إنفلونزا الخنازير…. بين الحذر والهلع

كان من المفروض أن نقوم بنشر مقال عن الحمى القرمزية استجابة لقارئ كريم طلب من الصحيفة أن تنشر معلومات عن هذا المرض الهام، ولكن الظروف تفرض نفسها أحياناً. فأي حديث طبي في هذه الأيّام لا بد من  أن يتناول موضوع  الساعة … إنفلونزا الخنازير… التي تجتاح برعبها العالم كلّه اليوم. سنتكلّم اليوم عن إنفلونزا الخنازير ونعد القارئ الكريم بأن ننشر مقالاً عن الموضوع  الذي طلبه في عدد قادم.

الداء الجديد

اعتباراً من نهاية شهر نيسان 2009 المنصرم، بدأت وسائل الإعلام تتحدّث عن رعب يجتاح الناس في المكسيك بشأن مرض جديد أطلق عليه اسم إنفلونزا الخنازير. وبدأت التقارير الإخبارية المصوّرة تظهر رجال الشرطة يوزّعون الأقنعة في الشوارع  على الناس لمنع  انتشار المرض.  وقبل أن تصل التقارير الإخباريّة إلى الولايات المتحدة الأمريكية وصل المرض إليها أيضاً حيث أعلن عن حدوث حالات من المرض في ولايتي كاليفورنيا وتكساس، ثم لم يلبث الداء أن وصل إلى ولاية نيويورك التي أصبحت بعد ذلك الولاية التي تحظى بشرف الرقم الأعلى من الحالات بين جميع شقيقاتها الخمسين، وهو لقب لا تزال تتمتع به حتى كتابة هذه السطور (3 أيّار- مايو) حيث وصل العدد الكلّي للحالات في أمريكا إلى 226 حالة وبلغ عدد الحالات في نيويورك 63 حالة تليها تكساس (40) ثم كاليفورنيا (26) فأريزونا (18) ثم دلوير (10) وحصلت حالتان في ولاية ميشيغان ثم تتوزع بقية الحالات على ما تبقى من ولايات حصل فيها المرض والتي بلغ عددها الإجمالي 30 حالة . مع وفاة واحدة في ولاية تكساس. أمّا على مستوى العالم، فقد بلغ عدد الحالات حتى اليوم 898 حالة منها 506 حالات في المكسيك (التي حصلت فيها 19 وفاة)، وانتشر المرض في حوالي عشرين بلداً منها كندا(85) وإسبانيا (40) وبريطانيا (15).   وعندما نقول (حالة) فإننا نعني الإصابة  المؤكدة مخبرياً من خلال إجراء الزرع الفيروسي أو الفحص الفيروسي. أمّا الحالات المشكوك بها أو المحتملة فإنها لا تدخل في هذه الأرقام، وعلى الأغلب فإن الأرقام ستكون أعلى عندما يصل هذا العدد إلى يدي القارئ.

رعب حقيقي

 ولكن بعد هذا كلّه بدأ  الناس يسألون: ما هو هذا المرض المرعب الذي يسمّى إنفلونزا الخنازير؟ ولماذا تمّت تسميته كذلك؟ وهل سيتحوّل إلى داء ينتشر في كل الكرة الأرضية كما تقول الكثير من وكالات الأنباء والمحطات الفضائية. وبإمكاني أن أقول إن أكثر من 95% من الأهل الذين ترددوا على عيادتي في الأيام الماضية منذ بدء انتشار المرض كانوا يسألون عن المرض، كما أن معظم الأسئلة الهاتفية كانت تتعلّق به.

إنفلونزا الخنازير

هو عبارة عن مرض تحدثه سلالة جديدة من الإنفلونزا  وهي تسمّى A H1N1 فهي إذاً وكما يدلّ الاسم تنتمي إلى  النموذج (آ)، حيث من المعروف أن للإنفلونزا نموذجين (آ) و(ب). وكانت المرة الأولى  التي يتم العثور فيها على هذا الفيروس مخبرياً في أمريكا في نيسان 2009. والميزة المخيفة لهذا الفيروس هو إمكانيّته على الانتقال من إنسان إلى إنسان، وهذه الميزة بالضبط هي ما يرشـّحه لإحداث وباء عالمي وهذا هو الكابوس الذي يجثم على صدور  السلطات الصحية والحكومات في العالم كلّه. فلو أن الفيروس ينتقل فقط من الحيوان إلى الإنسان، لكان الأمر سهلاً إلى حد ما بتجنّب التماس معه، أمّا كونه ينتقل من إنسان إلى آخر فالأمر مختلف هنا. ولا بد من أن نذكر أن الدراسات لم تبيّن حتى الآن ما يدعى بـ (فوعة) الفيروس أي قدرته على الانتقال من مريض إلى آخر، وفيما إذا كان انتشاره سهلاً أم صعباً، فالأمر بحاجة إلى معلومات أكثر قبل الوصول إلى استنتاجات بهذا الشأن.

