حمية (آتكينز) و شلاّل الأسئلة
” إن أكثر الكتب مبيعاً في أي مخزن للكتب هي كتب الطبخ
وكتب الحمية الغذائية.
كتب الطبخ تعلّمك كيف تصنع الطعام
وكتب الحمية تعلّمك كيف تتجنب تناوله “
آندرو روني ــ كاتب أمريكي
لا أبالغ إذا قلت إن مقال حمية Atkins الذي نشرناه في الصفحة الطبية للعدد الماضي أثار عدداً ضخماً من الأسئلة لم يثرها أي مقال طبي نشرناه في هذه الصحيفة. وكان محور الأسئلة كلها يتمثل في سؤال بسيط تتفرّع عنه فروع جديدة كل يوم: أصحيح أن الإنسان يمكن أن يأكل الشحوم واللحوم ويقوم بإنقاص وزنه؟
وكان جوابي على نفس المقدار من بساطة السؤال، وإن كان أقصر قليلاً، فهو يتلخص بكلمة واحدة : نعم!!
الشلاّل
وإذا كان جوابي ــ بحد ذاته ــ قصيراً ، فإنني كنت أقدم له بمقدمة بسيطة في كل مرة أتعرّض فيها لسؤال متعلّق بالموضوع، وهي أننا ــ إذا كنا نتكلّم عن هذه الحمية ــ فإن هذا لا يعني مطلقاً أننا نؤيّدها أو نعارضها. ولكن السبب الرئيس الذي دفعنا للكتابة عنها هو أننا لا يمكن أن نغفل هذه الحمية في سلسلة من المقالات التي خصصناها في هذه الصفحة في الفترة الأخيرة للتغذية وأنواع الحميات المختلفة. فما لا يعرفه الكثيرون هو أن حمية (الكربوهيدرات المنخفضة) المعروفة بحمية آتكينز هي أكثر الحميات (أو الريجيمات) شعبيّة اليوم في الولايات المتحدة الأمريكية. وربما ساعد على انتشارها (جنون تحديد الشحوم) الذي بدأ انتشاره في أمريكا منذ سنوات طويلة مما جعل الناس تتوق إلى حمية مختلفة يتمكن فيها الإنسان من تناول كميات كبيرة من الشحوم ويخفض وزنه في الوقت ذاته. ونضيف إلى ذلك شرحاً آخر، وهو أنه إذا كانت فكرة الحمية فكرة غريبة، فإن غرابتها قد ساعدت أيضاً بشكل ما على انتشارها ولو من باب الفضول لدى بعض الناس والذي عززته النتائج المذهلة التي حصل عليها معظمهم.
أسئلة
لقد ختمنا مقالنا الماضي بوعد يتلخص بأننا سنتحدث في المقال القادم ــ الذي بين يديك الآن ــ عن الانتقادات التي وجهت لهذه الحمية ورد الدكتور (آتكينز) عليها. فمن البدهي أن أي قارئ للمقال أو مطلع على هذه الحمية (الغريبة حقاً) ستكون لديه مجموعة من الأسئلة الطبيعية.
وربما كان أكثر الأسئلة شيوعاً بشأن الحمية هو ما طرحه الكثير من النا س، وهو: ألا يمكن أن يؤدي تناول الشحوم واللحوم إلى ارتفاع الكولسترول والشحوم في الدم وبالتالي حصول الأذية القلبية المتمثلة في الاحتشاء؟
ولقد كان رد الدكتور (آتكينز) هو أن جميع الدراسات التي أجريت في هذا المجال، تم إجراؤها مع وجود كميات عالية من الكربوهيدرات في الغذاء. أي أن الشحوم ترفع شحوم الدم وترفع الكولسترول طالما كان الإنسان يتناول كميات كبيرة من الكربوهيدرات، أما في حال خفض الكربوهيدرات بشكل واضح ومدروس فإنا لا تؤدي إلى ارتفاع الكولسترول. والحقيقة أن دراسة ً نشرتها Cleveland Clinic أثبتت هذا الكلام. فقد بينت الاختبارات (انخفاض الكولسترول) بشكل خفيف عند الذين اتبعوا حمية (آتكينز) ولم تبين ارتفاعه بعكس المتوقع. وهذا راجع ــ فيما يشرح آتكينز ــ إلى انخفاض الإنسولين في هذه الحمية، وهذا الهرمون هو (البنـّاء الأهم) للشحوم في الجسم.
والخضار والفواكه؟
والسؤال الآخر الذي طرحه الكثيرون يتلخص بما يلي: إننا جميعاً نعلم أن الخضار والفاكهة تحوي كميات كبيرة من الفيتامينات والأملاح المعدنية الضرورية للجسم. فكيف يمكن التخلي عنها من قبل متبع هذه الحمية دون الإصابة بالأمراض والمضاعفات. والجواب الذي كان يقدمه (آتكينز) هو أن تناول فيتامينات خاصة مصممة للتعويض عما يفقده الإنسان عند تخليه عن الخضار والفواكه هو جزء هام تماماً من الحمية، ويبدأ منذ اليوم الأوّل لها. وتشكل مضادات التأكسد جزءاً هاماً من هذه الفيتامينات. ويضاف إلى ذلك ما يدعى (الحموض الدسمة الأساس)Essential Fatty Acids وهي تساعد استقلاب الجسم كما أنها تساهم في تخفيف شهية الإنسان. علماً أن اتباع الحمية بحد ذاته يساعد على إنقاص الشهية حيث يلاحظ الذي يتبعها أن شهيته قد أصبحت أقل بكثير بعد أيّام أو أسابيع.
