الأطعمة الصلبة…. متى أعطيها لطفلي؟

 


  


الأطعمة الصلبة…. متى أعطيها لطفلي؟


 


 


طفلي ( جميل) عمره ثلاثة أشهر. هو طفل جميل كما يدلّ اسمه… ولكنه ليس طفلاً هادئاً. هو يبكي ساعات قبل النوم. ولا ينام جيّداً. نصحتني الكثير من الصديقات أن أقوم بإطعامه بعضاً من الأرز المطحون. وقد قلن لي إن هذا سيساعده على النوم. ما رأيك بذلك يا دكتور؟


 


 


ليس صحيحاً


 


ربما كان هذا السؤال الذي يعبر عن اعتقاد سائد جداً، من أكثر الأسئلة الشائعة لدى الأمهات اللاتي يردن تقديم الأطعمة الصلبة لأطفالهن. وعلى الرغم من الانتشار الكبير لهذا الاعتقاد في الشرق والغرب في آنٍ معاً، فإنه اعتقاد غير صحيح. بمعنى أن الأبحاث العلمية الصالحة للاستخدام والاستنباط  والاستنتاج لا تدعم هذه العبارة. لذلك، فإذا كان الهدف الرئيس من بدء (الأطعمة الصلبة) هو جعل الطفل ينام بشكل جيّد، فيجب أن تعلم الأم أن بدء تقديم الطعام لطفلها لن يحل هذه المشكلة. ولكن السؤال التالي هو هل أن الأطعمة الصلبة هي أطعمة صلبة حقاً؟


 


ليست صلبة


 


إذا نظرنا إلى  الأطعمة الأولى التي نقدمها للطفل بين 4 ــ 6 أشهر من العمر، لوجدنا أنها غير صلبة في حقيقة الأمر. فالسيريال الذي يعطى للطفل يكون على شكل مسحوق يشكل بعد مزجه بالحليب أو  العصير  مادة معجونية تقدم للطفل بالملعقة. وأما الخضار والفواكه فإنها تكون مطحونة وهي أشبه بالمعجون الرقيق أيضاً. وسبب ذكر هذه الأمرهو ألا تظن الأم أننا عندما نقول (أطعمة صلبة) أننا نعني الصلابة، ولكن الأمر نسبي …. ربما هي صلبة نسبة للحليب، ولكن حقيقة الأمر أنها أطعمة طريّة معجونية.


 


متى نبدأ؟


كنا في الماضي ننصح ببدء تقديم الأطعمة الصلبة للطفل اعتباراً من عمر أربعة أشهر. ثم تطوّرت الأمور، وأوضحت الأبحاث أن أفضل طريقة معروفة لمنع أو تأخير أو تخفيف الأمراض التحسسية لدى الطفل (وخصوصاً في حال وجود قصة عائلية لهذه الأمراض) هو إعطاء حليب الأم تحديداً وذلك حتى عمر ستة أشهر، وعندها يمكن أن نبدأ بإعطاء الأطعمة الصلبة. وفي حقيقة الأمر فإن معظم المدارس الحديثة في طب الأطفال  تنصح الآن بتأخير إعطاء الأطعمة الصلبة حتى عمر ستة أشهر سواءٌ كانت تغذية الطفل تتم بإعطاء الحليب الطبيعي أم الصناعي. ليس من الخطأ بطبيعة الحال أن نبدأ هذه الأطعمة بعمر أربعة أشهر، ولكن إذا كان الأهل يريدون الأفضل للطفل، فالتأخير حتى عمر ستة أشهر هو المستحسن.


 


 


 


 ما هو المطلوب؟


 


إن بدء التغذية بالأطعمة الصلبة يتطلّب تغيّرات تطوّرية خاصة. فمن جهة يكون لدى الوليد منعكس يدعى منعكس التبارز، حيث يمد الطفل لسانه نحو الخارج عند محاولة إدخال أي شيء إلى فمه كالملعقة مثلاً. وبالتالي فإن الأمر يحتاج إلى زوال هذا المنعكس قبل أن نستطيع إطعام الطفل بوساطة الملعقة. وهذا المنعكس يزول عادةً بين 4 ــ 6 أشهر. وإطعام الطفل قبل زوال هذا المنعكس هو عملية مزعجة جداً. يضاف إلى ذلك أن الجهاز الهضمي للطفل يجب أن ينمو بحيث يستطيع أن يهضم هذه الأطعمة وإلاّ حصلت بعض الاضطرابات الهضمية والمشاكل التحسسية. لذلك فمن غير المستحسن مطلقاً أن نقوم ببدء الأطعمة الصلبة في أعمار مبكرة. العمر الأدنى هو أربعة أشهر، والعمر الأفضل هو ستة أشهر.


 


بماذا نبدأ؟


 


إن الطعام التقليدي الذي تبدؤه معظم الأمهات في الغرب والشرق هو السيريال. وخصوصاً الأرز المطحون. ويتم خلطه مع الماء أو الحليب بمقدار ملعقة منه إلى أونزة من السائل. وهذا الأمر لا بأس به. إلاّ أن التجربة العملية، تبيّن أن الكثير من الأطفال الذين يكون طعامهم الأوّل هو السيريال يعانون من الإمساك، وهو عرض مزعج جداً للطفل وللأهل. وإذا كان من الصعب وضع جدول ثابت لتقديم الأطعمة فمن الممكن أن نقوم بإعطاء جدول تقريبي أثبتت التجربة نجاحه. ولا بد من أن نذكر هنا أن هذا الجدول ليس مكتوباً على الصخر. بمعنى أنه قد تكون هنالك جداول أخرى جيّدة. ولكن الجدول الذي نقدمه هنا أثبت نجاحه الممتاز مع الأطفال.


