أوسغود شلاتر!!! اسم غريب لمرض غريب!!


 


 


أوسغود شلاتر!!! اسم غريب لمرض غريب!!


 


 


كانت الأم منزعجة جداً وخائفة عندما أتت إلى عيادتي وبرفقتها ولدها الشاب.


 


(هو شاب رياضي) قالت لي الأم……. (يلعب كرة السلة، وهو معروف بين أترابه بالبراعة العالية، وهو يحلم دائماً بالاحتراف والشهرة في المستقبل).


قلت: هذا أمر جميل.


 تابعتْ: فريقه الآن يحضر لبطولة مدارس المنطقة، وهي بطولة بالغة الأهمية بالنسبة له. والتمرينات  تحصل الآن بشكل يومي ومستمر ومطوّل.  بالأمس كان يلعب بإشراف مدرّبه ولكنه أحس أنه لم يعد قادراً على الاستمرار، كان يعاني من ألم شديد في المنطقة الأمامية للركبة. عندما قامت ممرضة المدرسة بفحصه لاحظت تورماً على الوجه الأمامي للقسم العلوي للساق. أي إلى الأسفل من الركبة، وقد طلبت منه أن يعود إلى المنزل وألا يستأنف ممارسة أية تمارين قبل أخذ رأي طبيبه. أنا وزوجي مصابان برعب شديد منذ الأمس لذلك ترى أنني أول من يدخل عيادتك هذا الصباح. وأنا أعتذر لأنني أتيت دون موعد، ولكن الرعب أخذ منا كل مأخذ. أريد أن أعرف يا دكتور، هل هو مصاب بكسر؟ما أعلمه أن المصاب بالكسر لا يستطيع أن يمشي على قدميه. ولكن ولدي يستطيع المشي وإن كان يعاني من بعض الألم. هل يحتاج الأمر إلى جبيرة؟ هل نحن بحاجة لزيارة لطبيب أخصائي بالأمراض العظمية؟


 


اسم غريب


عندما قمت بفحص الشاب (فارس)، قلت للأم: ولدك مصاب بداء يدعى (أوسغود شلاتر)!


 قالت:ماذا؟


 وأعدت عليها الاسم واستعادتني غير مرة. إلى أن اضطررت لكتابته لها على ورقة بيضاءOsgood Schlatter .


 قالت لي: هذه هي المرة الأولى التي أسمع فيها بهذا الداء.


 قلت: لست مستغرباً، فأنا كلما ذكرت هذا التشخيص لعائلة من العائلات واجهت الاستغراب عينه.


* وأنا مستغربة أيضاً من أمر آخر إضافة للاسم.


 ــ ماهو؟


 * كيف عرفت أن ولدي يعاني من هذا الداء الذي أسميته (أوسغود شلاتر) دون أن تجري صوراً شعاعية أو اختبارات؟


 ــ هنالك أمراض يعرفها الطبيب دون اختبارات أو صور شعاعية، والصور الشعاعية في هذه الحالات تلعب دوراً تكميلياً لا دوراً رئيساً. على أنني سأقوم بإجراء صور شعاعية للتأكد من التشخيص لا غير.


 * ولكن قبل أن نصل إلى مرحلة إجراء الصور الشعاعية أود أن آخذ فكرة ولو موجزة عن هذا المرض.


 


 


 


أوسغود شلاتر


في عام 1903 قام الدكتور روبرت أوسغود والدكتور كارل شلاتر بوصف مرض كان جديداً على الكتب الطبية وإن كان موجوداً في الواقع. وكعادة العلماء عندما يقومون بعمل مشترك، فقد توصل الطبيبان إلى تسوية جمعا فيها اسميهمها الأخيرين في اسم مشترك أطلقاه على المرض. وتتلخص أعراض داء (أوسغود شلاتر) بتورم وألم على المنطقة العليا الأمامية من الساق، أي أسفل الركبة، على نقطة تسمى (حدبة الظنبوب). والظنبوب هو طبعاً أحد العظمين المشكّلين للساق. يشيع المرض في المراهقين بين عمري 10 و15 عاماً وقد كان في الماضي أشيع في الذكور منه في الإناث، ولكن تزايد ممارسة الفتيات للرياضات التي كانت تعتبر في الماضي رياضات مقصورة على الرجال ككرة القدم مثلاً أدى إلى تزايد إصابة النساء به، بل إن بعض الإحصاءات اليوم تذكر أن نسبة إصابة الذكور والإناث هي متقاربة جداً. والمراهقون في هذا العمر يمرّون بمرحلة تسمى (فورة النمو). وهذه الفورة تساعد على حصول المرض. ويضاف إلى ذلك أن المراهقين في هذا العمر يكونون في قمة نشاطهم الجسدي مما يشجع على حصول المرض أيضاً. ويعتقد أن سبب المرض هو شد الأوتار المرتكزة على حدبة الظنبوب على العظم مما يؤدي إلى نوع من الالتهاب في المنطقة وربما حصل تفتت عظمي في الحدبة الظنبوبية في الحالات الشديدة المديدة. ويتطوّر المرض بالتدريج، ويزيد الألم شدة بالتمارين الرياضية، ويزيد بوضعية الركوع والزحف، ويخف بالراحة. 


