صورة للجهاز البولي!!

 


 




صورة للجهاز  البولي!!


 


 


أنتَ تقول لي يا دكتور أن ابنتي قد شفيت من الالتهاب البولي الذي أصابها في الأسبوع الماضي.


 


قلت: صحيح.


 


 قالت لي: ولقد أثبتت إعادة الزرع أن البول قد أصبح نقيّاً من الجراثيم الآن.


 


 أجبتها: هذا صحيح أيضاً.


 


 *  في ضوء هذا الكلام فأنا لا أفهم طلبك!


 


ــ  أي طلب؟


 


 *  لقد طلبت مني للتوّ أن أقوم بتحديد موعد لإجراء الصورة الشعاعية التي ذكرت اسمها لي الآن.


 


 


ــ  نعم …. اختبارVCUG  .


 


*  هنالك سؤالان أريد أن أطرحهما عليك.


 


ــ  تفضلي.


 


*  الأوّل: هو ماذا تعني هذه الكلمة؟ والثاني: لماذا تريد أن تجري هذا الاختبار؟


 


 


                                                                                               حديث ذو شجون


 


 


إن كلمة VCUG هي اختصار لعبارة أكبر منها هي Voiding Cystourethrogram


 


*  لقد فسّرت لي كلمة صغيرة بكلمة أكثر تعقيداً بالنسبة لي.


 


 ــ  أعلم، ولكنك قاطعتِني قبل أن أكمل لك شرح الأمر.


 


 *  آسفة.


 


 ــ  إن معنى هذه العبارة هو : (تصوير المثانة والإحليل أثناء التبوّل).


 


 *  ولماذا يتم إجراء هذا الاختبار أصلاً؟ لقد قلت لي إن الالتهاب البولي قد انتهى من خلال المضاد الحيوي الذي أعطيته لابنتي، فلماذا نقوم بإجراء هذا الاختبار؟


 


 


                                                                                                            لماذا؟


 


قلت: لك الحق في هذا السؤال. وهو سؤال يطرحه الأهل باستمرار عندما ننوي إجراء هذا الاختبار. ولكنني أريد أن أقول لك إن الأمر ضروري. في الماضي كانت القواعد الطبية تقتضي إجراء هذا الاختبار عندما يتكرر الالتهاب لدى الإناث أو عندما يحدث ولو لمرة واحدة في الذكور. وفي السنوات الأخيرة تغيّرت هذه القاعدة وأصبحت تقتضي أن يتم إجراء الاختبار في حال حصول الالتهاب البولي ولو لمرة واحدة سواء لدى الذكور أو الإناث. وقبل أن تسأليني عن السبب، أقول لك إن الأمر عائد إلى أن حصول الالتهاب البولي (حتى البسيط ) قد ينم عن وجود تشوّه في الجهاز البولي. وأشيع التشوّهات أو  الشذوذات هو القلس المثاني الحالبي.


 


 قالت: أنت تتكلّم بالألغاز اليوم يا دكتور.


 


 قلت: لا. فالأمر بسيط. إن الطبيعي أن يجري البول باتجاه واحد من الأعلى إلى  الأسفل. أي أنه ينطلق من الكلية ثم إلى الحالب، ثم ــ عبر الصمام الحالبي المثاني ــ إلى المثانة ثم إلى الإحليل ثم إلى خارج الجسم عبر عملية التبوّل. أما في حال حصول القلس المثاني الحالبي. فإن هنالك ضعفاً في الصمام المذكور يؤدي إلى عودة البول من المثانة إلى الحالب ومن ثم إلى الكلية. وهذا أمر مؤذٍ قد يؤدي إلى تكرار التهاب المجاري البولية. وهنا تكمن المشكلة التي يجب إصلاحها. وبعبارة أخرى فإن حصول الالتهاب البولي قد يكون ناجماً عن القلس في الجهاز البولي. وهذا يجب كشفه ثم معالجته. وهذا الكشف يتم من خلال هذا الاختبار الذي هو (تصوير المثانة والإحليل أثناء التبوّل).


 


القلس


 


سألتني الأم قلقة: وهل تعني أن ابنتي مصابة بهذا القلس الذي تتكلّم عنه؟


 


 قلت: لا !!  إن كل ما أقوله لك هو أن علينا أن ننفي وجوده لدى ابنتكِ. وفي الحقيقة، ففي معظم الحالات التي نجري فيها هذا الاختبار لا نجد أي شذوذ. ولكن مهنة الطب ــ وخصوصاً طب الأطفال ــ قائمة على الحذر الذي يقتضي نفي المشكلة. وعلى الرغم من أننا ــ في معظم الحالات ــ لا نجد أي شذوذ في الجهاز البولي، فإننا نقوم بإجراء هذا الاختبار باستمرار، لأننا في حال قمنا بتشخيصه ومعالجته فإننا ننقذ الجهاز البولي لدى المريض، وهذا بحد ذاته أمر هام وكافٍ للالتزام بالتوصيات الطبية التي تقتضي إجراءه.


 


 *  ولكن في حال وجد القلس لدى المريض فكيف تقومون بعلاجه؟


 


 ــ هذا سؤال جيّد. في حقيقة الأمر هنالك خمس درجات للقلس فالدرجة الأولى هي الأقل شدّة، والخامسة هي الأشد. وعلى الرغم من أن الأمر لا يتسع لذكر صفات هذه الدرجات والتوجيهات الطبية بشأنها، وعلى الرغم من أن الطبيب يقوم بتفصيل الخطة العلاجية المناسبة لكل مريض على حدة، إلاّ أنني يمكن أن أذكر لك بشكل تقريبي أن الدرجة الأولى والثانية تتم معالجتهما بإعطاء المضادات  الحيوية الوقائية للمريض مع متابعة المراقبة بالصور الشعاعية المتكررة. أما الدرجتان الرابعة والخامسة فتقتضيان إجراء الجراحة في أغلب الأحيان. أما الدرجة  الثالثة فقد تتم مقاربتها إما بالمضادات الحيوية أو المعالجة الجراحية حسب  طبيعة الحالة.


