رائحة الفم الكريهة…. كيف يتم التخلّص منها؟

في الطب هنالك بعض المشاكل التي تعتبر مشاكل سهلة وبسيطة بمعنى أن أسبابها واضحة وتشخيصها سهل ومعالجتها معروفة. هذه المشاكل لا تؤدّي إلى مشكلة حياتية للمريض ولا لمعضلة تشخيصية بالنسبة للطبيب. التهاب البلعوم مثلاً يعالج بالمضادات الحيوية ويشفى. والتهاب الأذن الوسطى يشخص من خلال فحص بسيط ويعالج بدورة من المضادات الحيوية أيضاً وتنتهي القصة هنا في معظم الأحيان. ولكن هنالك مشاكل تؤدي إلى مشكلة اجتماعية لدى المريض وتضع أحجية يصعب حلّها في كثير من الأحيان أمام الطبيب. وما أحببت أن أتكلّم عنه هو قضية تسألني عنها الكثير من الأمّهات، وأنا لم أكن أظن أنها بهذا الشيوع ، ولكن كثرة السؤال عنها من قبل العائلات جعلتني أعرف مدى أهميتها وانتشارها.

ما هو السبب؟

لنضع الأمر كما يلي: إن أكثر أسباب هذه المشكلة شيوعاً هو وجود أعداد كبيرة من الجراثيم في الفم ولا سيّما  على القسم الخلفي للسان. وفي هذه الحالة الشائعة كسبب فإن المطلوب هو بكل بساطة جدول بسيط ومكثف لتنظيف الأسنان من خلال الفرشاة والمعجون عدة مرات في اليوم وباستشارة طبيب الأسنان الذي قد ينصح بأنواع معيّنة من الفرشاة أو  المعجون أو غيرها. إن هذا السبب هو  الأهم كما توضح الدراسات، ومع ذلك فإن الكثير من الناس ــ وهذا أمر عجيب فعلاً ــ يبدؤون بالبحث والسؤال عن سبب رائحة الفم الكريهة لديهم ويسألون الأطباء وذوي الخبرة وكأنهم يبحثون عن أمر مجهول، بينما السبب الحقيقي لمشكلتهم بين أيديهم ولكنهم ليسوا راغبين باتباع التعليمات الصحية البسيطة بشأن صحة  الفم. ولذلك فإن النصيحة الأولى لمن يعاني من رائحة الفم الكريهة ــ وقبل أن يبدأ بالبحث والتمحيص ــ أن يقوم بتكثيف عملية تنظيف الأسنان لديه ، إطالة مدتها في كل مرة وزيادة عددها في اليوم وقد يقوم هذا بحل المشكلة تماماً.

أسباب أخرى

هنالك أسباب أخرى أقل شيوعاً لهذه المشكلة. فاتباع نظام غذائي لخفض الوزن قد يؤدي إلى نشوء هذه الحالة، وذلك لأن بعض الأنظمة الغذائية قد تعتمد على الإقلال من الخضار والفاكهة أو الإقلال من الحريرات أو إيقاف بعض المواد  الغذائية التي تساعد في تحسين رائحة الفم لدى الإنسان. وفي حال كون الشخص الذي يعاني من المشكلة يتبع حمية غذائية لخفض الوزن فعليه أن يعيد  النظر فيها ويتدارس مع طبيبه تفاصيلها التي قد تكون هي المسببة لهذه المشكلة. وفي حالات أخرى هنالك ما يدعى (التقطير خلف الأنفي) وهو عبارة عن سوائل تسيل من الجيوب الأنفية إلى القسم الخلفي من الأنف والبلعوم وهي ناجمة إما عن التهاب الجيوب المزمن أو التهاب الأنف التحسسي. إن هذه الظاهرة تشكل مشكلة حقيقية فيما يتعلّق برائحة  الفم الكريهة لأنها أمر مزمن لا بد من تناوله تشخيصياً وعلاجياً. وفي الحالات التحسسية فربما قام الطبيب بإعطاء بعض الأدوية إرذاذاً أنفياً وشراباً أو حبوباً فموية للتخفيف من التحسس في هذه المنطقة وهذا يعطي نتائج جيّدة، ولكن المشكلة في الأمراض التحسسية هي الإزمان حيث أن التوقف عن تناول الدواء يؤدي إلى عودة المشكلة من جديد. وكثيراً ما يستغرب بعض المصابين بالأمراض التحسسية أن الطبيب يصر على إعطائهم هذه الأدوية لأشهر متعاقبة وربما لسنوات، وليس سبب هذا أن الطبيب لديه هواية وصف الأدوية بقدر ما أن طبيعة مرضهم المزمنة تقتضي ذلك. وفي بعض الأحوال فقد يقوم طبيب الأمراض التحسسية بإجراء  اختبارات معيّنة تبحث عن المواد التي يتحسس لها المريض ويتم بعد ذلك تركيب حقن معيّنة تعطى مرة أو مرتين في الأسبوع ولفترة قد تطول لأشهر أو سنوات وبعدها كثيراً ما تتحسّن الأعراض لدى المريض.

مشاكل تنفسية

إن الالتهابات التي تصيب الجهاز التنفسي قد تؤدي إلى رائحة الفم الكريهة. وهي تشمل أية منطقة من الجهاز التنفسي ابتداءً من الأنف علوّاً إلى البلعوم إلى الرغامى إلى الرئتين. وإن كانت الالتهابات في الطريق التنفسي العلوي أشيع كسبب لهذه المشكلة.