 


 الجدول


 


أنا أطلب من الأمهات في عيادتي أن يبدأن بتقديم الأطعمة الصلبة بعمر ستة أشهر. وأطلب أن يبدأن بتقديم الخضار أوّلاً. الخضار أفضل ــ كطعام بدئي ــ من السيريال ومن الفواكه. هي أفضل من السيريال لأنها لا تسبب الإمساك، وهي أفضل من الفواكه لأن البدء بالفواكه يؤدي إلى صعوبة تقديم الخضار للطفل الذي سيعتاد ــ في غالب الأحوال ــ على الطعم الحلو للفاكهة مما يجعل تقديم أطعمة أخرى له أمراً غير سهل.


 


التدريج


 


عند تقديم الخضار، نقوم بتقديم نوع جديد كل ثلاثة أيام. فإننا لو قدمنا أكثر من نوع في الوقت نفسه لن نستطيع ــ في حال حصول مشكلة تحسسية مثلاً ــ أن نعرف ما سببها ، مما سيضطرنا إلى حرمان الطفل من جميع الأنواع التي تم تقديمها في ذلك اليوم. إن تقديم الأطعمة بشكل فردي كل ثلاثة أيام  سيوفر للطفل حوالي عشرة أصناف من الخضار بعد شهر، وهو عدد كافٍ وممتاز.


 


 بعد مرور هذا الشهر نبدأ بتقديم السيريال. تحديداً سيريال الأرز المطحون المخصص للطفل الرضيع.  وبعد أن يعتاد الطفل على الأرز يمكن تقديم الشوفان ثم الشعير. أما القمح فينصح بعدم تقديمه قبل 8 أشهر من العمر لأنه أكثر أنواع السيريال تسبباً بالتحسس.


 


 بعد أسبوع من بدء السيريال يمكننا أن نعطي الفاكهة. ونقدمها بالشكل الفردي نفسه الذي قدمنا به الخضار. وبالتالي ففي عمر ثمانية أشهر يكون الطفل قد تمكن من أخذ عدد ممتاز من الخضار والفواكه.


 


 نبدأ في البداية بوجبة واحدة ثم نصل إلى ثلاث أو أربع وجبات. مثلاً نعطي وجبتين من الخضار ووجبة من الفاكهة وأخرى من السيريال.


 


 يمكن للأم أن تستخدم أطعمة الأطفال الجاهزة الموجودة في الصيدليّات ومخازن الأطعمة، أو أن تحضر الأطعمة الخاصة لطفلها. وفي حال قيامها بالتحضير فمن الضروري أن تكون الأطعمة مطبوخة جيّداً وخالية من البهارات والملح والزيوت. وباستثناء الموز الذي يمكن تقديمه مطحوناً نيّئاً، فإن جميع الفواكه والخضار تتطلب الطبخ .


 


اللحم والبيض


 


يمكن تقديم اللحوم المسلوقة والمطحونة اعتباراً من عمر 8 أشهر. وأفضل اللحوم صدر الدجاج مع إزالة الجلد، وإن كان بالإمكان تقديم اللحوم الحمراء المطبوخة بعد إزالة القطع الدهنية. إن اللحوم تقدم كمية ممتازة من الحديد يحتاجها الطفل  في تغذيته، إضافة للبروتين والشحوم والحريرات. وفي عمر 8 أشهر أيضاً نقوم بإعطاء صفار البيض المسلوق، أما بياض البيض فنؤخره حتى عمر سنة لأنه يسبب التحسس لدى الطفل. وكذلك نقوم بإعطاء السمك بعد عمر سنة للسبب نفسه. وغني عن الذكر أن حليب البقر العادي لا يعطى حتى يصبح عمر الطفل سنة لأن كليتي الطفل وجهازه الهضمي لا تستطيع أن تتعامل مع هذا الحليب بمكوّناته من بروتينات وأملاح. فالطفل دون عمر سنة لا يعطى إلاّ حليب الأطفال Formula .


 


 


 الأشياء الأخر


 


بين عمر 9 ــ 12 شهراً يمكن البدء بتقديم بعض الأطعمة التي تعتبر إلى حد ما (أطعمة كبار) مثل المعكرونة مع الجبن والسباغتي واللبن الزبادي والجبن والفول والفاصولياء وغيرها. وبالنسبة لهذه الأطعمة فلا بد من مراقبة الطفل بشكل جيد في حال إعطائها، فإذا حصلت أية مضاعفات كالإقياء أو الإسهال أو الاندفاعات الجلدية وجب إيقافها ثم إعادة إعطائها بعد شهر أو شهرين. وبعد أن تنجح عملية تقديم هذه الأطعمة للطفل يمكن إعطاء بعض الخضار والفواكه على شكل قطع صغيرة ثم نزيد حجمها بالتدريج.


 


 كل الطرق إلى روما


 


إن هذا الجدول يهدف بالدرجة الأولى إلى التبسيط مع المحافظة على المبادئ الطبية والصحية والغذائية التي يجب ألاّ نتجاوزها. إن الشيء الذي يجب أن نذكر به مرة أخرى هو أن هذا الجدول ليس هو الجدول الوحيد الصحيح فهنالك طرق أخرى أثبتت نجاحها أيضاً، وطفلك يمكن أن يحب بعض الأطعمة التي قد لا يتقبّلها طفل صديقتك مثلاً. وطالما أن المبادئ العلمية تم اتباعها فلا بأس من اتباع طرق مختلفة…. ففي نهاية الأمر جميعنا نعلم أن كل الطرق تؤدّي إلى روما.


 


 

Close Menu