ماذا تعرف عن ظاهرة (رينو)؟
هي ظاهرة يعاني منها عدد كبير من الناس ، ومع ذلك فالكثيرون لم يسمعوا بها. دراسة أجريت مؤخراً بيّنت أن 5% من الرجال و8% من النساء مصابون بها. وبالنسبة لأكثر من 90% من البشر، لو ذكرت كلمة (رينو) لقفز خيالهم فوراً إلى طراز من السيّارات الفرنسية، وهذه الظاهرة التي نتحدّث عنها اليوم لا علاقة لها بهذا النوع من السيّارات سوى من حيث كون العالم الذي وصفها (موريس رينو) ينتمي إلى ذلك البلد عينه. فما هي ظاهرة رينو؟
ظاهرة رينو
هي حالة مرضية تحصل فيها سلسلة تغيّرات لونية معيّنة في الأصابع بعد التعرض لتغيّرات في درجة الحرارة (سواء ساخنة أو باردة وإن كانت البرودة أشيع كسبب) أو حتى بعد التعرّض للشدّة العاطفية. وسبب حصول هذه التغيّرات اللونية هو تشنجات غير طبيعية في الأوعية الدموية تسبب نقصاً في التروية الدموية للأصابع وأنسجتها. والتسلسل هو كما يلي: في البداية يحصل ابيضاض بسبب نقص التروية الدموية، ثم يتغيّر اللون إلى الأزرق نتيجة لنقص الأوكسجين الموضعي، ثم يتحوّل اللون إلى الأحمر وهذا ناجم عن عودة انفتاح الأوعية الدموية المؤدّي إلى ظاهرة (التدفّق الدموي).
أكثر عند النساء
الإحصائيات تبيّن أن هذه الظاهرة أشيع عند النساء منها عند الرجال، وخصوصاً في العقود الثاني والثالث والرابع من العمر. ويمكن أن تحصل هذه الظاهرة بشكل مفرد أو برفقة أمراض رثوية أخرى. في حال حصولها وحدها نسمّيها (مرض رينو) أو (ظاهرة رينو الأوّلية) وفي حال حصولها مترافقة مع أمراض أخرى يصبح الاسم (ظاهرة رينو الثانوية).
لماذا؟
لا يوجد حتى الآن سبب واضح مثبت لهذه الظاهرة، وإن كانت هنالك شكوك تدور حول شذوذ في التحكم العصبي في قطر الأوعية الدموية مع وجود تحسس في الأعصاب للبرودة. والتسلسل اللوني المذكور أعلاه يمكن شرحه بوجود تشنّج في العضلات الدقيقة الملساء للأوعية الدموية مع ما يتبع ذلك من توسّع مفاجئ في الأوعية. ولقد بيّنت الدراسات المجهرية وجود تسمّك في جدار الشرايين الصغيرة في الأصابع مما يعرّضها للتضيّق الشديد في حال وجود العناصر المحرّضة. ولقد بيّنت الأبحاث الحديثة وجود علاقة للوراثة بحصول ظاهرة رينو، حيث قد تكون موجودة لدى الأب أو الأم أو الجد والجدة وغيرهم وإن كانت الوراثة لا تتبع نموذجاً واضحاً ومحدداً.
الحالات المرافقة
في حال الظاهرة الثانوية هنالك الكثير جداً من الحالات المرافقة ، ومنها صلابة الجلد والتهاب المفاصل الرثواني والذئبة الحمامية والمشاكل الهرمونية مثل قصور الدرق والرض مثل عضة الصقيع واستخدام الأدوات التي تؤدّي إلى الارتجاج كالمنشار الكهربائي وهنالك أيضاً بعض الأدوية مثل البروبرانولول المستخدم لخفض الضغط ومعالجة تسرّع القلب، وأيضاً الإرغوتامين المستخدم لعلاج الصداع وأيضاً التدخين.
الأعراض والعلامات
في الحالات الخفيفة يلاحظ المريض تغيّراً في لون الأصابع بعد التعرّض للبرد. وربما حصل بعض الخدر والنّمَل اللذين ما يلبثان أن يختفيا بعد عودة اللون إلى الطبيعي. في الحالات الأشدّ، قد يعاني المريض من الألم وفي حالات نادرة قد يحصل تقرّح في الأصابع نتيجة لنقص الأكسجة، وهذا قد يؤدّي للإنتان وربما حصل تموّت في الإصبع وهذا أندر من النادر ويحصل في الحالات الشديدة لدرجة استثنائية.
إن أشيع أماكن الإصابة هي الأصابع ولكن وصفت حالات تصيب الأنف والأذنين واللسان.
التشخيص
في الحالات النموذجية التي تحصل فيها سلسلة التغيّر اللوني، لا يكون التشخيص صعباً. وفي الحالات الأخرى يستعين الطبيب ببعض الوسائل التشخيصية البسيطة مثل العدسات المكبرة العادية للنظر إلى الأوعية الشعرية للأصابع والأظافر حيث تتصف هذه الأوعية بنماذج معيّنة في هذه الظاهرة تساعده على التشخيص. ولا بد هنا من أن نذكر أنه لا يوجد فحص مخبري مفرد يعطي التشخيص. وإن كانت هنالك بعض الفحوص التي تساعد في تحديد الأمراض المرافقة المذكورة أعلاه حيث قد يجري الطبيب تعداد الدم العام أو يبحث عن العامل الرثواني أو الأجسام الضدية الخاصة بالذئبة الحمامية وسرعة التثفل وغير ذلك.
