عندما يسقط الرياضيّون
يوم 1 أيلول 2006 كان يوماً حزيناً لجميع مشجعي الرياضة العرب، ففيه سقط مدافع منتخب مصر لكرة القدم الخلوق والماهر (محمد عبد الوهاب). قصة وفاته الحزينة هي نموذجية لحالة وفاة الرياضيين على أرض الملعب…. كان يشارك بتمارين ناديه الأهلي حيث كان يستعد لمباراة حاسمة. لم يكن على احتكاك بأي لاعب… مرّت أمامه كرة كان يفترض أن يركلها بقدمه… ولكنه لم يفعل…. سقط على الأرض مغشيّاً عليه…. ثم فارق الحياة… كان عمره 23 عاماً.
حوادث كثيرة
حادث (محمد عبد الوهاب) كان مأساوياً جداً… ولكنه ليس فريداً. فهذا اللاعب نفسه كان حزيناً في أيّامه الأخيرة على لاعب آخر اسمه (أحمد وحيد) يلعب لنادٍ مصري آخر هو (الترسانة) لاقى النهاية نفسها وكان (عبد الوهاب) يقول للمحيطين به إنه يشعر أن نهايته ستكون مماثلة لنهاية (أحمد)! كما أن هنالك قائمة كبيرة جداً من الرياضيين العالميين الذين حصل لهم الشيء نفسه.
القائمة
بدأت حكاية موت الرياضيين بالحصول على اهتمام واسع ــ إعلامي وشعبي ــ في عام 1990 عندما توفي لاعب كرة السلة الأمريكي (هانك غاذرزHank Gathers ) من فريق جامعة (لويولا) بعمر 23 سنة. سقط أرضاً خلال مبارة لفريقه مع فريق جامعة (كاليفورنيا ــ سانتا باربرا) ثم فارق الحياة. بعد وفاته وجد الطبيب الشرعي أنه كان مصاباً بما يدعى (اعتلال العضلة القلبية الضخامي Hypertrophic Cardiomyopathy) . ثم مات لاعب سلة آخر هو (رجي لويس Reggie Lewis) من بوسطن سلتيك عام 1993 ثم تتالت السلسلة الحزينة التي شملت لاعب كرة قدم هنغاري اسمه (ميكلوس فهر Miklos Feher) عام 2004 خلال لعبة في البرتغال. كما أن الحالة أخذت صدىً إعلامياً عالمياً في شهر آذار 2012 بعد سقوط لاعب كرة القدم (فابريس موامباFabrice Muamba ) في إنكلترا بسبب معاناته من توقف القلب أثناء مباراة متلفزة،ولكن لحسن الحظ تم إنقاذه.
والقائمة طويلة جداً بحيث أن الدكتور (باري مارون) من مؤسسة معهد أمراض القلب في (مينيابوليس) قام بجمع أسماء من توفي من الرياضيين بهذه الطريقة بين عامي 1985 و2010 فبلغ العدد 1900 حالة. وهدف الجمع ليس تأريخياً بطبيعة الحال ولكن هدفه استقرائي استنتاجي بحثاً عن الأسباب والإحصاء والوصول إلى طريقة وقائية تمنع تكرر هذه الحالات المأساوية.
ويبدو أن الأرقام على قائمة الدكتور (مارون) لا تحصي جميع المصابين. فحسب بعض الخبراء في هذا المجال ، تحصل وفاة كل ثلاثة أيّام عند طلاب المدارس الثانوية والإعدادية ناجمة عن توقف القلب أثناء الرياضة. والمشكلة كما تقول السيّدة (دارلا فارنتيDarla Valanti ) وهو المديرة التنفيذية لأحد برامج مؤسسة (Time ) التي أخذت على عاتقها إجراء استقصاءات لهذه الحالة ، أن الحالات كثيرة ولكن بعض الحالات فقط هي التي يتم التركيز عليها إعلامياً مما لا يعطي الجمهور فكرة كاملة وحقيقة عن الموقف.
لماذا يسقط الرياضيون؟
معظم حالات وفاة الرياضيين بالطريق المذكورة يكون سببها داء قلبي صامت (غير مُشخّص). وعلينا أن نعلم أن الكثير من الحالات القلبية لا يمكن تشخيصها بالفحص الروتيني. ولا بد من إجراء فحوص تشخيصية كالإيكو وتخطيط القلب، وهذه الفحوص لا تجرى روتينياً ولا بد من وجود أعراض. وهذه هي المشكلة الحقيقية. فإذا كان المريض لا يعاني من أعراض فهذا لا يلفت نظر الطبيب لإجراء فحوص دقيقة. وبالتالي فهذه الحالة مخادعة للطبيب والمريض معاً. وفي أمريكا وحدها تحدث كل عام حوالي 75 حادثة من هذا النوع عند الرياضيين بين عمر 14 و25 عاماً ومعظم الحالات تحصل أثناء التمارين أو بعدها مباشرةً.
كما أن الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال قد نشرت مقالاً مهمّاً في شهر آذار 2012 ذكرت فيه أن 2000 إنسان تحت عمر 25 عاماً يموتون كل عام في أمريكا بسبب التوقف القلبي المفاجئ.وأوضح المقال بأن الخطر أعلى بثلاث مرّات في الذين يمارسون الرياضة التنافسية منه في الذين يعتبرون قليلي النشاط.
