طفلي لا يأكل!!!

 


 


 


طفلي لا يأكل!!!


الشهية… أول من يذهب و آخر من يعود!



 


 


كنت في زيارة لصديق عزيز … و دارت بيننا أحاديث متعددة و حلوة عن قصص قديمة و حديثة. و كانت والدته،و هي سيدة كريمة فاضلة، تذهب و تجيء و تتحفنا بالأطايب . و سألتني أسئلة كثيرة عن صحة أحفادها و لقاحاتهم و غذائهم و أسنانهم و  أمراضهم. و بعد أن ذهبت لتحضر لنا القهوة، قال لي صديقي: لعل و الدتي لم تزعجك بأسئلتها.


 


 قلت له: لا أبداً … أنا معتاد تماماً على هذا الأمر.


 


قال لي: يخطر في بالي سؤال . أنا أعلم أن الأمهات يسألنك أسئلة كثيرة عن صحة أطفالهن، و لكن ما هو أكثر سؤال تحب أن تسأله الأمهات؟


 


غاليليو غاليلي!!


 


 و أجبت صديقي قائلاً:  أنا رجل متهم بمحبتي للإحصائيات و الأرقام، و بالتالي فإن جوابي لن يكون نابعاً من تجربتي الشخصية فقط بل من إحصائية قرأتها. إن أكثر سؤال تسأله الأمهات لطبيب الأطفال هو عبارة عن شكوى أكثر من كونها سؤالاً و هي تتلخّص بكلمتين:  “طفلي لا يأكل!!”.


 


 


 يا صديقي … إن جميع نساء الأرض ، من الجبال الصخرية في أمريكا إلى الأراضي المنخفضة في أوربا و من سهول التيبت إلى مجاهل أفريقيا، لا يعنيهن شيء في العالم قدر ما تعنيهن كمية الطعام التي تناولها أطفالهن على الإفطار أو الغداء !هذا هو الهم الكبير لكل نساء الأرض من ربة المنزل إلى أستاذة الجامعة و الغريب أن  جميعهن يؤكدن أن أطفالهن” لا يأكلون شيئاً!!” ، و إصرارهن على ذلك  يفوق إصرار غاليليو غاليليGalileo Galilei  في تأييده لأفكار كوبرنيكوس في  أن الشمس ، و ليست الأرض، هي مركز المجموعة الشمسية!


 


لغة الحساب


 


 إن أكثر عمر تشكو فيه الأمهات من قلة تناول أطفالهن للطعام هي الفترة الواقعة ما بين عمر سنة و ثلاث سنوات أي ما يسمى بمرحلة الطفل الدارج. و أنا أذكّر الأمهات دائماً بأن نقص الشهية في هذه المرحلة هو أمر طبيعي بل ضروري!


 


و لنترك لغة الحساب تتكلم. إن الطفل يولد بوزن متوسط هو 3 كغ و عندما يصبح عمره سنة فإن وزنه المتوسط هو 10 كغ. و بالتالي فإن وزنه قد زاد حوالي  ثلاثة أضعاف خلال سنة و بالتالي فإن الطفل إذا استمر يأكل بنفس شهية السنة الأولى فإن وزنه يصبح 30 كغ في نهاية السنة الثانية و هذا أمر فظيع لا تحبه أية أم لطفلها، والطفل الطبيعي لا يصل إلى ذلك الوزن قبل عمر 7 سنوات. إن معدل النمو ينقص بشكل كبير في السنة الثانية من العمر و لا بد للشهية من أن تجاريه في ذلك.


 


و في حالات المرض


 


 و الفترة الأخرى التي تقلق فيها الأمهات بشأن شهية أطفالهن هي فترة المرض. و أنا أقول لهن دائماً إنه في حالة المرض فإن الشهية هي أول من يذهب و آخر من يعود. فهي تقل منذ بداية المرض و لا تعود حتى يستعيد الطفل معظم عافيته و هذا ليس أمراً غريباً .و إن تركيزنا في فترة المرض يجب أن يكون على العلاج و استعادة العافية. و إن عودة الشهية سيكون أمراً أوتوماتيكياً في نهاية الأمر و لا يجب أن نشغل بالنا به طوال الوقت.


 


 


لا تقلقي!!


 


 إن أحد أسباب قلق الأهل بشأن الشهية هي أن الحاجة الحقيقية للطفل من الطعام هي أقل بكثير مما يتصوره الكثيرون. و إننا في العادة لا ننظر إلى الكميات التي يستهلكها الطفل من الطعام بل ننظر إلى معدلات نموه، فإن كانت طبيعية فلا داعي مطلقاً للقلق بشأن الطعام.


 


إن الكثير من الأمهات يطلبن من الطبيب أن يعطي لأطفالهن الأدوية التي تزيد الشهية و هذا خطأ كبير، فإن تناول هذه الأدوية يعرض الطفل إلى أضرارها الجانبية إضافةً إلى أنه قد يكسب الطفل عادات طعامية سيئة تؤدي إلى زيادة وزنه بشكل زائد يعرضه في المستقبل لأمراض و مشاكل غير ضرورية. و إذا كانت هنالك أية نصيحة يمكن أن نسديها للأمهات بهذا الشأن فإنها ببساطة أن يبتعد الطفل عن تناول الحلويات و الشوكولا و السكاكر  و الأطعمة المقلية الجاهزة كرقائق البطاطا و الذرة و غيرها و بالتالي  فإن شهية الطفل ستتحسن بشكل طبيعي و دون الحاجة إلى الأدوية. إن أدوية زيادة الشهية لا توصف إلى في الحالات المرضية الاضطرارية القصوى و لا تعطى لأي طفل بشكل عشوائي.


 


نصيحة لا يستمع إليها أحد!


 


و ختمت حديثي لصديقي قائلاً : إن أهم نصيحة أقولها للأم دائماً ، بهذا الشأن، هي ألا تتحدث أمام الطفل عن اهتمامها بقلة شهيته و أن تحاول ألا تضغط على الطفل كي يأكل. إن الطفل بطبيعته يبحث عن تصرف يثير به اهتمام الأهل، فإذا لمس اهتماماً كبيراً من قبلهم بقلة تناوله للطعام فإنه سيزيد عناداً مما يزيد الأمر سوءاً.


 


 في هذه الأثناء دخلت والدة صديقي إلى الغرفة من جديد و قد أحضرت لنا القهوة. و قالت لي : كأنني سمعتكما تتكلمان عن الشهية؟! لقد ذكّرتني أن أسألك عن حفيدتي نائلة! إنها لا تأكل أبداً! هل هنالك من حل لهذه المشكلة؟ ….


 


 و هنا نهضت و رجوت صديقي أن يحضر لي معطفي و اعتذرت للسيدة الفاضلة عن الإجابة و عن شرب القهوة لأنني مضطر للمغادرة.


 


 و قال لي صديقي: لماذا تذهب الآن؟


 


 قلت له : إن علىّ أن أكتب مقالاً الليلة و لا بد من أن يكون في المطبعة في الصباح.


 


 و سألني:  ما هو عنوان المقال؟


 


 قلت له: إنه مكون من كلمتين: “طفلي لا يأكل!!”


 


 


 


 

Close Menu