ما هي الخلايا الجذعية؟

ما هي الخلايا الجذعية؟


Stem Cells


 


 


ما هي الخلايا الجذعية؟ وهل يمكن أن تكون أحد أهم الفتوح في طب المستقبل؟ وهل هي علاج واعد للسرطانات وغيرها من الأمراض المستعصية؟ لماذا عرض عليّ  الطبيب عند ولادة طفلي أن أقوم بخزن الخلايا المأخوذة من الحبل السرّي وذكر لي أن ذلك قد يفيده مستقبلاً؟


موضوعنا اليوم بالغ الأهمية. فكرة الكتابة فيه ما زالت تلح عليّ من فترة طويلة، ولكن المشكلة التي جعلتني أؤجل الحديث فيه حتى الآن هو صعوبته وكيفية تبسيطه للقارئ. والحقيقة أن هنالك الكثير من الأحاديث في الصحافة الغربية ووسائل الإعلام بشأنه بحيث لا بد للإنسان من معرفة أساسياته على الأقل. وقد طرحت علي أسئلة كثيرة بشأنه في عيادتي ،فعرفت أنه لا بد مما ليس منه بدّ.


 


ما هي الخلايا الجذعية؟


هي خلايا خاصة موجودة في جميع أنحاء الجسم وفي كل أجهزته كالجهاز الهضمي والقلبي والدموي. وهي تختلف عن كل الخلايا  الأخرى بخاصية تشكل أهميّتها الحقيقية وهي أنها يمكن أن تنمو فتتحوّل إلى العديد من الأشكال الخلوية وهذا أثناء الحياة المبكرة والنموّ. وبالإضافة إلى ذلك، فإنها تعمل كنوع من (جهاز الصيانة الداخلي) في بعض الأجهزة بحيث أنها تنقسم بدون حدود عملياً لتعوّض الخلايا الضائعة وهذا يمتد طيلة الحياة.


 


من أين يأتي الاسم؟


الخلايا الجذعية بإمكانها أن تنقسم فتعطي إمّا خلايا جذعية جديدة أو خلايا متخصصة مثل الخلايا العضلية أو  الدموية أو  الهضمية إلى آخره. وبالتالي فهي تشبه الجذع الذي يمكن أن تنشأ منه الأوراق والفروع ومن ثم الثمار.


 


 


 


ميزتان


إذاً.. فنحن نفهم مما سبق أن الخلايا الجذعية تختلف عن الخلايا الأخرى المتخصصة بميزتين رئيستين. الأولى هي أنها خلايا غير متخصصة لديها القابلية على تجديد نفسها وفي بعض الأحيان بعد فترة طويلة من الخمول. والخاصة الثانية هي أنها (تحت ظروف فيزيولوجية أو تجريبية) يمكن أن يتم تحفيزها لتنتج خلايا متخصصة (كخلايا كلوية أو عينية إلخ). ولا بد من أن نلاحظ أنه في بعض الأعضاء، مثل الجهاز الهضمي ونقي العظام ،  فإن هذه الخلايا الجذعية تنقسم بشكل منتظم لتقوم بإصلاح الجهاز نفسه وتعويض الخلايا التي تبلى وتتلف. وفي أعضاء أخرى كالبنكرياس والقلب مثلاً، فإنها تنقسم تحت ظروف خاصة فقط.


 


نوعان


الفقرة السابقة تقودنا للحديث عن نوعين من الخلايا الجذعية. النوع الأوّل هو الخلايا الجذعية الجنينية وهي الخلايا التي تكون موجودة عند الجنين فتتميّز لاحقاً وتتحوّل إلى جميع أنواع الخلايا كالقلبية والعينية والهضمية والعصبية والعضلية وغير ذلك.  والنوع الثاني هو الخلايا الجذعية الجسمية (أو البالغية) وهي التي تكون موجودة في الشخص البالغ في بعض الأنسجة كنقي العظام والعضلات والدماغ وهي تقوم بتعويض ما تلف من خلايا هذه الأجهزة كما ذكرنا.


إن الخلايا الجذعية الجنينية التي تتم الدراسات عليها هي تلك التي نجمت عن التلقيح الصناعي ضمن أنابيب الاختبار. أي تؤخذ نطفة وبويضة ويتم بوسطاتهم إنجاز الإلقاح الصناعي ثم بعد الانقسام الخلوي للبويضة الملقحة يتم الحصول على هذا النوع من الخلايا. والخلايا المستخدمة في الأبحاث ليست ناجمة عن الإلقاح الطبيعي في رحم المرأة. والأمر ــ كما هو معروف ــ يثير الكثير من الخلافات الأخلاقية والدينية التي لا مجال للحديث عنها الآن.


إن الخلايا الجذعية الجنينية هي (أكثر حرّية) إن صح التعبير. فبإمكانها أن تتحوّل إلى أي نوع من الخلايا. أما الخلايا  الجذعية الجسمية فهي محدودة أكثر. وفي بداية الدراسات كان لدى العلماء اعتقاد بأنها تستطيع أن تتحوّل إلى خلايا منتمية إلى النسيج نفسه فقط. فخلية جذعية موجودة في نقي العظم يمكن أن تتحول إلى عدة أنواع من الخلايا ولكن كلها دموية (كريات بيضاء أو حمراء إلخ) ولكن  الدراسات الحالية تقول إنه بالإمكان (إعادة برمجة) هذه الخلايا لتتحوّل إلى خلايا من نسيج مختلف تماماً عصبي … عضلي.. إلخ. وهذا الموضوع هو أحد فروع دراسة الخلايا الجذعية.


