(سارز) …. أسئلة بلا أجوبة عن الداء الجديد المرعب


 


(سارز) …. أسئلة بلا أجوبة عن الداء الجديد المرعب


 


عالم الطب يشابه كثيراً عالم الأزياء، تنتهي (موضة) لتحل محلها (موضة) أخرى، وتزول (علامة مسجّلة) من الأمراض، لتأتي بعدها (علامة مسجلة) أخرى!


 وإذا كنت تستغرب ما أقول، فأنا لا ألومك كثيراً ولكن دعني أذكرك ببعض الأمور ولنر بعد ذلك إن كنت توافقني أو تخالفني الرأي.


 في العصور القديمة ــ عصور ما قبل التاريخ ــ كانت هنالك موضة اسمها (الطاعون) وكان الطاعون يأتي كالسيل الجارف فيزهق الكثير من الأرواح. وقد تكررت جائحات الطاعون على مر الأزمنة في شتى أنحاء العالم. وكتب التاريخ الطبي تذكر بشكل موثّق ــ على سبيل المثال ــ طاعون لندن الكبير الذي حصل في عام 1660 وحصد الكثير من الأرواح، كما أن التاريخ العربي لم يخلُ من جائحات الطاعون وربما كان أشهرها طاعون (عمواس) الذي حصل سنة 18 هجرية ونسب إلى بلدة (عمواس) الصغيرة الواقعة بين الرملة وبيت المقدس وأودى بحياة ثلاثين ألفاً من الناس.


 ومن أمراض العالم القديم التي لا تزال موجودة حتى اليوم داء (السل) أو التدرن الرئوي، وقد وجدت علاماته في بعض المومياءات المصرية التي يرجع تاريخها إلى 2400 قبل الميلاد، ووصفه أبوقراط في عام 460 قبل الميلاد، وهو من الأمراض التي لا تزال تصيب الناس  حتى في أكثر دول العالم تقدماً، وإن كانت أساليب المعالجة المتطوّرة قد حدّت من تأثيره بشكل كبير وفعّال.


ولا ننسى أن نذكر أيضاً جائحات الجدري التي اكتسحت العالم القديم على شكل أوبئة إلى درجة أن علامات هذا المرض قد شوهدت على وجوه بعض المومياءات المصرية العائدة إلى عام 1000 قبل الميلاد إلى أن قيّض الله له لقاح الجدري الذي قضى عليه عملياً فكانت آخر إصاباته في مستشفى (مركا) في الصومال في عام 1977.


 هذه الأوبئة (انتهت موضتها) عملياً، وحلّت محلّها أوبئة أخرى. ففي أوائل العام 1983 تم اكتشاف مرض الإيدز، وشغل العالم الطبي ــ وغير الطبي ــ ولا يزال، فأصبح موضة جديدة، وهو ربما كان أخطر الأمراض الإنتانية التي نتعامل معها في عصرنا الحالي.


 وبين الفترة والأخرى تأتي (موضات) صغيرة نرجو أن تكون عابرة. فعلى مدى الأعوام الثلاثة الماضية انشغل العالم الطبي في أمريكا بداء (فيروس غرب النيل) الذي أدى إلى ذعر شديد في البلاد وحصد بعض الأروح، وتقوم السلطات الطبية ــ منذ الآن ــ بالتحضير والاستعداد لموسمه القادم قريباً جداً في هذا العام.


مرض جديد اسمه (سارز)!


أما موضة هذا العام والتي لم تكن بالحسبان، فهي مرض جديد اسمه (سارز). إن مجرد ذكر اسم هذا المرض أصبح يثير الذعر في لدى الناس ويثير الكثير من الأسئلة. وهذا الاسم هو عبارة عن اسم مختصر يجمع الحروف الأولى لاسمه الكامل باللغة الإنكليزية (المتلازمة التنفسية الشديدة الحادة) Severe Acute Respiratory Syndrome (SARS) .


