نحن وأطفالنا والفئران!!


 


نحن وأطفالنا والفئران!!


 


مع بداية العام الجديد لا يمكننا أن نتحدث إلاّ عن أمر يحمل طابع العصرية والحداثة وأفكار هذا الوقت الذي نعيش فيه. وقد لفتت نظري دراسة هامة تقول باختصار شديد إن الأطفال الذين يستعملون الكمبيوتر في مرحلة ما قبل المدرسة هم أكثر ذكاءً وحنكة من أقرانهم الذين لا يستعملون الكمبيوتر. قد لا تكون الفكرة غريبة، ولكنها تحسم الجدل الذي قد يدور أحياناً ــ نعم حتى الآن ــ عند بعض الناس، بين فكرتين تقول أولاهما إن الكمبيوتر هو آلة تعلّم هامة تماماً، وثانيتهما تقول إن هذا الجهاز إنما هو جهاز لعب ولهو بالنسبة للطفل الذي لا يهمه سوى أن يلعب بشيء، سواء كان هذا الشيء كمبيوتراً، أم كرة، أم لعبة سوبرنينتندو! هذه الدراسة إذاً حسمت الأمر. وهي أيضاً حسمت اتجاه الأهل. فهي تقول إن 53% من العائلات تمتلك جهاز كمبيوتر، وإن 83% من أجهزة الكمبيوتر المنزلية فيها برمجيات مخصصة  للأطفال. كما أن 29% من الأطفال يستعملون جهازهم الكمبيوتري يومياً. و44% منهم يستعملونه مرة واحدة في الأسبوع على الأقل. وأن 56% من العائلات التي لا تمتلك كمبيوتراً تتيح لأطفالها استعمال كمبيوتر تملكه عائلة صديقة أو مكتبة. فالالتزام من قبل الأهل واضحٌ تماماً بشكل لا يدع مجالاً للشك. فالأهل يعلمون الآن أن الكمبيوتر ليس لعبة يلهو بها الطفل وإنما هو جهاز تعلّم. وتزداد أهمية هذا الجهاز في حقيقة الأمر في حال اختيار الـبرمجيات المفيدة التعليمية والتي بذل في الكثير منها جهد كبير تعليمي يتيح للطفل أن يتعلّم بطريقة مسليّة وطريفة ومفيدة تماماً.


 


فأرنا وفأرهم


لو نظرنا نظرة سريعة إلى الفرق بيننا وبين أطفالنا لاستنتجنا أمراً بسيطاً جداً. بالنسبة لأطفالنا فإنهم تعلّموا مفهوم (الماوس) أو الفأر… من خلال (ماوس) الكمبيوتر. فمعظم أطفالنا لم يروا أي فأر في حياتهم ولكن إذا تكلّمنا عن الماوس خطر في بالهم فوراً (ماوس الكمبيوتر) …. و في المستقبل … إذا أراد معلّموهم أن يعلّموهم عن (الفأر الحقيقي) الذي تلاحقه القطط دائماً في أفلام الكرتون…. فلا بد من أن يكون مدخلهم من خلال الكمبيوتر… وأعتقد أن المعلّم في أي صف ربما قال : الفأر يا أطفال هو ذلك الحيوان الذي يشبه (ماوس) الكمبيوتر!!! والأمر بالنسبة لنا كان معكوساً تماماً فعندما تعلّمنا أن هنالك جهازا صغيراً ملحقاً بالكمبيوتر يسمى (الماوس) .. وحين سألنا عن السر في هذا السبب الغريب قيل لنا إن هنالك شبهاً في الشكل والذيل وسرعة  الحركة!! وهذا الأمر ينسحب على الكثير جداً من الأفكار. فالكثير من أطفالنا لعبوا الورق على الكمبيوتر قبل أن يلمسوا ورق اللعب أو يتعرّفوا عليه. وربما لعبوا الغولف والشطرنج وغير ذلك على الكمبيوتر قبل أن يعرفوا هذه الألعاب حقيقة وقبل أن تمس أصابعهم الصغيرة أيّاً من بيادق الشطرنج أو قلاعه أو ملوكه. وبالتالي فإن علينا أن نعلم أن هذا الجهاز الصغير الكبير قد وسّع من آفاق أطفالنا إلى درجة ما كان يمكن أن نصل إليها ونحن أطفال.


 


عجائب


تقول لي الأم: إن طفلي البالغ عمره (18 ) شهراً (نعم شهراً) يأتي إلى  الكمبيوتر … ويمسك بالفأر …. ويوجه المؤشر إلى (أيقونة) الــ (ريل بليَر) ويضغط على زر التشغيل ليسمع أغنيته المفضّلة!! أمر يصعب تصديقه ولكنه موجود فعلاً!! فإذا كانت لهذا الجهاز هذه الجاذبية العظيمة … أفليس من الجدير بنا أن نقوم بــ (مصادقته) وتسخيره لتعليم أطفالنا؟


 


