حلم الخروف البلدي …. وأسطورة الطفل النحيل!!
عندما كانت الجدّات في بلادنا تصفن الطفل البدين كن يستخدمن عبارات متعددة، إحداها هي أن (صحته جيدة) وأخرى هي أنه (كالخروف البلدي) لما عرف عن هذا الأخير من أنه ممتلئ بالشحم واللحم، ومن بين العبارات الأخرى وصفه بأنه (ذو وجه مدوّر كالرغيف) وهكذا…… ليس من المستغرب بطبيعة الحال أن تستخدم الجدات عبارات كهذه تساوي بين السمنة والصحة، فما كان متوفراً من معلومات علمية لديهن كان محدوداً، والعلم لم يكن منتشراً بشكل كافٍ بين الناس ليوضح أن الصحة شيء والسمنة شيءٌ آخر تماماً. ولكن الغريب أن العبارات ــ التي كانت تستخدمها الجدات في بلادنا منذ عقود طويلة من الزمن ــ لا تزال تفعل فعلها في حفيداتهن ، أمهات اليوم، فالكثيرات منهن لا يزلن تحت تأثير تلك الأوصاف الرنانة للطفل البدين.
إحصائيات
يخبرك أي طبيب أطفال أن معظم الأمهات، اللاتي يحضرن أطفالهن إلى عيادته في أي يوم ، لديهن شكوى مشتركة. ويمكنك أن تعتبر هذه الشكوى المشتركة شكوى إضافية لأية مشكلة أخرى يعاني منها الطفل في ذلك اليوم بالذات.
فالطفل لديه ألم في أذنه …. وهو لا يأكل
وعنده ألم في البطن…. وهو لا يأكل
وعنده سيلان في الأنف… وهو لا يأكل
ولديه ألم في البلعوم … وهو لا يأكل!
وكلمة لا يأكل تستخدم بشكل تبادلي مع كونه نحيلاً حتى تكتمل الصورة. ولو أجرينا إحصاءً ــ علمياً دقيقاً ــ يعتبر ما تقوله الأمهات مصدره الوحيد للمعلومات لوجدنا بكل بساطة أن معظم الأطفال ــ إن لم نقل كلهم ــ هم أطفال نحيلون جداً (لاحظ كلمة جداً) ولا يأكلون أبداً (ضع خطين تحت كلمة أبداً)! وكأننا نعيش اليوم في عصر مجاعة.
وهذا الأمر فيه مشكلة بسيطة، وهي تتلخّص بكونه يتعارض مع الإحصاءات ــ العلمية فعلاً ــ التي تعلنها المصادر الطبية في البلاد الغربية بشكل مستمر. فالإحصاءات الأمريكية تقول إن واحداً من كل خمسة من أطفال المدارس يعاني من الوزن الزائد وأن عدد البدينين من الأطفال يزداد يوماً بعد يوم. وهذا لا يعني بطبيعة الحال أن أربعة أخماس الأطفال هم من النحيلين، فالأبحاث تضيف أن معظم الباقين هم من ذوي الوزن الطبيعي أما الذين يعانون من نقص الوزن فنسبتهم قليلة جداً.
وعلى الرغم من عدم توفر إحصائيات دقيقة لأطفال الجالية العربية فإنني أعتقد من خلال مشاهداتي اليومية أن نسبة السمنة في هذه الجالية هي أعلى منها في الإحصاءات الأمريكية، والسبب في ذلك هو ما يمكن أن نطلق عليه (حلم الخروف البلدي)! فالأمهات العربيات لا يزلن تحت تأثير ما كانت تقوله الجدات واللاتي كن يعتبرن (الخروف البلدي) المثل الأعلى للصحة عند الطفل!!
قصة قصيرة
إحدى الأمهات أحضرت طفلها إلى عيادتي لأنه كان يعاني من ألم في أذنيه….. وبعد أن قمت بفحصه ووصف الدواء اللازم قالت لي الأم: وهنالك مشكلة أخرى يا دكتور!
قلت: ما هي؟
قالت: ولدي منير نحيل جداً!!
ــ وأعتقد أنه لا يأكل أبداً …. أليس كذلك؟!
* بالفعل!! هو لا يأكل أبداً. كيف عرفت؟
ــ بالفراسة!
* وما هو الحل لهذه المشكلة؟
ــ دعيني أخبرك أولاً أن طفلك ليس نحيلاً مطلقاً…. فحسب الجداول التي تنشرها الهيئات الصحية في البلاد والتي نستخدمها لمتابعة نمو كل طفل، فإن وزن طفلك أكبر من 90% من معدل وزن الأطفال في عمره…. وبإمكاني أن أقول لك باطمئنان تام أن وزن طفلك يعتبر أكثر من الوزن المرغوب به إذا ما أخذنا طوله بعين الاعتبار.
* ولكنه لا يأكل أبداً!!
ــ تعالي نغير الموضوع قليلاً وبعد ذلك اسأليني عما بدا لك! ما رأيك أن نتحدّث عن السمنة؟ !
حديث عن السمنة
* أسألك عن النحول فتجيبني عن السمنة؟
ــ ألا تريدين أن تجدي حلاً لـ (مشكلة) طفلك؟
* بلى!
