العصيّات الكولونية “E.Coli” والجائحة الأوربية!!

العصيّات الكولونية “E.Coli” والجائحة الأوربية!!

العصيّات الكولونية

E.Coli

والجائحة الأوربية!!


بعد أسابيع من البحث عن مصدر العصيّات الكولونية في أوربا و التي أدّت إلى مرض أكثر من 3000 شخص ووفاة 31 شخصاً، وأدّت إلى اضطراب من نوع خاص في المجال الاقتصادي بين المزارعين وتجار المنتجات الزراعية والمحاصيل في أوربا بأسرها،أعلنت السلطات الصحية في الأسبوع الماضي أن السبب في انتشار هذه الجراثيم هو حبّات الفاصولياء المنتشة والتي تم إنتاجها في مزرعة للنباتات العضوية في ألمانيا.

 وتم إثبات الأمر وعلاقته لتلك المزرعة الموجودة في مقاطعة (سكسونيا الدنيا) من خلال تتبع المصابين وتوزعهم الجغرافي وتناولهم للأطعمة في بعض المطاعم ثم تتبع مصادر المنتجات التي تستخدمها هذه المطاعم. حيث بيّنت الدراسات أن معظم المصابين تناولوا طعاماً في 26 مطعماً وكافتريا استخدمت مادة الفاصولياء المنتشة من هذه المزرعة. و إن كانت بعض المصادر الأخرى قد ذكرت احتمال وجود مزارع أخرى كمصدر لهذه الجراثيم . وقد شبّه بعض المسؤولين الأمر بحل أسرار الجرائم من خلال المخبرين أكثر من حل لغز طبّي. علماً بأن التردد في تحديد السبب ونوعية الخضر المسؤولة عن انتشار الجراثيم كان مصدر إحراج للحكومة الألمانية ووزارة الزراعة فيها خصوصاً. وبعد هذا الإعلان، تم رفع  الحظر عن الخضر الأخرى التي كان الشك متجهاً إليها وهي الخيار، والبندورة والخس. وقامت روسيا برفع  الحظر عن استيراد الخضر من الدول الأوربية وخصوصاً إسبانيا، التي تنفّس مزارعوها الصعداء بعد أن أصابتهم نكسة مالية واضحة نتيجة للحظر.

هذا الخبر الذي شغل وكالات الأنباء لعدّة أيام، أثار سؤالاً مشروعاً في هذا المجال. ما هي العصيّات الكولونية؟

 

العصيّات  الكولونية

اسمها الكامل  Escherichia coli وهي مجموعة واسعة من الجراثيم. وعلى الرغم من أن معظم سلالات العصيّات الكولونية غير ممرضة ، إلاّ أن بعضها يمكن أن يؤدّي إلى إحداث المرض. فبعضها يمكن أن يؤدّي إلى الإسهال وأخرى تؤدّي إلى الالتهابات البولية والتنفسية وذات الرئة وغير ذلك. ونذكر هنا أن العصيات الكولونية تستخدم في معظم المدن كمقياس لتلوّث المياه، على الرغم من كونها غير ممرضة. حيث تقوم السلطات  الصحية في المدن بأخذ عينات من الماء ثم تقوم بإحصاء عدد الجراثيم الكولونية في كل مليمتر مكعّب منه بهدف المقارنة مع المعاير المقبولة.

 

أنواع عديدة

هنالك العديد من سلالات العصيات الكولونية كما ذكرنا، ويتم تحديدها عادة بما تنتجه من مواد ضارّة أو بإعطائها أرقاماً معيّنة يعرفها الأخصائيون وهي بمثابة هوية للسلالة ومفتاح لمعرفة أضرارها. إن السلالة التي أدّت إلى الحالات المرضية في أوربا هي تلك المنتجة لتوكسين (ذيفان أو سم الشيغا). وهي تسمى بالتحديد

Shiga toxin-producing E. coli O104 (STEC O104:H4)

وعلى الرغم من أن هذه التسمية قد تبدو غريبة أو معقّدة، إلاّ أننا مضطرّون لاستخدامها لتحديد نوع الجرثوم تماماً، ولمنع اللبس مع سلالات أخرى من العصيّات الكولونية. وأما هذه الجراثيم  (أي المنتجة لتوكسين الشيغا) فعندما تنتشر في أمريكا تكون عادة من سلالة مختلفة قليلاً وهي تسمّى باختصار  E. coli O157  أي أن الأرقام التي تحدد هوية الجرثوم مختلفة ولكن الجرثومين ينتميان للعائلة نفسها. وعندما نقرأ في الأخبار انتشار العصيات الكولونية في أمريكا، فغالباً ما يكون السبب هذه  السلالة الأخيرة. ولن نتحدّث في التفاصيل لأنها قد تؤدّي للتشوّش.

 

 

من يصاب بهذه الجراثيم؟

إن الناس من أي عمر معرّضون للإصابة بالكولونيات المنتجة لتوكسين الشيغا، علماً بأن الأطفال الصغار والمسنين هم عرضة أكثر لحصول أعراض شديدة وخطرة، وخصوصاً ما يسمّى (المتلازمة اليوريمية الانحلالية) التي يحصل فيها انحلال شديد في الدم وقصور في الكلية.

 

الأعراض

الإسهال والإقياء والألم البطني وربما حصلت حمى متوسطة الشدة مع تحسّن في معظم الأحوال خلال 5 إلى 7 أيّام ولكن بعض الحالات تقود إلى أعراض شديدة وخطرة.

