مايجب أن تعرفه عن إنفلونزا الطيور

 


 


 مايجب أن تعرفه عن إنفلونزا الطيور


  


كان من المفروض أن نتكلّم اليوم في المقال الطبي عن موضوع مختلف متعلّق بتغذية الطفل. ولكن الأمور تفرض نفسها في بعض الأحيان على هذه الصفحة. فالطب أيضاً له أخباره الساخنة التي لا يمكن لأية صحيفة تهتم  بالشؤون الصحية أن تهمله.


 


 والجنون الذي تصنعه إنفلونزا الطيور حول العالم في هذه الأيام أمر لا يمكن أن نتجاوزه. فما يحصل الآن هو أن الصحف والفضائيات وغيرها من وسائل الأعلام تنقل الأخبار المخيفة عن إنفلونزا الطيور، ولكن استطلاعات الرأي تكشف بشكل مستمر أن نسبة كبيرة من الناس حول العالم لا تعلم مايكفي عن هذا المرض الخطر الذي يمكن أن يتحوّل إلى كارثة إنسانية في حال عدم الالتفاف عليه بشكل من الأشكال. والأخبار التي نسمعها كل يوم هي بالفعل مخيفة جداً. والخوف الكبير حاليّاً هو أن تتحول إنفلونزا الطيور إلى مرض ينتقل من إنسان إلى  آخر، بعد أن كانت تنتقل من طائر إلى آخر ثم من الطيور إلى الإنسان.


 وإذا كانت قد ذكرت بعض الحالات الفردية في آسيا عن انتقال المرض من إنسان إلى آخر، فالأمر لم يتحوّل حتى الآن إلى وباء ينتقل بشكل جماعي بين البشر، وهذا الأمر في حال حصوله ــ لا سمح الله ــ قد يؤدي إلى نتائج كارثية لا يعلم مضاعفاتها إلاّ الله. وإذا كان العلماء يعملون الآن على تطوير لقاح لإنفلونزا الطيور، وإذا كانوا قد حصلوا على نتائج مبشّرة بالفعل، فإن من المهم أن تكون الحقائق واضحة في أذهاننا جميعاً.


ما هي إنفلونزا الطيور؟


هي مرض تسببه فيروسات إنفلونزا الطيور، وهي فيروسات موجودة بشكل طبيعي عند الطيورالبرّية التي تحمل الفيروس في أمعائها، وهو لا يؤدّي إلى إمراضها. إن هذا الفيروس هو معدٍ بين الطيور، وهو قد يؤدي إلى حصول أعراض مرضية في الطيور الداجنة كالدجاج والبط والدجاج الحبشي، وقد يؤدي إلى نفوقها.


هل يصيب الإنسان؟


تاريخياً، فإن إنفلونزا الطيور لم تكن تصيب الإنسان. ولكن منذ عام 1997 بدأت حالات من الإصابة البشرية بهذا المرض بالحصول. وقد حصلت هذه الحالات بادئ ذي بدء في الدول الآسيوية مثل هونغ كونغ وتايلاند وامتدت إلى دول آسيوية أخرى مثل إندونيسيا والفيليبين والصين وفييتنام ثم ذكرت حالات في أوربا. وقد بيّنت الإحصاءات والتقارير أنه حتى تاريخ 5 آب من العام الحالي حصلت 112 حالة من إنفلونزا الطيور بين البشر في الدول الآسيوية من فيروس من نوعH5N1 وقد نالت فيتنام النصيب الأكبر من هذه الأعداد بواقع 90 حالة. وبينت الإحصاءات أيضاً أنه مابين كانون الثاني 2004 وآب 2005 حصلت 57 حالة وفاة. وإذا كانت الأرقام بحد ذاتها ليست مخيفة بالعدد الكلي، فإن ما يقلق  الأخصائيين هي نسبة عدد الوفيات إلى نسبة الحالات التي حصلت. أي أن الفيروس هو قاتل بنسبة عالية جداً هي حوالي 50%. ويذكر أن هذا النوع المذكور من الفيروسات قد عزل للمرة الأولى من طائر يدعى (الخرشنة) Sea Swallo في جنوب أفريقيا في عام 1961. وهو طائر مائي يشبه النورس. وقد تبيّن منذ ذلك الحين أن هذا الفيروس معدٍ جداً، وإن كان لم يثر قلق الأطباء بقدر ما كان يثير قلق البيطريين. ولكن التغيّرات الأخيرة التي نشاهدها في آسيا قد غيّرت الأمور وجعلت الذعر ينتشر في الأوساط الطبية. ونذكر أن هذا الفيروس كان مسؤولاً عن نفوق 100 مليون طائر داجن في آسيا في عامي 2003 و2004. ثم أصبح مسؤولاً عن إصابات بشرية في تايلاند وفييتنام وكامبوديا. وآخر الحالات التي ذكرت كانت في إندونيسيا في الشهر الجاري حيث حصلت بعض الوفيات أيضاً.


 


كيف يختلف عن الإنفلونزا البشرية؟


هنالك العديد من أنواع فيروس الإنفلونزا. منها ما هو بشري أي أنه يصيب البشر بشكل شائع. ومنها ما يدعى بفيروس إنفلونزا الطيور، وهي تصيب الطيور بشكل شائع. والإشكال الذي حصل هو أنه منذ عام 1997 كما ذكرنا، أن هذه الأنواع التي تخص الطيور ــ كما اعتدنا تاريخياً ــ بدأت تصيب البشر. والخلاف بين نوع فيروسي وآخر هو عبارة عن بروتين يوجد على سطح هذا الفيروس والذي يعطيه خصائصه المناعية والإمراضية.


