أنقذني أيها الطبيب.طفلي لا يشرب الحليب!

 



 


أنقذني أيها الطبيب


طفلي لا يشرب الحليب!


 


” إن اللبن ، وإن كان بسيطاً في الحس، إلاّ أنه


مركّب تركيباً طبيعياً من جواهر ثلاثة،


الجبنية والسمنية والمائية “


 


ابن قيّم الجوزية ــ كتاب الطب النبوي


 


هنالك قضايا تطرح نفسها في طب الأطفال مراراً وتكراراً على شكل أسئلة يسألها الأهل كل يوم بعضها يدعو إليه القلق وبعضها يدعو إليه الفضول وجميعها تنبع من حرص الأهل على صحة أطفالهم والرغبة في تقديم الأفضل لهم. وتغدو بشكل طبيعي من كلاسيكيات الممارسة في عيادات الأطفال. والموضوع الذي يناقشه مقالنا اليوم هو ببساطة …. الحليب!


 


 ولنكن أكثر تحديداً فما نعنيه اليوم هو بالذات حليب البقر المعروف ولا نعني به الحليب الصناعي المخصص للأطفال ولا نعني به بالطبع حليب الأم فكل من هذين النوعين من الحليب يحتاج إلى حديث خاص.  ولا أعتقد أن هنالك غذاءً له في نفوس الناس مكانة كمكانة الحليب. ولذلك فإن الأهل عندما يتوقّف طفلهم عن تناول الحليب يصابون بالذعر ويسارعون إلى سؤال طبيبهم عن الحل. فما هي قصّة الحليب؟ وما هو تركيبه الكيميائي؟


 


ابن قيّم الجوزية!


 


يقول ابن قيّم الجوزيّة في كتابه النفيس (الطب النبوي) : ( إن اللبن وإن كان بسيطاً في الحس إلا أنه مركّب تركيباً طبيعياً من جواهر ثلاثةٍ : الجبنية والسمنية والمائية) !


 


وتقول لي: نسألك عن التركيب الكيميائي للحليب فتجيبنا من كتاب رجل ولد عام 1292 للميلاد؟


 


 إن القصد هو إيضاح الأهمية التاريخية للحليب ففوائده مذكورة منذ زمن طويل. على أن ابن قيّم الجوزية كان مصيباً فيما قال وهو بالضبط ما يقوله العلم الحديث وإن كان العلم يستعمل اليوم أسماء مختلفة!


 


 فالجبنية هي البروتين، والسمنية هي الدسم، والمائية هي الماء طبعاً. وإن كان المؤلّف لم يذكر عنصرين مهمين في تركيب الحليب وهما الكالسيوم واللاكتوز (سكر الحليب).


 


فوائد الحليب


 


من خلال حديثنا عن تركيب الحليب تتضح فوائده. فالكالسيوم مادة أساس في تركيب العظام ونموّها والبروتين مادة يحتاجها الطفل كجزء هام من غذائه الصحي تساعد في بناء العضلات ودعم المناعة حيث أن العناصر المناعية في الجسم والتي تسمى (الغلوبولينات المناعية) إن هي إلا مواد بروتينية أصلاً. كذلك فإن الدسم هي مواد هامة في النمو بما تقدمه من حريرات عالية تقدم الطاقة اللازمة لنشاط الطفل واستقلابه. أما اللاكتوز فيقدم بعض الطاقة، وإن كان يسبب بعض المشاكل الصحية في الأشخاص المصابين بعدم تحمله كما سنذكر لاحقاً.


 


 


 


 


كامل الدسم أم منقوص الدسم؟


 


وعندما نذكر الدسم فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما هو الحليب الأكثر ملاءمة للجسم؟ كامل الدسم أم منقوص الدسم؟


 


والجواب هو أن الأمر يختلف حسب عوامل عديدة أهمها العمر. فالطفل الرضيع في عامه الأوّل يجب ألاّ يتناول الحليب العادي أبداً. هذه حقيقة يجب أن تكون واضحة. فالرضيع لا يستطيع جهازه الهضمي أن يهضم الحليب كما أن كليتيه لا تستطيعان التعامل مع الشوارد والأملاح الموجودة فيه.ولذلك تجب تغذيته بحليب الأم أو بالحليب الصناعي المخصص للرضع.


