ماذا تعرف عن الألم الليفي العضلي (فيبروميالجا)؟
كثيراً ما يتم الحديث في وسائل الإعلام ، وخصوصاً المهتمة بالشأن الطبي، عن موضوع أقرب إلى الغموض.. أجريت بشأنه الكثير من الدراسات ولكن لم يتم التوصّل إلى حل شامل له. حديثنا اليوم عن متلازمة (فيبروميالجا) Fibromyalgia .
ما هي الفيبروميالجا؟
في حقيقة الأمر، فإن هذه الحالة هي عبارة عن (متلازمة) أي مجموعة من الأعراض التي تحدث معاً. وهي تشمل الألم، اضطراب النوم، التعب ، الانزعاج البطني وعدم القدرة على التركيز. وهنالك أعراض أخرى يشكو منها بعض المرضى ، ولكنّ هنالك إجماعاً على أن القدرة على الاستمتاع بالحياة ومباهجها تنقص كثيراً. إن مصدر المشاكل في هذه المتلازمة هو واحد… وعلى الأغلب فهو عبارة عن اضطراب في الجهاز العصبي المركزي حيث يعتقد الكثير من العلماء بوجود تغيّرات كيماوية لها تأثيرات سلبية على أجزاء من الدماغ والنخاع الشوكي تؤدّي بمجموعها إلى حصول هذه المشكلة. ولقد ذُكِرت التغيّرات الهرمونية والرضوض والقلق والاكتئاب كأسباب في هذا المجال. ويعتقد البعض بوجود سبب وراثي. الكثير من المصابين بهذه المشكلة يشعرون بالعزلة وأنهم يعانون من المرض وحدهم. لذلك توجد الكثير من المنتديات التي تقوم بإعطاء الفرصة للمصابين بالمرض بالتعبير عن تجربتهم والاستفادة من تجارب الآخرين. هذه المشاركة تلعب دوراً كبيراً جداً في التخفيف من المعاناة الناجمة عن مرض كهذا.
من يصاب بالمرض؟
عندما يتم تشخيص أي إنسان بهذا المرض، فإن قلبه يمتلئ بالرعب… والسبب في ذلك ناجم عن الغموض الذي يكتنفه. ماذا سيفعل هذا المرض لجسدي؟ هل سأجد علاجاً؟ هل أنا مصاب بالمرض فعلاً؟ هل أجرى الطبيب الاختبارات الملائمة للتشخيص؟
إن الفيبروميالجا أشيع في النساء منها في الرجال، مع أن الكثير من العلماء يعتقدون بأن التقارير غير دقيقة ولذلك فإنهم لا يؤمنون بالإحصائيات المتعلّقة بهذا الأمر. إن الفروقات الهرمونية بين الرجال والنساء معروفة، كما أن الفروقات الكيميائية الدماغية تم إثباتها بين الجنسين. هذه الفروقات ربما كان لها دور كبير في حصول المرض في النساء أكثر من الرجال. وعلى العموم، فإن الإحصاءات تقول إن 80% من حالات الفيبروميالجا تحدث في النساء، وهي أشيع في المرحلة العمرية بين 35 و55 سنة.
وفي حقيقة الأمر فهنالك عناصر هرمونية وكيميائية عديدة ذكرت كأسباب في هذا المجال منها هرمون النمو والسيروتونين وغيرها. إن المصابين بالاكتئاب والقلق لديهم احتمال أعلى للإصابة وهذا قد يكون متعلّقاً أيضاً بالعناصر الهرمونية المذكورة. وهذا الأمر قد يكون مربكاً للطبيب غير ذي الخبرة بهذا المرض حيث أن الكثير من الأعراض هي مشتركة بين الاكتئاب مثلاً والفيبروميالجا… وكثيراً ما يتم الخلط بينهما. ولكن النظر عن قرب من قِبل عين خبيرة تبيّن أن الفيبروميالجا لها صفات متميّزة وواضحة لا تخطئها العين.
ما هي الأسباب؟
إن النقطة الأولى التي يجب الاتفاق عليها وإيضاحها هي أن الفيبروميالجا هي ليست مرضاً (رثوياً) أو (روماتيزمياً) أو(مفصلياً) بالمعنى الدقيق. فمن المعروف أن المريض تكون العضلات لديه سليمة كما أنه لا توجد عملية التهابية مسببة. من الشائع، مع ذلك ، أن يعاني المصابون بالمرض من مشاكل أخرى كالتهاب العظم والمفاصل أو التهاب المفاصل الرثواني أو ألم الظهر أو وجود قصة رض سابقة. كما أن الكثير من المرضى يذكرون أنهم أصيبوا بمرض إنتاني جرثومي أو فيروسي ثم بدأت أعراضهم بالظهور. إن هنالك خيطاً ما يصل بين أعراض هذه المتلازمة ولكن المرجّح أن السبب ليس واحداً بل عناصر متعددة. وإن ملاحظات العلماء تشير إلى وجود مشكلة استجابة التهابية في الجهاز العصبي المركزي … ويدعو بعضهم هذه العملية (التحسس المركزي). وفي هذا المكان بالذات تقوم المواد الكيماوية العصبية بإحداث المشاكل. وعلى الرغم من إجماع الخبراء على وجود عملية التحسس المركزي هذه، وعلى الرغم من كونها عنصراً محورياً في معظم الأبحاث التي أجريت بهذا الشأن، فإنها لا تزال عصيّة على الفهم إضافةً إلى أن كيفية إيقافها أو التخلّص منها لا تزال غير معروفة.
