الوخز بالإبر الصينية

 


 


الوخز بالإبر الصينية


 


الجسم فيه قوّتان …. الــ (تشي) والــ (كي)!!


هكذا ببساطة… يختصر الطب الصيني العوامل التي تتحكم بصحة الجسم.  وعلى هذا الأساس عمل الأطباء الصينيّون لقرون عديدة ــ منذ القرن السادس عشر الميلادي تقريباً ــ  وعالجوا مرضاهم وتمكنوا من تخفيف معاناتهم. الطب الصيني صرح كبير شامخ حاز احترام العالم كلّه، ولا نقول  فهم العالم. وإذا كان من الصعب أن نختصر القوى المتحكمة بصحة الإنسان إلى (تشي) و(كي)، فإن هذا لا يمنع حقيقة أن الوخز بالإبر الصينية انتشر في العالم الغربي الذي يمتلئ اليوم بالمختصين بهذا الفن والعلم.


 


مبادئ بسيطة


حسب نظرية الطب الصيني، فإن الـ (تشي) تسري عبر (طرق طاقة) موجودة في الجسم تدعى خطوط الطول، وهي كثيرة ولكن الرئيسة منها يبلغ عددها 14خطاً. وإن انسداد جريان هذه الطاقة في أية نقطة من نقاط خطوط الطول يؤدي إلى اضطراب توازن الطاقة في الجسم وهذا بدوره  يؤدي إلى المرض.


 وإن دور الوخز بالإبر الصينية ــ حسب أخصائيي هذه الطريقة ــ هو إزالة هذا الانسداد والسماح للطاقة الطبيعية بالجريان من جديد مما يؤدي إلى عودة الصحة إلى طبيعتها. إن الوخز بالإبر الصينية كثيراً ما يستخدم لعلاج الألم وخصوصاً المزمن منه. ويعتقد الأطباء الغربيون الذين قاموا بدراسات مفصلة للطب الصيني أن الوخز يؤدي إلى تخفيف الألم من خلال تأثيره على مواد كيماوية في الجسم تدعى (الإندورفينات) أو من خلال تأثيره على غدد وأجهزة عصبية خاصة مثل الجهاز الدماغي الذي يدعى (تحت المهاد). وإن النقاط التي يتم وخزها تدعى (نقاط أكيو) والكثير منها قريب من الأعصاب. وعندما تتم إثارة هذه الأعصاب فإنها تؤدي إلى ألم غريب غامض أو شعور بامتلاء العضلات، وتقوم العضلة التي يتم حثها بالوخز بإرسال رسالة إلى الجهاز العصبي المركزي المتمثل بالدماغ والنخاع الشوكي مما يؤدي إلى تحرير الإندورفينات (وهي مواد تشبه المورفين من حيث فعلها التسكيني) وإن الإندورفينات وبعض النواقل العصبية الأخرى تقوم بمنع رسائل الألم من الوصول إلى الدماغ.


 


ما هي الحالات؟


كثيراً ما يطرح الناس سؤالاً واضحاً وهو: ما هي الحالات التي تعالج بالوخز بالإبر الصينية؟


والجواب السريع على هذا هو أنه يخطئ من يظن أن الوخز بالإبر الصينية هو دواء شامل يقوم الأطباء الصينيون بوساطته بمعالجة جميع أمراض الدنيا. هذا معتقد خاطئ. إن الوخز هو علاج فعّال جداً للكثير من الأمراض ولكنه ليس دواءً سحرياً بطبيعة الحال. إن أهم الحالات التي يمكن أن تعالج بالوخز هي الألم المزمن… وهذا يشمل آلام الظهر والعنق والعضلات والصداع  وما إلى ذلك من الآلام الشائعة.


 وهنالك أشكال أخرى من الألم تعنو للمعالجة بهذه الطريقة مثل التهابات المفاصل وآلام الوجه وتشنج الكولون والتهابات الكولون المختلفة. ويستخدم الوخز في علاج بعض الحالات الأخرى غير الألم مثل السمنة وحالات الإدمان. ويمكن بوساطة الوخز تحسين أداء الجهاز المناعي في الجسم. وربما أوصى الطبيب بالوخز بالإبر الصينية كعلاج تكميلي وليس كعلاج وحيد. وكثيراً ما يقوم الأطباء باستخدام المعالجات المعروفة التقليدية لمرض ما ويوصون المريض باستشارة أخصائي بالوخز بالإبر الصينية كعلاج يضيف لمسات علاجية مفيدة قد تترافق أيضاً مع المعالجة الفيزيائية.


