حتى يزيد وزن طفلي ….. بسرعة!!
لم تصدّق الأم ما قلته لها.
ــ من الأفضل أن تصدّقي تماماً ما أقوله لكِ.
* ولكن هذا الأمر غير معقول!!
ــ بلى يا سيّدتي! للأسف فإن ما أقوله لك ليس معقولاً فقط ، ولكنه حقيقة أثبتتها التجارب والأبحاث العلمية والمشاهدات اليومية في المستشفيات.
* أنا أصدقك طبعاً يا دكتور! ولكنني أجد صعوبة بالغة بالاقتناع بأن ما تدعوه خطأ ً في طريقة خلط الحليب الصناعي للطفل يمكن أن يؤدّي إلى نزف في الدماغ. كيف يمكن أن يتم هذا؟ هل تريد أن تقول لي إنني إذا قمت بزيادة كمية (بودرة) الحليب في خلطة الحليب، وأنني إذا وضعت ملعقة واحدة من الحليب المجفف لكل أونزة من الماء بدلاً من 2 أونزة من الماء فإن هذا قد يؤدي إلى نزف في دماغ طفلي؟ لو قلت لي مثلاً إن هذا يمكن أن يؤذي المعدة، لكان الأمر سهل التصديق. لو قلت إنه يمكن أن يؤذي الكلية، لكان الأمر سهلاً أيضاً. أما أن تقول لي إنه يمكن أن يؤدّي إلى نزف وفي الدماغ فالأمر بحاجة إلى شرح. ثم إنني لم أقم بهذا من تلقاء نفسي! لقد اتبعت نصيحة صديقتي، وصديقتي هذه عندها العديد من الأطفال وقد طبقت هذه الطريقة عند أطفالها ولم يحصل شيء، هي ذات تجربة واسعة في هذا المضمار، فكيف يمكن أن تخطئ؟ لقد قالت صديقتي إن الطفل الذي يتناول الحليب الصناعي الممزوج بهذه الطريقة يزداد وزنه بسرعة وتبدو على وجهه النضارة والعافية.
ــ أما من جهة أن صديقتك اتبعت هذه الطريقة ولم تخطئ، فلا يسعني إلا أن أذكرك بالمثل الشعبي البسيط السهل: (ما كلّ مرة تسلم الجرة)!
* هذه أوافقك عليها.
ــ وأما من جهة أن صديقتك لديها تجارب، فإن تجاربها لا يمكن ــ بأي شكل من الأشكال ــ أن تكون أوسع وأدق وأكثر علميّة من خلاصة تجارب الأطباء والأخصائيين من جميع أنحاء العالم والذين يعلمون أن ما أقوله لك هو حقيقة علمية واضحة. وإذا أردنا الحديث عن أن هذه الطريقة في مزج الحليب تؤدي إلى النضارة والصحة والعافية، فيؤسفني أن أقول لك إن هذا الأمر غير صحيح على الإطلاق….إنه يؤدي إلى أن يؤول الطفل إلى حالة هي أبعد ما تكون عن الصحة والعافية. وأما من جهة أن الأمر بحاجة لشرح… فيسرّني أن أقول لك، إنك على حق…… للمرة الأولى في حوارنا هذا.
الحليب… ونزف الدماغ!!
إن التوجيهات التي تضعها الشركات الصانعة على حليب الأطفال المصنوع على شكل مسحوق أو (بودرة) هي صريحة وواضحة تماماً. يتم خلط كل ملعقة من المسحوق بــ 2 أونزة من الماء أي 60 مليلتراً منه. هذه التعليمات ليست موضوعة عن عبث. فحليب الأطفال مصمم في الأصل ليقوم بتقليد حليب الأم قدر الإمكان من حيث محتواه السكري والبروتيني والشحمي ، ومن جهة الذوائب الأخرى أيضاً. وبطبيعة الحال فإن هذا التقليد هو تقريبي، فالحليب الصناعي هو (مشابه) في تركيبه لحليب الأم وليس (مطابقاً) له. وهنالك فرق واسع مابين الكلمتين.
ونحن هنا لا نقوم بالمقارنة بين هذين النوعين من الحليب، فهذا الأمر ناقشناه بإسهاب في مواضيع سابقة. كل ما نحاول أن نفعله هنا هو أن نذكر الأصل في تحديد هذه النسب في المزج. فالهدف منه واضح. إن حليب الأم هو التركيز الأكثر ملاءمة لجميع أجهزة الجسم وقدرته على التعامل مع المادة الغذائية. ومن هنا كانت المحاولة من شركات صناعة الحليب الصناعي لتقليده.
على أن الأمر الهام هنا هو أن الحليب لا يحتوي فقط على البروتين والشحم والسكاكر…. إنه يحتوي أيضاً على ماندعوه بالشوارد أو ما يسمى باللغة الإنكليزية Electrolytes . هذه الذوائب تشمل الصوديوم والبوتاسيوم وغيرها. والعنصر المهم في حديثنا الآن هو الصوديوم. إن إقلال كمية الماء في الحليب الصناعي أثناء المزج تؤدي إلى زيادة نسبة الصوديوم في الحليب. عندما يتناول الطفل هذا الحليب الممزوج بتركيز عالٍ، فإن نسبة الصوديوم في دمه تزداد كثيراً. إن ارتفاع الصوديوم في الدم يؤدي إلى سحب الماء من الخلية الدماغية إلى مجرى الدم، وهذا يؤدي إلى انكماش الدماغ على العموم. هذا الانكماش يؤدي إلى شدّ على الأوعية المحيطة بالدماغ، مما يؤدي إلى تمزقها وبالتالي إلى حصول النزف في الدماغ وماحوله. ولست بحاجة فيما أظن إلى أن أشرح لك مدى خطورة النزف الدماغي عند الطفل. إن الكثير من الأطفال الذين يقبلون إلى المستشفى لعلاج هذه الحالة يموتون بسببها.
