لقاح إنفلونزا الخنازير بين الحقائق والخرافات و”الحزازير”!!

 


 


 


لقاح إنفلونزا الخنازير


بين الحقائق والخرافات و”الحزازير”!!


 


 


لم يكن لديّ أي عناء لاختيار الموضوع الطبي لهذا العدد من الصحيفة، ولكن كان لديّ عناء كبير في (الاختصار والتركيز ونقطة البداية)!!


 


من أين نبدأ وعن أي النقاط بالتحديد يجب أن نتكلّم؟ الكلام كثير جداً والمقالات والمعلومات الصادرة عن الهيئات الطبية والسلطات المخوّلة باتخاذ القرار متعددة وواسعة ومفصلة. هل نتكلّم عن المعلومات (الإنترنتيّة) التي تم تداولها بشكل واسع أخيراً بشأن (مؤامرة إنفلونزا الخنازير ولقاحها) وكيف أن الأمر لا يتعدّى مؤامرة تحيكها جهات خفيّة صنعت المرض ثم صنعت اللقاح وكلاهما لإيذاء البشرية وقسمها إلى نصفين صحيح وعليل؟!!! أم هل نعود للواقع ونتحدّث فيمن يجب أن يأخذ اللقاح وهل يجب أن نسمح للطبيب بإعطائها لأطفالنا؟ أم هل نعود للواقع أكثر وأكثر ونسأل السؤال الجدّي: من يحق له أصلاً أن يأخذ اللقاح؟ والكميات المتوفرة منه لا تكفي لجميع الناس. هذه الأسئلة كانت كلها تدور في ذهني قبل أيام عديدة من كتابة هذه المقال وخصوصاً أنني أمضيت الأسابيع الماضية كلّها أجيب يومياً على (مئات) (ولا أقول عشرات) الأسئلة من أمهات وآباء يقابلونني في العيادة ويتصلون على الهاتف وعلى البيجر وعلى الإيميل وبجميع وسائل الاتصال الحديثة والقديمة للوصول إلى الحقيقة بشأن هذا اللقاح. فما هي القصة؟


 


المرض


 


أوّلاً لا ضرر من إعطاء لمحة سريعة عن إنفلونزا الخنازير وإن كنا قد كتبنا العديد من المقالات في هذا الموضوع سابقاً. فهذا المرض هو عبارةعن سلالة جديدة من الإنفلونزا. وهذا الفيروس معروف عنه قدرته على التجدد والتنوّع وتقديم نفسه بلبوسات جديدة ومختلفة بشكل مستمر. وهذا المرض ينتقل من مريض إلى آخر من خلال السعال والعطاس والتلامس وأيضاً لمس الأشياء الملوّثة بالفيروس. وتشمل أعراضه الحرارة والتعب وألم البلعوم والألم العضلي وربما حصل الإسهال والإقياء أيضاً. ويحصل التحسن في معظم المرضى خلال أسبوع، ولكن هنالك نسبة من المرضى تصاب بمضاعفات خطرة مثل ذات الرئة،وربما قُبل المريض إلى المستشفى وربما حصلت الوفاة في حالات قليلة. علماً بأن المرض يستجيب بشكل جيّد لبعض عقارات الإنفلونزا المتوفرة في الصيدليات مثل (تاميفلو).


 


اللقاح


 


هنالك إجماع بين جميع الهيئات الطبية ذات الاعتبار في أمريكا والعالم ونذكر منها هيئة الغذاء والدواء، والأكاديمية الأمريكية لطبي الأطفال، والمراكز الأمريكية للوقاية والسيطرة على الأمراض ومنظمة الصحة العالمية على أن لقاح إنفلونزا الخنازير من حيث تركيبته العامة متشابه كثيراً مع لقاح الإنفلونزا الموسمية الذي مازال يعطى في كافة أنحاء العالم منذ عقود ودون مشاكل تذكر. وبكلمات أخرى، فلو أن إنفلونزا الخنازير تم التعرّف عليها في فترة مبكرة لكانت سلالة إنفلونزا الخنازير قد تم ضمّها إلى لقاح الإنفلونزا العادي ولكان الضجيج أقل بكثير مما هو عليه هذا العام.


 


التأثيرات الجانبية


السؤال الكبير الذي يطرحه الجميع هو: ماهي التأثيرات الجانبية لهذا اللقاح؟ هل صحيح أنه يؤدّي إلى كل تلك المشاكل الصحية  التي ذكرت على الإنترنت والتي لا تبدأ بالتوحّد ولا تنتهي بالعقم؟ إن ما تقوله كل الهيئات التي ذكرناها أعلاه هو أن اللقاح هو دواء كغيره من الأدوية ولا يوجد دواء في الدنيا كلها من الأسبرين إلى الأيبوبروفين (آدفيل) إلى الأسيتامينوفين(تايلنول) ، ونحن هنا نذكر أبسط الأدوية وأكثرها شيوعاً في العالم، دون تأثيرات جانبية. علينا أن نعلم أن الفيروس في اللقاح العضلي لإنفلونزا الخنازير هو فيروس مقتول، وبالتالي فلايمكن أن يصاب الإنسان بإنفلونزا الخنازير لمجرّد إعطاء اللقاح. هذا أوّلاً. فماذا يجب علينا أن نتوقع إذاً؟ إن التأثيرات الجانبية للقاح هي مماثلة تقريباً لما يحصل بسبب لقاح الإنفلونزا الموسمية وهي تتراوح بين الألم والاحمرار والتورم الخفيف في مكان الحقن، والإغماء أحياناً (خصوصاً في المراهقين) وهذا ليس متعلّقاً بهذا اللقاح بالذات بل قد يحصل في أي لقاح، والصداع والحرارة والغثيان. وهذه الأعراض قد تستمر يوماً إلى يومين. وربما حصلت حالات من التحسس إذا كان لدى المريض تحسس لأي من مكوّنات اللقاح. هذه هي ببساطة  التأثيرات الجانبية المتوقعة من اللقاح وهي قد تحصل بسبب أي لقاح مستخدم في الطب. دون حاجة لضجيج مفتعل أو خوف لا مبرر له.


