شحوم الدم … والكولسترول الصديق … والكولسترول العدوّ !!

 


 


شحوم الدم … والكولسترول الصديق … والكولسترول العدوّ !!


 


 


” الكولسترول هو أكثر الجزيئات حصولاً على الأوسمة والنياشين


 في عالم البيولوجيا. لقد تم إعطاء ثلاث عشرة جائزة نوبل لعلماء


متنوعي الاختصاص قاموا بتقديم جزء هام من عملهم لبحث


هذا الجزيء منذ تم عزله من حصيات المرارة عام 1784 “


 


مايكل براون  و جوزيف غولدستين


في خطاب بمناسبة حصولهما على جائزة نوبل في الفيزيولوجيا عام 1983


 


 


أمضينا الشهرين الماضيين تقريباً نتحدّث في هذه الصفحة الطبية عن الغذاء الصحي، وطرق تخفيض الوزن التقليدية والغريبة، ولكن سؤالاً وردني مشافهةً من أخ ٍ كريم جعلني أتنبه إلى ضرورة أن تتضمن هذه السلسلة من المقالات (الغذائية) حديثاً مخصصاً للكولسترول وشحوم الدم. وأعتقد أن هذا الأمر منطقيّ تماماً. فالهدف من خفض الوزن ليس هدفاً جماليّـاً فقط، وإنما هو هدف صحي أيضاً. ولعل من أهم الاهتمامات الصحية لعصرنا الحاضر ــ والتي تتم مراعاتها من خلال الغذاء الصحي ــ موضوع الكولسترول وشحوم الدم.


 


كلمة شهيرة


 


كلمة الكولسترول تتمتع بنجومية هائلة، ربما لا يتمتع بها حتى نجوم السينما! فهي على كل لسان، كما أنها تقرأ على الكثير من الوريقات التي تشرح المحتويات الغذائية للأطعمة التي تباع في الأسواق. كما أن الكثير من الأغذية التي يتم تسويقها على أنها (غذاء صحي) تتفاخر بأن محتواها من الكولسترول قليل أو معدوم. ولكن المشكلة تكمن في أن المعرفة العامة للناس عن الكولسترول لا تتعدى إدراك كونه مادة ضارّة يجب تجنبها. دون معرفة بتركيبها ووظائفها في الجسم والشؤون الأخرى التي لا بد من معرفتها. وربما كان السؤال الطبيعي الذي لا بد من الإجابة عنه أوّلاً  هو السؤال البسيط التالي: ما هو الكولسترول؟


 


الكولسترول


 


الكولسترول هو عبارة عن مادة شحمية شمعية القوام، يحتاجها الجسم من أجل أداء وظائف حيويّة هامة يأتي في طليعتها تركيب الخلايا الجديدة في الجسم. أي أن الكولسترول ليس مادة غريبة عن الجسم ولا هو مادة سامة مثلاً ، ولكنه مادة حيوية هامة وأساسية لوظائف الجسم. ولكن إذا قام الإنسان بتناول كميات كبيرة من الأطعمة الحاوية على الكولسترول أو مما يدعى(الشحوم المشبعة) أو كانت لديه حالة مرضية موروثة … فإن هذا سيؤدي إلى ارتفاع مستوى الكولسترول في الجسم.


 


وهذا الأمر يزيد خطر حصول تصلّب الشرايين (أو ما يدعى العصيدة الشريانية) وبالتالي فإنه قد يؤدي إلى اعتلال أوعية القلب ( الأوعية الإكليلية) وربما حصول الاحتشاء القلبي أو السكتة الدماغية. وللكولسترول مصدران … الأوّل هو ما يتناوله الإنسان من طعام، والثاني هو الكبد. وفي الحقيقة فإن الكبد ينتج 80% من الكولسترول الذي يحتاجه الجسم.


