نعم … لقا ح للسرطان … ولكن!!


 


 


نعم … لقا ح للسرطان … ولكن!!


 


 


 


منذ عام تقريباً حصل لقاح (غارداسيل) على الرخصة التي تعطيها السلطات الصحية في البلاد. وحصلت ضجة كبيرة في الأوساط الطبية في الولايات المتحدة الأمريكية وفي العالم. فللمرة الأولى يعلن عن لقاح يمنع السرطان. وهذا بحد ذاته حدث كبير وخبر هام جداً لا يمكن إلاّ أن يسمع به كل منزل. فاللقاح وأخباره لم تعد مقتصرة على المجلاّت والصحف الطبية، بل تجاوزتها إلى الصحف اليومية ومواقع الإنترنت التي يطالعها جميع الناس. وبدأت ا لأسئلة … فطالما أن العلماء قد توصلوا إلى لقاح لسرطان عنق الرحم (وهذه هي حقيقة الغارداسيل) فلماذا لا نأمل بالحصول على لقاح يمنع سرطان الرئة أو سرطان الكولون أو أي سرطان. ألن يكون ذلك أمراً عظيماً؟


 


 


الأمر يحتاج لتوضيح


 


إن لقاح (غارداسيل) يمنع سرطان عنق الرحم… هذه حقيقة أثبتتها الأبحاث العلمية والإحصاءات. ولكن هل هو لقاح للسرطان بالمعنى العلمي للكلمة؟ لنجيب على هذا الأمر فلابد من أخذ فكرة عن سرطان عنق الرحم من حيث المبدأ.


 


سرطان  عنق الرحم


 


هو سرطان القسم السفلي من الرحم المسمى (عنق الرحم) وهو في واقع الأمر ناجم عن بعض الفيروسات التي تسمى (الفيروسات الحليمية البشرية) وعندما تصاب المرأة بهذا الفيروس ولا تشفى منه تتشكل خلايا غير طبيعية في بطانة عنق الرحم وإذا لم تكشف هذه الخلايا مبكراً فإنها تتحوّل إلى ما يدعى الخلايا (ماقبل السرطانية) ثم تتحوّل إلى خلايا سرطانية.


 


 


اللقاح


 


وهنا يأتي دور اللقاح موضوع حديثنا اليوم. لأنه يحمي من الإصابة بهذا ا لفيروس الذي يؤدي إلى هذا النوع من السرطان. إن الفيروسات الحليمية البشرية من نموذج 16 و 18 تسبب 70% من حالات سرطان عنق الرحم ، كما أن النماذج 6 و11 تسبب 90% مما يسمى الثآليل التناسلية، وهذا اللقاح (غارداسيل) يحمي من جميع هذه النماذج. أما النماذج والسلالات الأخرى فلا يمكن الحصول على حماية منها من خلال هذا اللقاح.


 



 


 


لمن يُعطى؟


 


يعطى هذا اللقاح للإناث بين عمري 9 و 26 سنة لمنع الفيروسات التي ذكرناها ومنع مضاعفاتها. وكجميع اللقاحات فإن هنالك بعض التأثيرات الجانبية المحتملة كارتفاع الحرارة والتحسس للقاح والألم في موقع الحقن والغثيان. وهنالك سؤال يدور في الأوساط  الطبية اليوم، وهو : هل يمكن أن يعطى هذا اللقاح للذكور طالما أن الفيروسات تصيب الذكور والإناث؟ والجواب على هذا السؤال هو بالنفي. فالعلماء لا يعتمدون على المنطق المعتاد في مثل هذه الأسئلة بقدر ما يعتمدون على الدراسات الرقمية والإحصائية الصحيحة. وهي ليست متوفرة حالياً في هذا المجال.


 


لقاح للسرطان؟


 


ربما كان هذا السؤال هو الأهم بين جميع النقاط التي نقوم بمناقشتها اليوم. فعندما تم إعطاء الرخصة لهذا اللقاح منذ عام تقريباً كان الضجيج الإعلامي والطبي مرتكزاً على نقطة أساس وهي أنها المرة الأولى التي يتم فيها الحصول على لقاح للسرطان. وبدأت التكهّنات لدى العقول المتعطشة للمعرفة. هل هذه هي البداية فقط؟ وهل ستكون الخطوات القادمة الحصول  على لقاحات لسرطانات أخرى؟ إن الإجابة على هذا السؤال هي محرجة لم سوّق لهذا اللقاح على أنه لقاح للسرطان. هو يمنع سرطان عنق الرحم ، هذا صحيح وأثبتته الدراسات العلمية الموثـقة، ولكن الصحيح أيضاً هو أن هذا اللقاح ليس موجّهاً للسرطان بآليّاته التي يعرف العلماء جزءاً منها، ولكنه موجّها ضد سبب واضح هو الفيروسات المسببة لهذا السرطان. ومن وجهة النظر هذه فليس من جديد في (الغارداسيل). إن سرطان عنق الرحم هو السرطان المثالي لإيجاد وقاية عن طريق اللقاح. فهو ــ من بين جميع السرطانات ــ ذو سبب معروف هو الفيروس الحليمي البشري. وبالتالي فإن العلماء الذين حصلوا على لقاح له كان بين يديهم سبب واضح وعدو ظاهر للتعامل معه. وقد تم توجيه العمل إلى الفيروس وليس إلى الآلية السرطانية. في معظم السرطانات لا يوجد لدينا (سبب) واضح، ولكن لدينا عناصر مسرطنة. ففي سرطان الرئة مثلاً نعلم أن التدخين هو أهم الأسباب في المرض، وبالتالي فإن الوقاية هي بالابتعاد عنه. ولكن لا نعرف الآلية تماماً بحيث نستطيع أن نقوم بإعداد لقاح لها يتم التخلّص بوساطته من المرض. وهنا الفرق الكبير.