قصص
إن العديد من المصابين والمصابات بهذا المرض يذكرون قصصاً عن أفراد من عائلاتهم لديهم أعراض لهذا المرض. ويعبّرون عن اعتقادهم بأن هذا المرض وراثي. والحقيقة أنه قد تكون هنالك رابطة وراثية ولكنها غير واضحة. كما أن بعض الخبراء يذكرون أن ما هو مشترك بين أفراد العائلة هي حالات محرّضة ومشاركة مثل الاكتئاب مما يوجد هذا التشابه ويزيد الغموض والتشوّش لدى المريض والطبيب معاً. إن الاكتئاب والقلق والصداع ومتلازمة المعي المتهيّج والألم البطني هي أعراض شائعة جداً في الفيبروميالجا. ووجود بعض هذه الأعراض في فرد أو أكثر من أفراد العائلة لا يعني وجود هذا المرض لديهم.
ماذا عن المعالجة؟
إذا كان هم العلماء والأطباء البحث عن الأسباب والآليات وغيرها، فإن الهم الأوّل للمريض هو المعالجة. هل هنالك حل لمشكلتي؟ هذا هو السؤال الأهم الذي يطرحه جميع المرضى. وفي حقيقة الأمر، فكما أن الغموض يلف أسباب هذا المرض، وكما تتعدد أعراضه، فإن هنالك طيفاً كبيراً وواسعاً في مجال المعالجة أيضاً. إن الطبيب يجد نفسه تماماً كالخيّاط في التعامل مع هذا المرض.. لأنه يحتاج لأن يصمم لكل مريض تركيباً علاجياً يناسب حالته. ففي حالة مرض فيبروميالجا، فإن عبارة (دواء واحد يناسب الجميع) لا يمكن تطبيقها أبداً. وإن أكثر البرامج العلاجية نجاحاً هي تلك التي تتم فيها المشاركة بين عدة عناصر أهمها تعليم المريض وإنقاص التوتّر النفسي والتمارين المنتظمة والأدوية.
تعليم المريض
وهو الخطوة الأولى والأهم، لأنه يساعد المريض في معرفة طبيعة المرض والتعامل مع الطيف الواسع للأعراض. إن مجموعات الدعم الموجودة في المشافي المحلية والمؤسسات الخاصة تلعب دوراً كبيراً في هذا الأمر.
إنقاص التوتر
يصعب للغاية قياس مستويات التوتر لدى المرضى. فبالنسبة للبعض تمثل إراقة الحليب على الطاولة مأساة حقيقية، بينما يستطيع آخرون تحمل أحداث كبيرة جداً يصعب التعامل معها من قبل الشخص العادي. وبالتالي فلا بد من تصميم مقاربة (إنقاص التوتر) بشكل فردي لكل مريض حسب ما يراه الطبيب من طبيعته وقدرته على التعامل مع مشاكل الحياة اليومية. إن هنالك طرقاً عديدة لإنقاص التوتر منها تعليم المريض أساليب إنقاص الشدة النفسية في العمل والمنزل واستشارة طبيب نفسي لهذه الغاية في بعض الأحيان. كما يركز الطبيب على عادات نوم ملائمة لأن ذلك ينقص الأعراض.
التمارين
إن بعض الرياضات تساعد كثيراً في معالجة هذا المرض. ومنها السباحة وركوب الدراجات والمشي…. هذا ما أثبتته الأبحاث، دون أن تصل إلى الآلية التي تحصل الفائدة بها من خلال التمارين.وإن كان البعض يعتقد أن التمارين تحسّن نوعية النوم العميق مما يؤدّي للتخفيف من الأعراض.
الغذاء الملائم
إن تجنب الكحول والكافين هو من العوامل ذات الفائدة المعروفة في معالجة هذا المرض. أما من جهة الطعام، فلا يوجد نوع محدد يوصى به للتخفيف من الأعراض. ولكن علينا أن نذكر أنه في مرضى الفيبروميالجا الذين يعانون من تهيّج الأمعاء فإن الأغذية التي تهيّج الأعراض يجب تجنّبها.
الأدوية
إن أكثر الأدوية فعالية حسب التجربة هي مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقة، ويبدو أن هذا النوع من الأدوية ينقص الشدة ويرخي العضلات ويخفف التشنّج ويحسن النوم العميق. وإن أهم آليات عمل هذه الأدوية هو تدخلها في آلية عمل السيروتونين. وربما استخدمت مضادات اكتئاب أخرى مثل (بروزاك) الذي ثبتت فائدته كدواء إضافي مع الأدوية سابقة الذكر. وهنالك دواء يدعى (لورازبام) يفيد أيضاً في بعض الحالات. وفي عام 2007 أصبح دواء (ليريكا) أوّل دواء يتم قبوله علمياً كدواء نوعي للفيبروميالجا، وهو يعمل من خلال محاصرة الألم العصبي. وهنالك دواء قريب منه هو (نورونتين). ومؤخراً تم قبول دوائين جديدين لعلاج المرض هما (سيمبالتا) و(سافيلا).
الأمل
إن مرض (الألم الليفي العضلي) أو الفيبروميالجا هو مثال على المرض الذي يشكل تحدياً للطبيب والمريض معاً. سواء من حيث معرفة أسبابه أو التوصل لمعالجات ناجعة. ولكن الأبحاث لا تزال تجرى بكثافة للوصول إلى حل لهذا اللغز. وكما وفـّق العلماء في الماضي للوصول إلى حلول لأمراض كانت تبدو مستحيلة، فإن الأمل موجود للوصول لحلول مفيدة فيما يتعلّق بهذا المرض.