مشاكل هضمية

إن الإمساك كثيراً ما يذكر كسبب لرائحة  الفم الكريهة، وإن أفضل المعالجات لهذه الظاهرة هي ــ كما نقول لمرضانا دائماً ــ إعطاء كميات كافية من الألياف، وفي حال عدم التمكن من إعطاء هذه الألياف بشكل طبيعي ، كما هو الوضع في الأطفال الذين يرفضون تناول كميات كافية من الخضار والفواكه، فيمكن إعطاء الألياف المستخلصة من مصادر طبيعية وهي موجودة في الأسواق على شكل مسحوق يتم حلّه في العصير أو على شكل حبوب يتم مضغها وغالباً ما تكون لذيذة المذاق لجذب الأطفال خصوصاً. إن الكميات المطلوبة من الألياف ليست واضحة تماماً ولذلك فإن على العائلة أن تعطي كميات من هذه الألياف تتزايد بشكل تدريجي إلى أن يصل الطفل أو المريض البالغ إلى الكمية الملائمة وعندها يتم الثبات على هذه الكمية. إن أكثر الأخطاء شيوعاً في هذه الحال هي أن يظن المريض أن الشفاء قد حصل وبالتالي فبإمكانه  التوقف عن تناول الألياف وهذا بطبيعة الحال سيؤدي إلى عودة الأعراض فوراً. إن الاستمرار في تناول الألياف هو أمر صحي وممارسة جيّدة وهو لا يؤدي إلى الإدمان أو  الاعتياد. ولكن تناول المليّنات هو الأمر الضار والذي يؤدي إلى مشاكل مزمنة في الجهاز الهضمي لدى المريض ومن الخطأ البالغ أن يقوم المريض بتناول المليّنات بشكل مستمر للتخلّص من الإمساك. ومن المشاكل الهضمية الأخرى ما يدعى (القلس المعدي المريئي) حيث تكون العضلة الحلقية بين المعدة و المري ضعيفة لا تستطيع أن تمنع عودة  المواد المعدية الحامضية والطعامية إلى المري، وبالتالي فإن هذا يؤدي إلى حصول رائحة الفم الكريهة الناجمة عن تخمر هذه المواد التي تتراكم في المري. إن معالجة هذه الحالة تعتمد على شدتها وطبيعتها ويقوم الطبيب بإعطاء بعض الأدوية التي تساعد في حل المشكلة. وفي الحالات الشديدة فقد يلجأ الطبيب إلى الجراحة، وهي أمر أصبح أقل شيوعاً اليوم مما كان عليه الأمر في الماضي.

روائح خاصة

عندما تذكر مشكلة رائحة الفم فلا بد من أن يذكر الداء السكري. والسبب ناجم عن مادة معيّنة يتم إنتاجها لدى  المصاب بالداء السكري تسمى الأسيتون. وهي تؤدي إلى رائحة خاصة تشبه رائحة الفاكهة. وعلى ذكر هذا الأمر فإن هنالك روائح خاصة تدل على أمراض معيّنة. فإذا كانت رائحة الفاكهة في النفس تدل على الداء السكري، فإن رائحة الأمونيا أو  البول تدل  على قصور في الكلية، ورائحة البيض  الفاسد تدل على تشمّع الكبد. وهذه الأمور تذكر كلاسيكياً في كتب الطب. ولا تنطبق بالضرورة على كل مريض.

ماذا نفعل؟

بعد كل هذه المناقشة والخوض في الأسباب والأمراض، فإن السؤال الواضح هو: ماذا نفعل حيال رائحة الفم الكريهة؟ إن الإجابة تختلف حسب السبب المؤدي إليها. فإذا كان الأمر بسيطاً وعابراً كإمساك عابر وتناول لمواد طعامية ذات رائحة غير حسنة، فيمكن شرب كأس من الماء وامتصاص حبة من الموادة المطيّبة لرائحة الفم والموجودة في الأسواق. أما إذا كان الأمر متعلّقاً بحالة مرضية من تلك التي ذكرناها ــ وهذا أمر يحدده الطبيب وليس الأصدقاء والجيران ــ فلا بد من معالجة لهذه الحالة. وهنالك نصائح عامة تساعد في أية حالة من حالات رائحة الفم الكريهة وهي تناول كميات كبيرة من الماء (حوالي 64 أونزة في اليوم للكبار) وهذا يساعد على حفظ الرطوبة في الفم. وكذلك التخفيف من تناول القهوة لأنها تجفف الفم. وأيضاً الإقلال من تناول الألبان والأجبان لأنها تغيّر درجة الحموضة في الفم وتؤدي إلى حصول الرائحة الكريهة. إن بعض الأدوية قد تؤدي إلى حصول هذه المشكلة من خلال إقلال إفراز اللعاب، ومنها مضادات الاكتئاب ومضادات الهيستامين والمدرّلت وخافضات الضغط الدموي. وفي حال كونها هي السبب فيمكن مناقشة هذا الأمر مع الطبيب لدراسة فيما إذا كان من المناسب تغييرها.

وأخيراً

إن مشكلة رائحة الفم الكريهة كثيراً ما تكون بسيطة وسهلة الحل، ولكن في حالات أخرى قد تكون أمراً شائكاً. وإن مقاربة هذه المشكلة بمساعدة طبيب خبير يساعدك على حلّها بالشكل الأمثل والأنسب.