لسعات الحشرات…. والوجه المنتفخ!!

 


 


لسعات الحشرات…. والوجه المنتفخ!!


 


 


أنا لا أصدّق ما حدث يا دكتور. طفلتي هناء أصيبت بحالة غريبة. كنا في المنتزه اليوم صباحاً. وبعد أن عدنا من هناك تورّمت عينها اليمنى بشكل كبير. بالكاد أستطيع أن أرى عينها من خلال انتفاخ الأجفان المحيطة بها. هي لا تبكي ولا تتألّم ولا تشكو من أي شيء، ولكن منظرها يرعبني فعلاً. ماذا أستطيع أن أفعل؟ هل أذهب بها إلى غرفة الإسعاف؟


 


 سيناريو الصيف!


 


مع انتهاء موسم الصيف ودخولنا في فصل الخريف الجميل في ولاية ميشيغان، لا أستطيع أن أعدد الحالات التي شاهدتها خلال هذا الموسم في عيادتي والتي ينطبق عليها هذا السيناريو. فالصيف حافل بهذه الحالات التي يكون أغلبها ناجماً عن لسعات الحشرات، أو راجعاً للتحسس للنباتات المنتشرة في المنتزهات والحدائق العامة وحدائق المنازل. وفي بعض الأحيان تصعب معرفة السبب. ولكن النتيجة واحدة. تفاعل تحسسي. وحديثنا اليوم سيحاول التركيز بشكل أساس على لسعات الحشرات لأنها الأكثر تسببا في الفزع لدى الأهل في حال حصولها، ولأن بعض المفاهيم الخاطئة تنتشر بين الناس بشأنها.


 


حشرات حشرات!!


 


الحشرات كثيرة. نواجهها يومياً …. ولكن الأكثر تسببا في لسعات الناس هي النحل، والزنابير والبعوض.  وهنالك ما يسبب اللسعات بشكل أقل تواتراً ولكن أكثر خطورة كالعقارب وغير ذلك. إن لسعات هذه الحشرات تؤدي إلى تورّم وتفاعل وألم في منطقة الجلد المصابة، ولكن من الجدير بالذكر أن نقول إن معظم الناس ليس لديهم تحسس للسعات الحشرات. أي أن معظم التفاعلات الجلدية التي تحصل نتيجة للسعات الحشرات ليست في واقع الأمر تفاعلات تحسسية بل هي تهيّج ناجم عن سم الحشرة اللاسعة.


 


تفاعلات الجلد


 


هنالك ثلاثة أنواع مختلفة للتفاعل (أو ما يدعى بالارتكاس) الجلدي للسعة الحشرة.


 


فالأوّل والأشيع هو التفاعل الطبيعي الذي يمكن أن يحصل لدى أي إنسان يصاب باللسعة وهو يؤدي إلى الألم والتورّم والاحمرار حول موقع اللسع.


 


 أما الثاني فهو الارتكاس الكبير الموضعي والذي يمتد فيه التورّم إلى ما وراء موقع اللسعة. فطفل لسعته نحلة في منطقة المعصم قد يصاب بتورّم في كامل الساعد وهنالك حالة تنتمي إلى نفس المجموعة  ويتورّم فيها الوجه إلى درجة قد تتغيّر فيها ملامح المريض، وهي تدعى الوذمة الوعائية. وعلى الرغم من أن هذا النوع من التفاعلات قد يبدو مرعباً، فإنه ليس أكثر خطورة ــ في واقع الأمر ــ من النوع الأوّل.


 


 أما التفاعل الثالث ــ وهو الأكثر خطورة ــ فهو التفاعل التحسسي. وهذا النوع  يستدعي العناية الطبية الفورية.


 


التفاعل التحسسي


 


إن التفاعل التحسسي (أو الارتكاس التحسسي) قد يكون تفاعلاً موضعيّاً تحصل فيه أعراض موضّعة في منطقة اللسع وما حولها. ويكتنف الأمر الألم والاحمرار واندفاعات نقطية وتورّماً خفيفاً مع دفء وحكة. هذا النوع من الارتكاسات هو بسيط ويتم علاجه ببعض الأدوية التي يصفها الطبيب.


 


 ولكن هنالك نوعاً آخر يسمى التأق Anaphylaxis. وهذا النوع هو بالغ الخطورة في واقع الأمر وقد يودي بحياة المصاب. وتتضمّن أعراضه صعوبة التنفس، والاندفاعات التي تسمى الشرى Urticaria والتي قد تنتشر في كامل الجسم. وتشمل أيضاً تورّم الوجه والفم والعنق والبلعوم. ويحصل هنالك وزيز ناجم عن تشنج القصبات مع صعوبة البلع ويصاب المريض بالقلق وعدم الراحة ويتسرّع النبض. وربما أصيب المريض بالدوار وهبوط الضغط الشرياني. ولحسن الحظ فإن هذا  النوع من الارتكاسات نادر، ولكنه ــ في حال حصوله ــ قد يقود إلى حصول الصدمة وفقد الوعي خلال عشر دقائق. وهو يتطلّب المعالجة الإسعافية بأسرع وسيلة ممكنة.


 


هل التحسس شائع؟


 


هنالك 2 مليون من الأمريكيين مصابون بالتحسس لسم الحشرات. ومعظم المصابين هم ممن يعاني من التفاعلات التحسسية الخفيفة. ولكن هنالك  نسبة منهم تعاني من الحالات التحسسية الشديدة للسعات الحشرات. وعلى الرغم من التقدم العلمي الكبير فإن هنالك 50 حالة وفاة ناجمة عن الارتكاسات التحسسية المسببة من لسعات الحشرات كل عام. وهذا رقم لا يستهان به، خصوصاً إذا عرفنا أنه يعكس حالات عديدة تقبل إلى المشافي ويتم إنقاذها بالمعالجات المشددة.


