية. ولذلك فإننا نجد أن شهية الرضيع على العموم هي شهية كبيرة للوفاء بهذه الزيادة الكبيرة في الوزن. ولو كانت شهية الطفل ستستمر بالمعدّل نفسه في العام الثاني من العمر، لوجب أن يصبح وزنه 63 باوند في نهاية السنة الثانية من العمر!! وهذا أمر رهيب، لأن الطفل لا يصل إلى وزن 63 باوند إلاّ عندما يصبح عمره بين 7 إلى 8 سنوات. وفي ضوء هذه الحقيقة البسيطة نعلم أن هذا التراجع في الشهية ليس أمراً طبيعياً فقط وإنما هو أمر ضروري. وعلينا في هذه المرحلة ألاّ ننظر إلى شهية الطفل بقدر ما ننظر  إلى معدّلات نموّه وتطوّره. فالطفل الذي ينمو وفقاً للمعدلات الطبيعية للنمو، ويتطوّر بشكل جيّد، هو طفل يتمتع بصحة جيّدة، وعلينا ألاّ نخصص الكثير من الوقت لشهيّة الطفل. وفي حقيقة الأمر، وبالرغم من جميع المناقشات التي تجرى في عيادات الأطفال، وبالرغم من التطمينات والبراهين التي يقدّمها الطبيب فإن قضية الشهية وتراجعها بعد عمر السنة تبقى على رأس أولويّات الأهل في كل زمان ومكان، ولكننا سنستمر في المحاولة!


 


الحليب


 


من أهم التغيّرات  الغذائية التي تطرأ بعد عيد الميلاد الأوّل للطفل هو أنه لا يحتاج إلى (الفورمولا) أي حليب الأطفال، وبالتالي فبالإمكان تغيير الحليب الذي يتناوله إلى حليب البقر كامل الدسم.  إن حليب البقر كامل الدسم له مميزات خاصة من حيث حجم البروتين فيه ومن حيث محتواه من الصوديوم والبوتاسيوم وبقية الشوارد، وهذه الميزات تجعل من الصعب على أجهزة الطفل كالجهاز الهضمي والجهاز البولي أن تتعامل مع هذه المادة الغذائية. ومن هنا كانت ضرورة إعطاء الفورمولا المحضرة خصيصاً لتغذية الرضيع. وفي عمر سنة تنضج أجهزة الطفل وتستطيع  أن تتمثل أغذية حليب البقر، وبالتالي فبإمكاننا التغيير. ولكن على الأهل الانتباه. فهنالك النصائح الكثيرة التي تأتي من أشخاص ليست لديهم فكرة عن حقائق الأمور، ولعل أشيع هذه النصائح الخاطئة هي تلك التي تقتضي إعطاء الطفل الحليب ناقص الدسم. ففي حال حصول أية مشاكل غذائية أو هضمية لدى الطفل يتلقى الطفل هذه النصيحة ممن يحيط بهم. وفي حقيقة الأمر، فإن قضية الحاجة للحليب كامل الدسم في السنة الثانية من العمر تتعدى أسبابها الأسباب الهضمية، فالطفل في هذه المرحلة العمرية بحاجة إلى الشحوم لنموّ دماغه، وحرمانه من هذه المادة الغذائية الهامة قد يؤدّي للكثير من المصاعب التطوّرية  التي نحن بغنى عنها. وبالنسبة للأطفال الذين يتم إرضاعهم بوساطة حليب الأم، فالنصيحة هي أن نقوم بمتابعة الإرضاع الطبيعي طالما كان هذا الأمر ملائماً لظروف الأم. فحليب الأم يتطوّر من حيث محتواه الغذائي ليكون مناسباً لتغذية الطفل حسب عمره.