حمية صعبة
وقبل أن ينتهي الدكتور (آتكينز) من الإجابة عن السؤال السابق يلقي عليه منتقدوه سؤالاً آخر: إن اتباع هذه الحمية ــ بشهادة من اتبعها ــ هو أمر صعب جداً. فكيف يمكن للإنسان أن يتخلّى عن الخبز والفواكه والخضار والسكاكر والحلويات والشوكولا والكثير من المواد الطعامية التي أصبحت جزءاً لا يمكن الاستغناء عنه من الراتب الغذائي اليومي؟
وفي إجاباته عن هذا النوع من الأسئلة، لم ينكر الدكتور(أتكينز) يوماً الصعوبة الكبيرة في اتباع هذه الحمية، خصوصاً في البداية، حيث لا بد من الالتزام بــ 20 غراماً فقط من الكربوهيدرات يومياً. ولكن كان كثيراً ما يتبع إجابته بأن هذا الأمر يحصل في المرحلة الأولى فقط من الحمية ــ علماً بأن الحمية تتألف من أربع مراحل ــ وبالتالي فإن الإنسان قد يزيد هذه الكمية لاحقاً إلى ما قد يصل إلى 80 أو 90 غراماً في اليوم، وهذا العدد ليس قليلاً . أما عن الحرمان من بعض الأطعمة الهامة، فإن الشركات التجارية ــ وأولها شركة آتكينز للغذائيات ــ قد تكفلت بإنتاج مواد غذائية منوعة ذات كربوهيدرات منخفضة وهي تتراوح من الخبز إلى الحلويات إلى الشوكولا! وكلها مصممة بحيث تحوي كميات قليلة من الكربوهيدرات. وقد كانت هذه المواد الغذائية في البداية مقصورة على بعض المحلات المختصة ببيع الأطعمة الصحية، ولكنها اليوم منتشرة في جميع الأمكنة التي تبيع المواد الغذائية والتي راحت ــ كما ذكرنا في مقالنا الماضي ــ تتباهى بأن محتويات منتجاتها تحوي كميات قليلة من الكربوهيدرات.
قبلة الموت!
أما الميزة الأهم لحمية (آتكينز) والتي تعتبر شعارها الأوّل الذي لا غنى عن الالتزام به، فهي (الدقة). فبطبيعة الحال لا بد من التمرّس في عدّ محتويات أي طعام من المغذيات (الكربوهيدرات تحديداً) ليتم اتباع هذه الحمية. فعشرون غراماً من الكربوهيدرات هي كمية قليلة جداً، إذا علمنا أن متوسط الدخل الغذائي اليومي من هذه المواد هو 300 غراماً. ولا بد للإنسان الذي يتبع هذه الحمية من عد كمية الكربوهيدرات في كل طعام يتناوله. فأونزة واحدة من الجبن مثلاً تحوي 1 غرام من الكربوهيدرات. والبيضة الواحدة تحوي نصف غرام. وعلبة الكولا (الدايت) تحوي 1 غ. إضافةً إلى عدم تناول أية مادة حاوية على الكافئين مثل القهوة والشاي وغير ذلك. وربما كانت حمية (آتكينز) هي أقل الحميات مطلقاً تسامحاً مع الأخطاء. فلنفرض مثلاً أن شخصاً يتبع هذه الحمية بدقة بالغة ولكنه في المساء (عنّ على باله ) أن يتناول قطعة صغيرة من الحلوى … فإن هذا كفيل بتقويض كل جهوده التي بذلها طوال اليوم. إن هذا النوع من الأخطاء هو ما كان الدكتور (آتكينز) يطلق عليه اسم (قبلة الموت). فهذه الحمية ليست من الحميات (الكمية) فهي لا تحدد مطلقاً كمية الغذاء. بل هي حمية (نوعية) حيث أن الالتزام بنوعية الغذاء هو محور هذه الحمية وسداها ولحمتها.
وبعد
هذه هي حمية (آتكينز) …
كان لا بد من عرضها …..
وكان لا بد من الاستطراد بشأنها والإجابة على الأسئلة التي تطرح بشأن غرابتها … وربما تطرح الأسئلة والاستفسارات بشكل متكرر.. وربما تتم الإجابة عنها.. وقد تكون الإجابات مقنعة أو غير مقنعة. ولكن ّ هنالك حقيقتين لا شك فيهما. أولاهما هي أن هذه الحمية فعّالة… فعّالة حقاً … تثبت ذلك التجارب العلمية وشهادات من مارس الحمية. والحقيقة الأخرى هي أن هذه الحمية قد فرضت نفسها فعلاً وأصبحت أكثر الحميات شعبية في أمريكا والعالم على الرغم من أنها أكثرها إثارة للجدل. ولقد تطوّرت هذه الحمية بشكل كبير منذ أن قام الدكتور آتكينز بإصدار كتابه الشهير في بداية السبعينات، وأضيفت إليها مفاهيم جديدة. وبطبيعة الحال فإن كل الاستنتاجات بشأن الحمية محصورة خلال العقود الثلاثة التي تمت ممارستها خلالها، ويبقى الأمر مفتوحاً للنقد والتغيير والتطوير. إن أكثر انتصارات مؤيدي هذه الحمية دراماتيكية هي دعوة وزارة الزراعة الأمريكية أحد (دهاقنة) مؤسسة (آتكينز) لتقديم هرمه الغذائيّ المقلوب أمام لجنتها الغذائية. وكانت نتيجة هذا التقديم هي أن الوزارة قررت أن تقوم بدراسة هذا الهرم بجدية كاملة.
والسؤال المطروح هنا هو : هل تتبنى وزارة الزراعة هذا الهرم وتطلب من المستهلك الأمريكي أن يقوم بقلب هرمه؟ كل شيء وارد!!