ليس مربية


 إن الوصول المبكر للكمبيوتر يساعد الأطفال على التعلّم. ولكن علينا ألاّ نستخدم الكمبيوتر كمربية أو جليسة أطفال. فبعض الأهل يتركون طفلهم قريباً من الكمبيوتر ليقوم بضغط الأزرار بشكل عشوائي، ويبتعدون ليمارسون أعمالهم اليومية المعتادة. وهذا لا يحقق الهدف المطلوب. فالأمر المفيد هو أن يجلس الأهل مع أطفالهم أمام الكمبيوتر لوقت محدد ومن ثم يتم فتح البرمجيات المناسبة والمختارة بعناية للتعلّم. فهذا الجهاز يمتلك الوسائل المدهشة من صوت وصورة وحركة، وهي التي تجذب انتباه الطفل وتقوم بتعليمه بشكل بعيد عن الملل. والكمبيوتر يجعل الطفل في تماس مع العالم. فهو يستطيع أن يعلّمه الحروف والأرقام والأصوات …. مما يزيد احترام الذات لدى الطفل. فالمعرفة عنده هي من أهم مصادر احترام الذات. فمابالك إذا كانت هذه المعرفة هي معرفة الرؤية والسمع والتجربة.


 


والديناصورات أيضاً!


منذ عشرين عاماً كان بإمكانك أن تخبر طفلك أنه في عصور غابرة وجدت حيوانات تسمى الديناصورات. وكنت تستطيع بعد ذلك أن تسترسل في الحديث  عن صفات هذه الديناصورات وألوانها وأشكالها، وربما تمكنت من أن تري طفلك صوراً صماء لها. وبعد ذلك يسألك الطفل عن سرعة الديناصورات في مشيها وعن طريقة تكاثرها وعن أصواتها وغير ذلك. إن برنامجاً مخصصاً للطفل موجوداً على جهاز كمبيوترك الموجود في المكتب المجاور لغرفة  النوم. يمكن أن يعرض قصاصة فيديو طولها دقيقة واحدة أو دقيقتان، تختصر كل قصة الديناصورات بشكل محسوس للطفل، وبطريقة تلتصق فيها المعلومات في ذهنه إلى درجة أنها لا تمحى. ويضاف إلى ذلك أن الطفل بإمكانه أن يعيد هذه القصاصة الصوتية الحركية بقدر ما يشاء من مرّات. إن هذا التوسّع المدهش في مدارك الطفل، هو أمر لا يقدر بثمن من وجهة النظر التعليمية. وهو كان حلماً قبل سنوات قليلة.


 


تعدد اللغات


لا يخفى أن هنالك تطوّرات قد طرأت على الكمبيوتر في السنوات القليلة الماضية قد ضاعفت فائدته بشكل كبير ولا سيّما لبعض المجموعات من الناس. فبالنسبة لنا ــ على سبيل المثال ــ كعائلات عربية تعيش في مجتمع غربي، تشكل هذه التطوّرات أمراً ذا أهمية بالغة. فالكمبيوتر الآن هو جهاز متعدد اللغات. وبإمكان مستعمله أن يكتب مستخدماً إياه سواء كانت لغته الإنكليزية أوالصينية. وسواء كانت الحروف المستخدمة هي اللاتينية أو العربية. ويضاف إلى ذلك إمكانية الوصول بالإنترنت إلى آفاق مدهشة واسعة تتناسب مع أحلام الطفل وخياله المجنّح. فتتيح له التواصل مع أفراد العائلة الموجودين في البلاد الأم من خلال تبادل الصور ومشاهدة قصاقيص الأفلام المصورة بالكاميرات الديجيتالية. فتراه يعرف جده وجدته وأعمامه وأخواله وأقاربه بشكل ماكان ممكنا لولا هذا الجهاز الذي اختصر عدة أجهزة معاً. 


 


حذارِ


إن هذا الجهاز السحري بطبيعة الحال لا يمكن أن يكون دون مساوئ. فهذا الخضم من الميزات العظيمة لا يمكن أن يكون إيجابيّات لا يعكّر صفوها شيء. فمع زيادة مدارك الطفل ونموّه وتطوّره، يستطيع أن ينطلق أيضاً إلى الجوانب المظلمة والسيئة من عالم الكمبيوتر. وهنا تأتي مهمة الأهل بفرض رقابة صارمة تؤدي إلى تجنّب هذه المساوئ. فالمواقع التي يجب أن يسمح للطفل بالدخول إليها يجب أن تكون معروفة من قبلهم. كما أن الطفل يجب أن لا يدخل إلى أي موقع على الإنترنت دون أن يكون أحد أفراد العائلة موجوداً معه. كما أن تبادل أي بريد إلكتروني  يجب أن يكون بمراقبة الأهل وإذنهم وإشرافهم الكامل. فالمشاكل التي نسمع عنها كل يوم في هذا المجال لا تحتاج إلى تعريف. فالجهاز السحري الذي يوسّع المدارك …. يوسّع  المخاطر أيضاً. وهو دون شك سيف ذو حدّين.


 


عليك به


إن استخدام الكمبيوتر في عملية تعليم الطفل أصبح أمراً مثبتاً من حيث الأهمية والفائدة. وإن انتشاره تعدى  المدارس إلى العائلة إلى مكان العمل. وأصبح العلم به جزءاً لا يمكن تجاهله في أي مجال من مجالات الحياة. ولكن كأي شيء ذي أهمية في حياتنا، لا بد من الحذر التام عند استخدام الكمبيوتر في العملية التعليمية. وعلينا ألا نستهين بأي أمر في هذا المجال. فمعظم النار من مستصغر الشرر كما يقولون. 


 

Close Menu