 


كيف يتم العلاج؟


كثيراً ما يضفي بعض الناس هالات خاصة على المعالجة بالإبر الصينية مما يجعلها أقرب إلى السحر والشعوذة منها للمعالجة العادية. إن ما يقوم به أخصائي الوخز بالإبر ببساطة هو مسح النقاط المطلوبة بالكحول. وبعد ذلك يقوم بغرز إبرة صغيرة تماثل في دقتها الشعرة في نقاط خاصة هي نقاط (أكيو) يعرفها أهل هذا الفن ويحددونها بدقة. ويختلف عدد الإبر المستخدمة خلال المعالجة من اثنتين إلى ثمان. ويختلف عمق غرز الإبرة من جزء من البوصة إلى بوصتين تحت مستوى الجلد.   وتبقى الإبر بعد غرزها في الجلد لمدة عشرين دقيقة. وخلال المعالجة يتم تدوير الإبر أو إدخال تيار كهربائي بسيط من خلالها أو تدفئتها. والهدف من هذه الإجراءات مضاعفة الحث الناجم عن غرزها. ويقوم المختص بإجراء جلسات متعاقبة قد يتم من خلالها وخز نقاط مختلفة وتدريجية. وربما شعر المريض ببعض الألم الخفيف أثناء المعالجة، وهو ألم على كل حال أقل شدة من ذلك الناجم عن الحقن العضلية والحقن تحت الجلد نتيجة لدقة الإبر المستخدمة. وربما حصل نوع من الشعور بالخدَر والنمل والثقل. إن المعالجة تتكوّن من جلسات متعددة. والمعتاد أن يقوم المختص بإجراء جلستين في الأسبوع لمدة خمسة أسابيع على الأقل للحصول على نتائج معقولة، وربما امتدت المعالجة لفترات أطول من ذلك حسب الحالة. إن علينا أن نذكر هنا أن للوخز بالإبر الصينية فعلاً مرخياً مما يجعل من الصعوبة بمكان أن يقوم المريض بقيادة سيّارته مثلاً بعد المعالجة. لذلك يوصي الاخصائيون بإحضار مرافق  لحضور الجلسات من أجل إعادة المريض إلى منزله. كما يوصون بالاسترخاء لأيام بعد المعالجة ولاسيما المعالجات الأولى.


 


 طريقة سليمة


ككل معالجة فإن السؤال الذي يطرحه المريض هو فيما إذا كانت سليمة وليست لها مضاعفات. والحقيقة أن الحقب الطويلة التي تم من خلالها استخدام المعالجة أثبتت أن الوخزبالإبر الصينية هو سليم وبعيد عن التأثيرات الجانبية. وفي واقع الأمر فإن التقدم العلمي قد جعل الوخز بالإبر الصينية أكثر سلامة من خلال استخدام الإبر لمرة واحدة وتطوّر أساليب التعقيم إضافة إلى وجود الأخصائيين المتمرّسين والذين اكتسبوا خبرة جمعت بين أصالة الطب الصيني وتطوّر الطب الغربي. إن الميزة الكبرى للوخز بالإبر الصينية هي أنه طريقة علاجية لا يستخدم فيها الدواء. فإذا علمنا أنه قل وندر أن يوجد دواء دون تأثيرات جانبية، علمنا قيمة الابتعاد عن الدواء في معالجة مرض مزمن كالألم. وعندما نتحدث عن الأدوية المضادة للألم، فلا بد من أن نذكر مشكلة تدعى (التحمّل) أي أن المريض يحتاج لكميات متزايدة من الدواء للحصول على تأثير تسكيني مستمر. وهذه المشكلة ليست موجودة في الوخز بالإبر الصينية.


 



الوخز والطب الحديث


إذا كان الطب الحديث قد نظر إلى الوخز في بداية الأمر بعين الشك، فإن هذا التحفظ سرعان ما زال بعد أن أثبتت التجارب الفوائد العظيمة لهذه الطريقة العلاجية. إن هنالك 6500 أخصائياً مجازاً بالوخز بالإبر الصينية في أمريكا، كما أن هنالك 3000 طبيب يمارسون الوخز كجزء من المعالجات التي يستخدمونها لمساعدة مرضاهم.وإذا كان الأطباء الغربيون الأوائل الذين تعلّموا أصول هذا الفن قد اضطروا للذهاب إلى الصين لتعلّمه، فإن الأطباء اليوم لا يضطرّون للقيام برحلة العلم الصعبة هذه، حيث تتوفر العديد من المعاهد في أمريكا وأوربا والتي تقوم بتعليم هذا العلم  لمن يرغب بتعلّمه من الأ طباء.  وإن منظمة الصحة العالمية تذكر أن هنالك حوالي 40 حالة طبية يمكن معالجتها بالوخز وهي تتراوح من الحساسية إلى مرض الإيدز سيء الذكر. إن أقل ما تثبته هذه الحقائق هو أن الوخز بالإبر الصينية ليس طريقة من طرق الشعوذة، بل وسيلة علمية معترف بها ترتكز إلى مرتكزات علمية تجريبية لا تدع مجالاً للشك. وإذا أردنا أن نتكلم عن جانب آخر من الأمر، فإننا نذكر أن الكثير من شركات التأمين الصحي في الغرب تقوم بتغطية تكاليف المعالجة بالإبر الصينية، وهذا وسام رفيع تحصل عليه هذه الطريقة العلاجية من هيئات تقوم بالتدقيق التام قبل أن تقوم بإمضاء صك الدفع.


 


الختام


لقد اكتسب الوخز بالإبر الصينية قبولاً واسعاً ومصداقية مهمة بعد أن أخضعه العلم الحديث للدرس والتمحيص والتجريب والدراسات المتعددة. وإن اجتيازه لهذه الاختبارات بنجاح جعل منه من الأساليب العلاجية التي ينظر إليها باحترام. وإن النظر إليه من خلال هذا المنظور يجعله وسيلة علاجية بالغة الأهمية مع التأكيد على الابتعاد به عن النظرة الخيالية التي كانت تجعله في الماضي دواءً لكل داء.


 


 

Close Menu