أعراض المرض


عندما يصاب البشر بإنفلونزا الطيور، فإن الأعراض هي عبارة عن حرارة وسعال وألم في البلعوم وآلام عضلية. وقد تحصل حالات من ذات الرئة والتهاب الملتحمة العينية والأعراض التنفسية الشديدة (الشدة التنفسية).


العلاج


تشير الدراسات إلى أن الأدوية المستخدمة في علاج الإنفلونزا البشرية تفيد في علاج إنفلونزا الطيور في البشر، إلا أن الدراسات تبيّن أيضاً أن هذه الفيروسات قد تصبح مقاومة لهذه الأدوية مما قد يؤدي إلى صعوبات خاصة في المعالجة.فالفيروس المذكور مقاوم لدوائي (Amantadine و Rimantadine) وهما دواءان معروفان بفعاليتهما في معالجة الإنفلونزا البشرية. ولكن دوائين آخرين هما (Oseltamavir  و  Zanamavir) قد يكونان أ كثر فعالية في المعالجة مع أن الأمر لا يزال بحاجة لدراسات إضافية لإثبات ذلك.


 


 


ماهي نسبة الخطر؟


إن خطر حصول إنفلونزا الطيور في البشر هو قليل، لأن المعتاد لهذه الفيروسات أن تصيب الطيور لا البشر. ولكن في حال حصول الأوبئة بين الطيور الداجنة كالدجاج وغيره، فإن هنالك خطراً لانتقال المرض إلى البشر الذين هم بتماس مع هذه الطيور أو فضلاتها، وغالباً ما يكون المصابون من الناس الذين يعملون في المداجن، أو أولئك الذين أسندت إليهم مهمة التخلّص من الطيور المصابة. وبالتالي فلا بد أن يتخذ هؤلاء احتياطات شديدة أثناء عملهم، وإن كان هذا صعباً في كثير من الأحيان.


وبالنسبة لحصول المرض في الولايات المتحدة الأمريكية، فإنه لم تصدر أية تقارير حتى الآن بحصول أية حالات حتى الآن لدى البشر وإن كانت قد حصلت أوبئة لدى الطيور في تكساس وديلاوير وغيرهما. إن السلطات الصحية تراقب بشكل مستمر هذا الأمر وربما يكون الخطر كامناً في أولئك الذين يزورون البلدان الآسيوية ثم يعودون إلى أمريكا حاملين للمرض. 


إنسان لإنسان


حتى الآن… فإن الانتقالات من إنسان إلى إنسان آخر هي حالات نادرة، وفي الحالات التي حصلت فإن الانتقال لم يتجاوز الشخص المصاب إلى شخص ثالث. ولكن الخوف الذي يؤرّق الأخصائيين متعلّق بخاصة معروفة في فيروس الإنفلونزا، وهي خاصة القدرة على التغيّر الدائم. فإذا تمكّن هذا الفيروس من  تغيير خصائصه بحيث يتمكن بسهولة من الانتقال من إنسان إلى آخر فإن ذلك سيكون كارثة صحية بشرية حقيقية. وإذا كانت إصابة هذه الفيروسات للبشر نادرة، فإن لذلك معنى آخر في نظر الأخصائيين بالأمراض الإنتانية، وهو أن المناعة لدى البشر ضده هي معدومة تقريباً، وهنا يكمن الخوف الحقيقي حيث أن هذا الأمر قد يكون سبباً في حصول وباء إنساني شامل. إن الخبراء من جميع أنحاء العالم وبإشراف منظمة الصحة العالمية يراقبون عن كثب تطور الفيروس في آسيا، وهم يحضرون بكل ما في طاقتهم لمجابهته.


 


هل هنالك من لقاح؟


منذ نيسان 2005 بدأت دراسات حثيثة لصنع لقاح لفيروس إنفلونزا الطيور. وقد توصل العلماء لنتائج إيجابية في هذا الشأن. ولكن الأمر يحتاج إلى دراسات مستمرة حيث أن هنالك مشكلة البحث في الفعالية الحقيقية والتأثيرات الجانبية للقاح. والأمر دائماً يتطلّب تجارب مستمرة وتوفير طاقات إنتاجية تكفي للحصول على الكميات اللازمة من اللقاح. كما أن الأمر يحتاج لوقت إضافي لمعرفة مدى استمرار المناعة وعدد الجرعات اللازمة. وإضافة إلى هذا كلّه فالأمر يحتاج إلى موافقة منظمة الغذاء والدواء الأمريكية. وقد تكون هنالك أخبار جديدة بشأن اللقاح تصدر في الفترة ما بين كتابة هذه السطور ونشرها.


 


  خطوات هامة


إن السلطات الصحية في العالم، وخصوصاً منظمة الصحة العالمية تقوم بجهود استباقية مستمرة هدفها تحسين إمكانيات كشف المرض والعمل المشترك بين كافة الهيئات والمؤسسات سعياً وراء منع انتشار المرض. وإن هذا الأمر يتسع ليشمل دعم الجهود التشخيصية والعلاجية في آسيا حيث بدأ المرض وحيث تكمن أهم أماكن انتشاره. إن إنفلونزا الطيور قد يتحوّل إلى داء خطر. ولكن الجهود ا لمبذولة عالمياً تخفف كثيراً من الذعر وتدعم الرجاء في إمكانية السيطرة عليه.


 


 

Close Menu