الأسباب
لقد وجد العلماء من خلال دراسات عديدة أن أسباب وفاة الرياضيين دون عمر 35 سنة بالشكل المذكور تعزى إلى الأسباب التالية
1) اعتلال العضلة القلبية الضخامي Hypertrophic cardiomyopathy
وهو يمثّل 36% من الحالات
2) شذوذات الأوعية التاجية Coronary anomalies:
وهي تمثّل 17% من الحالات
3) التهاب العضلة القلبية Myocarditis
وهي تمثّل 6% من الحالات
4) حثل البطين الأيمن المسبب لاضطرابات النظم Arrhythmogenic Right Ventricular Dysplasia
وهو يمثل 4% من الحالات
5) تطاول (QT) وهو أحد شذوذات الكهرباء القلبية Long QT Syndrome
ويمثّل أيضاً 4% من الأسباب
6) ارتجاج القلب Commotio Cordis
وهو يمثّل 3% من الأسباب
ثم هنالك أسباب أخرى متعددة.
لماذا؟
إن بعض أمراض القلب تكون استجابتها سلبية للتمارين الرياضية بحيث أن التمرين يؤدّي إلى رجفان في القلب ثم توقف له. فيسقط اللاعب أرضاً ثم يموت خلال دقائق إن لم يتوفر الإسعاف القلبي المناسب.
شرح سريع
إذا أردنا أن نقدم شرحاً سريعاً للأسباب المذكورة أعلاه فإن اعتلال العضلة القلبية الضخامي هو حالة تكون فيها عضلة القلب أكبر حجماً مما يجب ولأسباب مجهولة وفي كثير من الأحيان يكون الموت المفاجئ بعد التمارين هو العرض الأوّل لها. أما شذوذات الأوعية التاجية فهي كون منشأ أو مسار الأوعية المغذية للعضلة القلبية غير طبيعي والعرض الرئيس لها هو الآلام القلبية. أما التهاب العضلة القلبية فيكون سببه فيروسياً وقد تشمل الأعراض الحمى وألم الصدر وضيق النفس. وأمّا حثل البطين الأيمن المذكور فهو وراثي يحل فيه النسيج الشحمي محل النسيج العضلي للبطين القلبي الأيمن. وبالنسبة لارتجاج القلب فهو ناجم عن رض مباشر على المنطقة القلبية للصدر، وتشيع هذه الرضوض في بعض الرياضات على وجه الخصوص كالكاراتيه والبيسبول، وهذا الرض يغيّر الدورة الكهربائية للقلب مما يؤدّي إلى رجفانه وتوقّفه عن العمل .
ماذا نستطيع أن نفعل؟
إن هذه الأرقام والسطور لا تعني شيئاً إذا لم يكن هنالك بالإمكان فعل شيء يخفف من حصول هذه الحالات المأساوية. والحقيقة أن أهم ما يمكن أن نفعله هو القيام بالفحص الطبي للرياضي قبل السماح له بممارسة الرياضة. وبطبيعة الحال فالطبيب يبحث عن كل المشاكل الصحية خلال هذا الفحص بما فيها المشاكل القلبية المذكورة. وفي حال تم تشخيصها لدى المريض فإنه قد يقوم بالمعالجة أو أنه يطلب من الشخص عدم ممارسة الرياضة حفاظاً على صحته وحياته. ويعاد هذه الفحص كل سنتين بالنسبة لرياضيي المدارس الثانوية وكل ثلاث سنوات بعد ذلك. ويقوم الطبيب خلال هذا الفحص بسؤال المريض عن أي ألم صدري أوتاريخ فقد للوعي أو صعوبة تنفس وأي تاريخ لارتفاع الضغط الدموي أو مشاكل قلبية، وكذلك يتم السؤال عن وجود أمراض قلبية في العائلة. وخلال هذا الفحص يقوم الطبيب بالإصغاء للقلب وقياس الضغط الدموي وفحص النبض والبحث عن أية مشاكل طبية.
إجراءات وقائية
في حال وجود بعض الأعراض لدى الرياضي كالألم الصدري وصعوبة التنفس والخفقان وفقدان الوعي، فلابد من إجراء فحوص دقيقة عند الأخصائي بالأمراض القلبية للبحث عن الأسباب الحقيقية وراء هذه الأعراض وإمكانية معالجتها دوائياً أو جراحياً.
وفي بعض الحالات ينصح الأطباء الأخصائيون بالأمراض الرياضية بإخضاع بعض الرياضيين المصابين بمشاكل محددة إلى برامج تدريب (تدريجية) تتناسب مع قدرة قلوبهم. كما أن اتباع بعض الإجراءات البسيطة جداً كإعطاء السوائل الكافية خلال التمارين قد يكون مفيداً جداً في منع الكثير من المشاكل التي يتعرّض لها الرياضي.
ويضاف إلى ذلك أمرٌ هام وهو تدريب جميع أفراد الطاقم الطبي الذي يحضر التدريبات ، وحتى أفراد الفريق الرياضي نفسه ، على إجراء الإنعاش القلبي للرياضي في حال سقوطه بالشكل المذكور. كما أن تزويد الفرق بالجهاز الكهربائي المزيل للرجفان القلبي قد يكون منقذاً للحياة.