إسهال ليس إسهالاً…. إمساك ليس إمساكاً!!


 


 


إسهال ليس إسهالاً…. إمساك ليس إمساكاً!!


 


 


ربما كان هذا السؤال من أكثر الأسئلة طرحاً من قبل الأمّهات فيما يتعلّق بوليدهن الجديد. بعد الولادة مباشرة ً تقريباً، يطرح الطفل مادة ً سوداء لها اسم غريب هو (العقي) باللغة العربية. وباللغة الإنكليزية تسمى هذه المادة Meconium  وهي لا تقل غرابة ً عن الاسم العربي. يستمر طرح هذه المادة حوالي 24 ساعة، وبعد ذلك يخرج البراز العادي.  عند خروج البراز العادي  فإنه لا يبدو عادياً على الإطلاق بالنسبة للكثير من الأمهات إن لم نقل بالنسبة لمعظمهن. فالبراز يكون في البداية سائلاً تقريباً. ثم إنه يكون متعدداً جداً بحيث أن الطفل قد يتبرّز مباشرة تقريباً بعد كل رضعة يتناولها.


 


ومما يزيد من استغراب الأمهات والآباء أن البراز قد يحوي مادة تشبه البذور، تجعل الكثيرين يطلقون على هذا البراز اسم ( البراز البذري). هذا الأمر يحصل سواء كان الطفل يتغذى بالإرضاع الطبيعي أم بالإرضاع الصناعي. ولكن الأمر يكون أشد وضوحاً في حال الإرضاع الطبيعي.


 


  وفي هذه المرحلة تتوارد علينا الأسئلة من الأمّهات. طفلي مصاب بالإسهال….. لماذا؟ هل هو مصاب بجرثوم ما؟ هل هو مصاب بفيروس؟ هل أقوم بإعطائه تغذية خاطئة؟ وجوابي على جميع هذه الأسئلة هو جواب مختصر….. (هذا ليس إسهالاً)!


 


 وعندما يصبح عمر الطفل بين الشهر والشهرين، فإن السؤال ينقلب تماماً. فالبراز في هذه المرحلة يصبح قاسياً، وربما لم يتبرز الطفل لمدة ثلاثة أو أربعة أيام. وهكذا تنقلب الصورة، من طفل يتبرّز حوالي سبع مرات في اليوم إلى طفل لا يتبرّز إلاّ كل أربعة أيام أحياناً، ويكون البراز قاسياً وربما عانى الطفل في هذه الفترة من الألم وظهور الغازات المزعجة. إن هذا الأمر يحصل سواء كانت تغذية الطفل تتم بالإرضاع الطبيعي أم الصناعي، وإن كانت تتجلّى بوضوح أكبر ــ مثلها في ذلك مثل ظاهرة ما يدعى بالإسهال ــ في الإرضاع الطبيعي.  وتنهال الأسئلة من الأمهات في هذه المرحلة الجديدة. لماذا أصيب طفلي بالإمساك؟ هل السبب هو طريقة خاطئة في التغذية أتبعها؟ هل يجب أن أعطي طفلي دواءً مضاداً للإمساك؟ ويكون جوابي على هذه الأسئلة مشابهاً لردي على الحالة الأولى…. (هذا ليس إمساكاً)!!


 


ردّ غريب


 


تستغرب الأمهات كثيراً عندما تسمعن الجواب على تساؤلاتهن المشروعة. فكيف يمكن للأم أن تقتنع أن طفلها الذي يطرح برازاً سائلاً ، سبع مرات في اليوم تقريباً، ويظهر هذا البراز بشكل االبذور…. كيف يمكن لهذه الأم أن تقتنع أن طفلها غير مصاب بالإسهال؟


 


 ثم ــ وبنفس القوّة ــ كيف يمكن للأم أن تقتنع أن طفلها الذي لا يطرح البراز إلا في كل أسبوع أحياناً، ثم إن برازه قاسٍ كالحجر في بعض الحالات… كيف يمكن ألاّ يكون هذا الأمر إمساكاً؟ إن هذا الاستغراب  أمرٌ طبيعي، ولكن كما يقولون … عرف السبب بطل العجب.


 


 


 


إسهال ليس إسهالاً


 


دعونا نتصوّر الوضع التالي … إنسان تتم تغذيته ــ لسبب ما ــ عن طريق الوريد… من خلال سائل يعطى له …. هذا الإنسان لا يدخل جوفه طعام على الإطلاق لمدة تسعة أشهر…. ثم يقرر الأطباء أن يستأنفوا تغذيته عن طريق الفم… ويتم إيقاف السوائل الوريدية ثم يُبدأ بإعطائه الطعام عن طريق الفم دون أي تدريج… ألا نتوقع أن يحصل شيء مختلف عن المعتاد؟


 


 هل نستغرب أن يصاب هذا الإنسان بالإسهال؟


 


 إن هذا المثل منطبق تماماً على الطفل… انطباق القفاز على اليد. فالطفل ــ ولمدة تسعة أشهر ــ تتم تغذيته  عن طريق الحبل السري الذي هو عبارة عن اتصال وعائي دموي بين الأم وجنينها. ومن خلاله يتم نقل المواد الغذائية التي تزخر بها أوعية الأم إلى جنينها. وعند الولادة تنقطع هذه الصلة، ويستلزم الأمر بدء التغذية بالحليب ــ سواء الطبيعي أو الصناعي ــ وتتغير الظروف بالنسبة للطفل. فعليه من الآن فصاعداً أن يهضم غذاءه بنفسه بعد أن كانت الأم تقوم بهضم الغذاء وتقديمه له كلقمة دموية سائغة ــ إن صح التعبير.


