الفيتامينات …. معشوقة الملايين!!
السيناريو يحصل بشكل يومي… تدخل الأم إلى العيادة، وربما قبل أن تبدأ بالسلام تبدأ بالموضوع المفضل…(طفلي لا يأكل)!!! طبعاً هذا الموضوع تحدثنا عنه كثيراً في الماضي في هذه الصفحة الطبية، وأتكلم عنه كل يوم … وأجيب على الأسئلة المتعلّقة به مرات عديدة في كل ساعة. فالموضوع اليوم ليس بشأن شهية الطفل، بل بشأن موضوع ملحق به. فالسؤال التالي لسؤال شهية الطفل هو فيما إذا كنت سأعطيه دواءً يزيد شهيّته…. وبعد أن أجيب بالنفي… يبدأ السؤال الثالث: (هل يمكن أن تعطي طفلي الفيتامينات؟).. على هذا السؤال الثالث سنركز حديثنا اليوم.ما هي أهمية الفيتامينات؟ وهل يجب أن يتناولها كل إنسان؟ وهل تعطى ضمن ظروف معيّنة أم أنها تعطى لبعض الأشخاص الذين يحتاجونها؟ وهل تحسنت صحة الملايين الذين يتناولونها في أمريكا مثلاً؟ الموضوع جدير بالبحث والأسئلة تستحق الإجابة.
معشوقة الملايين
عندما نقول إن الملايين يتناولون الفيتامينات في أمريكا وحدها، فهذا ليس من باب المبالغة الأدبية مطلقاً… بل هو رقم تقوله إحصاءات أمريكا التي تعشق هذا النوع من الدراسات. ولكن لنبدأ من حقيقة مثبتة أثبتتها الدراسات… لا يوجد أي دليل علمي يبيّن أن الاستخدام العشوائي للفيتامينات يفيد المريض. وما أعنيه بالعشوائي هو الطريقة التي يتناول بها معظم الناس الفيتامينات… يذهب إلى السوق (محل الخضار، الفاكهة ، المواد التموينية إلخ…) ويشاهد علبة فيتامينات عليها صورة لشخص ذي عضلات أو قوام ممشوق فيسارع إلى شراء العلبة ويتناول الفيتامين رغبة في الوصول إلى الصحة والعافية … وربما العضلات المفتولة والقوّة السوبرمانية… أليست الفيتامينات مواد سحرية مفيدة في تحقيق جميع هذه الأهداف؟
كما ذكرنا فلا توجد أية دراسة مثبتة تقول إن أحلام هذا الشخص ستتحقق… بل إن هنالك دراسة أثبتت عكس ذلك… ولنكون محددين أكثر نذكر اسم رئيسة فريق العمل الطبي الذي قام بالدراسة وهي الدكتورة (ريغان بيلي) والتي تقول بعد أن تم هذا البحث: (إن معظم الناس يستخدمون الفيتامينات لتحسين صحتهم.. وفي الواقع لا يوجد لدينا أي دليل على أن هذا الهدف سيتحقق). ورأي الدكتورة (بيلي) مهم ويعتد به لأنها أخصائية بالدراسات الغذائية في مكتب (الفيتامينات والمعادن الغذائية) في المعهد الأمريكي الوطني الصحي. وهي تضيف قائلة… (إن الإحصاءات التي أجريناها تدل على أن معظم الذين يتناولون الفيتامينات يفعلون ذلك من خلال مبادرة شخصية وليس من خلال وصفة طبيب). ولجهة الأرقام تحدد الباحثة ما يلي: (إن نصف البالغين في أمريكا يتناولون الفيتامينات والأدوية الغذائية). وأما تكلفة هذه المواد فتصل إلى 30 مليار دولار في العام!!!!
دون نصيحة طبيب
إن الكلمة المفتاحية في الدراسة المشارة إليها هي (المبادرة الشخصية) أي (دون نصيحة طبيب). وهذا هو السر في هذه الأعداد والأرقام التي أعتبرها مخيفة حقاً… إن الكثير من الحالات الطبية تقتضي استخدام الفيتامينات… هذا هو سبب وجود الفيتامينات أصلاً على رفوف الصيدليات … ولكن المشكلة هي أن الشركات التجارية قد استغلّت الرغبة البشرية في الحصول على الصحة والرشاقة والقوّة… كان لديها سوق جاهزة لا تحتاج للتحريض، فقامت بإنتاج أعداد ضخمة جداً من هذه المواد لتسد حاجة (السوق) ونقول (سوق) بالمعنى التجاري الصرف. إن وجود هذه السوق يعني ببساطة أن الناس لديها قناعة كاملة بأن هذه الفيتامينات مفيدة لصحتها… فإذا كان الأطباء لا يقدمون نصائح من هذا النوع فمن أين أتت هذه القناعة. لقد أتت من أحد مصدرين… إما الشركات التجارية التي تبيع هذه الفيتامينات أو من مقالات يكتبها أشخاص أقل ما يمكن أن نقول عنهم إنهم غير متخصصين.
خبيرة أخرى
ونأخذ هنا رأي خبيرة أخرى هي الدكتورة (ماريان نوهاوزر) من مركز (هتشنسون) لأبحاث السرطان. وللتحديد أكثر فإن الدكتورة (نوهاوزر) هي خبيرة في أساليب منع السرطان حيث تعمل في مكتب (الوقاية) في المركز المذكور. تضع الأخصائية الحقائق بالشكل التالي: إن تكلفة الحبوب الحاوية على الفيتامينات المتعددة هي حوالي 20 دولاراً في الشهر (على أقل تقدير)، فإذا كان الإنسان راغباً بإنفاق هذا المبلغ من أجل الوصول إلى الصحة فلماذا لا ينفقه على المواد الغذائية الطازجة كالخضار والفواكه والحبوب الكاملة؟! إن هذه المواد الطازجة كفيلة بإعطاء الفيتامينات التي تقدمها الأدوية وأكثر.
