الحمى الرثوية (الروماتيزم) … الداء الذي يلعق المفاصل ويعض القلب!!

 


الحمى الرثوية (الروماتيزم) … الداء الذي يلعق المفاصل ويعض القلب!!


 


 


 


قد يكون من المستغرب فعلاً أننا نكتب هذه المقالات منذ حوالي ثماني سنوات، ولم نتطرّق لهذا الموضوع الهام… الحمى الرثوية. ولكن  الاستغراب قد يزول جزئياً من وجهة  النظر الجغرافية. فلو أننا كنا ننشر هذه المقالات في جريدة تنشر في وطننا العربي لكان حقاً علينا أن يكون هذا الموضوع من أول ما يتم ذكره وشرحه نظراً لشيوع هذا المرض في بلادنا. أما في الولايات المتحدة والعالم الغربي فالشيوع أقل بكثير. وكذلك حال الكثير من الأمراض الأنتانية من جرثومية وفطرية وطفليلية، فإن العنصر الجغرافي هو بالغ الأهمية في انتشار المرض وشيوعه. وهكذا يكون قد عرف السبب فبطل العجب.


 


 


إيضاح لا بد منه


 


كلمة الروماتيزم شائعة جداً بين الناس، فهم يطلقونها على كل موضوع متعلّق بآلام المفاصل. ولكن هنالك أنواعاً عديدة للأمراض الرثوانية أي الروماتيزمية. ولا مجال لشرحها الآن مثل التهاب المفاصل  الرثواني وغير ذلك والتي تختلف آلية الإصابة بها اختلافاً جذرياً عن الحمى الرثوية . إن حديثنا اليوم هو عن موضوع نوعي هو الحمى الرثوية التي تتميّز بخصائص معيّنة ضمن الأمراض الرثوية ويجب أن لا تختلط من حيث المعنى والمقصود مع الكيانات التشخيصية الأخرى لهذه الأمراض. ونظراً للتنوّع الكبير في هذا النوع من الأمراض فإن هنالك اختصاصاً كاملاً في الطب يسمى (الطب الرثوي) يعنى بهذا النوع من الأمراض ولا مجال هنا  لتعداد هذه الأمراض فضلاً عن شرحها. 


 


ما هي الحمى الرثوية؟


 


هي عبارة عن مرض التهابي معقّد يحصل بعد التهاب بالجراثيم المسماة (المكوّرات العقدية) والتي تحصل عادة على شكل التهاب بلعوم  أو حمى قرمزية. وهي تصيب الأوعية الدموية فتؤدّي إلى التهاب المفاصل وربما أذية في دسامات القلب. وهي عادة ما تحصل بعد حوالي ثلاثة أسابيع من الالتهاب الأصلي. وهي مرض مناعي ذاتي متأخر. ويمكن أن يتم منع المرض من خلال معالجة الجراثيم العقدية بالمضادات  الحيوية. وهي غير شائعة في العالم الغربي ولاسيما الولايات المتحدة الأمريكية. بينما تشيع في الدول النامية. والسبب في اختلاف نسبة  الحصول هي استخدام المضادات الحيوية التي تعطى في العالم الغربي بشكل أكثر كفاءةً وأكثر سرعة مما يحصل في البلدان النامية. بينما يتم إهمال الكثير من حالات التهاب البلعوم في هذه الدول فيستشري المرض ويصل إلى مراحل متقدمة منها الحمى الرثوية.


 


  


 


أعراضها


 


 


تبدأ الأعراض وسطياً بعد ثلاثة أسابيع من التهاب البلعوم كما ذكرنا وإن كانت الفترة تتراوح بين 1 إلى 5 أسابيع.  وهي تظهر بالعديد من الأعراض مثل تورّم المفاصل مع إيلام باللمس واحمرار وخصوصاً في الركبتين والكاحلين. و(يهاجر) التورم من مفصل إلى آخر فهو قد يبدأ بالركبة ثم ينتقل إلى الكاحل ثم يصيب المرفق وهكذا. وربما حصل تضخم في بعض العقد اللمفاوية تحت الجلد . قد يحصل ضعف ما في القوة  العضلية للطفل ويتجلّى ذلك أحياناً باضطراب في الكتابة للطفل (سوء الخط مثلاً) أو حركات راقصة معيّنة تسمى (الرُّقاص أو كوريا) وقد تحصل أيضاً اندفاعات جلدية على الجذع والذراعين والساقين. وأيضاً تحصل الحمى(ارتفاع الحرارة) ونقص الوزن والتعب وآلام البطن. ويشيع المرض في عمر 5 إلى 15 سنة وإن كان يحصل في  الكبار. ولكن نسبة النوبة الأولى في الكبار لا تتجاوز 20%  من المجموع العام لهجمات المرض.وتلعب القصة العائلية دوراً في حصول المرض، فهي أكثر حدوثاً عند الأطفال  الذين عانى أفرادٌ آخرون من عائلتهم من المرض. ويزيد حصوله في الربيع والشتاء حيث يكون حصول التهاب البلعوم بالجراثيم العقدية أكثر شيوعاً في هذين الفصلين. ونذكر هنا أن التهاب البلعوم بالجراثيم العقدية هو معدٍ لكن الحمى الرثوية غير معدية.


