التحسس وأعراضه وبعض النصائح لتخفيفها
تسألني الكثير من العائلات سؤالاً له أهمية. لماذا لم نكن نعاني في بلادنا كما نعاني هنا ويعاني أطفالنا من الأمراض التحسسية؟ وأهمية هذا السؤال فعلية وتأتي من حقيقة أن الأمر واقعي تماماً، وله أسباب موضوعية كثيرة.
تكلّمت في هذا الموضوع كثيراً، وكتبت فيه كثيراً ولا أزال أشعر بالحاجة إلى تكرار الحديث عنه من جديد. فالأمراض التحسسية تنتشر في بلد كالولايات المتحدة الأمريكية انتشاراً كبيراً جداً يصعب تجاهله كما يصعب تصديق بعض جوانبه أيضاً.
في ولاية مثل ميشيغان، وفي منطقتنا بالذات يتوفر السببان الرئيسان للأمراض التحسسية. فمن جهة هنالك الكثير من الأشجار والمزروعات والأعشاب التي تسبب التحسس من خلال ما تبثه في الجوّ من غبار الطلع وغير ذلك، وفي بعض المواسم فبالإمكان مشاهدة البذور الطائرة ذات الشكل القطني المنفوش والتي تسبب الكثير من الأعراض. هذه واحدة. والأمر الآخر هو أن المنطقة مليئة بالمعامل التي تبث دخانها وأبخرتها لتضيف لما يمكن أن يتحسس له الناس. ونحن نعلم أن هنالك قواعد صحية تلتزم بها المعامل بناءً على طلب السلطات المختصة، ولكن من رأى الدخان الكثيف ينبعث من معامل السيارات في منطقة ديربورن وما يحيط بها يدرك أن هذا الدخان لا بد من أن يكون سبباً ــ جزئياً على الأقل ــ لما يعاني منه أهل المنطقة من الأعراض التحسسية.
ومن الأسباب العامة للأمراض التحسسية وزيادة انتشارها أن البيوت في العالم الغربي تبنى بحيث تحافظ على الحرارة لتوفير الوقود اللازم للتدفئة والكهرباء اللازمة للتبريد. وهذا التصميم لا يحفظ الطاقة والدفء في المنزل فقط، ولكنه يحفظ أيضاً الموادّ المحسسة داخل المنزل مما يزيد من احتمال حصول التحسس وأعراضه المختلفة.
وهنالك دراسات ذكرناها سابقاً تتكلم عن علاقة الأمراض التحسسية بالسمنة. ولما كانت نسبة السمنة لدى الأطفال ــ والكبار أيضاً ــ في تزايد، فإن نسبة الأمراض التحسسية بأشكالها المختلفة هي في تزايد أيضاً.
وأما الأمر الذي يصعب تصديقه فهو دراسات طريفة ومتعددة أثبتت علاقة النظافة بالتحسس!! وقد نسأل ــ ولنا الحق في ذلك ــ كيف يمكن أن تكون النظافة سبباً في أي مرض من الأمراض؟ ويجيب الباحثون الذين قاموا بهذه الدراسات إن الجهاز المناعي مصمم أصلاً لمقاومة الجراثيم والفيروسات. ولكن نتيجة للنظافة الزائدة فإن الجهاز المناعي يجد نفسه بين خيارين. إما أن يكون عاطلاً عن العمل، وهذا ليس خياراً مفضلاً له كما يبدو، وإما أن يقوم بمهاجمة أعضاء الجسم ذاته وهنا تنشأ المشاكل التحسسية. وبالتالي فإن انتشار النظافة الناجم عن استخدام المنظفات وغيرها يؤدي إلى ازدياد الأمراض التحسسية.
ماذا عن الوراثة؟
ويسأل الكثير من الأهل عن علاقة الأمراض التحسسية بالوراثة. وفي الحقيقة فإن للوراثة دوراً هاماً في حصول الأمراض التحسسية. ففي مرض كالربو يكون احتمال إصابة الطفل 25% في حال إصابة أحد الأبوين و50% في حال إصابتهما معاً بالمرض. وعلينا أن نذكر أن الوراثة ليست نوعية. فالأب المصاب بالربو يمكن أن ينقل إلى طفله المرض على شكل إكزما جلدية. والأم المصابة بالتهاب الأنف التحسسي يمكن أن تنقل المشكلة إلى طفلها على شكل التهاب المتلحمة التحسسي وهكذا. ولا بد هنا من أن نذكر أن التحسس يعتبر كيانا ًواحداً قد يتجلّى بأعراض رئوية أو أنفية أوجلدية أو عينية أو غيرها. والطفل المصاب اليوم بالربو قد تظهر لديه في المستقبل أعراض الإكزما وهكذا.
الأعراض
إن أعراض التحسس هي متنوّعة جداً ومتعلّقة بالكثير من الأعضاء. فهنالك السيلان الأنفي والعطاس وحكة الأنف، كما أن هنالك احمرار العينين والدّماع. وأيضاً السعال والوزيز وصعوبة التنفس الناجمة عن الإصابات الشديدة التي تشكل الربو. إضافةً إلى الاندفاعات الجلدية المؤدية للحكة. إضافة إلى الأعراض الأقل نوعيّة كالصداع وغيره. وهذه الأعراض تختلف من حيث شدتها بين طفل وآخر، وهي في أحوالها الشديدة تشكل إزعاجاً كبيراً للمريض. وهنالك بعض النصائح التي يمكن أن تفيد المريض المصاب بالحساسية لتخفيف الأعراض ونحب أن نسردها هنا.