 


ارتفاع الكولسترول


 


إن تشخيص حالة ارتفاع الكولسترول يتم بطبيعة  من خلال فحص مخبري للدم. وإذا كان لا بد لنا من أن نتحدث بالأرقام، فإن من المرغوب به أن يكون مستوى الكولسترول في الدم أقل من 200 مليغرام في الديسيليتر. فإذا كان الرقم بين 200 و239 اعتبر المستوى (حديّـاً) أما إذا كان 240 فما فوق فإنه يعتبر عالياً.


 


 


 


الصديق والعدوّ


 


إن الكولسترول يتحرّك في الدم مرتبطاً إلى بعض أنواع من البروتينات. وإن المركب الناتج عن ارتباط الكولسترول إلى البروتين يسمى البروتين الشحمي Lipoprotein . وهذا الــ (ليبوبروتين) له ثلاثة أنواع  هي عالية الكثافةH.D.L. ومنخفضة الكثافةL.D.L. ومنخفضة الكثافة جداV.L.D.L.. إن النوع منخفض الكثافة يسمى الكولسترول السيء أو (العدوّ) لأنه يمكن أن يسبب انسداد الشرايين من خلال تراكمه فيها. أما عالي الكثافة فهو الكولسترول الطيّب أو (الصديق) لأنه يساعد على منع تراكم الكولسترول في بطانة الشرايين، لأنه يحمل الكولسترول الفائض في الدم وينقله إلى الكبد ليتم التخلّص منه هناك. وبالنسبة للناس المعرّضين للآفات الشريانية فقد يكون من المفيد رفع مستوى الكولسترول (الصديق) لأنه يساعد في منع الاحتشاءات القلبية  والسكتات الدماغية والمضاعفات الأخرى.


 


شحوم الدم


 


أما ما يعرف عند الناس بشحوم الدم أو الغليسريدات الثلاثية Triglycerides فهي نموذج آخر من الشحوم تحملها الليبوبروتينات ذات الكثافة المنخفضة جداً. وفي الإنسان الطبيعي فإن مستوى الشحوم الثلاثية في الدم هو قليل جداً لأنها تخزن في الأنسجة الشحمية. وإن ارتفاعها يزيد خطر الآفات الشريانية التي تحدثنا عنها سابقاً. وإن مستوى من الشحوم الثلاثية بين 150 و199 يعتبر مستوى (حديّاً) أما إذا تجاوز الرقم 200 فإنه يعتبر مرتفعاً.


 


 لماذا يرتفع الكولسترول؟


 


هنالك العديد من العوامل التي ترفع الكولسترول. بعضها يمكن التحكم بها وأخرى لا يمكن أن نتحكم بها.


 


 فأما النوع الأوّل فيشمل بعض الأمراض مثل الداء السكري ونقص نشاط الدرق والنظام الغذائي  غير الصحي وزيادة الوزن وعدم التمرين، ومن الواضح أن السيطرة على هذه العوامل تحسن الأمر.


 


 أما النوع الثاني والذي لا يمكن تغييره فيشمل حالات وراثية تسمى (اضطرابات الشحوم) وهي تحصل لدى بعض الأشخاص ذوي الاستعداد الوراثي، وهي تؤدي إلى ارتفاع شديد في مستوى الكولسترول.


 


 ولا بد  من أن نذكر هنا أن العمر والجنس لهما دور في مستوى الكولسترول. فبعد عمر 20 عاماً تبدأ مستويات الكولسترول بالارتفاع عموماً. وإن مستوى الكولسترول لدى الرجال أعلى منه في النساء، ولكن بعد عمر الخمسين فإن مستوى الكولسترول يتزايد لدى النساء أيضاً.


 


الداء الصامت


 


إن ارتفاع الكولسترول بحد ذاته هو مشكلة صامتة، أي أنه لا توجد أعراض خاصة بها بحد ذاتها. ونتيجة لهذه الحقيقة فإن كثيراً من الناس قد يجدون أنفسهم مصابين بارتفاع شديد في الكولسترول دون مقدمات مسبقة وكثيراً ما يتم اكتشاف هذا بعد اختبار دموي عابر. والمشكلة أن الأعراض في هذه الحالات تظهر بعد أن تظهر مضاعفات ارتفاع الكولسترول مثل العصيدة الشريانية (تصلب الشرايين) والسكتة الدماغية والاحتشاء القلبي. ولا يخفى أن لكل من هذه الأمراض أعراضه الخاصة والصارخة. ونذكر هنا أن بعض أشكال ارتفاع الكولسترول الموروثة مثل (ارتفاع كولسترول الدم العائلي) يمكن أن تسبب علامات يلاحظها الطبيب مثل (الأورام الصفراء) التي هي عبارة عن تراكم للكولسترول تحت الجلد.


