ماهي الوضعية الملائمة لنوم الرضيع؟

ماهي الوضعية الملائمة لنوم الرضيع؟


قد لا يعير الكثير من الناس أي اهتمام لهذا الأمر، وربما لا يكلّفون أنفسهم عناء السؤال. ولكن الأمر بالغ الأهمية في واقع الحال. فكيفية نوم الرضيع (الطفل بين الولادة وعمر سنة) هي قضية شائكة كانت مدار الكثير من النقاش على مستوى الأطباء وعلى مستوى الجمعيات الطبية الكبرى في أمريكا والعالم وعلى رأسها الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال. ومدار الأمر كله كان متعلّقاً ــ في واقع الحال ــ بقضية توقف تنفس الطفل أثناء النوم التي تعتبر من الأخطار الكبيرة التي يتعرّض لها الأطفال بين عمر 1 ــ 12 شهراً وخصوصاً في الفترة بين 2 ــ 4 أشهر. فهذه المشكلة تعتبر من أكثر الأمور خطراً في الأطفال في هذه الأعمار. ولكن نعود إلى السؤال الأصلي، ما هي الوضعية الملائمة لنوم الرضيع؟


سؤال كبير


دارت الكثير من المناقشات في السنوات الأخيرة بهذا الشأن كما ذكرنا. إن الكثير من الأهل يضعون طفلهم لينام بالوضعية التي يرتاح بها أكثر. فإذا نام بهدوء على ظهره سمحوا له بذلك، وإن نام على بطنه كانوا سعداء لأنه يخلد إلى النوم بشكل سريع بهذه الطريقة، وهنالك أهل آخرون يضعون الطفل على جنبه لينام. وفي حقيقة الأمر فإن علينا ألاّ نلوم الأهل بشأن مشكلة كانت مثار جدل بين علماء طب الأطفال في كافة أنحاء العالم. فالأمر ليس علماً دقيقاً كما يقولون وليس قابلاً للتجربة المسيطر عليها بعناية، بل احتاج من وجهة النظر العملية إلى دراسات (إحصائية).


 


النوم على البطن


 وكانت حصيلة الدراسات أن النوم (على البطن) هو أمر مرفوض من وجهة النظر الطبية. والسبب في ذلك أن الطفل في هذه الوضعية معرّض لمشكلة توقف التنفس لأسباب نعلم بعضها ونجهل بعضها الآخر. والقسم الذي نعلمه هو أن الطفل ــ عندما ينام في هذه الوضعية ــ قد يعرّض نفسه أثناء النوم للاختناق لأن مجرى  التنفس ــ الفموي والأنفي ــ في هذه الحالة قد يصاب بالانسداد نتيجة للتماس الشديد مع الوسادة (في حال استخدامها ) أو الفراش أو الغطاء وغير ذلك، وهذا أمر منطقي طبعاً. ونذكر هنا أنه في أثناء النهار وفي حال كون الطفل مستيقظاً فلا ضير في تركه ممدداً على بطنه مع مراقبة الأهل. والمشكلة هي كما ذكرنا في تركه ينام بهذه الوضعية.


 


النوم على الظهر


وجد العلماء أن هذه هي الوضعية الأكثر ملاءمة للطفل، لأن الوجه والأنف ليسا معرّضين للانسداد أثناء النوم، وبالتالي فالطفل يحافظ على مجرى التنفس سالكاً طوال فترة نومه. ولا بد من مراعاة عدم وضع أي غطاء على وجه الطفل وعدم السماح بوجود الأشياء التي قد تتحرك في الليل مع حركة الطفل وتسد مجرى التنفس وهذا ما سنتحدث عنه لاحقاً في هذا المقال. ويوجد لدى بعض الأهل اعتقاد بأن الطفل الذي ينام على ظهره قد يستنشق المواد المطروحة من جهازه الهضمي في حال حصول الإقياء ليلاً، والتجربة العملية تثبت خطأ هذا الاعتقاد، فالملايين من الأطفال اليوم ينامون على الظهر ولم يثبت وجود أية حالة من هذا النوع بسبب ذلك.


 


النوم على الجنب


إن النوم على الجنب ــ بحد ذاته ــ ليست فيه مشكلة. ولكن المشكلة تكمن في أنه لا توجد ضمانات عند نوم الطفل على جنبه من أن يتحرك أثناء الليل وتتغيّر هذه الوضعية إلى الوضعية  الأولى وهي النوم على البطن وهنا تكمن الخطورة. وبالتالي فإننا نعود إلى نقطة أن الوضعية الثانية ــ النوم على الظهر ــ هي الوضعية المثلى كما تبيّن الدراسات. وتقول بعض الدراسات أنه لا مشكلة في أن ينام الطفل على جنبه ولكن مع مد ساعده إلى الأمام بحيث لا يمكنه أن يتقلّب ويصل إلى الوضعية  البطنية، وأجد هذا الأمر غير عملي وهو يعقد الأمور أكثر مما يبسّطها.