 


 إن علينا أن نعلم أن الجهاز الهضمي لدى الطفل لا يكون ناضجاً تماماً بعد الولادة مباشرة، بل إنه يكون في طور النضج. وفي هذه المرحلة الانتقالية، فإن الهضم لا يكون بالشكل المطلوب. وبالتالي فإن الطفل يصاب بما يبدو أنه إسهال. ولكن هذا الأمر طبيعي، والأمور الطبيعية لا تحتاج للمعالجة. إن الكثير من الأمهات يعتقدن في هذه المرحلة أن الطفل مصاب بمرض ما ويطلبن الدواء. ويكون جوابنا دائماً كأطباء أن الطفل لا يحتاج لأية معالجة. والحقيقة هو أنه وبعد فترة تتراوح بين الشهر والشهرين، لا يشفى هذا (الإسهال) فقط …. بل إنه يتحوّل … ودون مرحلة انتقالية تقريباً إلى ما تظنه الأمهات إمساكاً.


 


إمساك ليس إمساكاً


 


لماذا يصبح براز الطفل قاسياً في هذه المرحلة؟


 


إن أمعاء الطفل تتدرّب بسرعة على الهضم خلال الشهر الأوّل أو الشهرين الأوّلين من العمر. ويكون هذا الأمر أكثر وضوحاً في حال التغذية بالحليب الطبيعي. حيث يتم هضم هذا الغذاء الفريد من قبل الطفل وبشكل ممتاز لا يبقي شيئاً تقريباً ليتحوّل إلى براز. وبالتالي فإن الفضلات المتبقية لا تكفي لتحريك الأمعاء إن صح التعبير. ويحتاج الأمر إلى تراكم فضلات عدة أيام قبل أن تتحرّك الأمعاء. وهذا ما يسبب ما يظنه الكثيرون إمساكاً…. وهو ليس كذلك في حقيقة الأمر.


 


معالجات


 


إن المطلوب من قبل الأمهات والآباء في جميع هذه الأحوال هي (معالجات) ويفضل أن يكون الأمر على شكل أدوية…. هكذا يكون الطلب بشكل خاص ونوعي. ولكن استجابة الطبيب لا ترضيهم دائماً.


 


بالنسبة لما يدعى بالإسهال الحاصل بعيد الولادة، فإننا لا نقوم بتقديم أية معالجة على الإطلاق. كل ما أقوله للأمهات بأن عليهن أن يستمتعن بهذه المرحلة لأنهن سرعان ما سيأتين إلى العيادة بشكوى مختلفة تماماً هي الإمساك. الإجابة لا تكون مقنعة للأمهات المتلهّفات دائماً لمعالجة من نوع ما. ولكن القاعدة الحياتية العامة ــ إن لم يكن الشيء مكسوراً فلا تقم بإصلاحه ــ تنطبق بشكل كبير على هذه الحال. وبالتالي فإننا لا نقوم بتقديم أي دواء في هذه المرحلة.


 


بالنسبة لحالة الإمساك فالأمر يختلف حسب الظروف. فإذا كان الطفل لا يعاني من أي ألم بين مناسبات التبرّز، فإننا لا نقوم بإعطاء أية معالجة. وحتى في الأطفال الذين لا يتبرّزون إلاّ كل أربعة أو خمسة أيام، فالأمر لا يقتضي العلاج.


 


أما في حال معاناة الطفل من الألم البطني قبل حصول التبرّز فإننا قد نقوم بتقديم بعض المساعدات البسيطة للطفل. وأوّل ما نبدأ به هو عصير الفاكهة. حيث نقوم بإعطاء عصير التفاح أو الأجاص أو العنب… وفي الحالات الشديدة الخوخ. والطريقة هي مزج أونزة من العصير مع أونزة من الماء …. وإعطاء هذا المزيج ثلاث إلى أربع مرات في اليوم. إن هذه الطريقة تساعد الطفل كثيراً.


 


 والسؤال التقليدي الذي نسمعه من الأمهات المستغربات هو: عصير في هذا العمر؟


 


 والجواب هو: نعم…. فصحيح أننا نؤجل إعطاء العصير عادة إلى أربعة أو ستة أشهر، إلا أننا يمكن أن نعطيه ــ كعلاج ــ في أعمار مبكرة، وهو يظل أقل وطأة على أمعاء الطفل من الأدوية في كل حال.


 


وفي حال عدم الاستجابة فإننا قد نقوم بزيادة كمية الماء في الحليب الصناعي عند تحضيره، ولكن بشكل مدروس وليس عشوائياً وتحديداً بإشراف الطبيب. وفي الحالات الصعبة، فإننا قد نقوم بإعطاء التحاميل المليّنة وبشكل قليل وعند الاضطرار فقط.


 


أمر مؤقت


 


إن هذه القضية … قضية الإسهال الذي هو ليس إسهالاً  والإمساك الذي هو ليس إمساكاً هي قضية مؤقتة وعابرة، والوقت كفيل بحلّها. فلن يمر وقت طويل قبل أن نطلب من الأم أن تقوم بإعطاء الطفل الخضار ثم الفاكهة والأغذية الأخرى، وفي تلك الحال تنتظم حركة الأمعاء وتزول هذه المشاكل. فالأمر الأهم في الموضوع هو ألا تقوم العائلة بأخذ القضية في غير معناها الحقيقي. فهنالك الكثير من التطوّرات التي يمر بها الطفل ولا تعجب العائلة ولكنها أمور طبيعية، والأحرى بنا أن نعتاد على التعامل مع أمور الطفل الطبيعية بالشكل الملائم، فهذا أكثر فائدة بكثير من الشكوى منها دون مبرر.


 

Close Menu