 


ليس علاجاً


 


كأي لقاح فإن الــ (غارداسيل) هو إجراء وقائي، أي أنه ليس علاجاً يعطى بعد الإصابة، وإنما يعطى لمنعها. وإذا كانت الحماية التي تحصل الفتاة عليها من هذا اللقاح عالية كما تدل الدراسات، فإنها ليست كاملة. وبكلمات أخرى فإنها لا تغني عن الإجراءات الوقائية التي يتخذها طبيب الأمراض النسائية في المستقبل والتي سنتحدث عنها بعد قليل. إن أحد الأمور التي يخشاها أطباء الأمراض النسائية هي أن يؤدي هذا اللقاح إلى تهاون لدى الفتيات اللاتي يحصلن على هذا اللقاح بحيث يتم إهمال الاختبارات الدورية ــ وأهمها ما يدعى لطاخة (باب) ــ التي يتم بوساطتها الوصول إلى تشخيص مبكر لسرطان عنق الرحم. وهذا في حال حصوله كفيل بالتقليل من فائدة اللقاح. إن النظر إلى هذا اللقاح على أنه عنصر وقاية (إضافي) وليس عنصراً (بديلاً) هو المفتاح للحصول على الفائدة القصوى منه.


 



 


كيف يعطى؟


 


يعطى هذا اللقاح على ثلاث جرعات ويفصل بين الأولى والثانية شهران ، كما يفصل بين الأولى والثالثة ستة أشهر. وفي حال التأخر في إعطاء الجرعة الثانية أو الثالثة يقوم الطبيب بتحديد الجدول المناسب لإكمال اللقاح.


 


كم تستمر الوقاية


 


إن هنالك نقطة أخرى هامة، وهي فترة الحماية. إن الدراسات المبدئية تبيّن أن (غارداسيل) فعّال لمدة أربع سنوات على الأقل في الحماية من الفيروسات الحليمية البشرية. وبطبيعة الحال فلم تجرَ دراسات كافية لتحديد الوقاية على المدى البعيد لأن هذا الأمر يحتاج إلى المتابعة كما هو الحال في جميع  اللقاحات والأدوية والوسائل الوقائية.


 


ليس للحوامل


 


لا يعطى هذا اللقاح للحوامل، كما أنه لا يعطى لمن كان لديه تحسس من محتوياته المختلفة وهذا أمر يحدده الطبيب. والسبب هو أنه لا توجد حتى الآن دراسات كاملة للسلامة تؤكد أن هذا اللقاح لا يؤذي الجنين ويؤدي إلى تشوّهات لديه. والأطباء في هذه  الحالات يأخذون جانب الحذر.


 


لقاح آخر


 


ونذكر أيضاً أن هنالك لقاحاً آخر لسرطان عنق الرحم إضافة ً إلى (غارداسيل) وهو يدعى (سرفاريكس) ولم يتم التسويق بعد لهذا اللقاح الجديد ولكنه من المتوقع أن يحمي من سلالات إضافية من الفيروس الحليمي البشري وهذا سيزيد من فعالية هذه اللقاحات ويوسع التغطية ضد سرطان عنق الرحم بشكل كمي ونوعي. وهذا اللقاح الجديد ــ إن دلّ على شيء ــ فإنما يدل على أن العلماء لا يقنعون بما يقومون به من أبحاث،  بل يسعون لتحسينها بشكل مستمر للحصول على نتائج أقرب إلى الهدف المطلوب. 


 


 


الفيروسات مرة أخرى


 


إن الفيروسات الحليمية ا لبشرية تنتقل من إنسان إلى آخر عن طريق العلاقات الجنسية بأشكالها المختلفة. والمشكلة في الأمر أن  الكثير من المصابين ليست لديهم أية أعراض مما يجعل الأمر مخادعاً ويعطي هذا اللقاح أهمية أكبر. وكما قلنا في بداية حديثنا فإن هذه الفيروسات قد تسبب سرطان عنق الرحم أو التغيّرات الشاذة في خلايا عنق الرحم أو الثآليل التناسلية. وبالنسبة للثآليل التناسلية فإنها معدية جداً  ومعاودة بمعنى أنها قد تصيب المريض من جديد بعد أن تتم المعالجة والشفاء. وهذه الصعوبة في المعالجة تعطي الوقاية أهمية أكبر، خصوصاً أن هذه الوقاية لم تكن متوفرة في الماضي وهي الآن في متناول الجميع.


 


 

Close Menu