رعب السالمونيلا!!!
لعلّها من المصادفات الغريبة أن يحلّ عيد الرعب (الهالوين) هذا العام مترافقاً مع رعب من نوع مختلف. حيث نقلت وكالات الأنباء عن السلطات الصحية الأمريكية نبأ حصول 172 حالة تسمم طعامي في 19 ولاية أمريكية . والتسمم هذه المرّة سببه جرثوم يدعى السالمونيلا. وبشكل نوعي أكثر فالسبب هو سلالة خاصة من هذا الجرثوم تدعى (سالمونيلا تايفيموريوم). نحن إذاً أمام رعب من نوع خاص ….. رعب السالمونيلا هذه المرة. وكالعادة في كل مرة يحصل فيها أمر مماثل، فإن الجو يصبح مشحوناً بالأسئلة المتعلّقة بهذا المرض الجرثومي الذي يسمع به الكثيرون للمرة الأولى.
ما هي السالمونيلا؟
ليست جراثيم السالمونيلاSalmonella، جديدة بأي مقياس. فهي قد تم اكتشافها من قبل عالم أمريكي يدعى Salmon منذ أكثر من مئة عام. ولا يدري أحد ماذا كان يدور برأس (سالمون) عندما أطلق على هذا النوع من الجراثيم اسمه الشخصي، فأصبح اسمها (سالمونيلا). وإذا كان الهدف من هذه التسمية هو أن يصبح اسم (سالمون) مشهوراً، فقد حصل. ولكنه للأسف ارتبط بذكريات لايمكن أن نقول عنها إنها طيّبة تماماً. فالسالمونيلا لها العديد من الأنواع. والنوع الذي نتكلّم عنه اليوم هو Salmonella Typhimorium وهو يختلف عن السلالة من السالمونيلا التي تسبب ما يدعى (التيفوئيد) أو الحمى التيفية، والتي لها حديث آخر.
إن التسمم المعوي بالسالمونيلا تايفيموريوم يحصل بعد تناول طعام ملوّث بهذه الجراثيم (أشيعها في أمريكا الدجاج، وإن كانت قد تنجم عن الحليب غير المبستر والطعام البحري أيضاً). وإن الطريق المؤدي إلى التلوّث والإصابة هو الطريق الفموي البرازي. أي أن المصاب يطرح هذه الجراثيم بالبراز، ثم يتم تلوّث الطعام بالمواد البرازية نتيجة لعدم اتباع قواعد النظافة وغسل اليدين، ثم يتناول شخص غير مصاب الطعام الملوّث فيصاب بالتسمم وذلك بعد فترة حضانة قصيرة تتراوح بين 12 إلى 72 ساعة.
وأهم الأعراض الحاصلة في حال الإصابة هي الإسهال والحرارة والألم البطني. وتستمر الأعراض من 4 إلى 7 أيام، ثم تزول. وفي غالب الأحوال لا يحتاج هذا المرض إلى معالجة نوعية عدا التعويض عن السوائل المفقودة بالإسهال بإعطاء السوائل الطبية الحاوية على الشوارد الملائمة. ولكن في حالات قليلة، فإن التسمم قد يصبح شديداً حيث تنتقل الجراثيم إلى المجرى الدموي ثم إلى مواقع أخرى في الجسم وتسبب مضاعفات خطرة قد تصل في حالات نادرة إلى الوفاة. وفي الحالات الشديدة فإن الأمر يحتاج إلى القبول إلى المستشفى وإعطاء المعالجات الخاصة التي تتضمن المضادات الحيوية والسوائل الوريدية لمنع اشتداد الأمر ولتجنب العواقب الوخيمة للمرض. وفي الواقع فإن اشتداد الحالات غالباً ما يحصل في ضعاف المناعة كالرضع والمسنين وأولئك الذين يتم إعطاؤهم أدوية مضعفة للمناعة.
التشخيص
يتم التشخيص بفحص براز المصاب بالمرض. فالإسهال والحرارة والألم البطني يمكن أن تنجم عن الإنتانات الفيروسية، كما أنها يمكن أن تحصل بسبب الجراثيم الأخرى غير السالمونيلا. وبالتالي فإن زرع البراز والبحث بشكل خاص عن السالمونيلا يقود للتشخيص. وبعد أن نعرف أن الجرثوم المسبب هو السالمونيلا، فإننا نقوم باختبارات إضافية لتحديد سلالة السالمونيلا بشكل نوعي. وتقول الإحصاءات إن 40000 إصابة بالسالمونيلا تحدث كل عام ويتم تشخيصها بشكل مثبت. ولكن حقيقة الأمر أن الرقم قد يكون أعلى بكثير، ولكن الكثير من الإصابات الحاصلة لا يتم التعرّف عليها لأنها تكون إصابات خفيفة لا تستدعي إجراء الفحوص المخبرية التي تؤدّي إلى التشخيص.