أدوية يجب تجنبها
قد لا يخطر ببال المريض أن بعض الأدوية التي يمكن الحصول عليها دون وصفة طبية قد تزيد الأعراض لديه. ومنها أدوية الزكام مثل (سودو إفدرين بأسمائه التجارية العديدة مثل سودافد وأكتيفد). وهنالك أيضاً الأدوية التي تستعمل لإنقاص الوزن، حيث يحتوي بعضها على مواد مقبّضة للأوعية. وأيضاً هنالك أدوية ارتفاع الضغط الشرياني مثل (تنورمين) و(لوبرسور) و(كورغارد) و(إندرال)، فأي منها قد يؤدّي لاشتداد الأعراض.
المعالجة
يرتكز العلاج على حماية أصابع اليدين والقدمين من البرد والرض والإنتان. وفي الحالات الشديدة يمكن استخدام الأدوية الموسّعة للأوعية. إن استخدام القفازات والجوارب السميكة تساعد في تجنّب الأعراض. مع المحافظة على درجة حرارة ملائمة في المنزل. وأيضاً لا بد من تجنب الأحذية والقفازات الضيّقة. في الحالات التي تتهيّج فيها الأعراض بسبب الشدة العاطفية ، لا بد من الابتعاد عن التوتّر والسعي للاسترخاء. إن تجنّب التدخين هو أمر موصى به في مرضى رينو لثبوت حصول الظاهرة بعد التعرّض للنيكوتين. العناية بالأظافر لا بد من أن تجرى بطريقة حذرة عند المريض لتجنّب الرضوض كما أن القرحات التي تحصل في الحالات الشديدة لا بد من معالجتها من قبل طبيب يقدم عناية مباشرة، لمنع حصول التموّت الخطر. وقد يتم استعمال بعض المراهم الموسعة للأوعية مثل (النيتروغليسرين) لزيادة جريان الدم.
في الحالات الشديدة، قد يضطر الطبيب لإعطاء بعض الأدوية الفموية التي توسّع الأوعية فتحسّن الأعراض مثل مضادات الكالسيوم مثل (كارديزم) و(كاردين) و (بروكارديا). وهنالك أيضاً المثيل دوبا (ألدوميت).
لقد أظهرت الأبحاث الحديثة أن دواء (لوسارتان) المستخدم لمعالجة ارتفاع الضغط الدموي مفيد جداً في علاج هجمات ظاهرة رينو وقد تفوّق على أدوية أخرى يشيع استعمالها للعلاج مثل (نيفدبين). وقد يتم استخدام الأدوية المميّعة للدم مثل الجرعات القليلة من الأسبرين لمعالجة المرض. كما أن هنالك دواءً يدعى (ترنتال) بيّنت الأبحاث فائدته الكبيرة وهو يعمل بآلية فريدة،حيث أنه يجعل الكريات الحمراء أكثر مرونة فيسهّل مرورها في الأوعية الشعرية ويحسّن التروية. إن السبب الذي جعلنا نذكر كثيراً من أسماء الأدوية بعينها هو أن بعض السائلين طلبوا أسماء محددة قد تساعد في العلاج، ولكن بطبيعة الحال لا يجوز وصف الدواء إلاّ من قبل الطبيب المعالج الذي يعلم حالة المريض بالمجمل ويتجنّب الأدوية غير الملائمة لدى مريض بعينه لسبب أو بآخر وهو أمر يستحيل شرحه في مثل هذه العجالة.
معالجة جراحية
هنالك طريقة خاصة قد يلجأ إليها الطبيب في الحالات الشديدة وهي تسمى (قطع الودّي). وفي هذه المعالجة يقوم طبيب خبير بقطع نوع معيّن من الأعصاب يسمى (الأعصاب الودّية) وهي المسؤولة عادة عن تقلّص الشرايين الصغيرة في الأصابع. إن هذه العملية تؤدّي إلى التخلّص من السبب العصبي للظاهرة، وهي كثيراً ما تكون فعّالة ولكن الطبيب لا يلجأ إليها إلاّ في الحالات الشديدة وبعد تجربة المعالجات الدوائية وهي تدخل تحت إطار (آخر الطب الكيّ)، حيث لا يوجد الكثير من الأطباء الذين لديهم خبرة في هذه الجراحة التي تحتاج إلى دقة. ولكن يمكن أخذها بعين الاعتبار في الحالات الشديدة التي قد تكون محيّرة للطبيب والمريض على حد سواء.
ظاهرة تستحق التأمّل
ظاهرة (رينو) هي حالة فريدة في الطب. فهذا التغيّر اللوني المتميّز وهذا الاتساع في الحالات المرافقة والشيوع الذي لا يستهان به، وقلّة المعرفة بشأنها يجعل من المفيد أن نتعلّم شيئاً عن هذه الظاهرة، ولعلّ هذا المقال ساهم في هذا.