عن الكزاز … ولقاح الكزاز … وحكاية الفك المُـقـْفـَل!!

 


 


 


عن الكزاز … ولقاح الكزاز … وحكاية الفك المُـقـْفـَل!!


 


 


كانت مذعورة …. سؤالها ذكّرني بمرض انقرض تقريباً ــ وليس تماماً ــ ولكننا نخشاه وكأنه يحصل كل يوم… ونتقي شرَّه وكأننا نراه كل يوم…. مرض يحصل بسبب وخزة… ونتقي حصوله بوخزة… ليس الأمر لغزاً ولا أحجية… حديثنا ببساطة هو عن الفك المقفل!! أقصد مرض الكزاز.


 


اللقاح


 


قلت لها ــ مجيباً على سؤالها ــ : لا يا سيّدتي! طفلك لا يحتاج إلى لقاح. قالت لي: فما تقوله لي الآن هو الجواب نفسه الذي أعطاني إيّاه طبيب الإسعاف. قلت: هذا صحيح. قالت: لقد فوجئت فعلاً بالأمر… طفلي أصيب بجرح ليلة أمس بسكين المطبخ. لقد كان يحاول أن يقشر تفاحة… كنت قريبة منه أشرف على الأمر، ولكن هذا لم يمنع أن انزلقت السكين بين يديه وأحدثت جرحاً عميقاً في يده اليمنى. لم أحب أن أزعجك في ساعة متأخرة من الليل فقمت بأخذه إلى غرفة الإسعاف في مستشفى المدينة. و قام طبيب الإسعاف بخياطة الجرح، وقد توقعت أن يعطيه لقاح الكزاز ولكنه لم يفعل، وعندما سألته عن الأمر أخبرني أن طفلي لا يحتاج لقاح الكزاز فعمره 12 عاماً ولقاحاته كاملة، وبالتالي فلا حاجة للقاح . أقول لك بصراحة يا دكتور أنا لم أقتنع بما قاله لي، ولذلك أتيت لأسألك عن أمرين. سألتها: ما هما؟ قالت: الأوّل هو لقاح الكزاز، والثاني هو ما هو  الكزاز أصلاً؟!!


 


 


الفك المقفل


 


داء (الكزاز) هو عبارة عن مرض عصبي يتجلّى بتشنجات عضلية معممة مع انغلاق شديد للفك بسبب هذه التشنجات (ولذلك يعرف باسم آخر هو الفك المقفل). والسبب في حصول هذا المرض هو سم عصبي تفرزه جراثيم تدعى (المطثـّيات الكزازية). وكلمة مطث تعني مضرب التنس لأن هذه الجراثيم تشبهه في شكلها. وعندما يصاب الإنسان بجرح ملوّث بهذه الجراثيم فإنها تتسلل إلى الجرح  وتقوم بإفراز السم  العصبي (نوروتوكسين) الذي يؤدّي إلى الأعراض التي ذكرناها والمرض قد يكون قاتلاً في كثير من الأحيان.


 


وتمتد فترة الحضانة من أيّام إلى أشهر قبل أن تظهر هذه الأعراض (وإن كانت معظم الحالات تحصل خلال 14 يوماً من التعرّض للجراثيم). وتستمر الأعراض لمدة أسبوع ثم تخف بالتدريج على مدى أسابيع إلى أن تزول، وهذا في المرضى الذين ينجون بحياتهم من المرض. وينتشر مرض الكزاز في جميع أنحاء العالم. وفي حقيقة الأمر فإن الأرقام قد تغيّرت كثيراً في البلدان التي تستخدم لقاح الكزاز بانتظام وعناية كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية التي يبلغ عدد الحالات السنوية فيها منذ عام 1995 حوالي 50 حالة فقط. وهذا مثال على النتائج الباهرة التي يمكن الحصول عليها من التمنيع ضد مرض معيّن. بينما في البلدان النامية ــ والتي لا يتم فيها  استخدام اللقاح كما يجب ــ فإن حالات الكزاز تكثر كما قد تحصل حالات خاصة منه كالكزاز الوليدي الناجم عن نقص التمنيع بين الأمهات إضافة إلى عدم وجود النظافة والاعتناء الخاطئ بالحبل السري. إن تشخيص المرض هو تشخيص سريري يعتمد على قصة حصول جرح مع نفي الأسباب الأخرى للتكزز مثل نقص الكالسيوم وغيره من الأسباب. إن زراعة مفرزات الجرح يمكن أن تحصل ولكن صعوبة الزرع قد تكون حائلاً دون النجاح في التشخيص الصحيح.


 


المعالجة


 


إن المعالجة  المختارة للمرض هي ما يدعى (الغلوبولين المناعي الكزازي) الذي يعطى عن طريق العضل. وهنالك من يقوم بإعطاء جزء من جرعة الغلوبولين حول الجرح أيضاً، وهذا الأمر هو مثال خلاف بين الأطباء ويعتمد على  المدرسة التي يتنبناها الطبيب.  وهنالك ما يدعى مضاد السم العصبي (أنتي توكسين) والذي يتم استخراجه من الخيل ويمكن إعطاؤه في البلدان التي لا يتوفر فيها الغلوبولين المناعي. ويفيد إعطاء المترونيدازول أو  البنسلين في الإنقاص من تكاثر الجرثوم والحد بالتالي من حصول المرض واشتداد أعراضه.