 


كيف يمكن خفض الكولسترول؟


 


هنالك طريقتان رئيستان لخفض الكولسترول، أولاهما تغيير العادات الغذائية والحياتية والثانية هي تناول الأدوية. وغالباً ما يبدأ الطبيب بالطريقة الأولى التي تشمل تناول الغذاء الصحي منخفض الشحوم المشبعة وتخفيض الوزن والتمارين ومراعاة هرم الإرشاد الغذائي الذي تكلمنا عنه بإسهاب في مقال سابق. وفي حال عدم التمكن من الحصول على النتائج المطلوبة من خلال هذه الإجراءات فإن الطبيب قد يلجأ إلى وصف الأدوية.


 


 وهذه الأدوية ليست بديلاً عن تغيير العادات الغذائية والحياتية بل هي إضافة لها. والهدف منها هو خفض مستوى الكولسترول (العدوّ) ورفع مستوى الكولسترول (الصديق)، إضافة إلى خفض الغليسيريدات الثلاثية. إن المريض الذي لديه عوامل خطر متعددة لحصول داء الشرايين الإكليلية سيستفيد من الأدوية بشكل أكبر من المريض الذي ليست لديه هذه العوامل. وهذه العوامل تشمل ارتفاع ضغط الدم، والتدخين، والمستوى المنخفض من الكولسترول الصديق (عالي الكثافة) والداء السكري والقصة العائلية لأمراض القلب.


 


 


غيّر نظام حياتك!!


 


إذا كان المصاب بارتفاع الكولسترول يوصى من قبل طبيبه بتغيير نظام حياته من خلال زيادة التمارين وتناول الغذاء الصحي، فإن هذه التوصية تشمل في الحقيقة جميع الناس. فتناول الطعام الصحي ذي الشحوم المنخفضة وذي المكونات الغذائية المتوازنة، إضافةً إلى ممارسة التمارين بشكل منتظم هي أمور بالغة الأهمية بالنسبة لصحة أي إنسان. ومن خلال اتباعك لهذا النظام الصحي، فإن طبيبك سيذكر لك أن الشحوم ليست متساوية من حيث رفعها للكولسترول.


 


فهنالك العديد من الشحوم، وكل منها له أثر مختلف على مستويات الكولسترول. ويضاف إلى ذلك أن التمارين الرياضية تؤدي إلى رفع الكولسترول الصديق وخفض مستويات الكولسترول العدو والغليسريدات الثلاثية مما سيفيد صحة الجسم بشكل واضح. وإن خفض الوزن سيقوم أيضاً بخفض ارتفاع التوتر الشرياني ويساعد في الوقاية من احتشاءات العضلة القلبية والسكتات الدماغية. إن معظم الخبراء ينصحون بممارسة التمارين لمدة 30 ـ 45 دقيقة في اليوم لستة أيام في الأسبوع. وكذلك فإن التوقف عن التدخين سيساعدك في جهودك الرامية لتحسين الحالة الصحية وخفض الكولسترول.


 


وأخيراً


 


ربما كان موضوع الكولسترول والإجراءات الكفيلة بخفضه مثالاً على النظام الصحي الذي يجب على كل إنسان أن يتبعه سواء كان مريضاً أو يتمتع بصحة ممتازة. إن الأنظمة التي يوصي بها الطبيب لمريض الكولسترول من حيث النظام الغذائي والتمارين هي واجبة الاتباع من قبل جميع الناس للحصول على حياة مديدة سعيدة متوّجة بتاج الصحة الذهبي الثمين.


 


 

Close Menu