 


أسباب أخرى


إن السبب الحقيقي الدقيق لمشكلة توقف تنفس الرضيع أثناء النوم غير معروف، ولكن العلماء يربطون بينه وبين بعض  النقاط  التي تشمل ــ إضافة إلى وضعية النوم ــ مشاكل أخرى مثل تدخين الأم أثناء الحمل أو تعرّضها للتدخين السلبي ، وأيضاً تكثر عند الأطفال ذوي وزن الولادة المنخفض، وفي حال الأطفال الناتجين عن الحمول المتعددة كالتوائم والحمل الثلاثي والرباعي، وأيضاً عندما يكون سن الأم أقل من عشرين سنة.


 


استثناءات


لا بد ــ بعد أن فصّلنا إلى حد ما بشأن وضعية النوم ــ أن نذكر أن لكل قاعدة استثناءً. فبعض الأطفال المصابين بأمراض تنفسية أو قلبية قد يحتاجون للنوم بالوضعية البطنية. وهذا الأمر يحدده الطبيب ولا يجوز فيه الاجتهاد من قبل الأهل. وفي حال قرر الطبيب ذلك فإنه يدخل في مجال الاستثناء لا القاعدة. وهنا تكمن أهمية معرفة أن التوصيات التي يعطيها الطبيب للأهل تخص طفلهم وحده ولا يجب أن تتم إعارتها لعائلات أخرى ليتم تطبيقها على أطفالها. فليس من غير الشائع أن يقوم الطبيب بإعطاء دواء لطفل ما يلائم حالته ويؤدي إلى تحسن مرضه، فتقوم العائلة بــ (تعميم) هذه التوصية ليعطى الدواء إلى طفل آخر لا علاقة لمرضه بمرض الطفل الأوّل وتكون النتائج معكوسة. إن هذه العادة السيئة شائعة جداً للأسف ولا بد من  أن تتوقف. 


 


ماذا يمكننا أن نفعل؟


إن بالإمكان فعل الكثير لتجنّب توقف تنفس الرضيع أثناء النوم. والأمر الأوّل والأساس كما هو واضح هو وضع الطفل لينام بالوضعية الملائمة التي شرحناها. ويضاف إلى ذلك تجنب التدخين من قبل الأم أثناء الحمل، وتجنب التدخين بعد  الولادة قرب الطفل. وأيضاً يجب وضع الطفل لينام في مهده الخاص في غرفة الأهل في الأشهر الستة الأولى من الحمل وذلك ليبقى تحت مراقبتهم خلال هذه المرحلة الحساسة. إن الفراش وملحقاته هي أمور هامة جداً … فالفراش يجب أن يكون صلباً إلى حد ما، وأما الفراش الطري جداً والذي يمكن أن (يغوص) فيه الطفل أثناء النوم فهو غير مقبول أبداً لأن ذلك يعّرضه للاختناق. وأيضاً فإن علينا  أن نتجنب وضع أي شيء في الفراش يمكن أن يسحبه الطفل فوق رأسه، كالملابس والألعاب القماشيّة المحشوّة وغير ذلك فجميع هذه الأشياء تقود للنتيجة نفسها. ويجب أن نحافظ على غرفة دافئة الحرارة ولكن بشكل غير مبالغ فيه، حيث يعتقد بعض الأهل أن الطفل يحتاج إلى حرارة عالية جداً أكثر من البالغ، وهذا غير صحيح. إن علينا أن نحافظ على درجة حرارة الغرفة بشكل مريح للكبار ومعتدل، وهذا سيناسب الطفل أيضاً. ونذكر هنا أن  الأبحاث قد وجدت أن (اللهاية) التي تعطى للطفل تساهم في إنقاص الاختناق أثناء النوم، والأسباب الدقيقة مجهولة.


 


وبعد


إن هنالك الكثير من الأمور التي قد لا يعيرها الأهل الاهتمام الكافي، ولكنها في واقع الأمر هامة جداً لصحة الطفل. وإن وضعية نوم الطفل هي مثال واضح لهذه الأمور الحساسة. لقد بلغ الاهتمام الطبي في أمريكا بهذا الأمر حداً كبيراً لدرجة أنه هنالك حملة خاصة هدفها نشر (الوعي النومي) إن صح التعبير. وقد لاقت هذه الحملة نجاحاً كبيراً وخصوصاً أنها لم تعتمد على معتقدات سائدة، بل على دراسات طبية جدية تبنتها الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال وبنت توصياتها على أساسها. وهذا الموضوع هو أيضاً مثال على ما يمكن أن يؤدي إلى توحيد الجهود وتضافرها للوصول إلى قرار طبي موحد وسليم. فمنذ سنوات كانت هنالك خلافات ــ حتى بين الأطباء ــ بشأن الوضعية الملائمة لنوم الطفل. ولم يكن من المستغرب ــ منذ عشر سنوات مثلاً ــ أن يوصي الطبيب الأم بأن تترك طفلها ينام على بطنه. أما الآن فقد أصبح الأمر واضحاً لا لبس فيه. ومع ذلك فهنالك كلمة لا بد من ذكرها، وهي أن الميزة الكبرى للعلم هو أنه يتطوّر وينمو. وبالتالي فإننا لا نعلم ما يمكن أن يأتي به المستقبل من توصيات طبية جديدة بشأن هذا الموضوع. 


 


 

Close Menu