 


من يجب أن يأخذ اللقاح؟


 


يوصى بإعطاء اللقاح للنساء الحوامل، والناس الذين يقومون برعاية الأطفال الذين يقل عمرهم عن ستة أشهر، الأطباء والعاملين في الحقل الطبي عموماً، أي شخص بين عمر 6 أشهر إلى 24 عاماً، أي شخص من عمر 25 عاماً إلى 64 عاماً لديه مشكلة طبية مزمنة أو ضعف في الجهاز المناعي. ولقد تم تحديد الإعطاء في هذه المجموعات ــ على سعتها الكبيرة ــ بسبب عدم توفر كميات كافية من اللقاح، فمن المعلوم أن عدد سكان الولايات المتحدة الأمريكية هو 300 مليون بينما يبلغ عدد المجموعة الأولى من اللقاح 50 مليون جرعة. وبعد أن تتوفر كميات أكبر فستمتد  التوصية لتعطي اللقاح لجميع الناس عملياً عدا الرضع دون ستة أشهر من العمر. ويجب أن يعطى اللقاح حال توفره. وبالنسبة للأطفال حتى عمر 9 سنوات فيجب إعطاء جرعتين بفاصل شهر. والأمر بطبيعة الحال تابع لتوفر جرعات كافية. ومن المعلوم أن وزارة الصحة في الولايات المتحدة الأمريكية تعمل بشكل قريب مع منتجي اللقاح لتوفير الكميات اللازمة.


 


من يجب  ألاّ يأخذ اللقاح؟


 


هنالك علاقة بين لقاح الإنفلونزا عموماً (بما فيه لقاح إنفلونزا  الخنازير) من جهة وبين البيض من جهة أخرى. وبالتالي فإن الأشخاص الذين يعانون من تحسس شديد للبيض (خصوصاً من النوع الخطر المسمى التأق) يجب ألاّ يتم إعطاؤهم اللقاح. ويجب على المريض أن يخبر الطبيب في حال وجود أي نوع من التحسس لديه. إن الحوامل والمرضعات يستطعن أخذ اللقاح  العضلي (المقتول) ولكن يجب أن يتجنبن اللقاح الأنفي (الحاوي على فيروسات ضعيفة وليست مقتولة). ونضيف هنا أن الأشخاص المصابين بحرارة خفيفة أو زكام يمكنهم أن يأخذوا اللقاح دون مشاكل أمّا أولئك المصابون بارتفاع عالٍ للحرارة فيجب الانتظار حتى تزول عنهم هذه الأعراض. ونضيف إلى هذا أن لقاح إنفلونزا الخنازير يمكن إعطاؤه في الوقت نفسه مع اللقاحات الأخرى دون أية مشاكل ودون أن يؤدي ذلك إلى نقص في الحماية من المرض.


 


هل من داع ٍ للخوف؟


 


لقد استغل بعض الناس موضوع إنفلونزا الخنازير بشكل غير ملائم. وأصبح الحديث عن المرض ومؤامرات متوهّمة متعلّقة به حديثاً مفضلاً على  الإنترنت وأصبح الناس يتلقّون إيميلات متعددة متعلّقة بالمرض. كل هذا الأمر كان ينعكس على عياداتنا صخباً وأسئلة وخوفاً. إن  الناس لديها الحق الكامل بالمعرفة، ولا أحد يلوم أباً أو أمّا لديهم قلق على أطفالهم. لذلك كان من واجبنا كأطبّاء أن نجيب عن هذه الأسئلة بكل رحابة صدر. فالأمر هام. واللوم يقع على أولئك الذين يحاولون أن يستغلّوا أي شيء…. حتى الأمراض ليحوّلوه إلى (سكوب) إعلامي يعيشون عليه لفترة تطول أو تقصر. وكل ما أقوله للأهل هو أن منظمة مثل الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال تمثل 75 ألف طبيب يحملون البورد الأمريكي لهذا الاختصاص لا يمكن أن يجمعوا على مؤامرة!! وهيئة مثل المراكز الأمريكية للوقاية والسيطرة على  الأمراض لديها سمعة عالية ولدى أطبائها تفانٍ كبير واسم تراكمت قيمته مع الزمن في خدمة المرضى وتقديم (خلاصة الخلاصة) من التقدم العلمي في مساعدتهم. ومنظمة الصحة  العالمية تعمل بشكل مستمر للقضاء على  الأمراض في العالم. والإنسان العاقل لا يمكن أن يجعل من جميع هذه الهيئات عناصر مؤامرة ثم يستمع إلى طبيب واحد أو عالم واحد مهما علا كعبه في اختصاصه.


 


دعونا وشأننا


 


لا بد من أن أقول باسم الأطباء وباسم الأهل لكل أولئك المشوّشين  الذين يعيشون على توتر أعصاب الناس. دعونا وشأننا. فموضوع إنفلونزا الخنازير ليس لغزاً ولا مؤامرة ولا (حزّورة) … هو مرض كأي مرض آخر وعلينا أن نتعامل معه بشكل علمي، بعيداً عن الإنترنت ولقاءات الفرقعات الإعلامية. والدنيا فيها من الأزمات الحقيقية ما يغنيها عن الأزمات


 


 


 

Close Menu