 


الزجاجة


 


من أهم ما يجب على الأهل القيام به في هذه المرحلة هو فطام الطفل عن الزجاجة، وتحويله إلى الكأس المخصص للأطفال (غير الحاوي على  الصمام). إن استمرار إعطاء الزجاجة للطفل يؤدّي إلى تسوّس الأسنان وخصوصاً العلوية، وإن فقدان هذه الأسنان اللبنية سيؤدي إلى حرمان الطفل من الأسنان إلى حين بزوغ الأسنان الدائمة بعمر 7 ــ 8 سنوات. وبالتالي فعلى الأهل أن يبدؤوا بالتخلّص من الزجاجة منذ عمر 11 شهراً، وقد يستغرق الأمر أسابيع قبل الوصول إلى النجاح الكامل في هذا الشأن.


 


 


الأطعمة


 


 


إن الممنوعات التي ذكرناها في بداية حديثنا (حليب البقر، والسمك والحمضيات وبياض البيض) تصبح مسموحة بعمر سنة، كما أن بإمكاننا أن نعطي للطفل في هذه المرحلة أي طعام طالما كان بالشكل الملائم الذي لا يؤدي للاختناق. فالأطعمة  القاسية قد لا تكون ملائمة للطفل وصعبة المضغ، بينما الأطعمة المسلوق والمقطّعة إلى قطع صغيرة تكون مقبولة بالنسبة له.


 


المزاج


 


إن الطفل الدارج، كما تعلم كل عائلة ، هو طفل ذو مزاج خاص. وهذا المزاج الخاص لا يستثني العادات الطعامية. فهو قد يهتم بشكل الطعام وتزيينه أكثر مما يهتم بمذاقه. كما أن الطعام يتحوّل لديه إلى لعبة يتسلّى بها. وعلى الرغم من أن من الملائم أن نشارك الطفل في الوجبات العائلية، فليس من الضروري أن تكون شهية الطفل مفتوحة في ذلك الوقت، وبالتالي فعلينا ألاّ نطبّق  الضغوط على الطفل كي يتناول الطعام، لأن هذا من شأنه أن يؤدّي إلى كراهيته للطعام وجعل المشكلة أكثر تعقيداً. 


 


عصير الفاكهة


 


عصير الفاكهة الطازج مفيد، والنصيحة المفيدة هي أن نبدأ بإعطاء العصير بعمر 6 شهور. وأن نحدد الكمية المستهلكة بـ 6 أونزة (أي ثلاثة أرباع الكأس) في اليوم وذلك حتى عمر ست سنوات. ويفضل أن نستخدم العصير المقوى بالكالسيوم والفيتامين (د). إن المبالغة في تناول العصير غالباً ما تكون على حساب تناول الحليب، وهذا أمر غير منصوح به. أما في حال كون الطفل ممتنعاً عن تناول الحليب فإن تناول العصير المقوى بالكالسيوم والفيتامين (د) سيعوّض عن هذا النقص.


 


 


السناك


 


يجب أن نمتنع عن إعطاء السناكات المؤذية للطفل كالشوكولا والتشيبس المقلي بالزيوت . ولا بد من تعويد الطفل على السناك الصحي كاللبن الزبادي والفاكهة  والبيض المسلوق والسيريال والخضار المطبوخة. فهذه تعتبر سناكات لذيذة ومغذية في الوقت ذاته، وهي تشبع شهية الطفل بين الوجبات، كما أنها تقدم المواد  الغذائية التي يحتاجها على كل حال.


مرحلة حساسة


 


إن مرحلة الطفل الدارج هي مرحلة حساسة من جميع وجهات النظر، وهي تحتاج إلى التروّي والتزوّد بالمعرفة والتعامل بشكل عقلاني مع الطفل. وإن النظام الغذائي هو جزء هام من هذه المرحلة لا بد من أن تتبع العائلة بشأنه نظاماً علمياً مدروساً بعناية، فهذا من شأنه أن يستمر مع  الطفل  إلى المستقبل ويؤدي إلى عادات غذائية جيّدة تدعم الصحة العامة للطفل والمجتمع في آن معاً. 


 

Close Menu