نصائح
إن النصيحة الأولى هي أن أفضل طريقة لتجنب الأعراض التحسسية هي تجنب المواد المحسسة أصلاً، وبالتالي فإن عدم الخروج من المنزل في أوقات تزايد غبار الطلع أي حوالي العاشرة صباحاً والسابعة مساءً وعند هبوب الريح ، قد يساعد على التخفيف من الأعراض. أيضاً فإن استعمال قطرات الماء المالح مثل (أوشن سبراي) وغيرها داخل الأنف يخفف الأعراض ويعتبر أفضل العلاجات المنزلية. ولا بد هنا من أن نذكر أن المحافظة على سوائل الجسم ومنع التجفاف هو أمر حيوي لمنع التحسس وبالتالي فلا بد من شرب كميات كافية من الماء والعصيروغير ذلك. ومن النصائح التي يقدمها الخبراء أن أخذ حمام دافئ قد يخفف من أعراض التحسس أحياناً ولا ضير في تجربة هذا الأمر. وفي حال قيادة السيارة في جو حار فإن تشغيل المكيّف فيها مع إغلاق النوافذ قد يساعد في التخفيف من غلواء غبار الطلع وبالتالي يحسّن الأعراض التحسسية. وهنالك سؤال كثيراً ما يطرحه المصابون بالأمراض التحسسية بشأن ترطيب الجو وهل هو مفيد للأعراض. وفي حقيقة الأمر فإن القليل من الرطوبة في الهواء المنزلي يجعل التنفس أكثر سهولة، وبالتالي فمن المفيد استخدام مرطب الجوّ في حال كون الهواء في المنزل جافاً، ولكن علينا الحذر فإن الرطوبة عندما تتجاوز 40% تصبح مؤذية للمصابين بالتحسس لأنها تساعد على نمو العفن والحشرة الدقيقة المسماة (عثة الغبار) وبالتالي فلا بد من مراقبة درجة الرطوبة في المنزل من خلال مقياس خاص لذلك. وبالنسبة لحكة العين فإن الخبراء ينصحون بتجنب عرك العينين باليدين لأن هذا قد يؤدي إلى التهيّج وزيادة الحال سوءاً. وهنالك نصيحة متعلّقة بالمناديل الورقية التي تستخدم في حال سيلان الأنف. إن استخدام الأنواع الحاوية على مواد مرطبة هو أمر منصوح به ويؤدي إلى تجنّب تهيّج جلد الأنف. وفي حال حصول هذا التهيّج يمكن استخدام نوع من المراهم البترولية أو اللوشن الذي يساعد على تطرية الجلد. وكثيراً ما يسأل الأهل عن آلام البلعوم التي تصيب الطفل نتيجة للتحسس وفيما إذا كان الأمر يقتضي استخدام المضادات الحيوية. إن المضادات الحيوية يستخدمها الطبيب في حال الإصابة بالإنتان الجرثومي للبلعوم. أما ألم البلعوم الناجم عن التحسس فبالإمكان تخفيفه من خلال تناول بعض أنواع الشاي الساخن ولاسيما ذلك الممزوج بالليمون والعسل حيث تعرف عنه خاصة تخفيف الألم البلعومي. وإن تطبيق الكمادات القماشية الدافئة على الوجه يساعد في التخفيف من آلام الجيوب الأنفية الناجمة عن الاحتقان التحسسي.
نقطة هامة
إن النصائح التي ذكرناها هي هامة وذات فائدة كبيرة للمريض. ولكن علينا أن نعلم أنها ليست بديلاً على الإطلاق للأدوية التي يصفها الطبيب. إن معظم حالات التحسس تحتاج إلى أدوية متعددة وقائية وعلاجية. وعلى المريض اتباع توجيهات طبيبه بشكل كامل من أجل الحصول على النتائج المثلى. إن الأدوية الوقائية تحتاج إلى انتباه خاص. فعلى العائلة أن تعلم أن هذه الأدوية ليست أدوية تعطى لتخفيف الأعراض بحيث أنه يمكن الاستغناء عنها بعد التحسن، ولكن المثابرة عليها تمنع عودة الأعراض وتخفف من وطأة الهجمات. إن الدواء هو العنصر الأساس حتى اليوم في معالجة الأمراض التحسسية. وقد أفردنا في الماضي مقالاً خاصاً للحديث عن أهم الأدوية المستخدمة في معالجة التحسس.
وأخيراً
إن الأمراض التحسسية شائعة جداً. وهي قد تكون سبباً في مضاعفات كثيرة. ولكن اتباع نصائح الطبيب عموماً وما يتعلّق بما يصفه الطبيب من أنظمة دوائية خصوصاً تكون له انعكاسات كبيرة على نتائج معالجة المرض التحسسي. والخبر السعيد في الأمر أن نسبة 49% من الأمراض التحسسية لدى الأطفال تشفى عفوياً في المستقبل كما أن معظم الحالات التي تظل مع الطفل للمستقبل تتجه نحو التحسّن. وإن النتائج الإيجابية تحتاج إلى ممارسات طبية صحيحة تبدأ بالمعرفة والوعي وتنتهي بالتطبيق.