 


 فترة طويلة


كانت الأم تستمع بعناية لما أقوله، ولكنها قاطعتني بسؤال: كيف يتم علاج هذا المرض؟


 قلت: لا توجد معالجة نوعية لداء (أوسغود شلاتر) والمعالجة التي تستخدم تتلخص بالراحة والأسبرين. وربما قمنا بتطبيق بعض الكمادات الثلجية في الطور الحاد للمرض، كما أننا قد نطلب من المريض أن يرفع ساقه عند النوم لفترة ما في البداية ريثما تتحسن الحالة.


 * وكم من الوقت سيمر قبل حصول الشفاء التام؟


 ــ إن الأمر يختلف حسب شدة الحالة، ولكن الشفاء التام قد يحتاج وقتاً طويلاً يتراوح بين ستة أشهر إلى سنتين.


*  ولكن هذه فترة طويلة جداً. وما يرعبني هو أنك تقول إن المعالجة الرئيسة هي الراحة. فهل من المعقول أن يظل ابني بعيداً عن أي نشاط رياضي لمدة عامين؟


 ــ لا. بل يبتعد عن النشاط الرياضي لمدة شهر في البداية ثم تكون العودة بالتدريج على أن يبتعد عن جميع النشاطات التي تؤدي إلى زيادة الألم، لأن مزاولتها ستؤدي إلى تأخر الشفاء.


 


بل مرض شائع


قالت لي الأم: أنا حزينة فعلاً، فلا بد من أن يكون حظ ولدي عاثراً جداً ليصاب بمرض كهذا المرض الذي وصفته، وهو مرض نادر كما هو واضح.


 قلت: في الحقيقة فإن هذا المرض ليس بالندرة التي تعتقدينها، بل إن هنالك دراسة أجريت في فنلندا بيّنت أن 14% من مراهقي ذلك البلد الأوربي لديهم أعراض داء (أوسغود شلاتر) ، كما أن الدراسات الأمريكية تبيّن أن حوالي مليونين من المراهقين والمراهقات يصابون به في كل عام،وهي أرقام  عالية جداً بالنسبة لمرض قلّ من سمع به من الناس.


*  عندما كنت أزور بلدي في العام الماضي صادف أن شاهدت شاباً قريباً لنا مصاباً بأعراض تشابه أعراض ولدي (فارس). وأذكر أن أمه أخذته إلى أحد الأطباء الذي قام بحقن ركبته بحقن (الكورتيزون).  ألا تعتقد أن هذه الحقن قد تكون مفيدة؟


 ــ  في الواقع فإن هذه الحقن هي ممنوعة تماماً في داء (أوسغود شلاتر) لأنها قد تؤدي إلى تفاقم المرض وإزمانه، وربما أدت إلى زيادة في تفتت العظم وهو ما يجب أن نتفاداه في جميع الظروف.


* هل ستقوم بتحويل (فارس) إلى طبيب أخصائي بالأمراض العظمية لمعالجة الحالة؟


ــ لا توجد ضرورة لهذا في الوقت الحاضر، وسأقوم بإعطائك بعض التوجيهات التي أرجو أن يتبعها فارس بدقة، وفي حال عدم حصول التحسن في الوقت الملائم فلا مانع من أخذ رأي طبيب أخصائي بالأمراض العظمية. إن ما أريد أن أطلبه الآن هو صورة شعاعية للركبة، للحصول على فكرة عن وضع العظام والنسج الرخوة في الساق.


 *  وهل يحتاج الأمر لوضع جبيرة على الساق؟


 ــ  في الوقت الحاضر لا حاجة لذلك، ولكننا قد نحتاج إليها لاحقاً إن اشتدت الحالة.


 


الأشعة


بعد يومين كنت أناقش مع الأم في العيادة الصورة الشعاعية التي تم إجراؤها لساق (فارس). وكانت تثبت وجود تورّم في النسج  الرخوة للساق وتظهر علامات أخرى تبين وجود داء أوسغود شلاتر. وقد أكدت بعد هذا الاجتماع على بعض الأمور وأهمها الراحة. ثم طلبت من الأم وولدها الشاب العودة إلى العيادة بشكل منتظم لإجراء المراجعة.


 


 


 


 اسم لا ينسى


كانت حالة (فارس) تتحسن بشكل مضطرد على مر الأسابيع والشهور. وبعد مضي تسعة أشهر على بدء المشكلة دخل (فارس) ووالدته إلى عيادتي. كان شاباً موفور النشاط بادي الصحة والعافية.


 قلت له: أراك مرتاحاً.


 قال: لقد اختفى الألم والتورّم بشكل تام. وأنا الآن في كامل نشاطي. هل يمكن أن أعود إلى التمارين؟


قلت له: نعم. ولكن دعني أسألك: كيف كانت تجربتك مع (أوسغود شلاتر)؟


 قال: لقد قرأت كل مقال على الإنترنت عن المرض وبالتالي فأنا لا يمكنني بعد الآن أن أنسى هذا الاسم الذي بدا لي غريباً في بداية الأمر، ولكن الأهم من ذلك أنني لا يمكن أن أنسى التجربة ذاتها مع المرض الذي أبعدني عن نشاطي الرياضي لشهور طويلة.


 قلت: وما أخبار بطولة كرة السلة؟


 قال: لقد فاتني الموسم الماضي، ولكنني مليء بالحماس للموسم الحالي، وأرجو أن أزور عيادتك في المرة القادمة وأنا أحمل كأس البطولة.


 قلت: بهذه الروح العالية التي تحملها أنا متأكد من أنك ستنال البطولة. إلى لقاء قريب بإذن الله!   


 


 


 


 

Close Menu