 وكان أن ارتبط اسم هذا المرض بهونغ كونغ حيث ترافق اكتشافه  وتشخيصه هناك مع ضجة إعلامية كبيرة، ولكن العلماء يعتقدون أن منشأه الأصلي كان الصين. وقد ازداد عدد الحالات المشخّصة بشكل كبير، فبلغ ــ حسب تقرير أصدرته منظمة الصحة العالمية بتاريخ 29 آذار الفائت ــ 1550 حصلت الوفاة في 54 منها، وكان من ضحايا المرض الدكتور (كارلو أورباني) الذي كان أول مسؤول في منظمة الصحة العالمية قام بتشخيص المرض والتعامل معه. ووصل المرض إلى 15 دولة منها فييتنام في آسيا، ورومانيا في أوربا. كما أنه وصل إلى الولايات المتحدة الأمريكية حيث بلغ عددالحالات حتى  التاريخ المذكور إلى 59 حالة في عشرين ولاية، منها حالتان في ميشيغان، ولحسن الحظ فلم تؤدّ أي من الإصابات إلى وفاة.


 


مشكلة الأعراض والعلامات


إن أكثر سؤال يتردد في العيادات من قبل العائلات هو عن أعراض المرض. فالأمر الطبيعي أن يسأل الأهل عن العلامات التي يجب أن  تدعوهم للشك فيه وبالتالي مراجعة الطبيب. والحقيقة أن الأعراض تشمل الحرارة (والتي تكون أكثر من 38 درجة مئوية أي 100.4 درجة فهرنهايت)، والارتعاش والصداع وآلام الجسم والتعب العام، إضافة إلى السعال الجاف. وهذه الأعراض هي بحد ذاتها مشكلة كبيرة، فهي مماثلة تقريباً لأعراض الإنفلونزا العادية فهل يجب أن يشك الأهل والطبيب بأعراض مرض (سارز) في كل حالة يعاني منها الطفل من الإنفلونزا؟


 إن هذا يشكل إحدى معضلات هذا المرض. على أن المرض عندما يصل إلى مراحله الأكثر تقدّماً فإنه يشمل نقص الأوكسجين في الدم والحاجة إلى وضع المريض على جهاز التنفس الصناعي، وهو يؤدي في حالاته النهائية إلى الموت.


السبب غير معروف


والسؤال الآخر الذي يطرحه الناس اليوم ــ بعد أن أصابهم الذعر نتيجة للتغطية الإعلامية الواسعة للمرض ــ هو عن أساليب تشخيص المرض، أي هل يوجد للمرض اختبار نوعي مشخص؟


والحقيقة أن هذا الاختبارغير موجود حتى الآن. فعندما يقوم العلماء بتطوير اختبار كهذا فلا بد لهم أصلاً من معرفة العامل المسبب، وهذا العامل لا يزال مجهولاً حتى الآن، وإن كان هنالك شك يحوم حول نوعين من الفيروسات، أولها ما يدعى ( كورونا فيروس) وثانيها ما يدعى (باراميكسوفيروس) * .  إن عدم معرفة السبب الحقيقي لهذا المرض لا يؤدي فقط إلى عدم إمكانية وجود اختبار خاص له، وإنما يؤدي إلى عدم إمكانية تطوير لقاح. إن الناس كثيراً ما يسألون عن توفر لقاح لهذا المرض، والجواب حتى الآن هو النفي طالما أن السبب ليس معروفاً. والحقيقة أنه لم يمر وقت كاف حتى الآن لمعرفة السبب الحقيقي حيث أن أولى حالات المرض تم تشخيصها في آذار والاختبارات العلمية لا بد من أن تأخذ وقتها.



طريق الانتقال


ومن المشاكل الأخرى التي يطرحها التعامل مع هذا المرض قضية طريقة انتقاله. هل ينتقل هذا المرض عن طريق السعال والرذاذ التنفسي أم عن طريق الطعام أم عن طريق الماء أم  عن طريق التماس؟ الجواب أيضاً غير معروف وإن كانت الأوساط الطبية ترجح أن يكون انتقاله تنفسياً هوائياً حيث لوحظ وجود الإصابة في عدة أشخاص في أحد المجمعات السكنية في هونغ كونغ مما يوحي بهذا الطريق، ولكن التأكيد ليس متوفراً حتى الآن، أما فترة الحضانة ــ وهي الفترة التي تنقضي بين التعرض للمرض وظهور أعراضه على المريض ــ فتتراوح بين 2 إلى 10 أيام.


