(هنوخ شونلاين) اسم غريب لمرض غريب!!

 


 


 


 


(هنوخ شونلاين) اسم غريب لمرض غريب!!


 


 


ربما لا يعجبك الاسم الغربي لهذا المرض، وهذا أمر لك فيه عذر فالاسم غريب حقاً. ولكن إذا كانت لديك مشكلة بهذا الاسم فإليك الاسم العربي: (الفرفريّة التأقانيّة)!!! أي الاسمين تختار؟ الخيار صعب أليس كذلك؟ ولكن الأهم من هذا وذاك… ما هو مرض (هنوخ شونلاين) أصلاً؟


 


فرق كبير


 


كثيراً ما أسأل: ما هو الفرق في الممارسة بين طبيب الأطفال وطبيب الأمراض الداخلية الذي يعالج الكبار؟ وأنا أجيب دائماً بما تقوله الإحصاءات العلمية المثبتة. الفرق كبير جداً. طبيب الأمراض الداخلية يتعامل مع عدد قليل من أمراض شائعة، وطبيب الأطفال يتعامل مع عدد ضخم لا ينتهي من أمراض نادرة. بطبيعة الحال فنحن لا ننكر على الإطلاق أن طبيب الأمراض الداخلية تواجهه حالات نادرة أيضاً، ولكن القاعدة أن معظم المرضى الذي يراجعون عيادته ينتمون إلى بعض الأمراض المعروفة لكل طبيب: ارتفاع التوتر الشرياني، الداء السكري، خناق الصدر، الصداع ، ومن الحالات الحادة هنالك الاحتشاء القلبي والسكتة الدماغية. بالنسبة لممارسة طبيب الأطفال، فالأمر مختلف تماماً، فخلف كل حالة بسيطة ربما كان هنالك وحش رابض يمثل مرضاً مخيفاً، وربما كان هنالك أيضاً مرض نادر يعتقد الأطباء أنه غير موجود سوى في بطون الكتب، ثم تأتي الممارسة لتثبت أنه لم يدخل إلى بطون الكتب إلاّ من أفواه العيادات… عيادات أطباء الأطفال في كثير من الأحوال! ثم إن طبيب الأمراض الداخلية لا يجد صعوبة في أن يشرح لمريض ما أنه مصاب بارتفاع التوتر الشرياني على سبيل المثال، فاسم هذا المرض ملء السمع والبصر ولا تخلو منه عائلة، وربما يكون والد المريض مصاباً به، كما أن المريض نفسه قد يكون قد سمع حتى بأسماء الأدوية التي سيصفها  الطبيب له باعتباره يعطيها لأفراد عائلته. أما في طب الأطفال فإن الطبيب يحمل إضافة إلى عبء التشخيص والعلاج عبء شرح بعض الأمراض التي يكون الطبيب يسمع بها للمرة الأولى في حياته. ومن بين هذه الأمثلة المرض الذي نتكلّم عنه اليوم.


 


 


 


 


هنوخ شونلاين


 


(هنوخ) و (شونلاين) هما العالمان الأوربيان اللذان وصفا هذا المرض للمرة الأولى في القرن التاسع عشر. وقد يفاجئك هذا التاريخ إن كنت تظن أن هذا المرض  اكتشاف جديد. ولكن هذه هي الحقيقة فالمرض قديم ومعروف بين الأطباء منذ عشرات السنين.


 


 


ويسمى هذا المرض باللغة العربية (الفرفرية التأقانية) كما ذكرنا آنفاً. فكلمة فرفرية تصف الاندفاعات التي تصيب المريض. وأما كلمة تأقانية فهي تشبيه للمرض بما يدعى (التأق) وهو التفاعل التحسسي الشديد الذي يصيب الإنسان كارتكاس لبعض الأدوية والمضادات الحيوية.


وهذا المرض هو شكل من أشكال الالتهاب الوعائي، وهو يؤثر على الأوعية الصغيرة في الجسم والشعريات الدموية. ويشمل الأوعية الموجودة في الجهاز الهضمي والجلد وربما الكلية.


 


الأعراض


 


بناءً على ما ذكرناه من آلية المرض فإن الأعراض تشمل اندفاعاً جلديّاً في الساقين والقدمين والإليتين قد يكون مرعباً لأهل المريض لكونه شديد الحمرة مع بروز على سطح الجلد أو لكونه أزرق اللون أو بنفسجيّاً ، وإن الاندفاعات الجلدية ناجمة عن تسرّب كريات الدم خارج الأوعية الدموية المصابة بالالتهاب. وقد يحصل تورّم مؤلم في المفاصل نتيجة لانصباب السوائل فيها، وربما امتد الأمر إلى منطقة الصفن (كيس الخصيتين) في الذكور وأدّى إلى التورّم والألم. وربما حصلت حرارة.  إن إصابة الأوعية الدموية للجهاز الهضمي تؤدّي إلى آلام بطنية وقد تصاب الأوعية  الدموية للكلية (في 25ـ 50% من الحالات) فيتظاهر ذلك على شكل وجود الدم في البول (عادة مجهرياً أي أنه يشاهد فقط عند إجراء فحص البول). وتستمر الأعراض من 2 إلى 12 أسبوعاً، وليست معاودة الأعراض شائعة ولكنها قد تحصل. وفي بعض الحالات قد يحصل تورّم حول العينين وحتى على الفروة. وقد يصاب الطفل بفقد الشهية وربما حصل الإسهال والإقياء وحتى النزف الهضمي.