ــ أرجو أن تصبري معي قليلاً وتستمعي لبعض المعلومات عن السمنة عند الأطفال! إن الإحصائيات تذكر أن 20% من أطفال المدارس في أمريكا يعانون من السمنة، وإن الطفل المصاب بالسمنة لديه خطر استمرار السمنة عندما يصبح بالغاً. وإن أهم أسباب السمنة هي العوامل الوراثية والعادات الغذائية السيئة ولا سيما عندما تصر الأمهات على إطعام أطفالهن عندما لا يشعرون بالجوع، إضافةً إلى إعطاء الأطفال الأطعمة الغنية بالمواد السكرية والدسمة بهدف زيادة الوزن. وإن اعتياد الطفل على هذا النموذج من النظام الطعامي وعلى تناول هذه الأنواع من الأطعمة يؤسس لديه عادات سيئة جداً يصعب التخلص منها في المستقبل مما يؤدي إلى ازدياد السمنة مع تقدم العمر، فيقضي الطفل حياته ينتقل من حمية غذائية إلى أخرى بهدف إنقاص وزنه . ويفاقم مشكلة السمنة عدم وجود نظام للتمارين يعتاد عليه الطفل منذ الصغر، وإن الدراسات تذكر أن الأطفال يتعلّمون من عائلاتهم، فالعائلات التي لا تعتاد ممارسة الرياضة والتمارين تنجب أطفالاً لا يمارسون الرياضة. ويلعب التلفزيون دوراً هاماً في السمنة فالأرقام تقول إن الطفل في أمريكا يمضي 24 ساعة في كل أسبوع يتابع برامجه المفضلة على الشاشة مما يعني أنه لا يمارس أي نوع من الحركة في هذه الفترة وهذا يزيد من المشكلة. إن هذه الأسباب هي أهم أسباب السمنة، ولكن هنالك أسباباً أخرى مختلفة كالأسباب الهرمونية وغيرها وهذا له حديث آخر.
أمراض السمنة
وتابعت قائلاً: أحب أن أذكر لك الآن بعضاً من المشاكل التي قد يعاني منها الطفل بسبب السمنة. فعلى رأس القائمة يأتي ارتفاع الكولسترول في الدم، وهذا المرض يؤدي إلى تضيّق الشرايين القلبية مما قد ينجم عنه أمراض قلبية هامة في المستقبل. ثم لا بد من ذكر ارتفاع الضغط الشرياني الذي تلعب السمنة فيه دوراً رئيساً. وهنالك الداء السكري أيضاً حيث من المعروف أن حصوله عند الأطفال البدينين أعلى بكثير من حصوله لدى الأطفال ذوي الوزن الطبيعي. ويضاف إلى ذلك أن المشاكل العظمية هي أشيع بكثير في حال وجود البدانة. ومن المعروف أيضاً أن الطفل البدين يعاني من مشاكل جلدية عديدة أهمها الاندفاعات الحرارية والالتهابات الفطرية. كما أنني أحب أن أقول لك إن التجربة اليومية مع الأطفال تقول لنا إن الطفل النحيل أسرع من وجهة التطور الحركي من الطفل البدين حيث أنه يجلس ويزحف ويمشي في أعمار مبكرة، بينما يتأخر المشي بوضوح لدى الطفل الذي يعاني من السمنة لأن العضلات في الطفل البدين لا بد لها من أن تنمو إلى درجة كبيرة قبل أن تتمكن من حمل جسده.
أسئلة
قالت لي ــ وقد أخذت أسئلتها منحى آخر ــ : ولكن صديقاتي تقلن لي إني طفلي نحيل.
قلت: أنا أعلم هذا وأحبك أن تعلمي أن هذه المشكلة أمر شائع، فمعظم الأسئلة التي نجيب عنها في عياداتها هي في الواقع أسئلة الصديقات والجدات وليست أسئلة الأمهات.
* وكيف تعلم أن وزن طفلي زائد؟
ــ إن حديث الأرقام لا يكذب! فمنحنيات النمو التي يستخدمها الطبيب مبنية على إحصاءات على مستوى الملايين من الأطفال. وعندما يقع الطفل ضمن الحدود الطبيعية للوزن نقول إنه طبيعي وعندما يكون أكثر أو أقل من هذه الحدود نقول إنه بدين أو نحيل على التوالي.
* وجميع هذه الأمراض التي ذكرتها لي تحصل لدى الطفل البدين؟
ــ هذا ما تقوله الدراسات والإحصاءات التي تملأ المجلات والمنشورات الطبية!
* إذا كان الطفل بديناً ثم اتبعت العائلة نظاماً لإنقاص وزنه، فهل يقل احتمال حصول الأمراض المخيفة التي ذكرتها لي؟
ــ بالتأكيد!وفي واقع الأمر فإن الهيئات الطبية عندما تقوم بنشر التقارير، فإنما تقوم بتشجيع الأهل على التخلّص من السمنة لدى أطفالهم وبالتالي إنقاص احتمال حصول هذه الأمراض. فالطفل لا يزال في طور التكوّن وإن اتباع الوصايا الصحية من قبل الأهل يؤدي إلى المحافظة على صحته وسلامته. إن الطفل لا حول له ولا قوة وصحته أمانة في أيدي أمه وأبيه.
* أعرف أنني قد أطلت عليك ولكنّ عندي سؤالاً أخيراً.
ــ تفضلي!
* هل لك أن تخبرني عن أفضل الطرق التي تعرفها لإنقاص الوزن؟!!