خنازير أم لا؟

عندما بدأ المرض بالانتشار، أطلق على هذا المرض اسم (إنفلونزا الخنازير) نتيجة للدراسات المخبرية التي بيّنت أن هنالك الكثير من الصفات الجينية  المشتركة بين هذا الفيروس وذلك الذي ينتشر بين الخنازير في أمريكا الشمالية، ولكن مركز السيطرة على الأمراض في أمريكا عاد وغيّر التسمية فجعلها إنفلونزا A H1N1 لأن الدراسات بيّنت أن هذا الفيروس مختلف جداً عن فيروس إنفلونزا الخنازير المعروف في أمريكا (والذي كان ينتقل بين الخنازير فقط) وفي هذا الفيروس جينتان (مورّثتان) من فيروسات إنفلونزا الخنازير الأوربية والآسيوية إضافة إلى إنفلونزا الطيور والإنفلونزا البشرية ، أي أنه نتاج (تزاوج) ـ إن صح التعبير ــ لأربعة أنواع من الإنفلونزا. والمفارقة الكبيرة هي أنه لا يوجد حتى الآن أي دليل على وجود هذا الفيروس بالذات في  الخنازير في الولايات المتحدة الأمريكية، وإن كانت كندا قد أعلنت في 2 أيّار الحالي وجود إصابة في أحد قطعان الخنازير في ولاية (ألبرتا).  وأعتقد أنه بصرف النظر عن التغيير الذي أجراه مركز السيطرة على الأمراض، فإن الناس لن يعرفوه إلاّ باسمه الشهير…. (إنفلونزا الخنازير)!!

الأعراض والعلامات

المشكلة في هذا المرض تكمن في أن أعراضه وعلاماته تتشابه تماماً مع تلك التابعة للإنفلونزا التي نعرفها. فهو يؤدّي إلى الحمى والسعال وألم البلعوم وآلام الجسد والصداع والتعب. وأيضاً يحصل الإسهال والإقياء. ولا يعرف حتى الآن فيما إذا كان خطر الإصابة بهذا الفيروس هو أكثر في مجموعات معيّنة من الناس (كالأطفال والمسنين). فهذا الأمر إذا كان معروفاً في الإنفلونزا العادية، فمن المبكر أن نطلق العبارة نفسها على هذا الفيروس الجديد.

كيف ينتقل المرض؟

هذا سؤال يطرحه كثير من الناس، حيث يسألني الكثيرون في عيادتي فيما إذا كان المرض موجوداً (في  الهواء)!! والحقيقة هي أن المرض ينتشر بالطريقة نفسها التي ينتقل فيها فيروس الإنفلونزا المعروف أي بالقطيرات التنفسية (أي بالسعال والعطاس وماشابه ذلك). وأيضاً بالتماس مع المريض أو أشياء وأدوات استعملها المريض. وبالتالي فلا نستطيع أن نقول إن المرض موجود (في الهواء) وإن كان ينتقل بشكل رئيس عن طريق القطيرات التنفسية التي تنتشر في الهواء. وهو لا ينتشر بتناول الطعام.ولم يثبت أيضاً انتقاله بالماء لأن الماء يعامل كيماوياً في أمريكا مما يؤدّي إلى قتل الفيروسات والجراثيم الممرضة. وليكون الكلام علمياً أكثر فإننا نقول إنه حتى الآن لم تنتقل أية إصابات بهذا الفيروس عن طريق الطعام أو الماء. وهو لم ينتقل حتى الآن عن طريق المسابح التي تمت معالجة الماء فيها بالطريقة الكيماوية المعروفة في أمريكا (باستخدام الكلورين الحرّ) وإن كان مركز السيطرة على الأمراض يقول إن هنالك حاجة لإجراء دراسات إضافية ونوعية بشأن تأثر هذا الفيروس بالكلورين.

الوقاية والعلاج

لا يوجد حتى الآن لقاح لهذا الفيروس. إن الناس ــ وهم محقون ــ يطرحون الأسئلة بشأن اللقاح، ولكن الهيئات المختصة تقول إنها بحاجة إلى 3 إلى 4 أشهر للوصول إلى لقاح فعّال، وربما احتاج الأمر لوقت أطول من هذا حيث أن اللقاح سيحتاج إلى إجراءات عدّة قبل أن يحصل على الموافقة لدخول الأسواق الطبية. وأساليب الوقاية الموصى بها حاليّاً هي غسل اليدين والحصول على ساعات كافية من النوم، وهذا أمر ضروري للحفاظ على المناعة. وكذلك شرب كميات كافية من السوائل وتناول الطعام الصحي النظيف. والابتعاد قدر الإمكان عن الأشخاص المصابين بالحرارة وبقية أعراض الإنفلونزا بشكل عام. ونلاحظ إذاً أن التوصيات هي توصيات صحية عامة.

هل هنالك من علاج؟

نعم!! هنالك دواءان يستجيب لهما هذا الفيروس وهما (أوسيلتاميفير) و(زاناميفير) ويتم استخدامهما بإشراف الطبيب.  وإن نقطة وجود دواء للمرض في حقيقة الأمر يجب أن تخفف من  الرعب الذي سيطر على الناس منذ أن أتى المرض إلى الدنيا.

حذر دون هلع!!

إن أي مرض ينتشر في العالم بهذا الشكل التي ينتشر به فيروس إنفلونزا الخنازير يتطلّب الحذر والوقاية على مستوى الأفراد والحكومات، ولكن المطلوب هو تجنّب الهلع والالتزام بالتوصيات الصحية ريثما تتحسن معرفتنا بهذا الفيروس ونحصل على لقاح تتم مكافحته به. وقد حاولنا اليوم إلقاء الضوء على النقاط الهامة لهذا المرض وسيكون المقال القادم مخصصاً بإذن الله لإعطاء معلومات إضافية عنه.