داء السلّ… ولقاح السلّ…واختبار السلّ

 


 


 


داء السلّ… ولقاح السلّ…واختبار السلّ


 


سيّدة دخلت إلى أحد  المراكز الاجتماعيّة. أجري لها اختبار السلّ وكان الاختبار إيجابيّاً. كانت مصابة بالسعال، ولكنها ذكرت لطبيب المركز أنه تم إعطاؤها لقاح السلّ في بلدها الأصلي قبل أن تأتي إلى أمريكا. خلال زيارتها إلى  المركز كان هنالك عدد كبير من الموظفين والموظفات. الجميع أصيب بالذعر، فالسيّدة كانت في الغرفة نفسها مع هذا الحشد الكبير من الناس في المركز، وبدأت التكهّنات. هل نبدأ بمعالجة جميع الموظفين والموظفات؟ ما هي احتمالات الخطر؟ ما هو لقاح السلّ؟ ما هو اختبار السلّ؟ ولكن قبل ذلك كلّه …. ما هو داء السلّ أصلاً؟!!


 


السلّ أو التدرّن الرئوي


 


هو داء إنتاني شائع في العالم وكثيراً ما يكون قاتلاً. يسببه نوع من الجراثيم المسماة (المتفطرات السليّة). وغالباً ما يقوم السل بمهاجمة الرئتين وهو ما اشتهر به بين الناس، ولكن الذي لا يعرفه الكثيرون هو أنه قد يصيب أجهزة أخرى عديدة في الجسم مثل الجهاز العصبي المركزي، والعقد اللمفاوية وجهاز الدوران والجهاز البولي التناسلي والجهاز الهضمي والعظام والمفاصل وحتى الجلد. وأشهر أعراض هذا المرض هي السعال المزمن والذي كثيراً ما يترافق بتلوّن القشع بالدم وأيضاً هنالك الحرارة و التعرق الليلي ونقص الوزن. وبطبيعة  الحال فإن هنالك أعراضاً أخرى واسعة ومتنوّعة حسب العضو المصاب. ويعتمد التشخيص على الفحوص الشعاعية (مثل صورة الصدر) واختبار السل الذي سنتحدث عنه في هذا المقال، وأيضاً فحوص الدم والفحوص المجهرية وزراعة القشع بحثاً عن الجرثوم المميّز للمرض. وتعتبر معالجة السل من المعالجات الصعبة لشيوع مقاومة المتفطرات السليّة للمضادات الحيوية وبالتالي فالشائع هو إعطاء أربعة أدوية معاً لمدة ستة أشهر لمعالجة هذا المرض واستئصال شأفته. وبالنسبة لمقاومة السل للمضادات الحيوية فهي مشكلة عريقة وحاضرة حتى الآن، فقد أعلنت منظمة الصحة العالمية في أواخر الشهر الماضي (آذار) عن وجود سلالات جديدة مقاومة للمضادات الحيوية من هذا الجرثوم وأعلنت أن هنالك تقصيراً كبيراً في الأموال المخصصة عالمياً للبحث العلمي للتغلّب على هذه المشكلة وابتكار أدوية جديدة تقضي على هذه المشكلة المستعصية فعلاً. والوقاية ممكنة وهي مطبّقة في الدول التي يعتبر فيها الداء مستوطناً (بعض بلدان العالم الثالث) حيث يعطى لقاح السل.


 


مفهومان


 


لقد مرّت نقطتان هامتان في سياق هذه المقدمة . النقطة الأولى تتمثـّل في لقاح السل والثانية تتمثل في اختبار السل. والأمر يطرح سؤالين عفويين. الأوّل هو أنه إذا كان هنالك لقاح للسل فلماذا لم  تتمكن البشرية من التخلّص منه حتى اليوم؟ والثاني هو: إذا كان هنالك اختبار يسمى اختبار السل، فما هي ضرورة الاختبارات الأخرى كالأشعة والزراعة الجرثومية في وجود اختبار نوعي لهذا المرض؟


 


لقاح السل


 


كثيراً ما يسألنا الأهل عن لقاح السل. ويقولون إنهم قد تم  إعطاؤهم هذا اللقاح في بلادهم كأطفال، وبالتالي فلماذا لا يتم إعطاء هذا اللقاح لأطفالهم؟


السؤال مشروع طبعاً ولكن الحقيقة هي أن هذا اللقاح لا يعطى في أمريكا والدول الغربية لأن المرض لا يعتبر مستوطناً في هذه البلاد، ومن جهة أخرى فإن فعالية  اللقاح هي موضع شك وإن كان يعطى في أمثلة استثنائية ومحدودة جداً لا مجال لذكرها وهو غير متوفر طبياً وتجارياً. وبالتالي فإن إعطاءه يتم في البلدان التي يشيع فيها المرض ليس من باب كونه فعّالاً تماماً ولكن لعدم وجود حلول أفضل منه. وقد تم ابتكاره في فرنسا بين  عامي 1905 و1921 ولم يتم البدء بإعطائه على نطاق واسع إلاّ بعد الحرب العالمية الثانية. وهو يحمي الصغار من الأشكال الشديدة من السل (مثل السل العصبي السحائي) بنسبة حوالي 80% أما حمايته للكبار من السل الرئوي مثلاً فتتراوح بين الصفر و80%. وهذه النسب من الوقاية تعتبر ضعيفة عملياً. ولكن في بلد مثل جنوب أفريقيا (البلد الأكثر إصابة في العالم بهذا المرض) فإن اللقاح يعطى لجميع الأطفال تحت عمر 3 سنوات. ولكن فعاليته أقل في البلدان الأخرى  التي لا تحصل فيها الإصابة بهذه النسبة العالية. وإن حقيقة أن هنالك حالات من السل في العالم أكثر من  أي وقت في التاريخ تستدعي بداهة  أن هنالك حاجة ماسة للقاح جديد لهذا المرض. والحقيقة أن هنالك أبحاثاً حثيثة اليوم للوصول إلى لقاح جديد.