 


 وفي العام  الثاني من العمر فإن الطفل يجب أن يتناول الحليب كامل الدسم (حصراً) حيث أن دماغه الذي هو في طور النمو يحتاج لكميات وافرة من الدسم لا يجب أن نحرمه منها. وبعد أن يصبح عمره عامين  فالأمر يختلف، فإن كان الطفل نحيلاً  فالأفضل تناول الحليب كامل الدسم وإن كان أميل إلى البدانة فيوصى بتناول الحليب منقوص الدسم. وبالنسبة للكبار فينصح دائماً بتناول الحليب منقوص الدسم وحتى المقشود (وهو الخالي من الدسم تماماً) خصوصاً بالنسبة للناس المعرضين للسمنة وارتفاع  الشحوم في الدم.


 


 



 


إشاعات حول الحليب


 


ككل ما هو هام فإن الحليب تحيط به العديد من الإشاعات التي تتهمه بأنه يسبب مشاكل صحية. فالبعض يتهمه بإحداث أمراض القلب نتيجة لاحتوائه على كميات عالية من الدسم وهذا الأمر محلول طبعاً من خلال توفر الحليب منقوص  الدسم. والبعض يركز على أهمية عدم تحمل سكر اللاكتوز في الحليب وهذا أمر صحيح وهو شائع جداً لدى العرب، والحل يكون بتناول الحليب منزوع اللاكتوز وهو متوفر في الأسواق الأمريكية باسم Lactaid. كما أن  البعض يذكر بإسهاب قضية التحسس للحليب وهذا أمر واقعي إلا أن نسبة التحسس للحليب لا تتجاوز 1ــ 2 % من الأطفال وهي قد توجب الامتناع عن الحليب وتناول بدائله (كحليب الصويا مثلاً)، ومعظم الأطفال تخف حساسيتهم للحليب بعد تجاوز عمر السنتين. وأما ما ذكر من أن الحليب يسبب الداء السكري فأمر لا أساس له من الصحة وقد نجم عن سوء تفسير لبعض التقارير التي تذكر أهمية حليب الأم في منع حصول الداء السكري ولكنها لم تذكر أن الحليب العادي يسببه. وبعد دحض هذه الشائعات فلا بد من أن نوضح أن الاعتدال هو  الأساس في كل شيء. فإن تناول كميات كبيرة من الحليب قد يعيق امتصاص الحديد لدى الأطفال مما يؤدي إلى فقر الدم. والنصيحة التي نذكرها للأمهات هي أن يتم إعطاء كوبين فقط من الحليب في اليوم للطفل في عامه الثاني ( 16 أونزة) وهو الأفضل وألا تتجاوز الكمية 3 أكواب (24 أونزة) بأية حال.


 


طفلي لا يشرب الحليب


 


بعد ما ذكرناه عن الحليب فإننا نعود إلى سؤال الأهل الذي يرعبهم عدم تناول طفلهم للحليب ونقول: إن الحليب على الرغم من فوائده العظيمة توجد له بدائل. فإعطاء عصير البرتقال المدعم بكميات إضافية من الكالسيوم والفيتامين (D)  يزود الجسم بهذه المادة الهامة في حال عدم تناول الحليب، كما أن الجبن واللحوم والبقول تقدم بديلاً ممتازاً للبروتين والدسم الموجودة في الحليب.وإن أول ما يجب على الأهل تجنبه هو إجبار الطفل على تناول الحليب فالإكراه يؤدي إلى زيادة عناده وهو أمر يجب ألا يلجأ الأهل إليه أبداً.


 


 وبعد فهذا هو الحل المصيب، الذي ينصح به الطبيب، لطفل طبعه عجيب، لا يقبل أن يشرب الحليب! 


 


 

Close Menu