قلت للأم وقد لاحظت أن ملامحها بدأت تتغيّر وتأخذ الشكل الجدي: لماذا بدأت ألاحظ علائم الخوف ترتسم على وجهك؟
قالت لي: ما يخيفني حقاً هو أن كلامك مقنع بالفعل!
ــ هو كذلك لأنه يمثل الحقيقة فعلاً.
* لم يخطر ببالي أبداً أن الأمر يتبع هذا التسلسل المنطقي الذي شرحته لي الآن.
ــ هنا تكمن المشكلة. إن الكثير من المشاكل الطبية تحصل من خلال أمر قد لا يكون واضحاً للعيان، ولكن النظر بعمق في الأمر يؤدي إلى تفسيره تماماً. لذلك كان على الإنسان أن يتبع التعليمات الطبية بدقة تامة من المصدر الطبي الذي يثق به. فالأمر لا يحتمل الاجتهاد الشخصي. حتى الأطباء المختصون لا يقومون باجتهاد شخصي إلاّ من خلال الدراسات العلمية الموثقة. إن الكثير من الأخطاء التي يرتكبها الأهل تنجم عن الاجتهاد الشخصي.
* وهل تواجه الكثير من هذه الأخطاء؟
ــ كل يوم!!
أخطاء
* هل يمكن أن تعطيني أمثلة على هذه الأخطاء التي تتكلم عنها؟
ــ من الأخطاء الشائعة أن الأهل قد يبدؤون بإعطاء الحليب البقري العادي
ــ غير المصمم للأطفال ــ في مرحلة مبكرة من العمر
* وما هو العمر الملائم لبدء إعطاء الحليب العادي بدلاً من حليب الأطفال؟
ــ في عمر سنة نقوم بهذا التغيير.
* ولكن صديقتي أخبرتني أنني يمكن أن أبدأ هذا بعمر ثمانية أشهر!!
ــ أرجو أن تدعينا الآن مما قالته صديقتك، فمعظم الأخطاء من هذا النوع إنما تنجم عن نصائح مضللة. فبدء إعطاء الحليب البقري العادي للطفل قبل أن يبلغ السنة من العمر قد يؤدي إلى عبء زائد على كليتي الطفل وأمعائه مما يؤدي إلى الكثير من المشاكل الصحية.
* وهل هنالك أمثلة أخرى؟
ــ طبعاً. هنالك ما تفعله بعض الأمهات من بدء إعطاء الأطعمة الصلبة للطفل كالخضار والفواكه قبل العمر الملائم لذلك.
* وما هو هذا العمر؟
ــ العمر الأمثل هو ستة أشهر، وإن كان بعض الأطباء لا يزالون يوصون ببدء الأطعمة الصلبة بعمر أربعة أشهر، ولكن عمر ستة أشهر أصبح الآن أكثر شعبية بين أطباء الأطفال، لأن إعطاء الأطعمة الصلبة بشكل باكر قد يؤدي إلى مشاكل تحسسية معدية معوية وعامة في الجسم كالإكزما والربو وغيرهما.
* ولكن صديقتي عادة ما تبدأ بإعطاء الأطعمة الصلبة لأطفالها بعمر شهرين.
ــ أليس لديك غير هذه الصديقة الخبيرة؟ إن نصيحتي لك يا سيّدتي هي أن تتبعي النصائح الطبية بدقة. فصحة طفلك غالية جداً ، وهي أثمن من أن تسلّميها لأي شخص يضع في أذنيك نصيحة قد تكون ضارّة.
* وهل تعتقد يا دكتور أن طفلي قد أصيب بالأذية فعلاً؟
ــ من خلال الفحص فوضعه يبدو جيّداً والحمد لله. ولكن علينا أن نقوم بإجراء بعض الاختبارات للتأكد من أن مستوى الصوديوم في جسمه طبيعي.
* كل ما أرجوه الآن هو أن تكون صحة طفلي بخير. وأعدك منذ الآن أن أتبع نصائحك حرفاً حرفاً.
ــ حسناً تفعلين. وأنا أريدك من الآن أن تقومي بتحضير الحليب الصناعي لطفلك (نبيل) بالطريقة التي ذكرتها لكِ. وأن تراقبي تقبله للحليب وأن تخبريني غداً منذ بداية النهار عن الأمر.
* أعدك يا دكتور!!
حرفاً حرفاً
في اليوم التالي رن جرس الــ (بيجر) في الساعة السادسة صباحاً. اتصلت بالرقم. وكان على الخط صوت أم نبيل. قلت لها بلهفة … أخبريني!! هل هنالك مشكلة؟
قالت: لا… فقط أحببت أن أخبرك أن طفلي ممتاز… وأنه يتقبل الحليب بشكل جيّد.
قلت معاتباً: ولماذا تتصلين بي في هذا الوقت الباكر؟
قالت: لقد طلبت إليّ أن أتصل بك وأطمئنك عنه من أوّل النهار…. وأوّل النهار هو مطلع الفجر. وأنا وعدتك أن أتبع كلامك حرفاً حرفاً…. ووعد الحر دين عليه… أتراني أخطأت يا دكتور؟