اختبار السل


هذا الموضوع هو الأكثر تسببا بالتشوّش بالنسبة للمريض. وكثيراً ما تثار التساؤلات والمخاوف والدهشة وحتى الضياع في حال كون الاختبار إيجابيّاً. الاختبار بحد ذاته بسيط حيث يقوم الطبيب بحقن كمية ضئيلة (جزء من عشرة أجزاء من الميليليتر من خلاصة جرثوم السل المقتول بطريقة خاصة) تحت الطبقة السطحية من الجلد في  القسم الأمامي من ذراع المريض . ثم يعاد فحص هذه المنطقة بعد 48 إلى 72 ساعة لمشاهدة تفاعل الجلد معها. وإذا أردنا الابتعاد عن التفاصيل غير الضرورية فإننا نقول إن الاختبار هو إيجابي إذا حصل تورّم (وليس احمرار مثلاً أو تغيّر في لون البشرة) يبلغ قطره 10 مليمتر أي 1 سنتمتر.


 


ماذا يعني هذا؟


 


إذا قلنا إن اختبار السل لدى مريض ما هو إيجابي، فماذا يعني هذا الكلام؟ أي بعبارة أخرى هل تعني إيجابية  الاختبار  أن المريض مصاب بالسل؟ والإجابة هي لا. كل ما يعنيه الأمر هو أن الجسم قد تعرّض لجراثيم السل. وهنالك بعض المرضى الذي تحصل لديهم ما يدعى (الآفة  البدئية) أي أن الجرثوم دخل إلى الجسم ثم تمكن الجهاز المناعي من التغلّب عليه أو محاصرته ولم تظهر لديه أي من أعراض السل التي تكلّمنا عنها. وهذا المريض لا يعتبر مصاباً بالسل ولا يعتبر معدياً.


 


إن الخطوة الأولى بعد حصول إيجابية اختبار السل هي إجراء صورة للصدر. وهنالك علامات نوعية لصورة الصدر تتراوح بين الصورة السلبية ووجود آفة بدئية ووجود آفة فعّالة.


فالمريض الذي لديه اختبار السل إيجابي وصورة الصدر سلبية أو فيها آفة بدئية محاصرة وغيرة فعالة لا يعتبر مصاباً بالمرض. ولكن هنالك قاعدة طبية في أمريكا اليوم هي أن علينا معالجته معالجة وقائية بدواء واحد يسمّى (الأيزونيازيد) ويعطى المريض حبة واحدة لمدة تسعة أشهر. علماً بأن الكثير من الذين يكون لديهم الاختبار إيجابياً فإن السبب في ذلك ناجم عن إعطائهم لقاح السل في بلادهم، ولكن نتيجة لصعوبة تحديد هذا الأمر وتوثيقه ونتيجة للخوف الموجود في أمريكا منذ سنوات من حصول (رجعة) للسل فإن هذه القاعدة الطبية يتم تطبيقها اليوم.


 


أما المريض الذي يكون لديه الاختبار إيجابياً ولديه أدلة على صورة  الصدر توحي بوجود آفة فعّالة (وعادةً فإن هذا المريض يعاني من بعض أو جميع أعراض السل التي ذكرناها سابقاً)، فلا بد من إجراء زرع القشع لديه ومعالجته بالمعالجة المناسبة وهي أربعة أدوية معاً لمدة ستة أشهر وذلك لشيوع المقاومة للمضادات الحيوية كما ذكرنا.


 


 


تبسيط


إن الشرح الذي قمنا به في هذا المقال اتخذ التبسيط  شعاراً، والسبب في ذلك أن الموضوع متشعّب ويحمل الكثير من الاحتمالات، ومن شأن الدخول في التفاصيل إحداث تشوّش إضافي، وكل ما هدفنا إليه من كلامنا هذا هو إعطاء القارئ فكرة بشأن ما يعنيه كل من المصطلحات المذكورة (السل، لقاح السل، اختبار السل) من جهة، وما تعنيه إيجابية اختبار السل من جهة ثانية. أما القرار الطبي فيجب اتخاذه من قبل الطبيب الخبير أوّلاً. علماً بأن هنالك حالات قد يلجأ فيها الطبيب إلى أخصائي الأمراض الإنتانية لاتخاذ بعض القرارات الصعبة.


 


حقيقة


 


سألني صديق:لماذا لا تزالون تقومون بإجراء اختبار السل في عياداتكم مع أن هذا المرض انقرض منذ زمن طويل؟ قلت له: سأجيبك بإحصائية رقمية حقيقية. أوّلاً إن هنالك 8 ملايين حالةجديدة من السل كل عام في أنحاء العالم، وثانياً إن السل لا يزال يعتبر المرض الإنتاني القاتل الأوّل في العالم، هل تعرف ما هو المرض الذي يحل في المرتبة الثانية؟ قال: لا!! قلت له: مرض الإيدز!! بعد ما قلته لك، ألا تزال تعتقد أن السل قد أصبح مرضاً منقرضاً؟


 


 


 

Close Menu