 


لقاح الكزاز


 


إن جميع الأطفال يجب أن يتم إعطاؤهم لقاح الكزاز وفقاً لجدول معروف. فالطفل يعطى لقاح الكزاز (المخلوط مع لقاح الدفتريا والسعال الديكي) بعمر 2 و 4 و 6 أشهر ثم بعمر 15 شهراً ثم  4 سنوات ثم جرعة داعمة من الكزاز والدفتريا بعمر 11 عاماً. وإن لقاح الكزاز هو ما يدعى (شبيه التوكسين) أو (التوكسويد) وهو عبارة عن مادّة لا تؤذي الطفل كما يفعل التوكسين (السم العصبي) ولكنها تقوم بتحريض الجهاز المناعي للطفل لإفراز الأضداد التي تقوم بتعديل التوكسين (أنتي توكسين) عند إفرازه في الجسم من قبل الجراثيم في حال حدوث الجرح الملوّث. ويستمر تواجد التوكسين بكميات كافية للوقاية في الدم لمدة عشر سنوات بعد إعطاء اللقاح. 


 


 


على الرغم من أن كل جرح هو مصدر محتمل للإصابة بالكزاز، إلاّ أن لطبيعة الجرح دوراً هاماً في زيادة احتمال الإصابة. فالجروح الملوّثة بالبراز أو  اللعاب أوالتراب وغير ذلك من المواد الملوّثة، تزداد نسبة إصابتها بالجرثوم. كما أن التنخّر النسيجي ضمن الجرح يلعب دوراً في ذلك. وبالتالي فإن استخدام لقاح الكزاز بعد الجرح متعلّق بهذا الأمر أيضاً.


 


 والعنصر الهام الآخر هو ما إذا كان المريض قد أنهى لقاحات الكزاز وتلقى  جميع الجرعات المطلوبة أم لا. وكذلك هنالك عنصر آخر وهو كون الشخص المصاب ذا مناعة ضعيفة (كما هو حال المصابين بالإيدز) وهنا يجب أن نعطي اللقاح عند التعرّض للجرح بصرف النظر عن كون الطفل قد تلقـّى لقاحاته كلها أم لا.


 


ولا بد من أن نذكر هنا أن طريقة العناية بالجرح هي عنصر بالغ الأهمية في منع حصول الكزاز. فتنظيف الجرح من كل الأوساخ وإزالة الأنسجة المتموّتة التي قد تتواجد في الجرح هي أمور ضرورية بصرف النظر عن أي نوع من أنواع اللقاح يحتاج المريض. وهذا هو السبب الآخر في كون حالات الكزاز قليلة جداً في الدول المتقدمة بالمقارنة مع الدول النامية التي لا تتبع فيها الوسائل الصحية المطلوب حتى في المشافي.


 


وهنا نلاحظ أن (لقاحات الكزاز) هي في الواقع ثلاثة أنواع. أوّلها هو (التوكسويد) الذي يعطى كلقاح روتيني. وثانيها هو (الغلوبولين المناعي) الذي يعطى حين حصول المرض. وثالثها هو (الأنتي توكسين) وهويعطى للعلاج كبديل في حال عدم توفر الغلوبولين المناعي.


 


طفلك لا يحتاج للقاح!!


 


وبالتالي فإن الطفل الذي يتعرّض للجرح خلال الفترة التي يكون فيها الأنتي توكسين موجوداً بكميات فاعلة في دمه لا يحتاج إلى اللقاح. وهذا ينطبق على الأطفال الذين تلقوا اللقاح قبل حد أقصاه 10 سنوات بالنسبة للجروح العادية. وأما في الجروح الملوّثة كتلك التي تحصل في الحظائر أو تلك الملوّثة بالبراز مثلاً فالمريض لا يحتاج للقاح طالما كان قد تلقى جرعته الأخيرة قبل 5 سنوات. ونعطي هذه الأرقام المبسطة حتى لا ندخل في تعقيدات تزعج القارئ، ولكن القرار الأخير في موضوع إعطاء اللقاح عائد إلى الطبيب الخبير الذي يتناول الحالة ويعالج المريض حسب اللزوم. وربما كان لقاح الكزاز هو أكثر لقاح يسأل عنه المريض والأهل لأن هنالك ربطاً كبيراً بين الجروح وهذا  اللقاح، ولما قد يكون الأهل قد سمعوا من قصص مخيفة كانت تحصل في الماضي بسبب الإصابة بالكزاز بعد التعرّض للجروح.


 


 


الصداع


 


قالت لي الأم: ما قلته لي اليوم عن الكزاز هو مفيد، ولكنه معقد قليلاً بالنسبة لي. فأنا لم أكن أعلم أن هنالك ثلاثة أنواع مختلفة للقاح الكزاز. كما أنني لم أعلم أن طبيعة الجرح تؤثر أيضاً على ما يجب أن يعطى للمريض من لقاحات في هذا الباب. كل ما يهمني هو  أن أسألك سؤالاً بسيطاً أحب أن أعيده عليك. هل توافق مع طبيب الإسعاف على أن طفلي لا يحتاج إلى لقاح الكزاز الآن. قلت: نعم!! قالت هذا يكفيني. ولكن بعد هذه التعقيدات أنا مصابة بوجع في الرأس وأحب أن أسألك سؤالاً آخر. قلت: تفضلي. قالت: هل لديك لقاح للصداع؟!!


 


 

Close Menu