العلاج
كما ذكرنا سابقاً فإن أغلب حالات التسمم بالسالمونيلا هي محددة لذاتها، أي أنها تشفى دون علاج. ولكن في حال حصول التجفاف، فإن الأمر قد يقتضي القبول إلى المستشفى لإعطاء السوائل الوريدية، أي إعادة إماهة المريض. ولا يتطلّب الأمر استخدام المضادات الحيوية إلا في حال انتشار الجراثيم من الأمعاء إلى أعضاء أخرى. ونذكر هنا أنه ــ وللأسف ــ فإن بعض سلالات السالمونيلا أصبحت مقاومة اليوم للمضادات الحيوية بسبب إساءة استخدام المضادات الحيوية بهدف زيادة نمو الحيوانات التي تستخدم للطعام. وهذا يبيّن كم هي خاطئة هذه الممارسة.
المضاعفات
إن الإسهال الذي يعتبر العرض الأهم في الإصابة يشفى بشكل تام عادة، على الرغم من أنه قد تمضي شهور عديدة قبل أن تعود الأمعاء لوضعها الطبيعي لدى المصاب. ونذكر هنا أن عدداً قليلاً من المصابين بالسالمونيلا قد يعاني من أعراض لاحقة كالآلام المفصلية وتهيّج العينين أو ألم عند التبوّل. وهذه المشكلة هي عبارة عن متلازمة تسمى (داء رايتر). وهو قد يستمر لأشهر أو سنين، وربما قاد إلى التهاب المفاصل المزمن الذي يصعب علاجه. إن المعالجة بالصادات لا تمنع حصول التهاب المفاصل في المستقبل. بل إنها قد تؤدي إلى ازدياد حصول حالة حامل المرض الذي قد يعدي الآخرين لفترة طويلة.
العدوى
إن السالمونيلا تعيش في أمعاء البشر المصابين وكذلك في أمعاء بعض الحيوانات بما فيها الطيور. وهي تنتقل إلى البشر من خلال تناول اللحوم الملوّثة ببراز الحيوانات. وهذا يتضمن لحم البقر والدجاج والطيور عموماً إضافة إلى الحليب والبيض. ولكن علينا أن نتذكر أن أي نوع من الأطعمة ــ بما في ذلك الخضار ــ قد تتلوّث بهذا النوع من الجراثيم بشكل أو بآخر، وخصوصاً إذا كان التعامل معها في المزارع ومراكز التعبئة والتوزيع غير ملائم من وجهة النظر الصحية. وخصوصاً عدم اتباع الوصاية الصحية بغسل اليدين بالماء والصابون من قبل العاملين.
إن الطبخ الجيّد يؤدي إلى قتل جراثيم السالمونيلا، وهذا الأمر يجب أن يتذكره من يقوم بطبخ الطعام. حيث أن إنضاج اللحوم بشكل جيّد قد يجنّب العائلة المعاناة مع حالة مزعجة من التسمم التي قد تصيب جميع أفرادها.
نذكر أيضاً أن الحيوانات الأليفة كالكلاب قد تصاب أيضاً بهذا الجرثوم، ولعلّ الزواحف ــ التي تشيع تربيتها في أمريكا كحيوانات أليفة ــ و لا سيّما حيوانات (الإيغوانا)Iguana والسلاحف والأفاعي، تشتهر على وجه العموم بين الحيوانات الأليفة كناقل للسالمونيلا. وبالتالي يجب غسل اليدين بالماء والصابون بعناية بعد أي تماس مع هذه الحيوانات.
أبقٍ المرض بعيداً عن عائلتك!!
كثيراً ما يسأل الناس في حال حصول الأوبئة (أو مايشبه الأوبئة) فيما إذا كان هنالك لقاح لمنع حصول المرض، وللأسف فبالنسبة للسالمونيلا لا يوجد لقاح لمنع حصول الإنتان بها.
وبالتالي فإن الوقاية تتمثل ــ كما ذكرنا ــ باتباع طرق العناية الصحية المتمثلة بغسل اليدين بعد الخروج إلى الحمام وخصوصاً من قبل العاملين في المزارع والمطاعم وأماكن تعبئة وبيع اللحوم والخضار. ويضاف إلى ذلك القيام بالطبخ الجيّد للأطعمة للتخلّص من كل أثر باقٍ لهذه الجراثيم فيها. وتجنب تناول الحليب غير المبستر، والجبن غير المعقّم بشكل جيّد. كذلك فإن غسل الصحون والملاعق والشوك والسكاكين وجميع أدوات المطبخ هو أمر هام لأن بقاءها غير نظيفة قد يؤدي إلى تلوّث الطعام وحصول المرض. إن اتباع هذه التعليمات الصحية تؤدي إلى تجنب حصول المرض والمرور من هذه الأزمة دون أذى يصيب أي فرد من أفراد العائلة.