السمك مع اللبن ….. هل هو سمّ زعاف؟

السمك مع اللبن ….. هل هو سمّ زعاف؟


 


كنت مع صديقي منذ أشهر في أحد مطاعم الوجبات السريعة. طلب شطيرة لحم وطلبت شطيرة سمك.


 


عندما بدأت بتناول شطيرتي قال لي صديقي: ما هذا؟


 


 قلت: ما ترى! شطيرة سمك… ما العجب في ذلك؟


 


 *   العجب هو أنك تتناول شطيرة سمك مغمور بالجبن المذاب.


 


 ــ نعم. وأنا أحب هذا النوع من الطعام. كما أنني أحب أن أخبرك أن هذا النوع من الجبن خالٍ من الدسم والسمك مشويّ! فالوجبة كلها صحية وحريراتها مقبولة.


 


 *  ولكن الذي أعرفه هو أن السمك مع الجبن أو أي من منتجات الألبان يؤدي إلى التسمم فكيف يفوتك أمر كهذا؟


 


   سؤال يطرح بشكل مستمر وكأنه أحجية….. وهو ناجم عن اعتقاد أصبح جزءاً من الأساطير أو الفلكلور الشعبي. هل تناول السمك مع المنتجات اللبنية من حليب ولبن رائب وجبن وغيرها  يؤدي إلى التسمم؟


 


السؤال أصبح مشروعاً لكثرة تناول الموضوع. بل إنه دخل التاريخ من عدة أبواب أحدها قصة طريفة تروى عن الجاحظ. والقصة تحكى عما يمكن أن يؤدي إليه الجدل العقيم الذي يقحم الفلسفة والمنطق في العلوم التطبيقية وما يمكن أن يؤدي إليه هذا الأمر من نتائج قد تكون وخيمة.


 


 يحكى أن الجاحظ قيل له يوماً إن تناول السمك مع اللبن يؤدي إلى التسمم. فقال الجاحظ ــ وهو رجل منطق ــ : إن كان السمك من جنس اللبن ، فأحرى بالتسمم أن يحصل بتناول أحدهما. وإن كانا متضادين فإن تناول أحدهما يبطل مفعول الآخر. الجاحظ اقتنع بمنطقه ثم تناول السمك واللبن فأصبح مفلوجاً!!


 


 


 والكثيرون من رواة هذه القصة يشعرون بالغبطة لكون الجاحظ قد قام باستنتاجه هذه بعد أن ألّف روائعه العظيمة ككتب (الحيوان) و (البخلاء) و( البيان والتبيين)!! القصة لها دلالة جميلة وهي أن الفلسفة لا يمكن بوساطتها استنتاج معلومات متعلّقة بالعلوم التطبيقية كالفيزياء والفلك والطب وغيرها. بل إن من أول القواعد التي يتعلّمها طلاب الطب هي أن 1+1 لا يساوي 2 بالضرورة!


 


 إذن فالقصة ذات دلالة ونضيف إلى ذلك معلومة بسيطة…. القصة قد تكون ملفقة!! وهي ليست صحيحة بالضرورة. شأنها في ذلك شأن الكثير من القصص التاريخية المفصلة تفصيلاً لتكون عبرة للقارئ.


 


نعود لسؤالنا الأوّل…. هل تناول السمك مع منتجات الحليب والألبان يؤدي إلى التسمم؟  ونسارع بالإجابة قائلين: لا!! إذاً من أين أتت الأسطورة؟ وهل لها أصل؟


 


 


 والجواب هو أن للأسطورة أصلاً وهو أن تناول السمك واللبن معاً ينجم عنه خليط جديد….. مادةٌ جديدة. وبعض الناس (نسبتهم قليلة) يمكن أن يكون لديهم تحسس أو عدم تحمل لهذه المادة الجديدة فيصابون بما يشبه التسمم الذي يتجلّى أحياناً بالإقياء وألم البطن وربما الإسهال وأعراض هضمية أخرى (ليس الفالج من هذه الأعراض بطبيعة الحال!). إن قضية التحسس قد تحدث عند تناول أي من الأطعمة، فبعض الناس لديهم تحسس للشوكولا أو الفريز أو الفستق فهل هذا يجعلنا نعتبر هذه الأطعمة سموماً. المنطق بالطبع يقول: لا!


 


قال لي صديقي: أنا سعيد لطرحي هذا الموضوع. فقد كان الاعتقاد راسخاً لدي أن ما قلته لك صحيح وكل من حولي من الناس لديهم هذه الفكرة نفسها.


 


 قلت: إن العلم يقول ما قلته لك للتوّ.


 


 *  وهنالك فكرة أخرى لا بد من مناقشتها.


 


 ــ  ما هي؟


 


 *  إننا نعلم تاريخياً أن الجاحظ قد مات تحت ركام من كتبه التي سقطت على رأسه من رفوفها فكيف تقول القصة التي رويتها إن السبب هو السمك واللبن؟


 


ــ  قد يجيبك الذين يدّعون صحة القصة أنه أصيب بالفالج بسبب السمك ثم سقطت الكتب عليه فأنهت حياته.


 


*  يخطر لي أن أكتب مقالاً بوليسياً الآن!


 


ــ  وما عنوان المقال؟


 


*  عنوانه: (من قتل الجاحظ ؟ ركام من الكتب أم وجبة من السمك؟)!!   


 


Close Menu