 

المضاعفات

إن حوالي 5 ــ 10% من المصابين بالكولونيات المنتجة لتوكسين الشيغا تحصل لديهم حالة خطرة تسمى المتلازمة اليوريمية الانحلالية أو ما يعرف باللغة الإنكليزية بـ

Hemolytic Uremic Syndrome (HUS)

وفيها تنحل كريات الدم الحمراء ويحصل قصور في الكلية يتجلّى بنقص التبوّل والتعب الشديد وشحوب الوجه والأجفان. ويجب الإسراع بهؤلاء المرضى إلى المستشفى وقبولهم إلى وحدات العناية بالكلية وفي حال حصولهم على الرعاية الطبية المناسبة فإن معظمهم يشفى خلال أسابيع، ولكن قد تحصل أذيّات شديدة أو قد تتعرّض حياة المصاب للخطر. إن فترة الحضانة لهذه الجراثيم هي 3ــ 4 أيّام في معظم الحالات وإن كانت قد تتراوح بين 1 إلى 10 أيام في الحالات القصوى. وإن المتلازمة المذكورة تحصل عادةً بعد7 أيام من ظهور العرض الأوّل.

 

ما هو مصدر هذه الجراثيم؟

تعيش العصيات الكولونية المنتجية لتوكسين الشيغا في أمعاء الحيوانات المجترّة كالأغنام والأبقار والماعز والغزلان والإلكة. والمشكلة أن هذه الجراثيم غير ممرضة للحيوانات مما يجعل كشفها صعباً، وهي تنتقل للإنسان من خلال الخضار والفاكهة وعصيرها (عصير التفاح هو أشهر الأمثلة ) والمنتجات الزراعية الأخرى (حليب أجبان)  الملوّثة بروث هذه الحيوانات. وقد ذكرت حالات حصل فيها المرض نتيجة لابتلاع مياه البحيرات أثناء السباحة، ولمس الحيوانات في حدائق الحيوان التي تسمح للأطفال بلمس الماشية. فإذا نظرنا إلى جميع هذه الأمور، عرفنا أن أي شخص هو معرّض للإصابة وعرفنا أيضاً السبب في أن الكثير من الحالات لا يعرف مصدرها الدقيق.

 

هل هي شائعة؟

إن الإحصاءات تشير إلى حصول أكثر من ربع مليون حالة إصابة بالعصيّات الكولونية في العام في أمريكا وحوالي ثلث هذه الحالات ناجم عن السلالة  STEC 0157  ، وأما بقية الحالات فتنجم عن السلالات الأخرى. وكثيراً ما يعمد الخبراء والمسؤولون الصحيون إلى التخمين أكثر من التحديد بالأرقام الصحيحة لأسباب عديدة منها أن الكثير من المصابين يقومون بمعالجة أنفسهم في المنزل ولا يذهبون إلى الطبيب مما يؤدّي إلى ضياع أرقام إحصائية هامة. كما أن الكثير من المخابر لا تحدد السلالة الجرثومية تماماً حين إجراء زرع البراز.

 

التشخيص

إن زرع البراز هو أفضل الوسائل للتشخيص، ويقوم الطبيب بإرسال هذه العينات للمخابر في حال الشك بحصول التهابات هضمية بهذه الجراثيم أو غيرها. وتختلف المخابر من حيث قدرتها على تحديد هويّة الجرثوم تماماً حسب المراكز. حيث أن بعض المخابر الموجودة في القرى ليست لديها المعدّات  المتقدمة لهذا الغرض. وعلى الرغم من أن الجراثيم تزول من البراز في معظم الحالات عند زوال الأعراض، إلا أن بعض المرضى (وخصوصاً  الأطفال الصغار) يحملون هذه الجراثيم ويطرحونها في البراز لبضعة أسابيع فيكونون مصدراً للعدوى.

 

المعالجة

كثيراً ما يستغرب الأهل عندما  نخبرهم أن استخدام المضادات  الحيوية غير مفيد في حال وجود هذه الجراثيم وأن المعالجة تكون بإعطاء السوائل، كما أن استخدام مضادات  الإسهال أمر لا ينصح به. ولكن هذه هي الممارسة الصحيحة. وحتى في حال قبول المرضى للمشفى، فإن إعطاء السوائل الوريدية يكون حجر الأساس في العلاج.

 

الوقاية

إن اتباع الوسائل الوقائية العامة ينطبق تماماً في حال العصيّات الكولونية. فغسل اليدين هو من أفضل الوسائل الوقائية لمنع انتشار الجراثيم في الطعام والشراب. وغسل اليدين يصبح ضرورياً أكثر بعد استعمال الحمام وبعد التماس مع الحيوانات والذهاب إلى المزارع وغيرها. كما أن الطبخ الجيّد للحوم والخضار هو أمر ضروري. فلحم البقر المطحون مثلاً (الهمبرغر) يجب أن يطبخ بحرارة 170 فهرنهايت(70 مئوية) على الأقل . ويجب تجنب الحليب ومنتجات الألبان غير المبسترة وكذلك عصير التفاح غير المعقّم. وفي حال السباحة في البحيرات فيجب تجنّب ابتلاع الماء وكذلك في جميع أحواض السباحة.

 

في الختام

إن هذه الجائحة المحدودة التي حدثت في أوربا والتي أرعبت الكثير من الناس من احتمال انتشارها في العالم، لها فائدة هي أنها ذكّرتنا من جديد بالقواعد الصحية العامة التي كثيراً ما ننساها من خلال الانغماس في نشاطاتنا اليومية.

Close Menu