 


 *  سأكون صريحة معك يا دكتور. أنت تثير رعبي بكلامك هذا، وخصوصاً عندما تذكر الجراحة.


 


 ــ  إن هذه التوجيهات ليست مصممة لإزعاج الأهل والمرضى، ولكنها مصممة لتقديم العناية المثلى للمريض. وأنا أحب أن أذكرك بأمرين: أوّلهما أن الاختبار لم يتم إجراؤه على ابنتك بعد حتى نناقش ما يجب علينا أن نجريه بشأنها. فالوقت لا يزال مبكراً. وثانيهما أنه حتى في حال اقتضى الأمر إجراء الجراحة، فإن نتائج الجراحة ممتازة بالمقارنة مع ما يمكن أن يحصل في حال إهمال الأمر الذي تكون عواقبه وخيمة على كلية المريض وجهازه البولي وصحته بشكل عام.


 


 *  ماتقوله حق! ولكن دعني أسألك من جديد. كيف يقوم الأخصائي بالأمراض الشعاعية بإجراء هذا الاختبار؟


 


 


                                                                                                          الاختبار


 


الاختبار يجرى من قبل الطبيب المختص بالأشعة، وقد يحضره الأخصائي بالأمراض البولية أيضاً. وفي الاختبار يقوم الطبيب بإدخال قثطرة صغيرة من خلال الإحليل المودي إلى المثانة، ويتم عند ذلك حقن مادة ظليلة. وبعد ذلك يتم إخراج القثطرة ثم يطلب من المريض أن يتبوّل ــ إن كان في سن تمكّنه من الاستجابة لهذا ــ أما الطفل الصغير الذي لا يستجيب فيتم إجراء الصورة دون أن يطلب منه ذلك بطبيعة  الحال. وبعد حقن المادة الظليلة يتم أخذ صور شعاعية. إن هذه الصور الشعاعية تعطي فكرة ممتازة عن المثانة ووجود حصى فيها أو تضيّق في مخرجها. والأهم من ذلك عند  الأطفال، فإنها تعطينا فكرة عن طبيعة الدسام الموجود بين المثانة والحالبين. فالمفروض أن يسمح هذا الدسام بمرور البول من الحالب إلى المثانة وليس العكس. وفي حال سماحه بمرور البول من المثانة إلى الحالب ــ أي قصور الدسام ــ فإن هذا يشخص على أنه (القلس المثاني الحالبي)Vesicoureteral Reflux (VUR) الذي تكلّمنا عنه سابقاً. ويستغرق الاختبار كله بين 30 إلى 45 دقيقة. وقد يشعر المريض بشعور حارق بسيط حين إدخال القثطرة من خلال الإحليل إلى المثانة. وبعد حقن المادة الظليلة ينتابه شعور بامتلاء المثانة والرغبة بالتبوّل. وربما حصل شعور بالحرق أثناء التبوّل حتى بعد انتهاء الاختبار ولمدة يومين أو ثلاثة، وهذا أمر طبيعي وناجم عن التهيّج الحاصل على الإحليل بفعل إدخال القثطرة من خلاله. وربما لاحظ الأهل وجود بعض الدم في البول ولأيّام بعد إجراء الاختبار وهذا أمر طبيعي أيضاً. وربما حصل ألم خفيف في المنطقة السفلية للبطن ولأيام قليلة بعد الاختبار. وفي حالات نادرة قد يحصل التهاب بولي يتلو الاختبار وفي هذا الحال تحصل أعراض الالتهاب البولي التي تتضمن الحرارة والغثيان والإقياء وحرقة البول وتقطع البول. وفي حال حصول هذه الأعراض فلابد من مراجعة الطبيب الذي سيقوم بمعالجة الحالة. ولا بد من أن نذكر هنا أننا لا نقوم بإجراء هذا الاختبار قبل مرور 6 أسابيع على حصول الالتهاب البولي لدى الطفل ومعالجته، وبهذا نتجنب حصول الالتهاب البولي حين إجراء الاختبار. 


 


 


بعد شهرين


 


قلت للأم: تبدين سعيدة  اليوم!!


 


 قالت: بالتأكيد. لقد أخذت ابنتي أوّل أمس إلى المخبر الشعاعي وتم إجراء التصوير وقد أخبروني أن الصورة كانت طبيعية. ولا بد من أن تكون النتيجة قد وصلتك أيضاَ.


 


 ــ بالتأكيد. وأنا سعيد لأنها لم تظهر وجود أية مشاكل لدى سعاد  الصغيرة.


 


 *  أنا أريد أن أشكرك يا دكتور لقيامك بإجراء هذا الاختبار لابنتي سعاد فأنا أشعر الآن بالطمأنينة. صحيح لم يكن إجراء الاختبار سهلاً. فقد بكت سعاد قليلاً أثناء الاختبار، ولكن الطمأنينة التي لديّ  الآن تستحق أن نخوض غمار هذا الاختبار.


 


 ــ  كل اختباراتنا التي نجريها ترجع في النهاية إلى حكمة قديمة قـِدَم الطب نفسه.


 


 *  وما هي؟


 


 ــ  درهم وقاية خير من قنطار علاج!!


 


 


 

Close Menu