الدراسة
إن الدراسة التي أشرنا إليها في بداية المقال هي حديثة جداً فقد نشرت في مجلة (الطب الداخلي) التابع للجمعية الطبية الأمريكية بتاريخ 4 شباط الحالي. والهدف منها هو الوصول إلى حقائق ملموسة بشأن الفيتامينات التجارية التي يشتريها الناس. وقد شملت الدراسة 12 ألف إنسان (من البالغين) شاركوا في استطلاعات رأي أجراها (المركز القومي للاستطلاعات الصحية الغذائية) في أمريكا. وقد وجد الباحثون أن 45% من هؤلاء الأشخاص كانوا يتناولون الفيتامينات لأنهم يعتقدون أنها (تحسن) صحتهم، و33% من هؤلاء الأشخاص كانوا يتناولونها لاعتقادهم بأنها (تحافظ على) صحّتهم، أي أن هذه الفئة الأخيرة تعتقد أن عدم أخذ الفيتامينات سيؤدّي إلى تدهور صحتها.
اللافت للنظر أن نسبة الذين كانوا يتناولون الفيتامينات بناءً على نصيحة طبيب لم تتجاوز 23%. أما أكثر الفيتامينات والأملاح المعدنية التي يصفها الأطباء فهي (الكالسيوم) من أجل صحة العظام، ثم (زيت السمك) من أجل صحة القلب.
الصعوبة الإحصائية
هنالك صعوبة إحصائية واجهت الدراسة من أجل الوصول إلى استناجات معقولة. فالمشكلة أن الناس الذين يتناولون الفيتامينات يمارسون عادات صحية يومية (كالرياضة وعدم تناول الكحول والسجائر وغيرها) فحتى في حال كون صحتهم أفضل من الآخرين، فربما يُعزى هذا الأمر لهذه العادات الصحية وليس للفيتامينات التي يتناولونها. وما يعنيه هذا بالنسبة للشخص العادي أنه حتى في حال وجود تقارير تصدرها شركات الأدوية تقول بوجود فوائد خاصة لفيتامينات معيّنة، فلا بد من أخذ هذه التقارير بعين الشك لأن هذه الفوائد قد تكون ناجمة عن العادات الصحية المذكورة وليس عن الفيتامينات بحد ذاتها.
دراسة أخرى
وبالإضافة إلى الدراسة التي ذكرناها ــ وهي مهمة ــ هنالك دراسة أخرى تم نشرها في عدد 7 نوفمبر من مجلة (الجمعية الطبية الأمريكية) وجدت أن حبوب (الفيتامينات المتعددة) عديمة الفائدة في منع الاحتشاء القلبي وأمراض القلب عموماً ومنع السكتة الدماغية.
مشكلة أخرى
هنالك مشكلة أخرى في تناول الفيتامينات.. وهي تتلخص في أن بعض الناس يعتقدون أنهم بتناولهم هذه الأدوية يستغنون عن الأغذية الصحية فلا يمانعون بتناول الأطعمة المعلّبة والأغذية الغنية بالشحوم والسكريات بحجة أنه (ممنّعون) نتيجة تناول الفيتامينات السحرية. وهذه نقطة أخرى تضاف للنقاط غير المرغوب بها في هذا المجال.
الفيتامينات مهمة
إن هذا المقال يجب أن يؤخذ يفهم تماماً ضمن الإطار المقصود منه. فنحن هنا لا نحاول مطلقاً التقليل من أهمية الفيتامينات بل لإيضاح عدم الفائدة من الأخذ العشوائي لها خارج إطار النصيحة الطبية. وعلينا أن نتذكر أن الأغذية التي نتناولها مليئة بالفيتامينات… البرتقال والبندورة غنيّان بالفيتامين (سي) والحبوب غنية بالفيتامينات (بي) والحليب المقوّى يحتوي على الفيتامين (دي). فنحن لا نستطيع العيش دون فيتامينات، كما أن غذاءنا اليومي مليء بها. والنقطة الأخرى هي أن الفيتامينات والمعادن لها فائدة معروفة وأهمية بالغة…نقص الحديد يسبب فقر الدم… ونقص (حمض الفولي) عند يؤدّي إلى التشوّهات الولادية ، ونقص الفيتامين (د) يؤثر على الصحة العامة فضلاً عن تأثيره على صحة العظام وهنالك الكثير من الناس اليوم مصابون بنقص هذا الفيتامين ويقوم الأطباء بإعطائهم وصفات (مدروسة حسابياً) لإصلاح هذا النقص. هذه أمور بدهية .. ولكن ما نحاول إيضاحه (مرّة أخرى) هو أن هذا التناول الاعتباطي للفيتامينات والمعادن لا يحقق الأهداف المطلوبة منه والتي يعتقد بها من يتناولونه.. كما أن الغذاء المتوازن يعطي الإنسان حاجته وأكثر من الفيتامينات الضرورية لحياتنا اليومية.
الرأي الأخير
الدكتورة (سمانثا هيللر) وهي إحدى العالمات اللاتي شاركن في الدراسة الرئيسة موضوع هذا المقال لها قول يصلح أن يكون ختاماً لمقالنا هذا : (كم أتمنى لو أن الثلاثين مليار دولار التي تصرف على أخذ الفيتامينات يتم إنفاقها على الأغذية الصحية وعضوية نوادي الرياضة والتمارين… إذاً لكان الناس في بلادنا يتمتعون بصحة أفضل)… وياله من قول بليغ.