 


علاج التفاعل العادي


 


في حال حصول تفاعل عادي غير تحسسي للسعة الحشرة كما هو موصوف سابقاً، فإن المعالجة تبدأ في المنزل. فأوّل ما يجب إجراؤه هوإزالة أية أجسام غريبة من الذراع كالخاتم والسوار وغير ذلك. في حال كون الحشرة هي النحلة، فغالباً ما نلاحظ وجود الإبرة اللاسعة مع كيس السم عالقين في الجلد، ويجب في هذه الحالة إزالتهما خلال 30 ثانية إن أمكن لمنع إفراغ كميات إضافية من السم. وينبغي تجنب عصر الكيس خلال عملية الإزالة. ثم يتم غسل المنطقة المصابة بالماء والصابون ثم توضع مادة معقّمة. بعد ذلك  يتم تطبيق مرهم مثل الكالاماين أو الهيدروكورتيزون (وهي موجودة في الصيدليات على الرفوف ولا تحتاج إلى وصفة طبية). وفي حال حصول التورّم فيمكن استخدام مكعّبات الثلج على المنطقة. ويمكن تناول مضادات الهيستامين بالفم لإنقاص الحكة والتورّم والاندفاعات الجلدية. ويجب أن يتم ذلك دائماً باستشارة الطبيب خصوصاً في الأطفال الصغار وفي الحوامل. وفي حال حصول الألم فيمكن استخدام مضادات الألم المعروفة كالأيبوبروفن.


 


 


علاج  التحسس


 


 في حال حصول الحالات التحسسية الخفيفة فإن العلاج قريب جداً مما ذكرناه سابقاً كاستخدام مضادات الهيستامين الفموية ومراهم الهيدروكورتيزون.


 


 وأما في حال حدوث التأق فالأمر معقّد تماماً ويحتاج كما ذكرنا إلى قبول إلى المستشفى وربما إلى وحدة العناية المشددة. وبعد أن يتم إنهاء المعالجة فإن الطبيب قد يصف للمريض ما يمكن أن ندعوه (القلم المنقذ للحياة) والذي يدعى Epipen  وهو عبارة عن جهاز حقن يشبه القلم ويحوي على مادة مضادة للتحسس وفعالة جداً هي (الإبي نفرين) ويتم تعليم المريض أو أهله كيفية استخدامها. وفي حال التعرّض للمحسس (كالحشرة مثلاً)، يتم استخدام هذا الجهاز البسيط والخفيف بسرعة كبيرة. وهو يقوم بإجهاض التفاعل التحسسي. وفي واقع  الأمر، فإن هذا القلم السحري قد أنقذ الكثير من المرضى من الهلاك المحتـّم، لأن العناصر المحسسة والموجودة في المحيط لا يمكن تجنّبها بطبيعة الحال. وبالتالي يمكن التعامل معها بهذه الطريقة الفعّالة.


 


 


 


هل يمكن تجنّب  اللسع؟


 


هنالك العديد من التعليمات التي يمكن اتباعها والتي يمكن أن تنقص حصول اللسع. فعلى المريض المصاب بالتحسس للسعات الحشرات أن يتعلّم كيف يتعرّف على أعشاش الحشرات اللاسعة كالنحل والزنابير وغيرها ليجتنبها. وكذلك فإن ارتداء الأحذية والجوارب الخاصة الواقية في حال ارتياد الغابات والمنتزهات يساعد على تجنب الأمر. أيضاً فإن الحرص على لبس البنطال الطويل والقمصان ذات الأكمام الطويلة هو أمر ضروري. ومن المفيد أن نعلم أن الحشرات تنجذب للألوان الساطعة والعطور، وبالتالي فينبغي تجنبها في حال الذهاب للأماكن التي تنتشر فيها الحشرات. ويجب أن يتجنب الشخص المعروفة إصابته بالتحسس الشديد الذهاب وحيداً إلى هذا الأماكن، فلا بد من وجود شخص مرافق كصديق أو أحد أفراد العائلة ليساعده في حال وقوع التحسس. إن استخدام الشبكات الدقيقة المانعة لدخول الحشرات على النوافذ هو أمر مساعد أيضاً. وغني عن الذكر أن المحافظة على نظافة المنزل تقلل تواجد الحشرات فيه على العموم. وهنالك مواد تدهن على  الجسم وتبعد الحشرات وأشهرها هو مادة D.E.E.T. وإن استخدامها قد يكون مطلوباً في حال ارتياد المنتزهات.


 


 


آخر الطب الكيّ!


 


وفي حال تكرر حصول التحسس الشديد، وعدم نجاح الوسائل التي ذكرناها آنفاً، فإن من الممكن للطبيب المختص بالأمراض التحسسية أن يقوم ــ بعد إجراء الفحوص الجلدية التحسسية ــ بتحضير نوع من الحقن المضادة للتحسس لسم الحشرات  والتي تعطى للمريض مرة أو مرتين في الأسبوع وعلى مدار أشهر أو سنوات  بهدف تخفيض حصول التفاعلات التحسسية الشديدة. حيث تعطى كميات من سم الحشرات تزداد تدريجياً. و هذه المعالجة هي ناجحة بنسبة 97%  في التخلّص من التحسس أو التخفيف منه. ويمكن أن تعتبر هذه الطريقة ــ كالكي ّ في الطب القديم ــ آخر خطوة من خطوات العلاج. إن التحسس الشديد هو مشكلة طبية جدية ويجب التعامل معها بمنتهى الحزم آخذين بعين الاعتبار أن الإجراءات  الطبية المدروسة و الملائمة هي خطوات منقذة للحياة. 


 


 


 

Close Menu