اللاءات الأربع في طب الأطفال

 


اللاءات الأربع في طب الأطفال


 


 


 


 


” من أهم مهام الطبيب أن يعلّم الناس


عدم أخذ الأدوية “


 


الدكتور ويليام أوسلر ـ أبو الطب الحديث


 


سألني مستغرباً: تقول لي (لا) يا دكتور؟


 


 قلت: بالضبط ! هذا ما قلته لك.


 


*  ولكن كل ما طلبته منك هو أن تعطي ولدي وصفة لدواء يزيد شهيّته. أنا أتيت اليوم طالباً مساعدتك وثقتي بك كبيرة فكيف ترفض هذا الطلب؟


 


ــ لأنك تطلب مساعدتي قلت لك لا. أنت أتيت لتستشيرني و المستشار مؤتمن أليس كذلك؟


 


 *  بلى.


 


 ــ  ولأن المستشار مؤتمن فقد رفضت طلبك. أنا أتفهّم تماماً قلقك بسبب قلة شهية طفلك ولكن مهمة الطبيب لا تنحصر أبداً في الوصفة. و إذا أردت مني أن أكتب قائمة تحدد مَهمَّات  الطبيب لوضعت الوصفة الطبية في ذيل القائمة. ويأتي على رأس القائمة شيء ذو أهمية بالغة هو النصيحة و نشر المعرفة الصحية. لذلك يا صديقي قلت لك : (لا!!).


 


الخبرة


 


*  ولكن الكثيرات من صديقات زوجتي لديهن أطفال و الكثير من هؤلاء الأطفال يتناولون الأدوية التي تزيد الشهية. ولقد نصحنها بأن تعطي ولدنا تلك الأدوية.


 


 ــ  هل صاحبات زوجتك طبيبات؟


 


 * لا.


 


 ــ  ممرضات؟


 


 * لا . ولكن لديهن خبرة كبيرة فلدى كل واحدة منهن أربعة أو خمسة أطفال. ألا يكفي هذا؟


 


 ــ  قطعاً لا يكفي. الخبرة وحدها لاتكفي أبداً و لابد من أن يدعمها العلم الطبي. وكثيراً ما يتم في مجتمعنا توارث مفاهيم لا تخلو أبداً من الخطأ الذي قد يختلط أحياناً بالصواب. أنا لا أرفض كل شيء يتم استخدامه في تقاليدنا. أنا أنصح في عيادتي باستخدام الكثير من العلاجات التي تدخل في إطار الطب الشعبي، فأوصي مثلاً باستخدام البابونج في علاج المغص عند الرضيع و قد كتبت غير مرّة في هذا الشأن. وكذلك لا أعارض استخدام اليانسون لنفس الغرض. و الفرق بين ما أوافق عليه و ما أرفضه من الطب الشعبي هو أن الأول قد أثبت العلم فائدته و الأخير أثبت ضرره أو لم تجر دراسات كافية تبين سلامته. العلم يا صديقي هو الفيصل بين الخطأ و الصواب. 


 


لماذا؟


 


وقال لي من جديد: هذا الكلام منطقي ولكن عندما تقول (لا) ألا يجب أن يكون هنالك شرح يوضح هذا؟


 


 قلت: بالتأكيد!! هذا طلب  محق. وأنا أقول (لا) في مناسبات عديدة. ولكن أشيعها أربع. سأعددها لك وأشرح لك الأسباب.


 


لا لأدوية الشهية


 


