النر
النرجيلة …. أوهام وحقائق عن الآفة التي اخترعها طبيب!!
يشيع كثيراً استخدام النرجيلة في بلادنا العربية. وقد انتقلت هذه العادة إلى الجاليات العربية في الغرب ولا سيّما في منطقة ديربورن حيث تنتشر المقاهي التي تقدّم هذا (الخدمة) للزبائن. وكثيراً ما يسألنا المرضى عن هذا الموضوع. والغريب أن هنالك اعتقاداً واسع الانتشار لدى الناس أن هذه الطريقة في التدخين هي آمنة خالية من الأضرار… أو على الأقل أخف ضرراً من تدخين السيكارة. فهل هذا الاعتقاد صحيح؟ ومن أين أتى؟ ومن اخترع هذا الاختراع الذي يدعى النرجيلة؟
المخترع
لو حاولنا البحث في تاريخ هذا (الجهاز) لوجدنا اختلافاً كبيراً بين المصادر… فكل شعب يحاول أن ينسب لنفسه (شرف) اختراع هذه التحفة. وإن كانت الكثير من المصادر تذكر أن الحكاية بدأت في المقاطعات الشمالية الغربية للهند قرب الحدود الباكستانية. ويعود هذه الاختراع لألف عام سبق. وبطبيعة الحال فلم يكن التبغ قد عرف بعد في العالم، ولكن كان استخدامها في تلك الفترة لتدخين الأفيون وأشباهه من المخدرات. وكانت عبارة عن نرجيلة بدائية مصنوعة من قشرة جوز الهند مع أنبوب بسيط . ومن أطرف ما يقال أن المخترع كان طبيباً في بلاط أحد الملوك أراد ــ بنية حسنة على ما يبدو ــ أن يبتكر جهازاً (ينقّي) من خلاله ويبرّد دخان هذه المخدرات. ثم لم يلبث هذا الابتكار أن لاقى شعبية واسعة وانتشر عبر المملكة الفارسية إلى البلدان العربية. وخلال انتشاره بدأ استخدام التنباكTombeik بدلاً من المواد المخدرة. والتنباك هو عبارة عن نوع خاص من التبغ الداكن الذي كان يزرع في بلاد فارس. ثم أصبح يخلط لاحقاً ببعض المواد المعطرة كالفاكهة وغيرها. وكان التنباك يعلّب على شكل رؤوس خاصة تعرف بالفارسية باسم الغليون Ghelune. وربما تم تدخين التنباك من خلال الغليون فقط دون كامل جهاز النرجيلة. وفي بلاد فارس اكتسب هذا الجهاز اسم (النرجيلة) وهي تعني جوز الهند في اللغة الفارسية بعد أن كانت تعرف باسم (هوكا) في الهند وهوالاسم الذي يعرفها به الغرب اليوم.
تركيا
ومع وصول النرجيلة إلى تركيا حصلت على شعبية كبيرة مع تغيّر في تصميمها حيث زاد حجمها وتعقيدها وأصبحت تشابه ما نعرفه اليوم. وبدأ التقليل من استخدام الخشب في صناعتها مع زيادة نسبة الزجاج فيها ثم التركيز على الزخرفة بحيث أصبح هنالك أشخاص يعيشون على تصميمها وبيعها. وانتشرت المقاهي المتخصصة في تقديمها للناس مع القهوة والشاي وغيرها. ثم بدأت الأفكار العجائبية المفتعلة تظهر بشأنها حيث بدأ البعض يصدر آراءً تعتبر أن استخدامها مرتبط بالتأمّل والسكينة والهدوء بينما استخدام السيجارة مرتبط بالسرعة والعصبية. وبطبيعة الحال لم تكن مضار التدخين معروفة علمياً في ذلك الوقت.كما لم تكن قد صدرت الفتاوى المتعددة بتحريمه.
البلاد العربية والعالم
ثم انتقلت إلى البلاد العربية عبر سورية ولبنان ،ثم انتقلت إلى مصر والمغرب حيث عرفت باسم الشيشة. ثم إلى دول الجزيرة العربية. ثم انتقلت إلى كافة أنحاء العالم بما فيها أمريكا واليابان وخصوصاً مع أبناء الجاليات العربية والتركية والفارسية وغيرها. وأصبحت مستخدمة من قِبَل نسبة معيّنة من طلاب الجامعات في الدول الغربية.
العطر والأمان الكاذب
لعل الطعم العطري المشتق من نكهة الفاكهة هو الذي أعطى ذلك الشعور الكاذب بالأمان لمدمني النرجيلة، وخصوصاً من المراهقين. ولكن الدراسات الموسّعة التي أجريت في هذا المجال تعاكس تماماً هذه الفكرة. فقد أجريت دراسة في عام 2011 من قبل مجلّة (السياسة العامة والتسويق) أظهرت أن تدخين الأرجيلة يعادل أو يتجاوز في ضرره تدخين السيكارة. وقد أظهرت الدراسة نفسها أن الكثير من طلاّب الجامعات والمدارسة في أمريكا يعتقون أن تدخين النرجيلة غير مؤذٍ. وهذا أخطر ما في الموضوع.
الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال
وقد بلغ من أهمية الأمر أن الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال دخلت على الخط وتبنّت هذه الدراسة ونشرتها في عدد منتصف سبتمبر من هذا العام 2011 في صحيفتها الدورية، وقامت بإصدار منشور أوصت أطباء الأطفال بتوزيعه على الأهل كمصدر للتوعية. حيث أن هنالك الكثير من الأوهام التي تدحضها الدراسات بشأن هذا الأمر. وقبل أن نتحدث عن هذه الأوهام علينا أن نأخذ فكرة ــ نحسب كل الناس يعرفونها ــ عن تدخين التبغ بشكل عام.
أضرار التدخين بشكل عام
أضرار التدخين واسعة جداً فهي تشمل الاحتشاء القلبي، والسكتة الدماغية والداء الرئوي الانسدادي وانتفاخ الرئة والسرطانات المتعددة مثل سرطان الرئة والحنجرة والفم والبنكرياس. وقد قدّرت منظمة الصحة العالمية عدد الوفيات الناجمة عن التدخين بخمسة ملايين ونصف المليون في عام 2004 في العالم. وفي أمريكا يعتبر (مركز الوقاية والسيطرة على الأمراض) أن التبغ أهم عامل خطر صحي قابل للمنع في الدول المتقدمة وهو سبب هام للموت المبكر في كافة أنحاء العالم. وقد تراجعت نسبة التدخين في العالم المتقدم حيث انخفضت تلك النسبة في أمريكا من 42% في العام 1965 إلى 21% في العام 2006 في البالغين. أما في الدول النامية فتزيد نسبة التدخين بحوالي 3% في العام.
عندما تراجعت نسبة التدخين في الدول المتقدمة ، اتجهت أنظار أرباب هذه الصناعة إلى الهند والصين بسبب الأسواق الناشئة هناك! ونشأت هنالك حركات لمعاكسة هذا (الهجوم التبغي) من خلال حملات التوعية. ومن الأمثلة هنالك الدكتور (شاراد فايديا) وهو جرّاح سرطان من الهند. وقد بذل جهوداً كبيرة لإضافة الدراسات التي تتناول أضرار التدخين إلى المناهج المدرسية هنالك، وساهم في إصدار لوائح وقوانين تحد من التدخين في الأماكن العامة وإيقاف قبول دعم شركات التبغ للنوادي الرياضية إضافة إلى منع بيع التبغ بأشكاله إلى الأشخاص تحت عمر 21 سنة.
وتعتبر الصين أكبر أسواق التبغ في العالم. وهنالك بذلت جهود للحد من الإعلانات ومنع التدخين في الأماكن العامة ونشر البيانات التحذيرية. وهنالك بذلت الدكتورة (جوديت ماكي) من هونغ كونغ جهوداً كبيرة تماثل ما فعله الدكتور(فايديا) في الهند. وقد وضعتها مجلة (تايم) الأمريكية كواحدة من أهم الشخصيات ذات التأثير في العالم في عام 2007 بناءً على جهودها في هذا المجال.
تدخين دون أذى!
يعتقد الكثير من متعاطي النرجيلة أن الدخان الناجم عن تدخينها قليل وأن أضراره خفيفة بالمقارنة مع السيجارة.
والحقيقة أن الدراسات قد بيّنت أن جلسة تدخين نرجيلة تستمر 20 إلى 60 دقيقة يؤدّي لإنتاج 10 ليترات من الدخان، بينما تدخين سيجارة لمدة 5 دقائق يولّد أقل من نصف ليتر من الدخان. وبحساب بسيط ، فإن جلسة تدخين الأرجيلة تعادل تدخين علبة كاملة من السجائر على أقل تقدير. علماً أن البعض قد تطول جلسته فيزيد الخطر وكمية الدخان المستنشق تبعاً لجلسة التدخين هذه.
الماء والتصفية
يعتقد البعض أن الماء يعتبر جهاز تصفية و(فلترة) فعّال يزيل المواد المسرطنة من التبغ.
والحقيقة أنه، واعتماداً على عدة عوامل مثل الفترة الزمنية التي يمتد عبرها تدخين النرجيلة وطول وعدد مرات الاستنشاق، فإن كميات المواد المسرطنة في دخان النرجيلة هو أعلى من نظيره في دخان السيجارة. كما أن القطران وجزيئات المعادن الثقيلة موجودة أيضاً في دخان ا لنرجيلة.
النرجيلة والسرطان
تقول الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال إن النرجيلة قد تؤدّي إلى العديد من السرطانات كما أنها تسبب أمراض القلب والرئتين شأنها شأن السجائر. ويضاف إلى ذلك أن بعض الأمراض قد تنتقل من خلال التشارك في استخدام النرجيلة دون تنظيف كاف مثل داء السل والتهاب الكبد والعقبول وغير ذلك.
وأخيراً
هنالك الكثير من المعتقدات الخاطئة بشأن النرجيلة. ولكن خلاصة الأبحاث الحديثة تشير إلى أن هذا الجهاز يزيد أذىً عن تدخين السجائر. وهذا الأمر يجب أن يكون واضحاً. ولا يزال هنالك الكثير أمام العلماء والناشطين ليفعلوه في سبيل إيقاف هذه العادة الذميمة.