 


 




لماذا؟



 


إن جميع الأهل يسألون عن سبب حصول المرض لأطفالهم، وفيما إذا كانت هنالك أسباب واضحة تؤدّي إليه. وفي حقيقة الأمر فإن المرض يحصل  في كثير من الأحيان بعد حصول التهاب بسيط كالتهاب البلعوم أو الالتهابات التنفسية. وإن داء (هنوخ شونلاين) يمثل ارتكاساً مناعياً مبالغاً فيه تجاه هذه الالتهابات البسيطة (الجرثومية والفيروسية). ويحصل هذا المرض في الشتاء والصيف على السواء. وإن كانت بعض الدراسات تظهر شيوع الحالات في الخريف والشتاء أكثر من بقية العام.


 


 


من يصاب؟


إن هذا الداء هو أكثر التهابات الأوعية حصولاً في الأطفال. ونسبة حدوثه هي 1 لكل عشرة آلاف طفل في العام. وعلى الرغم من كون المرض أشيع في الأطفال إلاّ أنه قد يحصل في أي عمر. وهو أشيع في الذكور منه في الإناث.


 


كيف نشخّص المرض؟


 


عندما يواجه الطبيب هذه الأعراض التي ذكرناها فإنه سيحاول أن ينفي بعض الأمراض الأخرى التي قد تتشابه في أعراضها مع هذا المرض. وإن أهم مرضين يجب نفيهما في هذه الحال هما (اللوكيميا) أي سرطان الدم والإنتان بالجراثيم السحائية. حيث أن الأعراض كثيراً ما تتشابه بين هذه الأمراض الثلاثة. ويقوم الطبيب بإجراء بعض الفحوص الدموية، ومعظم هذه الفحوص تكون طبيعية في مرض (هنوخ شونلاين) عدا بعض الاختبارات التخصصية التي نادراً ما يلجأ الطبيب إليها أصلاً. وإضافة ً إلى ذلك فإن  الطبيب يجري اختباراً للبول بحثاً عن الكريات الحمراء فيه والتي تدل على إصابة الكلية.



المعالجة


 


إن السحابة الفضية لهذه الصورة السريرية  الصارخة هي حقيقة أن هذا المرض هو مرض سليم في الأغلبية الساحقة من الحالات. والشفاء فيه عفوي. وكل ما يحتاجه المريض هو تناول كميات جيّدة من السوائل مع تناول العلاجات المضادة للألم في حال حصول آلام المفاصل والبطن. وإن بعض الحالات التي تشمل الإصابات الشديدة للجهاز الهضمي قد تحتاج للمعالجة بالكورتيزون الذي قد يستخدم أيضاً في بعض حالات التهاب المفاصل التورم في منطقة الصفن.  وقد يتطلّب الأمر القبول إلى المستشفى ليومين أو ثلاثة في بعض الحالات التي يوجد فيها ألم شديد مع عدم الاستجابة للأدوية الفموية. ويفسر نقص الاستجابة بوجود تورّم في بطانة الأمعاء مما يؤدّي إلى نقص في امتصاص الأدوية الفموية.


هل علينا أن نخاف؟


 


إن الخلاصة النهائية بشأن هذا المرض هو أنّه  سليم وبسيط ونسبة  الشفاء  فيه ممتازة. إن جميع المرضى تقريباً لا تحصل لديهم مضاعفات. وإن اهتمامنا الأساس في المرضى ينصب على متابعة  الكلية. ونقوم بتحويل جميع المرضى المصابين إلى الأخصائي بأمراض الكلية لإجراء فحوص تؤكد سلامتها. وربما طلب أخصائي الأمراض الكلوية من المريض أن يقوم بزيارات متتابعة بفاصل  أشهر لإعادة اختبارات البول إلى أن يتم التأكد من أن الكلية قد عبرت العاصفة بسلام. وعلى الرغم من إصابة الكلية في 25 ـ 50% من المصابين كما ذكرنا، إلاّ أنه نادرا ً ما تحصل مضاعفات كلوية خطرة. وإن مهمة الطبيب هي المتابعة لنفي هذه المضاعفات، وعلى الرغم من أن معظم الاختبارات التي يتم إجراؤها تكون طبيعية إلاّ أن الأمر يستحق الجهد المبذول لأنه هو الطريقة الوحيدة لإجراء التشخيص الباكر للإصابة الكلوية للقيام بعلاجها في حال حصول مشكلة ما. ونذكر هنا أن احتمال إصابة الكلية في الكبار هو أعلى منه في الأطفال كما أن الشدة هي أكثر في الكبار أيضاً. إن هذا المرض هو مثال هام على أهمية استباق الأحداث والمتابعة المبكرة من أجل الوقاية من مضاعفات أشد، وإن وعي العائلة لهذه الحقيقة تساعد على  الوصول إلى النتيجة  المرجوّة وهي الشفاء التام دون أية مضاعفات.


 


 


 


 

Close Menu