 


الوقاية


إذا كان درهم وقاية خيراً من قنطار علاج، فإن الوقاية ضد مرض غير معروف السبب هي من الصعوبة بمكان. إن ما يوصي به الأطباء اليوم في هذا المجال هو استخدام الأساليب الصحية المعروفة للوقاية من الفيروسات التنفسية كغسل اليدين ولبس الكمامات الواقية، وهذا ينطبق عملياً على أولئك الموجودين في المناطق الموبوءة مثل هونغ كونغ وعلى أعضاء الجهاز الطبي التمريضي الذين يقومون بعلاج المرضى من هذا الداء. إضافة إلى ذلك فإن السلطات الصحية في الولايات المتحدة بدأت بتطبيق نظام الحجر الصحي في المطارات على المسافرين العائدين من البلدان الموبوءة. وتوصي هذه الهيئات الصحية الناس الذين عادوا لتوّهم من تلك البلاد أن يراقبوا صحتهم وأن يراجعوا الطبيب في حال ارتفاع حرارتهم أو إصابتهم بالسعال وصعوبة التنفس.


المعالجة


إن المعالجة التي تم تطبيقها على المرضى حتى الآن تعكس التخبّط الحاصل في معرفة سبب المرض. فكيف بالإمكان أن نحارب عدوّاً لا نعرفه؟ وما يقوم به الأطباء الآن هو اتباع توصيات منظمة الصحة العالمية التي تقضي بإعطاء المضادات الحيوية تحسباً لكون المرض جرثومياً تسببه العضيّات التي تدعى (الجراثيم غير النموذجية). إضافة إلى ذلك فإنهم يقومون بإعطاء المضادات الفيروسية (Ribavirin). ومما استخدم أيضاً الستيروئيدات (أشباه الكورتيزون). وبطبيعة الحال فإن بعض المرضى يحتاجون الأوكسجين وربما تم استخدام أجهزة التنفسي الصناعية في الدرجات الشديدة من المرض.


شعاع الأمل


إن آخر ما نقلته الأخبار عن مرض (سارز) هو قيام بعض العلماء في هونغ كونغ بمعالجة مقبولة النتائج للمرضى باستخدام مصول مستخرجة من مرضى آخرين. وعلى الرغم من أن هذا الأسلوب لا يعتبر أسلوباً نوعياً في المعالجة إلا أنه يعطي شعاعاً من الأمل له مدلوله الكبير وهو أن العلماء يعملون ليلاً نهاراً للقضاء على هذا المرض قبل أن يستفحل شأنه. وكل ما نرجوه هو أن يتم اكتشاف العامل المسبب للمرض ومن ثم الاختبارات التشخيصية التي تتبعها اللقاحات، وأن توضع نهاية مبكرة لداء شغل الأوساط الطبية والعلمية اليوم،وفتح ملفاً في التاريخ الطبي يحمل اسم (مرض سارز).


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 


* نحن نعلم الآن بعد التقدم المحدود  في الدراسات بشأن المرض أن  المسبب هو أحد أنواع الكورونا فيروس وهو يسمى SARS- Associated Coronavirus (SARS-Cov) ونعلم أن الانتقال هو في واقع الأمر بالقطيرات التنفسية. وبالنسبة للاختبار فلا تزال مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها Centers for Disease Control and Prevention  في الولايات المتحدة تجري اختباراً تجريبياً لم يحصل بعد على الرخصة الرسمية لتشخيص المرض. وأيضاً فإن المعالجة لا تزال تجريبية حيث يتم اختبار بعض مضادات  الفيروسات المعروفة.


 


 


 

Close Menu