الأدوية التي تزيد الشهيّة لا تستخدم في طب الأطفال، ولها أضرار كثيرة أهمها أنها قد تخلق لدى الطفل عادات طعامية سيئة يصعب التخلص منها في المستقبل. إن الطفل يتطور وينمو ….  وتتطور شخصيته وعاداته مع مرور كل يوم من حياته. هذه العادات قد تستمر معه مدى الحياة. وفي حال إعطاء أدوية الشهية للطفل فإن هذا قد يجعل منه طفلاً أكولاً و بديناً وهذا يؤدي إلى ضرر يتعدى الشكل إلى صحة القلب و الأوعية. هذا من جهة و من جهة أخرى فإن هذا النوع من الأدوية له أضرار أخرى وباعتبار أن استخدامه في الأطفال ممنوع أصلاً فإن خبرتنا في تأثيراته الجانبية محدودة مما يجعل استخدامه غير سليم. ويكفي أن نعلم أن آلية عمل هذه الأدوية هو بالتأثير على الدماغ الذي تقع فيه مراكز التحكّم بالشهية. و ليس من الحكمة أبداً أن نستخدم دواءً يؤثر على الدماغ ( أهم أعضاء الجسم) دون أن تكون لدينا خبرة في التأثيرات الجانبية و العواقب. هذه الأدوية لا تستخدم إلا في حالات نادرة جداً لها أسباب واضحة و بعد دراسات مطوّلة قد يشترك فيها أكثر من طبيب مختص.


 


 


 


 


لا للأدوية المنوّمة


 


وتابعت قائلاً: أما الأدوية المنوّمة فأعتقد أن ضررها ظاهر. هذا النوع من الأدوية قد يسبب الاعتياد و بالتالي فإن الطفل سيتطور دماغه بحيث لا يتمكن من النوم إلا إذا أخذ الدواء المنوّم. و استخدامها في الطفولة سيؤدي إلى أذى دائم في الجهاز العصبي . هل يعقل أن يقوم الأهل ــ بمساعدة الطبيب ــ بإعطاء دواءٍ كهذا؟


 


 قال: لا!!


 


 قلت: أنا سعيد بأنك قلت هذه الكلمة بنفسك!


 


 


 


 


 


لا لمضادات الإسهال و الإقياء


 


إن الإقياء هي علامة إنذارية خلقها الله سبحانه وتعالى  عند الطفل كي تنبهنا إلى وجود مشكلة في الجسم. و أشيع المشاكل التي تسبب الإقياء هي الانتانات الفيروسية. و هذه تزول بوساطة  الحمية الملائمة. وفي حال كون الإقياء ناجماً عن سبب خطر  كانسداد الأمعاء أو التهاب الزائدة الدودية مثلاً، فإن إعطاء مضادات الإقياء سيكون عبارة عن قناع يخفي السبب و يجعلنا نغفل عن العلاج السليم (الذي قد يكون الجراحة) ولهذا أخطار بالغة قد تهدد حياة الطفل. أما مضادات الإسهال فإنها ستحبس السوائل و الفيروسات في جسم الطفل مما يزيد من الأذى ويعطي شعوراً كاذباً بأن الإسهال قد انتهى. علماً بأن الحمية هي العلاج المناسب للإسهال أيضاً. نعم … قد يستخدم الطبيب مضادات الإقياء في بعض الحالات بعد أن يكون قد تأكد سريرياً بأن السبب المؤدي للإقياء ليس سبباً جراحياً أو مرضاً يزيد فيه الأذى عند إعطاء مضادات الإقياء، وبالتالي فهذا قرار طبي بحت، لا يستطيع الأهل أنه يتخذوه، ولا بد من أن يحدده الطبيب.


 


لا للمليّنات


 


أيضاً فإن الأدوية الملينة التي تستخدم أحياناً في علاج الإمساك لا يجوز استخدامها إلا في مناسبات معينة و بشكل مؤقت. إن الاستخدام غير الحكيم لهذه الأدوية سيعوّد الأمعاء على عدم التحرك إلا بوجود الملينات وبالتالي فإنه سيجعل الطفل مصاباً بما يسمى الإمساك الوظيفي المزمن. و سيستمر هذا الاضطراب معه مدى الحياة.


 


نعم!!


 


* هذا الكلام مقنع، و أنا أشكرك على النصيحة. ولكن ما قلته لي الآن بشأن هذه الأدوية يثير الرعب.


 


 ــ  الهدف من كلامي هو الإيضاح و النصيحة و ليس أن يثير الفزع.


 


 *  إن الكثيرات من صاحبات زوجتي يستخدمن هذه الأدوية التي ذكرتها لي لعلاج أطفالهن.


فهل تعتقد أن من الملائم أن أطلب من زوجتي أن تنصحهن بعدم استخدامها؟


 


 ــ  الآن نعم!!!!


 


 


 


 


 

Close Menu