 


 


التشخيص


 


هنالك معاير خاصة يتم من خلالها تشخيص المرض. تسمى (معاير جونز التشخيصية) ويحصل التشخيص بتحقق معيرين كبيرين أو معير كبير وآخرين صغيرين وذلك إضافة إلى وجود دليل على التهاب بلعوم بالجراثيم العقدية. وتشمل المعاير الكبرى التهاب العضلة  القلبية والتهاب المفاصل المتعدد والرقاص (الحركات الارتجافية التي تحدثنا عنها ) ووجود العقد تحت الجلد والاندفاعات الجلدية الخاصة. أما المعاير الصغرى فتشمل الحمى  وألم المفاصل ووجود التهاب قلب رثوية سابق وتغيرات في تخطيط القلب وارتفاع في سرعة التثفل.


 


ما هو دور المخبر؟


 


لا يوجد فحص مخبري نوعي مشخص ومؤكد لتشخيص الحمى الرثوية. ولكن تجرى بعض الفحوص وخصوصاً زرع البلعوم وتخطيط القلب وسرعة تثفل الدم . ولعل هذا المقام مناسب لذكر حقيقة يغفل عنها الكثيرون الذين يعتقدون أن الفحوص المخبرية هي الاساس في تشخيص أي مرض. وهذا خطأ كبير في عالم الطب. إن الأمر الأساس في أية عملية تشخيصية هي القصة السريرية الصحيحة والفحص الطبي المتأني وقناعة الطبيب القائمة على هذين العمودين. أما الفحوص المخبرية فتختلف أهميتها من مرض إلى آخر وتلعب دوراً مكمّلاً في التشخيص. وربما أجرى الطبيب اختباراً دموياً ثم لم يقتنع بنتائجه بناءً على ما وجده في فحص الطبي وقصته السريرية فكان حدس الطبيب صحيحاً أكثر من الفحص المخبري.


 


 


المعالجة


 


يتم تحديد الخطة العلاجية بناء على القصة السريرية للمريض وشدة المرض والأعراض  وقدرة المريض على تحمل العلاج الدوائي إضافة إلى رأي الأهل الذي يلعب دوراً هاماً في الخطة العلاجية النهائية. والعلاج قد يتم في المنزل أو في المستشفى حسب شدة المرض والأعراض. ويتضمن العلاج القضاء على الإنتان الجرثومي بالعقديات ثم محاربة العملية الالتهابية للمفاصل والقلب.  بالنسبة للهدف الأوّل يتم إعطاء المريض المضادات الحيوية القاتلة للجراثيم حتى إن كان زرع البلعوم سلبياً وربما أعطي المريض جرعات شهرية من المضادات الحيوية لمنع المضاعفات المستقبلية. وأما بالنسبة للهدف الثاني فيتم إعطاء الأدوية  المضادة للالتهاب للقضاء  على  التورّم في العضلة القلبية والمفاصل. وتعتبر الراحة في السرير أحد أهم مقوّمات المعالجة في بعض الحالات بناءً على شدة المرض.


 


المضاعفات


 


هنالك مقولة شائعة في الأدب الطبي (الحمى الرثوية تلعق المفاصل وتعض القلب) وهي عبارة صحيحة تماماً. فإذا كانت شهرة المرض لدى الناس مرتبطة بشكل رئيس بالتهاب المفاصل وهذا صحيح، إلاّ أن الخوف دائماً هو من إصابتها للقلب وبالذات صماماته وخصوصاً الدسام التاجي الذي يقع بين الأذينة اليسرى والبطين الأيسر علماً بأن الصمامات الأخرى هي معرّضة للإصابة التي تؤدي إلى تضيّق أو توسّع هذه الصمامات . وفي حال الإصابة القلبية فقد يقوم الطبيب بتحديد النشاط الفيزيائي الرياضي للمريض وربما احتاج  الطفل لتناول المضادات الحيوية قبل أي إجراء سني كقلع الأسنان وتنظيفها وذلك منعاً لحصول التهابات صمامية إضافية في القلب. وأما على  المدى البعيد فربما احتاج المريض إلى جراحة قلبية لتصحيح الإصابة الدسامية  القلبية في المستقبل. إن الداء القلبي الرثوي هو أقل شيوعاً بكثير في العالم الغربي منه في الدول المتقدمة نظراً للاختلاف الكبير في شيوع المرض.


 


 


هل المعاودة ممكنة؟


 


إن الحمى الرثوية قد تحدث مرة أخرى عند الطفل  المصاب الذي تم علاجه، وإن كان استخدام المضادات الحيوية في الإصابة البدئية ينقص احتمال التكرار. وإن السنوات الثلاث التالية للإصابة البدئية هي الفترة الزمنية التي تحمل الخطر العالي. ثم يتناقص احتمال المعاودة كلما مر الزمن. وبعد حصول المرض فإن الطفل سيحتاج إلى معالجة دوائية شهرية لمنع حصول المرض من جديد، ويتم إيقاف المعالجة بعمر 18 سنة. وإن المتابعة المستمرة من قبل الطبيب هي أمر لا غنى عنه لمنع المضاعفات.


 


 


 


 

Close Menu