 


الفكرة


بسبب الخاصتين الهامتين لهذه  الخلايا… بدأ العلماء يفكرون كما يلي: بما أن هذه الخلايا الجذعية هي غير متخصصة، وبما أن الجسم قد يفقد أنواعاً من الخلايا الهامة أثناء الحياة لسبب ما. فهل يمكن لنا أن نستعمل هذه الخلايا للتعويض عن الخلايا التالفة؟ هل يمكننا أن نوجّه هذه الخلايا لتنتج أنواعاً متخصصة محددة من  الخلايا التي يكون الجسم المريض بحاجة إليها؟


 


مثال توضيحي


في الداء السكري من النموذج الأوّل على سبيل المثال…. فإن هنالك خلايا خاصة تسمى خلايا (بيتا) وهي موجودة في البنكرياس وهي تقوم بإفراز الإنسولين. هذه  الخلايا تتلف بسبب (مناعي ذاتي) أي أن مناعة الجسم تهاجم هذه الخلايا فتتلفها، فيفقد الجسم عنصراً هاماً حياتياً هوالإنسولين تستحيل معه الحياة فيلجأ الأطباء لعلاج المريض بالإنسولين. والسؤال الذي يطرحه العلماء ويعملون باتجاهه (في مثلنا هذا) هو توجيه الخلايا الجذعية بوسائل خاصة (لا يزالون يعملون على آليّاتها) لتتحوّل إلى خلايا بيتا يمكن أن تقوم بإنتاج الإنسولين وبالتالي يعيش المريض حياته الطبيعية ولا يحتاج إلى حقن الإنسولين.


طبعاً هذا المثال مبسّط جداً .. ويجعل الأمر يبدو وكأنه حلم…. وفي الحقيقة فإنه فعلاً حلم، ولكن العلماء يعتقدون أنه قابل للتحقيق… علماً بأن الوصول إلى آلية تجعل الأمر يسير بهذه البساطة هو أمر دونه (خرط القتاد) كما كان الأوائل يقولون.


وما ينطبق في أمر الداء السكري يمكن أن ينطبق على أي مرض… خلايا شبكية عينية تالفة … أنسجة قلبية تأذّت باحتشاء قلبي… وهكذا.


إن فكرة الخلايا الجذعية والعلاج بها أنشأت فرعاً جديداً في الطب والعلاج هو (العلاج الخلوي) أو العلاج الترميمي.


 


في المخبر


إن دراسة الخلايا الجذعية هي من أكثر المواضيع والفروع العلمية التي يعكف عليها العلماء بجد كبير وأمل يرونه واعداً. ولا يمر يوم دون أن نقرأ أو نشاهد خبراً جديداً في هذا المجال.


على المستوى المخبري فإن دراسة الخلايا الجذعية تهدف لمعرفة أعمق لخصائص هذه الخلايا واختلافاتها عن الخلايا العادية المعروفة (المتخصصة). وهذه الدراسة تساعد الأطباء أيضاً في فهم أفضل لتطوّر الإنسان ونموّه وكيفية حصول العيوب الولادية والوراثية. ولهذا فإن العلماء يعتبرون هذا الفرع من العلوم من أكثر الفروع إدهاشاً ومتعة إضافة إلى فسحة الأمل الكبيرة جداً التي يوفرها لكل مهتم بصحة الإنسان وعلاج أمراضه.


إن الخلايا الجذعية الجنينية تتمايز عفوياً في أنابيب الاختبار، ولكن هذا أمر لا يحقق المطلوب الذي يسعى له العلماء، فهم يطلبون تحوّل الخلايا إلى خلايا متميّزة نوعية (عضلية دماغية إلخ) وهذا يتم من خلال ظروف يتم فرضها في (وسط الزرع) مثل تغيير خصائصه الكيماوية وغير ذلك. ولقد تراكمت لدى العلماء عبر سنين التجارب (وصفات) مختلفة يتم من خلالها توجيه الخلايا الجذعية الجنينية لإنتاج خلايا ذات صفات خاصة ويمكن أحياناً أن يتم حقن (جينات) معيّنة ضمن الخلايا للحصول على خلايا متميّزة ذات خصائص نوعية جداً.


 


خزن خلايا الحبل السري


إن معظم المشافي اليوم تعرض على الأهل عند ولادة طفلهم (خزن الحبل السري) سواء نسيجه أو دمه، حيث تحفظ هذه الأنسجة مجمّدة في (بنوك) خاصة . إن دم الحبل السري هو غني بالخلايا الجذعية الدموية، والنسيج غني بما يدعى الخلايا الجذعية (الميزانشيمية) التي  يمكنها التحوّل إلى خلايا عظمية أو غضروفية أو غير ذلك. والهدف من هذا  الأمر هو الاستفادة من الأنسجة مستقبلاً للأهداف العلاجية التي ذكرناها سابقاً.


 


سلبيات وإيجابيات


إن شرحنا لموضوع الخلايا الجذعية في هذه السطور هو شرح مبسّط جداً هدفه الاطلاع على الأمر بشكل بسيط ، ولكن الأمر في حقيقة الأمر معقد تماماً ولا يزال في طور النشوء.ولا يكاد يمر يوم دون ان نسمع بقصة نجاح أو فشل في هذا الحقل الوليد. وفي جميع الأحوال فإن معظم العلماء يعتبرون هذا المجال من أكثر المجالات الطبية التي تحمل أملاً كبيراً في فتوح حاسمة في مجال الطب والعلاج والشفاء.


 


 


 


 

Close Menu